منادي دير نجران
ففيما هي ذات يوم جالسة في غرفتها تفكر في أمره سمعت مناديًا بجوار القصر يقول: «من نذر نذرًا لنجران المبارك.» فأطلت من النافذة فرأَت فارسًا متزملًا بعباءَة وعلى رأَسهِ قلنسوة الرهبان وفى يده صليب من الفضة فعلمت أنهُ منادي دير بحيراء يطوف البلاد والقرى يجمع النذور على جاري عادتهِ في كل عام.
فلما سمعت اسم ذلك الدير هاجت عواطفها وتذكرت حبيبها وما دار بينها وبينهُ هناك فتوسمت في ذلك المنادي خيرًا لعلمها أنهُ كثير التجوال فأحبت محادثتهُ لعلها تستطلع منهُ خبرًا سمعهُ عن حماد أثناء تجوالهِ فأمرت بعض الخدم أن يستقدمهُ ففعل فتحوَّل الرجل ودخل القصر حاملًا خرجًا فجاء بهِ إلى هند فحياها تحية الملوك وناولها الصليب فقبلتهُ وقبلت يده وقدمت لهُ وسادة جلس عليها ووضع الخرج إلى جانبهِ.
وكانت أمها في شاغل ببعض مهام القصر وليس في الغرفة سوى هند فتأَملت وجه الرجل فإذا هو غير الراهب الذي كان يمرُّ بهم عادة فخافت أن يكون قد جاءَ بحيلة للسرقة أو نحوها فسأَلتهُ إذا كان يريد الذهاب إلى قاعة الطعام فأثنى على كرم الغسَّانيين واعتذر بأنهُ لا يحتاج إلى طعام.
فقالت: «من أين أتيت يا حضرة الأب.»
قال: «أتيت من تجوالي في جهات البلقاء أجمع النذور.»
فقالت: «هل جمعت شيئًا كثيرًا.»
قال: «نعم يا سيدتي أن المسيحيين في هذا العام أكثروا من النذور حتى ملأَّت خرجي هذا من خيراتهم.» وتناول الخرج بيده وهزهُ فسمعت لهُ صوتًا يشبه صليل الحديد.
فقالت: «ما هي أنواع النذور التي جمعتها هذا العام أني أسمع لها صليلًا.»
قال: «أن في خرجي هذا نذورًا كثيرة لم يدخل دير بحيراء مثلها منذ عمر حتى العام.» قال ذلك وتبسم فارتابت هند بقولهِ وأدركت أن وراء تبسمهِ معنى خفيًّا.
فقالت: «وكيف تأتى لك ذلك والنذور تحمل إلى هذا الدير ذهبًا وفضة وحجارة كريمة من اقاصي البلاد.»
قال: «لم اخرج لهذه المهمة إلا في هذا العام فجئت بالعجائب الغرائب.»
فرأَت في كلامهِ لهجة غريبة فلم تستغرب ذلك لعلمها أن الرهبان في دير بحيراء أخلاط من أمم كثيرة ولغاتٍ شتى ولكنها ازدادت شبهه في مغزى كلامهِ.
فقالت: «وما هي الغرائب التي اتفقت لك دون سواك.»
قال: «جئت الدير بنذر لم يسق لهُ مثيل لا لغلاء ثمنهِ بل لغرابتهِ.» قال ذلك وحلَّ رباط الخرج ومد يده إليه وحاول إخراج ما فيهِ فسمعت صليلًا كصليل الدرع فتذكرت درع حماد فاختلجِ قلبها في صدرها وعلا وجهها الاحمرار فقالت: «هات ما عندك.» فاستخرج يده وفيها قطعة من درع لم يقع نظر هند عليها حتى امتقع لونها وغلبت عليها البغتة لما آنست من المشابهة بينها وبين درع حماد فتناولتها وتأملتها فإذا هي هي بعينها فإلتفتت إلى الراهب فرأَتهُ يتغافل عنها ولكنها قرأَت على وجههِ سرًا يحاول إخفاءه والابتسام يكاد يظهره فابتدرتهُ قائلة: «من أين أتتك هذه الدرع ومن الذي أعطاكها.»
