سبب الغزوات
قال اليثربي: «اعلموا أني أقص عليكم خبر أعظم واقعة حدثت في الإسلام وقد شهدها رسول الله (ﷺ) بنفسهِ منذ نحو خمس سنوات وكنت في جملة المحاربين فرأَيت وسمعت ما تشيب لهولهِ الأطفال.»
فقال سلمان: «ومن هم الذين حاربتموهم هناك.»
قال: «هم بنو قريش من أقرباء الرسول ولكنهم أعداؤُهُ.»
قال: «وكيف يكونون أقرباءَهُ ولا يقومون لنصرتهِ بل يكونون أعداءَه.»
قال: «أن لذلك خبرًا طويلًا لا أستطيع بسطهُ الليلة ولكنني أذكر ملخصهُ تمهيدًا لذكر واقعة بدر التي نحن في صددها فارعوني سمعكم.»
قالوا: «كلنا آذان فشنف مسامعنا.»
فقال: «لا يخفى عليكم أن نبينا (ﷺ) لما قام يدعو الناس إلى الإسلام لم يجبهُ إلَّا نفر من قريش وظل أعمامهُ وأكثر ذوي قرابتهِ على دين آبائهم وأكثرهم إنما رغبوا عن هذا الدين القويم خوفًا على تجارتهم أن تكسد لما في تأييد الإسلام من احتقار الأوثان وإبطال عبادتها فينحط قدر الكعبة فيقل الحجاج إليها ومعائش قريش وسائر أهل مكة من التجارة ولا تجارة إلَّا بالحجاج فضلًا عما يتمتع بهِ القرشيون من السيادة والنفوذ ببقاء الكعبة فإنهم حجابها ولهم بذلك فخر وسؤدد.
فهذه الأسباب وغيرها حملت بني قريش على مقاومة نبينا (ﷺ) ولكنهُ لم يحرم أنصارًا شدوا أزرهُ وصدقوا بدعوتهِ ومنهم جماعة من خيرة قريش وكبار رجالها على أنهم لم يستطيعوا حمايتهُ من الأذى فهاجر وهاجروا معهُ إلى مدينتنا يثرب التي كنا بالقرب منها البارحة فاستقبلناه بكل إكرام فنزل بيننا على الرحب والسعة وسررنا بهذا الشرف العظيم.
ولا يخفى عليكم أن المدينة واقعة في الطريق بين مكة والشام فمن أراد تجارة أو سفرًا بينهما لا بد لهُ من المرور بها فأخذ (ﷺ) من يوم نزولهِ المدينة يجمع أصحابهُ الذين هاجروا معهُ وهم المهاجرون والمدنيون الذين نصروهُ وهم الأنصار ويخرج بهم للغزو أو يرسلهم ويقيم فكلما سمع بقافلة لقريش قادمة من الشام أو غيرها بتجارة أو أموال خرج برجالهِ ليغزوهم وما أصابهُ من مال أو غيره وزعه على رجالهِ.