حق قانوني
كانت الملكة فيكتوريا وزوجها الأمير ألبرت بارعين في فن النقش، وفي عام ١٨٤٩، أراد الزوجان الملكيان الاحتفاظ بنسخ من نقوشهما من أجل استخدامهما الشخصي، وأرسلا عددًا من أكليشيهات نقوشهما إلى مسئول مطبعة القصر، وهو رجل يسمى سترانج، ولكن عددًا من تلك المطبوعات وقعت في يد طرف ثالث، وهو رجل اسمه جادج، من الواضح أنه حصل عليها من خلال «جاسوس» يعمل لدى سترانج، وبدوره، حصل سترانج على تلك المطبوعات من جادج وهو يعتقد — بحسن نية — أنها ستعرض بشكل علني بموافقة من الملكة فيكتوريا والأمير ألبرت، وبالفعل صُمِّمَ كتالوج للرسومات وبدأ الرجلان يرتبان لإقامة المعرض، وعندما علم سترانج بأنه لا توجد موافقة من الزوجين الملكيين على إقامة المعرض، انسحب من المشاركة فيه، ولكنه قرر الاستمرار في طباعة الكتالوج، كانت فكرته هي طرح الكتالوج للبيع مصحوبًا بتوقيعات من الفنانين الملكيين.
لكن الزوجين الملكيين لم يسعدا بذلك الأمر، وسعى الأمير إلى استصدار أمر قضائي من أجل منع إقامة المعرض وحظر نشر أو تداول الكتالوج، وبالطبع حصل الأمير على ما أراد، وأقرت المحكمة، دون استحياء، بأن «الأهمية التي أحيطت بها تلك القضية تنبع من المنزلة الاجتماعية الرفيعة للمدعي …»
النشأة الأمريكية
كان هذا القرار عنصرًا مهمًّا في المقال الأسطوري الذي نشر سنة ١٨٩٠ وكان بمنزلة ميلاد للاعتراف القانوني بالخصوصية كحق قائم بذاته، كتب المقال صامويل دي وارين ولويس دي برانديز، ونشر في دورية هارفارد لو ريفيو المؤثرة، وقبل ذلك بسنوات، كان اختراع الكاميرا الرخيصة والمحمولة لالتقاط الصور على يد إيستمان كوداك قد غير العالم؛ لقد صار بالإمكان التقاط الصور للأفراد في المنزل، أو العمل، أو أثناء اللعب، لقد صارت بداية النهاية للخصوصية قريبة للغاية.
كتب المحاميان — وارين الذي كان محاميًا وعضوًا بارزًا بمجتمع مدينة بوسطن، وبرانديز الذي عُين بالمحكمة العليا عام ١٩١٦، وقد أزعجهما تطفل وسائل الإعلام الناشئة، التي تعرف اصطلاحًا ﺑ «الصحافة الصفراء» — ما يصنف على صعيد واسع بأنه أكثر مقالات النقد القانوني المنشورة تأثيرًا على الإطلاق، وكثيرًا ما يُعتقد بأن الدافع وراء غضبهما كان تطفل الصحافة على حفل زفاف ابنة وارين، ولكن هذا التأويل يبدو غير مرجح؛ لأنه في عام ١٨٩٠، كانت ابنة وارين تبلغ السادسة من العمر! والدافع الأكثر ترجيحًا لغضبهما هو سلسلة من المقالات نشرت بمجلة ثرثرة خاصة بالمجتمع الراقي ببوسطن، وتصف حفلات العشاء الفاخرة التي يقيمها وارين.
إن شدة الحياة وتعقيدها، اللذين ينتجان عن التقدم الحضاري، جعلا من الضروري حدوث شيء من العزلة عن العالم، وقد أصبح الإنسان، تحت التأثير التهذيبي للثقافة، أكثر حساسية للدعاية، حتى إن العزلة والخصوصية صارا ضروريين أكثر وأكثر للفرد، ولكن المشروعات والاختراعات العصرية قد أخضعتاه، بالتعدي على خصوصيته، لكرب وألم عقلي أكبر بكثير مما يمكن إحداثه من خلال الإيذاء الجسدي.
جادل الكاتبان بأن القانون العام قد تطور من حماية الكيان البدني للشخص والممتلكات المادية الخاصة به إلى حماية أفكاره، ومشاعره، وأحاسيسه، ولكن نتيجة لتهديدات الخصوصية من الاختراعات الحديثة وطرق العمل ومن الصحافة، فإن القانون العام يحتاج إلى أن يحقق المزيد من الحماية، لقد كان حق الفرد في تحديد إلى أي مدى يسمح بإيصال أفكاره، ومشاعره، وأحاسيسه إلى الآخرين؛ محميًّا من الناحية القانونية بالفعل، ولكن فقط فيما يتعلق بمؤلفي الأعمال الأدبية والفنية والرسائل، الذين بإمكانهم منع النشر غير المرخص به لتلك المواد، وعلى الرغم من أن القضايا الإنجليزية التي أقرت بذلك الحق كانت مبنية على حماية الملكية، فإن تلك القضايا في الواقع كانت اعترافًا بخصوصية ذات «طبيعة غير منتهكة».
