غزوة مؤْتة
ولو كان عبد الله ممن لم يتعودوا الأخطار لاستعظم الأمر كثيرًا ولكنهُ لعلمهِ ببراءَتهِ صبر نفسهُ حتى يتمكن من إظهار حقيقة حالهِ على أنهُ ما زال في ريب من أمر هذا الجيش ومجيئهِ من الحجاز إلى الشام فأحب الإطلاع على مهمتهِ حتى يعرف كيف يخلص نفسهُ فلما وصل الخيمة جاءَه بعض الخفر وأخذ يسأَلهُ عن أبي سفيان وكيف لقيهُ وأين فارقهُ فاغتنم تلك الفرصة فقال للرجل: «إلى أين تقصدون بهذا الجند.»
قال: «نقصد مشارف الشام لحرب الروم.»
قال: «وما الذي دعاكم إلى حربهم.»
قال: «دعانا إلى حربهم ما رأيناه من وقاحتهم.»
فقال: «وما أوجب ذلك وأنتم من قريش على ما يظهر ومقامكم في الحجاز وليس بينكم وبينهم علاقة.»
فقال: «أن نبينا محمدًا الذي أرسلهُ الله نذيرًا للناس كافة أنذرهم بكتاب يدعوهم فيه إلى الإسلام فما وصل الكتاب إلى الغسَّانى أمير العرب المتنصرة حتى مزقهُ وقتل رسولنا فاشتد الأمر على نبينا فبعث مولاه زيد بن حارثة في هذا الجند لقتال الروم.»
فقال عبد الله: «قد رأَيت رسولكم إلى هرقل بمثل هذا الكتاب فلم يفعل بهِ مثل ذلك.»
قال: «ذلك كتاب غير الذي ذكرتهُ لك أرسلهُ قبلهُ أَما قولك أن هرقل لم يفعل مثل فعل الغسَّاني فلأَنهُ هاب ملكنا وأما الغسَّاني فقد غرَّهُ جهلهُ وسوف يلقى منا ما لقيهُ عرب الحجاز واليمن ممن أَبوا الإسلام.»
فقال عبد الله: «ومن هو الأمير الجالس في صدر الخيمة ومن هم الأمراء الذين حولهُ.»
قال: «هو زيد بن حارثة مولى رسول الله أَما الأمراء الآخرون فالجالس منهم عن يمينهِ هو جعفر بن أبى طالب ابن عمّ نبينا والجالس عن يساره عبد الله بن رواحة وقد أوصى لهما بالإمارة على هذا الجيش لكل منهما عند الحاجة وقد أمرنا نبينا أن نأتي المكان الذي قتل فيه رسولنا وهي قرية يقال لها مؤتة فندعوا أهلهُ إلى الإسلام فإن أبوا قاتلناهم حتى نفنيهم عن آخرهم أو يحكم الله بيننا وبينهم.»
فأدرك عبد الله سرَّ الأمر. فقال للرجل: «وما الذي جنيتهُ أنا حتى سقتموني أسيرًا وما أنا من الروم ولا من غسَّان.»
قال: «لا أظن عليك بأسًا من هذا الأمر ولو لم تتظاهر بصداقتك لأبى سفيان لكان ذنبك خفيفًا ولكنك ستبقى في أسرنا لعلنا نحتاج إليك في أَثناء الحرب.»
فسكت عبد الله وقد هان عليهِ ما خافهُ ولبث ينتظر ما يأتي بهِ القدر ولكنهُ ما لبث أن هدأَ روعه من قبيل الخطر عليهِ حتى عاد إلى هواجسهِ بشأن حماد وكلما ترجح لهُ موتهُ تمنى أن يقتل فيلحق بهِ.
وبعد يومين من دخولهِ في الأسر تهيأَت تلك الحملة للمسير إلى مؤتة فلنتركهم في طريقهم ولنعد إلى حماد وما تمَّ لهُ مع سلمان.