بين جنديين
حوار في منظر واحد
( إلى «الجندي السوري».)
(في الخطوط الأمامية؛ الخندق.)
الأول
:
يا أخي! … … … …
الثاني
:
… … مَن؟ … … …
الأول
:
… … … محارب! … …
الثاني
:
… … … … بورك اسمٌ!
ما الذي تبتغي؟ … … …
الأول
:
… … … لقد ضقتُ صدرًا!
الثاني
:
ضقتَ صدرًا، بأي شيءٍ؟ … …
الأول
:
… … … … بهذا الـ
ـجو! بالبارود اللعين …
الثاني
(آمرًا)
:
… … … أسِرَّا١
الأول
:
لستُ أقوى؛ فقد تبدَّتْ لعَيني
مِيتَتِي! … … … … …
الثاني
:
… بئس ما تقولُ وتَجرا
اخفض الصوت … … …
الأول
:
… … لن أُكبِّل وجدا
ني! … … … …
الثاني
:
… أتقوى على الخيانة جَهرًا؟
الأول
:
إي! … … … … …
الثاني
:
… اقتربْ منِّي أَستمِعْ لكَ رأيًا
الأول
:
أيَّ رأي تودُّ؟ قد نؤتُ صبرًا
كلَّ يوم ليَ اندفاعٌ إلى المو
ت، أُلاقي في جانبيه الأمرَّا
أنا إما سُلِّمْتُ يَومي، فما أمـ
ـلِكُ مِن بَعدِه السلامةَ شهرًا
الثاني
:
يا أخي! … … … … …
الأول
:
… … مَن؟ … … … …
الثاني
:
… … … ضميرُك الحرُّ! … …
الأول
:
… … … … … قد ما
تَ! … … … …
الثاني
:
… أخوكَ الجنديُّ؟! … …
الأول
:
… … … أُودِعَ قبرًا
الثاني
:
أمُّك الأرضُ! … … …
الأول
:
… … كفَّنَتْ أمسِ إخوا
ني! … … … …
الثاني
:
… أبوكَ الإخلاصُ! … …
الأول
:
… … … مِنِّي يَبرا
الثاني
:
وطنٌ يَرتَجيكَ! … … … …
الأول
:
… … إن متُّ فالأر
ماسُ أَوطاني! … … … …
الثاني
:
… … لم تمت! … …
الأول
:
… … … … أنت أدرى
أنا، إما بقيتُ، سوفَ ألقى
ميتةً هولُها يُحدِث ذِكرا
ميتةً ليس يَدفع اليوم عنها
طولُ باعٍ ولا مكانةُ كِسرى
كلُّها الغدر … ما يَمينُك بالسيف
تُداري الموتَ المُعاطيكَ غَدرا!
رُبَّ طلقٍ أُريدَ منه دعابٌ
أحدثَ اليوم في الجوانح جُحرا
أو هواءٍ قد سمَّموهُ فراحَ الـ
ـجبسُ بالندسِ والصناديد خُسرا
أو فتيلٍ قد أشعلوهُ فدكَّ الـ
أرضَ دكًّا، وأمطرَ الناسَ جَمرا
فتهاوَوا كأنهم ورقُ الأشـ
ـجارِ … مرَّت بها الأعاصير تَترى
وإذا هم مِن بعد ذا مُستحاثا
ت! … وعادَ الوجود يَطفح بِشرا
ضلَّ عهدُ البارودِ والغاز! … فالنا
سُ تساوَوا مِن بعد ذَينِكَ قَدرا
الثاني
:
يا أخي! … … … …
الأول
:
… … مَن؟ … … …
الثاني
:
… … … محارب! … …
الأول
:
… … … نوهضَ اسمٌ!
الثاني
:
استمع لي عسى أحيطك خُبْرًا
ما جمال الحياة؟! … …
الأول
:
… … … نهلة كأس
لم تشُبْها الأكدار … … …
الثاني
:
… … … قد شئت أمرًا
أجميل من الوجود صباحٌ
لم يلدْ ليله مع الكرْه، فجرًا؟
الأول
:
لا! … … … …
الثاني
:
… جميل من الوجود رياضٌ
لم يَلدْها الشتاءُ رعدًا وقَطرا؟
الأول
:
لا! … … … …
الثاني
:
… جميلٌ من الوجود صَفاء
لم يُطعَّم شجًى ولم يَنزُ ذِكرى؟
الأول
:
لا! … … … …
الثاني
:
… أَتسطيع أن تنال ورودًا
دون شَوك يَجرح الكفَّ قَسرا؟
الأول
:
لا! … … … … …
الثاني
:
… أخي! اُدنُ لا تخف وأجبني
أفرارًا تنجو مِن الموت؟ …
الأول
(يُطرِقُ مُتفكِّرًا)
:
… … … … صبرًا!
الثاني
:
يا أخي، اُدنُ لا تخَف وأجبني
إن طلبْنا الفرارَ، نَخلُد دهرًا؟
الأول
:
لا، ولكنْ نُؤجِّلُ الموت! … …
الثاني
:
… … … … قل لي:
أحياة الإذلالِ تُحسَبُ عُمرًا؟
الأول
:
لم أقل ذا! … … …
الثاني
:
… … … إذن أجبني: أترضى
بحياة نُباع فيها ونُشرَى؟
الأول
:
خسئ العُمر أن أباعَ؛ فغيري
يَرتضي ذاك، وهو بالعَبد أَحرى!
الثاني
:
أيُّ فرق بين العبيد وبينا
إنْ طلبنا الفرار ممَّن تجرَّا؟
الأول
:
إنْ رغبْنا الفرار؟ من قال هذا؟!
الثاني
:
أنتَ قد قُلتَه! … … …
الأول
:
… … … لقد قلتُ إمرا
لا تدعْني أنام إلا وقد أفـ
ـرغْتُ حقدي نيرانَ تَطلُب صدرا …
فلنا اليوم عزَّةٌ دونَها الشمـ
ـس! وإلا فاحفر لنا الآنَ قَبرا!
١
تكلم سرًّا.