دولة الفرس
ما برحت الفرس من قديم الزمان تحت سلطة مملكة أشور حتى تولى هذه المملكة الملك سردنفول في القرن الثامن قبل الميلاد وساء حكومتها وانشغل عن سياسة مملكتهِ بمجالسة النساء واللهو على أنواعهِ فأبغضتهُ الرعية وودت لتخلص منهُ فاتفق كبيران من قواده على إخراج الملك من يده وهما أرباسيس قائد عسكر مادي وبيليزيس قائد جند بابل فاتحدا على العصيان وحاربا ملكهم فحصراه في نينوى فلما أيقن بالهلاك أحرق قصره بما فيهِ من المال والناس وهو في جملتهم سنة ٧٦٠ق.م وهكذا انقضت مملكة أشور الأولى وقامت مملكة مادي وفارس وملكها ارباسيس وتوالى الملوك من بعده وفيهم العادلون والمدمرون أو الجهلاء والظالمون ومن أشهرهم كورش العظيم صاحب الغزوات المشهورة فافتتح بابل وما بين النهرين وأرمينيا وسوريا واسيا الصغرى وجانبًا من بلاد العرب وتولى بعده ابنهُ كمبيز ففتح مصر على زمن الملك اماسيس من فراعنة مصر ثم تولى داريوس ومن جاء بعده ولم يحسنوا السياسة فتقهقرت المملكة واختلت أحوالها. فلما ظهر اسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد طمع ببلاد فارس ففتحها وقهرها واستولى عليها ولكن عمر اسكندر لم يطل فمات واقتسم قواده مملكته فكانت بلاد فارس من نصيب سلوقس ولم يطل حكمه فغزا الفرثيون بقيادة ارساسيس الأول وما زالت في حوزتهم خمسماية سنة.
فانف الفرس من رضوخهم للنير الاجنبى فثاروا سنة ٢٢٦م بقيادة رجل منهم اسمهُ أردشير فطرد الفرثيين وأسس دولة اشتهرت في التاريخ الفارسي هي الدولة الغسانية ومنهم كسرى أنوشروان الملقب بالملك العادل وهو أعظمهم وصار لفظ كسرى لقبًا لكل من ملك بعده منهم فعرفت دولتهم بالملوك الأكاسرة.
وكان مقام الأكاسرة في المدائن وهي مدينة عظيمة على ضفاف الفرات فيها قصر عظيم طار ذكره في الآفاق يسمى الإيوان ويعرف بإيوان كسرى.
وحكم (انوشروان) ٤٨ سنة وخلفهُ ابنهُ هرمز وكانت أمهِ ابنة ملك التتر وأستاذه الحكيم بزر جمهر وكان وزيره فسارت الأحكام في أيام هذا الحكيم على مثال ما كانت في زمن أنوشروان فلما توفي بزر جمهر انغمس هرمز في الشهوات وأهمل شؤون المملكة فعصاهُ الولاة وغزاة ملك التتر فنصره قائد من قواده اسمهُ بهرام كان آية في الدهاء والذكاء وطرد التتر من البلاد ثم تحوَّل إلى محاربة الرومانيين فوشى بهِ بعض المقرَّبين من البلاط الملوكي فاظهر لهُ هرمز بعض الاحتقار فاستشاط بهرام غيظا وجاهر بعصيان الملك وخلعهُ وولى بعده ابنهُ كسرى برويز وكان صبيًا صغيرًا تساعد على قتل أبيهِ ببعض أقربائهِ فلما خلص الحكم لهُ طمع بهرام بالمُلك ففرَّ برويز من وجههُ واستجار بملك الرومانيين في ذلك العهد واسمهُ الإمبراطور موريس فانجده ورد الملك إليه ففر بهرام إلى بلاد التتر فأحسنوا وفادتهُ ولكن الخيانة لحقتهُ إلى هناك فمات مسمومًا.
واستبد كسرى برويز بالحكم وقد عقد النية على صداقة الإمبراطور موريس لأنهُ هو الذي رد الملك إليه فبالغ في إكرام الرومانيين في بلاده فلما مات صديقهُ المذكور عاد إلى مناوأة الروم فأثار عليهم حربًا عوانًا فغزا بلاد الشام ودخل بيت المقدس فعثر هناك على الصليب الذي يقال أن السيد المسيح صلب عليهِ وكان في حفرة بصندوق من الذهب فحملهُ إلى المدائن وكان برويز مع ذلك ملكًا خاملًا مترفًا منغمسًا بالملاهي إلى ما يفوق طور التصديق حتى قيل أنهُ تزوج ١٢ ألف امرأة واقتنى خمسين ألف جواد وهو الذي جاءَه كتاب صاحب الشريعة الإسلامية الغراء يدعوهُ فيهِ إلى الإسلام كالكتاب الذي جاء الإمبراطور هرقل في بيت المقدس فاحتقر برويز ذلك الكتاب وأساء حاملهُ.
ثم ما لبث برويز أن علم بعزم الإمبراطور هرقل على اكتساح بلاده ولم يقو على دفعه فما زال هرقل هاجمًا وأهل القرى يفرون من أمامهُ حتى وصل المدائن وبرويز لاه بقصره ونسائهِ فلما أحسَّ بقرب الخطر فر فنقم عليهِ ابنهُ شيرويه فقتلهُ وحكم مكانهُ سنة ٦٢٩م ولكنهُ لم يحكم طويلًا فخلفهُ سواه وسواه وفي سنة ٦٣٠م تولى تخت مملكة الفرس فتاة من آل ساسان اسمها بودان دخت ابنة كسرى برويز وفي أيامها هجم هرقل على المدائن واسترجع الصليب منها وحملهُ إلى القسطنطينية وحكمت بعدها أختها آزرميدخت سنة ٦٣٣م (١٠هـ) واشتهرت بالجمال والتعقل وماتت مسمومة ولها قصة يطول شرحها وملك بعدها ملكان لم يطل حكمها وأخيرًا أفضى الملك إلى يزدجرد بن شهريار بن كسرى وفي أيامه فتح العرب بلاد فارس.