صلح الشام
وكان الليل قد سدل نقابهُ فباتوا تلك الليلة وأصبحوا وقد تهيأ مئة منهم بالألبسة الرسمية وحملوا الأعلام والصلبان وساروا حتى أتوا باب الجابية وكان حماد أكثر الناس رغبة في ذلك الصلح أملًا بقرب الوصول إلى هند.
فلما وصلوا الباب كان بعض العرب هناك وعليهم أبو هريرة قد قاموا ينتظرون وفد الروم فأنبأهم حماد بما أتوا من أجلهُ وفتحوا الأبواب وخرج الوفد بأعلامهم وصلبانهم وقد تكسرت أشعة الشمس عن خوذهم وملابسهم وأرديتهم المختلفة الألوان وصلبانهم المرصعة بالحجارة الكريمة مما يبهر الأبصار ومشى أبو هريرة ورجالهُ في مقدمتهم حتى أتوا معسكر أبي عبيدة فلما أشرفوا على المضارب أوعز إليهم أبو هريرة أن ينزعوا الصلبان فنزعوها حتى وصلوا إلى فسطاط أبي عبيدة فاستقبلهم بالحفاوة وعقد مجلسًا أمضوا فيهِ الشروط وفي جملتها أن يتركوا الكنائس على ما هي. وكان في دمشق عدة كنائس منها كنيسة مريم وكنيسة يوحنا المعمدان المتقدم ذكرهما وكنيسة سوق الليل وكنيسة إنذار فكتب لهم أبو عبيدة كتاب الصلح والأمان ولم يسم فيهِ اسمهُ ولا أثبت شهودًا فتناولوا الكتاب ودعوه لصحبتهم ليدخلوا المدينة معًا فقام أبو عبيدة ومعهُ ٢٥ من أعيان الصحابة وسار الجميع وفيهم عبد الله وحماد. فلما وصلوا باب المدينة وقف أبو عبيدة وقد تذكر أمرًا هامًا وذلك أنهُ لسلامة نيته رضي بالصلح وقبل بدخول المدينة مع عدوه ولم يخامره ريب من غدر أو نحوه ولكنهُ لما وصل الأبواب ورأى الأسوار وفوقها الجند بالأسلحة تخوف وتحذر فقال لمن معهُ من الروم: «إننا نطلب منكم الرهائن قبل الدخول فيبقى منكم أناس رهنًا عندنا حتى إذا حدث غدر ذهبوا ضحية الغدر». فتركوا بعضًا منهم وسار الباقون حتى دخلوا الأبواب وأقبلوا على الشارع المستقيم وقد تزاحم فيهِ الناس وفي مقدمتهم الأقسة والرهبان فلما دخل أبو عبيدة استقبلوه بالأناشيد واعتذروا عن تخلف البطريق توما لانشغالهُ بأهل بيته ثم مشوا بين يديه على مسرح الشعر وقد رفعوا الأناجيل والمباخر وفيها البخور يتصاعد دخانهُ حتى حجب عنهم أواخر الشارع فساروا يهتفون شكرًا لله على حجب الدماء والأعلام تخفق فوق رؤوسهم وبينها أعلام المسلمين والروم معا.
وكان الدمشقيون يطلون من النوافذ وعن الأسطحة والشرفات رجالًا ونساء وأولادًا وكلهم فرحون بنجاة أنفسهم وأموالهم لأن أهل البلد أكثر الناس نفورًا من الحرب لأنها عائدة عليهم بالخسارة في إي حال.
وأما حماد فكان مشتغلًا عن تلك الضوضاء يعلل نفسهُ بقرب اللقاء وعبد الله إلى جانبهِ وكان الموكب سائرًا ببطء فنفد صبر حماد وهو يتشوف من خلال الأعلام والصلبان إلى كنيسة مريم عن بعد وقد عوّل على ترك الموكب ودخول الكنيسة خلسة ليرى هندًا ويبشرها بانفراج الأزمة.