قال: «أعطانيها صاحبها.»
فقالت: «هل تعرف مكانهُ فإنها مسروقة من عندنا.»
فإلتفت إليها قائلًا: «لا أظن صاحبها سارقًا بل هو رجل أمين وقد ابتاعها بثمن غالٍ جدًّا.»
فقالت: «ربما كان ذلك كما تقول ولكنني اعلم أن هذه الدرع كانت عندنا فلابدَّ لي من رؤية الذي أعطاكها فهل هو قريب من هذا المكان.»
قال: «هو قريب جدًا وإذا صدق ظني فهو في اقرب مكان منك وأنت تعلمين انهُ ليس سارقًا.»
فأدركت انهُ يلغز بحماد وانهُ عالم بشيء مما بينهما فتجاهلت ولكن الحياء والبغتة غلبا عليها فقالت: «ما تعنى بهذا الكلام أَراك تقول جزافًا.»
قال: «كلاَّ يا سيدتي أني أتكلم عن ثقة ولكنك تتجاهلين والحقيقة ظاهرة على وجهك.»
فتحققت عند ذلك انهُ رسول من حماد ولكن سوء الظن سبق إلى ذهنها مخافة أن يكون قادمًا بدسيسة من ثعلبة فتجاهلت أيضًا وقالت: «أراك تقول كلامًا لا افهمهُ أو لعلك مخطئ في ظنك.»
قال: «لست مخطئًا لأني أتكلم عن ثقة وان شككت بمقالي سلي الأساور تصدقك الخبر.»
فقالت: «وأي الأساور تعني.»
قال: «الأساور التي بيعت هذه الدرع بها وإذا بالغت في التجاهل جئتك بتاجر الحلي عينهِ.»
فأيقنت عند ذلك انهُ رسول حماد إليها وحدثتها نفسها أن تسأَلهُ عنهُ صريحًا ولكنها تجلدت ريثما تخبر والدتها بذلك فنهضت للحال ولم تفه بكلمة وسارت إلى غرفة والدتها وخلت بها وأخبرتها بما كان فقالت والدتها: «أخشى أن يكون الرجل جاسوسًا من ثعلبة فلا تبوحي لهُ بشيءٍ قبل أن نتحقق رسالتهُ.»
فجاءَت سعدى وهند تتبعها فلما دنت من الراهب وقف لها وحياها فتظاهرت بالجفاءِ قائلة: «ألعلك قادم من دير بحيراء الآن.»
قال: «كلا يا سيدتي بل أنا آت من البلقاءِ.»
قالت: «أرني الدرع.» فأراها إياها فتحققت أنها الدرع التي نالها حماد جائزة سبقهِ يوم السباق فتناولتها من يده وقالت لهُ: «أن هذه الدرع مأخوذة من عندنا ولعلها مسروقة فهل تعرف الذي أعطاك إياها.»
فتبسم الراهب تبسمًا يمازحه ريب وقال: «أظنني اعرفهُ.»
فقالت: «وأين تركتهُ.»
قال: «تركتهُ في بعض قرى البلقاء على بضع ساعات من هذا القصر.»
قالت: «هل هو مقيم هناك أم راحل.»
قال: «هو مقيم ينتظر عودتي.»
قالت (وقد استغربت ذلك): «وماذا يتوقع من رجوعك وأنت تقول انهُ دفع إليك هذه الدرع نذرًا نذره إلى الدير فما معنى رجوعك إليه أني أَرى في كلامك تناقضًا.»
قال: «لا مناقضة في ما أقول لان صاحب هذه الدرع شرط في نذره أنها لا يكون نذرًا إلا بعد أن أعود إليه بخبر عن أمر يهمهُ.» قال ذلك وهو ينظر إلى هند بطرف عينهِ كأَنهُ ينتظر إشارة منها فآنس في وجهها إشراقًا فتبسم وأومأ بجفنيهِ نحو والدتها كأَنهُ يقول لها هل أبوح بالسر أمامها.
فتحققت هند أن الرجل مرسل من حماد إليها ولكنها تجلدت ولم تجبهُ.
فجلس والدرع في يده ينتظر ما تأمر به هند.
