عود عبد الله
أَما عبد الله فما صدق أن فرغ أبو سفيان من حديثهِ وخرج حتى خرج هو معهُ فلما إلتقيا في صحن الدار سلما وكان أبو سفيان لا يذكر وجه عبد الله ولكن عبد الله رآه بمكة في بعض السنين على أنهما تعارفا وتصافحا حالًا لما بينهما من رابطة اللغة في أرض قلَّ فيها العرب فسأَلهُ أبو سفيان عن مسيره أو إقامتهِ فقال: «إني مسافر إلى عمان.» فقال أبو سفيان: «لكن في طريقك إليها أودية وعقبات فهل أنت معتاد السفر فيها.»
قال: «قد سرت إليها من غير هذه الطريق منذ بضعة أعوام.»
فقال أبو سفيان: «أَما وقد تعارفنا وترابطنا فلنسر معًا لأننا عازمون على الحجاز وقد يسهل علينا المرور بعمان فإذا أقمت هناك ودعناك وسرنا في سبيلنا ولكن قافلتنا لا تزال في غزة وفيها جمالنا وأثقالنا وخيولنا فلنقم هنا يومًا أو يومين ريثما نستقدم القافلة ونسير جميعًا.»
قال عبد الله: «حسنًا تفعل فها أني ذاهب لوداع الحارث ثم أقضى بعض المهام ونلتقي الليلة في الساحة بقرب الكنيسة.»
قال أبو سفيان: «نعمَّ الرأي رأَيت.»
وافترقا فعاد عبد الله إلى القاعة وكانت الجلسة قد أرفضت فإلتقى بالحارث خارجًا يبحث عنهُ فلما لقيهُ سأَلهُ الحارث عن غيابهِ فإعتذر بأنهُ كان في شاغل.
فقال لهُ: «هل تسير إلى بصرى فتكون بمعيتي.»
فتحير عبد الله بماذا يجيبهُ وخاف إذا أبى الذهاب معهُ أن يحمل ذلك محملًا سيئًا وهو بالحقيقة لا يريد الذهاب إلى بصرى قبل أن يلتقي بحماد وخاف أن يخبره عن عزمهِ على عمان مع أبي سفيان لئلاَّ يستغشهُ فوقع في حيرة ولكنهُ أثنى على تلطفهِ في استصحابهِ وشكر عنايتهُ في إنقاذه وقال لهُ: «إن مجيئي إلى بيت المقدس قد حبب إليَّ الإقامة فيها مدة قبل أن أسير إلى بصرى على أني حيثما كنت إنما أكون في ظل حمايتكم وحماية مولانا الإمبراطور.»
فوافقهُ على ذلك وسلم إليه كتاب الأمان وودعه فسار عبد الله حتى التقى بأبي سفيان فقضيا بضعة أيام في القدس حتى جاءَت القافلة فتهيأوا للسفر وكانت القافلة تنتظرهم خارج المدينة وفى صباح اليوم الثالث أُعدت الخيول لركوب أبي سفيان وحاشيتهِ.
فقال أبو سفيان لعبد الله: «هل عندك جواد لركوبك.»
قال: «كلاَّ لأني تركت فرسي في بصرى.»
فأَمر أن يعطى لهُ فرس من أفراس حاشيتهِ وقال لهُ: «اركب هذا الجواد الآن فإذا وصلنا القافلة أعطيناك فرسًا يليق بك.»