غانية وفكر
حوار في منظرين
من الكفر الأول
من الكفر الأول
عذاب …
لا ترغي في هوى الجسد فالشهوة اليوم تضطهد
وطهري جسمك الذي دنسه حب مفتقد
لا تتلوي على الوسائد التي تنهك الجسد
حسبك تذويب هذه القوى على مذبح نكد
تعتصرين الرغاب قسرًا باشتعال لتبترد
ما لك منفوشة الشعور في جنون وفي جهد
لاهثة كالتي غدت رهينة سوط مضطهد
براقة العين كالتي تعوزها وثبة الأسد
مفغورة الثغر شهوة تحوطه موجة الزبد
أتعبك الجسم يا فتاتي وسيرميك بالكمد
أن صريع الرغاب كالمجنون يحيا بلا قود
تقوده شهوة ستحرق الحياة التي يود!
٢٣ / ٦ / ١٩٤٣
المنظر الأول
(قاعة أنيقة يقوم على جنباتها أثاث نفيس – صور راقصات وأشباح عارية – لوحات جنسية مختلفة ورائعة – في منتصف القاعة آنية يتصاعد منها خيط من بخور معطر – أزهار في أوان – ثريات كهربائية نفيسة – أضواء ناعمة مترفة.)
هو
:
كيف … … … … …
(يقلب نظره في ساعة ذهبية في مِعصَمِه.)
… لم تأتِ … … …
(يدور قليلًا ويتضمخ بالعطر الفواح.)
… … … ويحها تُخلف الميـ
ـعاد؟ … … … …
(مؤكِّدًا):
… لا! إن طبعهن الوفاء
هنَّ ظلُّ الرجال، ما عزَّ منهم
جانب، كيف لا تناهى الإباء؟
حسبهنَّ الألفاظ تترى على ثغـ
ـرٍ أنيق ليُستحل المنيعُ
لفظة أو رشاقة أو رياء
أو وعودٌ أو قُبلةٌ أو دموعُ
فإذا حِصنُهنَّ يَنهار أطلا
لًا … ويَخفْنَ كبرياءً تميعُ
ذلك الجنس في وضاعَة مبنا
ه تساوى لديه رغدٌ وجوعُ
غير أني … … … …
(يدوي الجرس الكهربائي.)
… … أتت! … … …
المنظر الثاني
(تدخل «هي».)
هو
:
… … … إذن قد تأخرْ
تِ … … … … …
هي
:
… كثيرًا؟ … … … …
هو
:
… … وددتُ لو جئتِ قَبلا
كنتُ غيرتُ فكرتي … … …
هي
(وفي فمها لفافة تبغ)
:
… … … هاتِ لي جَذْ
وَةَ نارٍ، وقل ليَ الآن: أهلا
هو
:
لم أكن مالكًا قُوى الفكر، فالقلـ
ـب … … … …
هي
:
… على عادةِ الرجالِ المُثلى
أنتمو دائمًا بقايا اضطراب الـ
ـجنس، حينًا تَسهُون، حينًا كلا
هو
:
ما الذي فيك؟ … … …
هي
:
… … … فكرة! … …
هو
:
… … … … أترى أسـ
ـطيع تبديلها؟ … … …
هي
:
… … خشيت بأن: لا
هو
:
أنت لغزٌ بدا، ويُوشِك أن ينـ
ـحلَّ في كأس خمرة أو شهوه
ويقيني إن النساء بقايا
قطراتٍ من غُلمة ليس جذوه
ما تقولين في كُؤَيسٍ من الخمـ
رة؟ … … … … …
هي
:
… لا بأس غير خمر ضعيفهْ
نحن نأبى العجاف حتى من الخمـ
ـرة أما أنتم … …
هو
:
ْ
… … … فنفس عنيفه
تقبل الطازج الشهي وترضى
ببقايا إنسانة كالجيفهْ
حُوَّمٌ نحن حول منتن جسم
كالنسور المحلِّقات المُخيفهْ
إنما نطلب الغذاء … ولو كا
ن بمستنقع بدت محفوفهْ!
(ينهض ويُحضِر آنية مع كُؤَيسَين.)
هي
:
فلسفات تضيع في حلْبة المعـ
ـقول … … … …
هو
:
… هذا شرعي! … …
هي
:
… … … شريعة غُلْمَه
لحظة، بعدها ترفُّع مغرو
ر، ومن ثَمَّ كبوة، ثم نقمهْ
ما نراكم إلا فتات رجال
تتهاوَوْن من أعالي القمهْ
وغدًا … … … … …
هو
:
… ما غد؟ … … …
هي
:
… … … رجوع إلى الما
ضِي! … … … …
هو
:
… أتفنى لذَّاتنا؟ … …
هي
(بتهكُّم خفيف)
:
… … … لا! ستَحيا.