أما هي فأَومأَت إلى والدتها وخرجتا معًا وتركتا الراهب في الغرفة فلما خلتا قالت هند وقلبها يرقص فرحًا: «لا ريب عندي يا أماه أن الرجل رسول من حماد ويظهر من أساليب كلامهِ انهُ آت ببشرى خير ولكنهُ لم يتجرأ على التصريح بذلك أمامك لظنهِ انك لا تعلمين بما بيني وبين حماد ولا ريب عندي بإخلاصه فاسمحي لي بمخاطبتهِ صريحًا فنسمع منهُ الخبر الصحيح» فأجابتها والدتها إلى ما أرادت فجلستا في غرفة منفردة وأرسلتا إلى الراهب فجاءَهما والخرج على ذراعه فلما جلس قالت لهُ سعدى: «عزمت عليك أن تخبرنا بحقيقة حالك ومن هو صاحب هذه الدرع وكان لعزمة الأمراء عند العرب حق أن تطاع.» فنظر الراهب إلى هند كأَنهُ يستشيرها في الجواب فقالت لهُ: «قل ولا تخف.»
فمد يده إلى الخرج واستخرج الخوذة وقال: «إذا كنتِ لا تعلمين الذي ألبسته هذه الخوذة بيدك فمن العبث أن أخبرك عنهُ.»
فخفق قلب هند وعلا وجهها الاحمرار وقالت: «نعم نعرفهُ فقل أنت ما اسمهُ.» قال: «اسمهُ حماد يا سيدتي.» فأبرقت اسرة الفتاة أي إبراق ولولا حجاب التعقل والرزانة لرقصت طربًا لذكره ولكنها أمسكت نفسها فاكتفى الرجل بما قرأَه في عينيها من آيات البشر فشاركها في ذلك وانتظر جوابها.
فقالت لهُ: «صدقت هو حماد فأين هو الآن.»
قال: «هو في خلوة لا يجسر على القدوم إلى هذه الديار لأسباب لا يجهلها عامة غسَّان فضلًا عن خاصتهم.»
فقالت سعدى: «قل لنا إذن من أنت فإني لا أظنك راهبًا.» فرفع القلنسوة عن رأسهِ وقال: «لا أظنكما تعرفانني ولكنني أعرفكما بنفسي فإني عبدكما سلمان خادم سيدي الأمير حماد.»
فاستأنستا بهِ كثيرًا وأخذت هند تسأَلهُ عن حال حماد وما مرَّ بهِ فقص عليها الخبر منذ خروجهما فرارً من غسَّان إلى أن نجوَا من الأسد وسارا إلى عمان وعادا منها إلى أن قال: «وقد جئت متنكرًا بهذا اللباس وتركت سيدي حمادًا في بعض القرى في قلق شديد على والده وفي شوق ولهفة لمولاتي.» (وأشار إلى هند).
فقالت سعدى: «ألم يبلغكما خبر سيدك الأمير عبد الله بعد.»
قال(وقد حملق عينيهِ ومال بكليتهِ لاستماع خبره): «كلاَّ يا سيدتي فما هو خبره.»
