مقدمة محرِّر السلسلة
هذا الكتاب هو جزءٌ من سلسلةٍ تُسمَّى «نقاط تحول في التاريخ القديم». كل كتاب في السلسلة يتناول حدثًا مهمًّا أو لحظة حاسمة في العالم القديم. هذه النقاط، التي دائمًا ما اتَّسمت بالاضطراب وكثيرًا بدرامية وقائعها، كانت نقاطًا اتخذ فيها التاريخ منحًى جديدًا. وهي لحظات ذات أهمية، سواء كانت ذات شهرة أو منسية. وينصبُّ تركيزنا على أسبابها وكيفيتها، فضلًا عن توقيتها الزمني. مؤلِّفو السلسلة هم علماء على دراية بكيفية سرد قصة؛ ورواة يَمتلكون في جَعْبتهم أحدث الأبحاث.
تعكس سلسلة «نقاط تحول في التاريخ القديم» اتجاهات واسعة النطاق في دراسة العالم القديم. يَدْمِج كل كتابٍ علم الآثار القديمة مع النصوص الكلاسيكية؛ أو بعبارة أخرى، يمزج بين الأدلة المادية والثقافة الأدبية. وتتناول الكتب حياة النخبة إلى جانب تناولها لحياة العامة من الناس. ولا تحصر السلسلة نفسها في تناول العالم اليوناني الروماني الذي يشكل، مع ذلك، صُلبها بالتأكيد. فنحن نفحص، إلى جانب شعبي اليونان وروما الجارَّين، الشعوب غير اليونانية ولا الرومانية التي عاشت على أرضٍ احتلَّها اليونان والرومان، وحضارات وشعوب العالم القديم الأوسع، في الشرق وكذلك الغرب.
يعد وقتنا الحالي وقتًا رائعًا لاستكشاف التاريخ القديم. فنحن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، ندرك أن فهم الماضي القديم يعتبر أساسيًّا لفهمنا للحاضر، كما أنه أمر جذاب في حد ذاته.
كان لأحداث قليلة تأثيرٌ على تطور العالم القديم يفوق تأثير حدث انتهاء العصر البرونزي. كان ذلك هو الوقت الذي انهارت فيه الممالك ودويلات المدن العظيمة التي كانت موجودة فيما قبل التاريخ. وخلَّفَت وراءها أبنية أثرية مذهلة كالأهرامات، وحكايات نتذكَّرها بصعوبة مثل الحكايات التي انتهى الأمر إلى إعادة صياغتها في هيئة قصة حرب طروادة البطولية. لأولئك الذين عاشوا فترة انتهاء العصر البرونزي، بدت الفاجعة وكأنها نهاية العالم. ومع ذلك فإن نهاية دول العصر البرونزي العظيمة الهائلة الحدود فتحت الباب على مصراعيه أمام ظهور عالم جديد على نطاق أكثر إنسانية، وهو عالم الألفية الأولى قبل الميلاد، العالم الذي ما زلنا نعيش فيه إلى يومنا هذا.
يبدأ كتاب «١١٧٧ق.م: عام انهيار الحضارة» بحدثِ غزو شعوبِ البحر لمصر سنة ١١٧٧ وينتقل من تلك النقطة إلى أماكن أخرى وسنوات سابقة. فيأخذنا إلى العصر البرونزي المتأخِّر في الأيام المجيدة للقرن الخامس عشر قبل الميلاد، ويَستعرض مجموعة مختلفة من الحضارات من بلاد الرافدين إلى اليونان، ومن إسرائيل إلى الحيثيين. وبعد ذلك ينطلق عبر القرون إلى الطرائق، والشخصيات، والأحداث التي قوَّضَت عالَمًا. ثمة براعة في تحري الأدلة تظهر في سائر الكتاب. وتتَّسم التفاصيل المعروضة بالضخامة كما في التفاصيل الواردة عن خراب مدينة الميناء السورية أوغاريت حوالي ١١٩٠ق.م، وبالتعمُّق كما في ذكر تفصيلة تصوير جمجمة الملك توت عنخ آمون باستخدام الأشعة المقطعية والعَدوى التي أصابته، بعد كسر ساقه، والتي من المحتمَل أن تكون هي ما أدَّت إلى وفاته.
يستكشف إريك كلاين، بجرأة وذكاء وحسٍّ درامي، الأصداء ما بين العصر البرونزي المتأخر وزمننا، بدءًا من أزمة اقتصادية وتغير مُناخي إلى حرب في الشرق الأوسط. قد لا يكون عام ١١٧٧ق.م معروفًا للكثير من الناس، لكنه يستحق أن يكون كذلك.