هو
:
وا يقيني! قد خفت أن تتلاشى
جُبِلت في دمي طبيعة جنسي
غَرفة … ثم بعدها فليخبَّ الـ
عمر … إنَّ الحياة رعشة لمسِ
في دمي قد جرى التناقض: من نفـ
س كبركان والشعور بنفسي
قلقٌ قام … … … … …
هي
:
… … لا تخف! … … …
هو
(بقلق)
:
… … … كيف؟ … …
هي
:
… … … هات الـ
ـكأسَ … … … … …
هو
:
… من ثَمَّ؟ … … …
هي
(مُجتذبة الكأس إلى ثغرها)
:
… … … غيبة عن وجودِ
هو
(خائفًا وجلًا)
:
بعدُ؟ … … … …
هي
(بإغراء)
:
… دنيا من الملاحة والإر
ضاءِ … … … … …
هو
(بذُعر شديد)
:
… لا، لا … … …
هي
(بتخاذل)
:
… … … اشربْ! … …
هو
(نافرًا)
:
… … … … خداعٌ فحيدي
هي
:
لِمَ تخشى النساء؟ … … …
هو
:
… … … لا، لستُ أخشا
هن؛ بل أخشى من يذرُّ وجودي
أنا أبغي جسمًا توقَّد بالنا
ر … ولكن لا يَحرِقنَّ رغابي
جسد المرأة اللعين خطايا
تشتوينا ولا نَنِي باقتراب
شمعة النور تَخلِب الغرَّ مِن كلِّ
فَراش فيرتضي باللهاب
يتدانى من منبع النار والنو
ر فيمسي — لبرهة — في التهاب!
هي
(بإغراء وتخاذُل)
:
لا تَخَفْ، إقْتَربْ تعالَ اعتَصِرْ لا
تَحترِق مثلي، أنتَ كأسُ الشبابِ
هو
:
أنا أبغيكِ، غير أني أخاف الـ
إحتراق الرهيب … … … …
هي
:
… … لا تخشَ ما بي
جسدٌ نابض تطلَّب رعشا
تٍ لينسابَ في هدوء العذاب
هات كأسًا وثم أخرى … فما العمـ
ر سوى لذةٍ وكأسِ شَراب!
هو
:
وأنا؟ … … … …
هي
:
… أنت؟ ذَوبُ شِعر وفَنٍّ
عبقريٌّ يَميد في الأوصاب
هو
:
شئتُ لو لم أكن صنيعة شَهوا
تي! … … … …
هي
:
… سدًى تَرْتجي! … …
هو
:
… … … فيا لَخرابي
منبع العبقرية الحلو كدَّر
ناهُ في رجس خمرة وكعاب
غير أني … … … …
هي
:
… … تعالَ! … …
هو
:
… … … ويحي! …
هي
:
… … … … هراءٌ
أنت ما شئتُ … … …
هو
(صارخًا بضعف)
:
… … … لا! … …
هي
:
… … … … وشاءَتْ رغابي
أنت مِلْكي أردتَ أم لم تُرد …
هو
(مستسلمًا)
:
… … … … … … لا
هي
:
من عيوني نهلت كوب الجُحودِ
مِن رموشي فهمتَ معنى الوجود
وبوجْهي قرأتَ سفر العهودِ
جسدي مَصهرٌ لفن الخلودِ!
كيف؟ … … … … …
هي
:
… أقبلْ! … … … …
هو
:
… … أخاف … … …
هي
(تَنضُو بعض ثيابها)
:
… … … خذني! … …
هو
:
… … … … سُدًى تبـ
ـغين منِّي! فمُتعتي من بعيدِ
أتغذَّى بالفكر! … …
هي
(بجنون)
:
… … غِرٌّ! سيَنقا
دُ سريعًا بكِسرَة من وعودِ
زَهِدَ اليوم مذْ رآني كما يَهْـ
(مهدِّدة):
ـوَى غدًا مصرع الغُرورِ العَنيد
(تخرج.)
هو
(لنفسه)
:
أنا يا حسنُ! … كافر بك! لا أر
ضاك إيمانًا لي على طول باعك
أنت منهم معبودهم! ذلَّ معبو
دٌ إلى الخزي يرتضي بابتياعك
كنتَ منِّي محطَّ قدسية الأ
مس … إلى أن قضى الهُدى باقتلاعك
لست مني … ولست منك … فقد ما
لت شراعي فمِلْ إذن بشراعك
٣ نيسان ١٩٤٥