قالت: «قد علمنا أن الإمبراطور هرقل عفا عنهُ وأمر بصرفهِ مصحوبًا بكتاب الأمان.» فانبسط وجه سلمان عند سماعه الخبر وود لو يكون طيرًا فيسرع إلى حماد يبشره بذلك ولكنهُ استشار سعدى في الأمر فقالت: «أرى أن تسرع إلى مولاك بالخبر وطمئنهُ عن هند وقل لهُ أن والدتها تهديك السلام ولكن احذر أن يعلم احد في الأرض انك جئت هذا المكان أو نطقت بهذا الكلام فليبحث هو عن والده وستتصل الأخبار بيننا عند الحاجة على مقتضى الأحوال وليكن هو مطمئن البال والأيام بيننا.» وكانت هند تسمع كلام والدتها فلا تبدي ملاحظة ولم تكتف بهذه المواعيد البعيدة بل كانت تود أن تضرب أَجلًا للقاءِ ولكن الحشمة أمسكتها عن الكلام. أما سلمان فسرَّ كثيرًا لما آنسهُ في سعدى من الرضاء عن حماد ولكنهُ رأى قولها مختصرًا مقتضبًا لا يشفى غليلًا على انهُ اقتنع بما لقيهُ وما سمعهُ فلبس قلنسوتهُ وودعهما وخرج إلى فرسهِ وسار قاصدًا حمادًا. أما سعدى فلما تحققت بقاء حماد حيًّا ورأَت هندًا قد انتعشت قواها وزال امتقاع لونها الذي كان السبب الأول في تحريك حنوها حتى سايرتها في ما دار بينهما بشأن حماد مع ما كانت تظنهُ من موتهِ أو انقطاع خبره فلما تحققت بقاؤُه تمثل لها الأمر مجسمًا وندمت على ما فرط منها من مجاراة هند بشأَن حبها حمادًا على غموض حسبهِ مع ما تخشاه من إيقاظ الفتنة بين زوجها والحارث إذا منعت ثعلبة من ابنتها ثم تذكرت غدر ثعلبة وكره هند لهُ فصوبت ردها طلبهُ ولكنها أحست بصعوبة ذلك فلبثت برهة صامتة تفكر في الأمر وهند تتأَمل في ملامح وجهها وتنتظر ما يبدو منها فلما طال سكوتها توسمت فيها التردد فانقبضت نفسها وعادت هواجسها إليها فتركت والدتها وسارت إلى غرفتها وألقت نفسها على السرير حزينة لتراجع في ذهنها حكاية سلمان وما قالت والدتها لهُ فلم ترَ في قولها ما يشفى غليلًا فأحست أن والدتها إنما كانت تسايرها ظاهرًا فعظم عليها الأمر.
وفيما هند في ذلك جاءَت والدتها وكانت لا تزال منقبضة النفس فرأَت الدموع تتلألأ في عيني ابنتها فهاج حنُّوها ونسيت هواجسها ودنت منها وهي تبتسم وأَخفت ما في نفسها وهند تنظر إلى وجهها لعلها تستطلع شيئًا جديدًا فلما رأَتها تبتسم اطمأَن بالها ولكنها أدركت أنها إنما فعلت ذلك حنوًّا فعمدت إلى إثارة شفقتها إلتماسًا لمساعدتها فتظاهرت بالغضب دلالًا وتيهًا وأطرقت هنيهة لا تتكلم.
فقالت سعدى: «مالي أَرى الهواجس قد عادت إليك أَلم يكفيك ما سمعتهِ عن حماد؟» فلم تجب.
فازدادت سعدى حنوًّا والفت يدها على كتف ابنتها وقالت لها: «ما بالك ساكتة يا هند ألم تشكري الله على أنعامه.»
قالت: «شكرتهُ كثيرًا ولكنني أراه لم يأذن بانقضاء زمن تعاستي لأني لم أكد اسمع ما سرني حتى رأَيت ما كدرني.»
قالت: «وما الذي يكدرك بعد ذلك.»
قالت: «يكدرني أن أرى حبل المساعدة كاد ينقطع.»
قالت: «وماذا تعنين بذلك.»
قالت: «أعنى ما أَقرأه على وجهك من آيات التردد ولا لوم عليك فقد عاملتني بما استحقهُ.» قالت ذلك وقد وقفت تتشاغل بحل ضفيرتها وعقصها أمام المرآة فرافقتها سعدى وهي تنظر إليها وتتوقع منها ابتسامًا فرأَتها لا تزال منقبضة فخافت أن تعود إلى حالها من الضعف فهان عليها كل ما تريده وصممت على مساعدتها فعلًا فتظاهرت بالاستغراب وهمَّت بها فقبلتها وضمتها إلى صدرها قائلة: «انزعي عنك الظنون يا هند فإني على ما تريدين ولسوف ترين مني ما يسرُّك.»
فانتعشت هند لما سمعتهُ ولكنها تظاهرت بإنكار ذلك وقالت: «يكفيني أملًا بلا عمل فإني أراك تسخرين بي.»
فضحكت سعدى حتى قهقهت وأظهرت المزاح قائلة: «ذلك خلق المحبين فإنهم لا يستقرون على حال.»
