وجهة نظر
حوار في منظر واحد
من الكفر الثاني
من الكفر الثاني
المتحاورون
- «ذاك»: الأب.
- «تلك»: الأم.
- «هو»: الابن.
- «أنا»: أنا.
(في قبو الزمان.)
ذاك
:
«تلك» شاءت! … … … …
هو
:
… … فداكَ نفسي! وما شا
ءت … … … …
ذاك
:
… ترى فرحةً بعرسِك يا ابْني
هو
:
فرحة العرس؟ ويح نفسي عليها
أنا لمَّا أزلْ صغيرَ السنِّ
ذاك
:
كيف؟ … … … …
هو
:
… أنفقتُ مِن حياتيَ عقدَيـ
ـن! … … … … …
ذاك
:
… أعقدانِ، لا تَرى أن تَبني؟
قل لها يا بُنيَّ إنك ترضى!
هو
:
لا! ونفسي فما أُطيق القُيودا
أنا في روضتي، فدعني أشمُّ الـ
آسَ والزَّهرَ والنَّدى والوُرودا
لا تُصوِّح شبابيَ البكر في الإصـ
ـباحِ دعني حتَّى أشبَّ سعيدا
ذاك
:
ضلَّة ما تقول … …
هو
:
… … … أنتَ جليلٌ
كيف تَرضى بأن أموتَ اعتصارا
الزواجُ المجلوبُ مقبرة الحـ
ـسِّ … … … …
ذاك
:
… ضلالًا ما تدَّعي وشَنارا
سفَّهتْك الأيامُ فانقَدْتَ للطَّيـ
ـشِ وحُمِّلتَ رأيها والعارا
الزَّواجُ المَجلوبُ يُسعِدُ … …
هو
(مقاطعًا)
:
… … … لا! لا!
ذاك
(زاجرًا)
:
أتَرى أن تَميل بي عن يَقيني؟
لم أُعوَّد تطاولًا منكَ! …
هو
:
… … … … عَفوًا
لم أشأ أن أثير منِّي مُعيني
ليَ رأيِي أُحبُّه وأراهُ
كُن مُعيني علَيه لا تُخزيني
ذاك
:
يا بنيَّ ارتدع! فما شئتُ إلا
أنْ أراكَ السعيدَ في أيامِك
يا بنيَّ اقتَصِد! ولا تتبنَّى
كلَّ رأيٍ تراهُ في أَوهامِك
يا بنيَّ الحذار مِن فتنة الطَّيـ
ـش ومِن خدعة اندفاع غَرامِك
كُن مثيلي؛ قالوا، فما قلتُ إلا
قولَهم … … …
هو
:
… لستُ أستَطيع! …
ذاك
:
… … … أتأْبى؟
هو
:
يا أبي! … … … … …
ذاك
:
… … مَهْ! … … … …
هو
(متوسلًا)
:
… … … أبي! … … …
ذاك
:
… … … … صَهٍ! … …
هو
:
… … … … … استمعْ لي!
ذاك
(غاضبًا)
:
قد سمعتُ العقوق يَجحَد ربًّا
هو
(مُستعبِرًا)
:
أبتاه! … … … …
ذاك
:
… مَهٍ … … …
هو
:
… … رضيتُ! … …
ذاك
(مُعانقًا ابنه)
:
… … … فيا بُشْـ
ـراكِ يا «تلك» قد أثابَكِ حبًّا!
أنا
:
أنا يا فكر، مؤمن بكَ مَزهوٌّ
أراكَ النهارَ في كل ليلِ
كلَّما أطفأ العبيد شعاعًا
مِن ضيائي وجدتُ نورَك يُجلي
لم أكن كافرًا وآمنتُ، لكن
كنتُ حرًّا بين العبيدِ، فمَن لي
ضاع صوتُ الإخلاص في زحمة الغَد
رِ فضمَّ الرئبالُ شبلًا لشبلِ
وانزوى يَفطِم الشِّبال على الثأ
رِ، فكَبِّر إما لوى كل عبلِ
ففطامٌ عن اللبان رَضاعٌ
بدماءٍ في ثَدي جيلِكَ تغلي!
دمشق في ١٦ تشرين الأول ١٩٤٨