فنظرت هند إليها شذرًا وشعرها لا يزال محلولًا وأصابعها تتخللهُ فلما رأَت والدتها تضحك انبسط وجهها وعادت إليها الآمال فتبسمت ولكنها حوَّلت وجهها نحو المرآة وتشاغلت بضفر شعرها.
فمدت سعدى يدها إلى الضفيرة وتناولتها وقالت وهي تتمُّ ضفرها: «دعينا من ضفر الشعور فإننا في ما هو ادعى إلى الاهتمام.»
فقالت هند: «لا أرى الاهتمام بشيء آخر إلَّا عبثًا.»
فقالت: «أَمن العبث أن نتخلص من مطالب ثعلبة.»
فلما سمعت اسمهُ نفرت وانقبض قلبها ولكنها توسمت بابًا للفرج فقالت: «يا حبذا ذلك لو صح.»
وكانت سعدى قد فرغت من ضفر الشعر فأمسكتها بيدها وأجلستها إلى السرير ونظرت إليها نظرة فهمت هند منها أنها تريد الجد فأصغت إليها فقالت: «دعينا من الهواجس يا هند ولنبحث في الأمر بالتروي.»
فقالت: «قولي ما تريدين واذكري وعدك.»
قالت: «لا أقول إلا ما يرضيك ولكنني اعلم انك عاقلة رزينة ولا أظنك ترتابين من حبي لك وانعطاف والدك نحوك وإذا أتينا أمرًا ساءَك أو سرَّك إنما نأتيهِ إلتماسًا لراحتك.»
فخافت هند أن يكون وراء هذه المقدمات نصيحة تمنعها من حماد فلبثت صامتة وقلبها يخفق في انتظار إتمام الحديث.
فقالت سعدى: «لا يسعني الإغضاء عن إهمالك البحث عن أصل حماد وفصلهِ فان الحب يعمى ويصم فأتقدم إليك أن تستجمعي رشدك وتسألي عقلك هل هو مساعد لك على ما رضيهُ قلبك.»
قالت: «نعم يا أماه أني في كمال عقلي ولا أرى في عملي هذا خطأ ولا ريب عندي إذا خاطبتِ حمادًا واستطلعت أخلاقه وأطواره انك ترين فيهِ مثل ما رأَيتهُ أنا فهو شاب كامل الصفات كريم الأخلاق ولا بد من أن يكون ذا حسب ونسب فإذا لم يكون ملكًا ارضياًّ فهو ملاك سماوي ولا اقل من أن يكون اميرًا وزد على ذلك أن ما شهدناه من شهامتهِ وكرم أخلاقه يؤهلهُ لمصاهرة والدي وقد قيل المرء بأصغريهِ لا ببرديهِ فهي انهُ غير حسيب فهو لا ريب شهم كريم.» قالت ذلك وعلامات الهيام ظاهرة على وجهها تخالطها ملامح الخجل.
فقالت سعدى: «إذا كان الأمر على ما تقولين فإني أهنئك بهذا النصيب ولكننا يجب أن نتدبر الأمر بالحكمة حتى لا ينجم عن عملنا ما يضرُّ بمصلحة والدك أو يأول إلى حرب وأنت تعلمين علاقتهُ بابن عمهِ الحارث وما بينهما من المنافسة المموهة بالمجاملة فنخشى أن يأول عمان هذا إلى حرب تتقد نارها وتسفك الدماء من اجلها.»
فقالت: «أتريدين إذن أن أرضى ثعلبة و ….»
فقطعت سعدى كلامها قائلة: «كلاَّ لا أريد ذلك ولا أرضاه ولكنني أريد أن لا تستعجلي في الأمر فان في العجلة ندامة.»
قالت: «وماذا افعل إذن.»
قالت: «أتركي تدبير ذلك إليَّ على ما تقتضيهِ الأحوال ولا ريب عندي انك ستنالين مناك على أهون سبيل.»
قالت: «ها أني قد ألقيت حملي عليك وجعلت قيادي في يديك فافعلي ما تريدين.»
فقبلتها سعدى وطمأنتها ثم تركتها وسارت إلى غرفتها.