خطيئة ترويج الشائعات
لم تعد النميمة تسلية الكسالى والحاقدين، وإنما صارت تجارة، تُمارَس بمثابرة ووقاحة، فمن أجل إشباع الذوق الشهواني، تُنشر تفاصيل العلاقات الجنسية وتبث في أعمدة الصحف اليومية، ومن أجل شغل الكسالى، تُملأ أعمدة فوق أخرى بالشائعات التافهة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالتطفل على المحيط العائلي … ولا يقتصر الضرر الذي تحدثه تلك التعديات على معاناة هؤلاء الذين ربما يكونون ضحايا لانتهاكات صحفية أو إعلامية، وفي تجارة النميمة، وكما هو الحال مع بقية أفرع التجارة، فإن العرض يوجِد الطلب، وكل محصول يحصد من النميمة غير اللائقة يصبح بذورًا لمزيد من الشائعات، وينتج عنه — وفقًا لتناسب مباشر مع تداوله — انخفاض في المعايير الاجتماعية والأخلاقيات، وحتى الشائعات التي تبدو غير مضرة ظاهريًّا، فإنه عندما تُتداول بإصرار وعلى صعيد واسع، تصبح نواة للشر، وهذه الشائعات تحقر من شأن الناس وتحرف الحقائق، فهي تحقر من خلال عكس الأهمية النسبية للأشياء، ومن ثم تقزِّم أفكار الناس وطموحهم، وعندما يصبح للنميمة الشخصية موقع مميز في الصحف، وتزاحم المساحة المتاحة للأمور التي تمثل أهمية حقيقية للمجتمع، فلا عجب أن الجهلة وعديمي الفكر يخطئون في تحديد أهميتها النسبية، ومن اليسير أن نفهم أنه لكون الشائعات مغرية لذلك الجانب الضعيف في الطبيعة البشرية الذي لا يحزن كلية للمصائب والانكسارات التي يتعرض لها جيراننا، فلا أحد يمكن أن يندهش من أنها تغتصب موضع الاهتمام في عقول قادرة على القيام بأشياء أخرى، فالتفاهة تدمر فوريًّا قوة الأفكار ورقَّة الشعور، ولا يمكن لحماس أن يزدهر، أو لدافع إيثار أن ينجو تحت تأثيرها المفسد.
أثار قرار المحكمة حالة من السخط العام، وقد قاد هذا السخط إلى سَنِّ ولاية نيويورك قانونًا يجعل الاستخدام غير المصرح به لاسم أو صورة أحد الأفراد لأغراض دعائية أو تجارية أمرًا غير قانوني، ولكن بعد ثلاث سنوات، وفي قضية تتضمن حقائق مشابهة، تبنت المحكمة العليا لولاية جورجيا حجة القاضي جراي جيه، لقد انتصرت أطروحة وارين وبرانديز، بعد ١٥ عامًا من نشرها، ومنذ ذلك الحين، أدرجت معظم الولايات الأمريكية «حق الخصوصية» في قانونها، ومع ذلك على الرغم من الاعتماد الشديد للكاتبين على الأحكام التي أصدرتها المحاكم الإنجليزية، فلم يحدث تطور ملموس في إنجلترا أو في البلدان الأخرى التي تحكم بالقانون.
الضرر الأول يتمثل في التطفل على عزلة أو انعزال المدعي أو على علاقاته الخاصة، والفعل الخاطئ هو التدخل المتعمد في عزلة أو انعزال المدعي، وهذا الأمر يتضمن التطفل البدني على ملكية المدعي واستراق السمع (الذي يتضمن المراقبة الإلكترونية والتصويرية، وزرع أجهزة التنصت، ومراقبة الهاتف)، ولكي يتحقق ذلك لا بد من استيفاء ثلاثة متطلبات: (أ) لا بد من حدوث تطفل فعلي، (ب) لا بد أن يزعج التطفل إنسانًا عاقلًا، (ج) لا بد أن يكون التطفل قد جرى على شيء خاص.
(أ) لا بد من حدوث إشهار عام (كشف الحقائق لمجموعة صغيرة من الناس لن يكون كافيًا)، (ب) الحقائق المكشوفة لا بد أن تكون حقائق خاصة (إشهار المسائل الموجودة بالسجلات العامة لا يعد إضرارًا بالغير)، (ج) الحقائق المكشوفة لا بد أن تكون مسيئة لشخص عاقل غير مفرط الحساسية.
أما الضرر الثالث فقد أوضح بروسر أنه يتشكل من تشهير يترك انطباعًا خاطئًا عن المدعي لدى العامة، وعادة ما يرتكب هذا الضرر عندما ينسب رأي أو مقولة (مثل كتب أو مقالات كاذبة) إلى المدعي علانية أو عندما تستخدم صورته لكي يزين بها كتاب أو مقال ليس للمدعي أي علاقة به، ومرة أخرى، لا بد أن يكون التشهير «شديد الإساءة للشخص العاقل».
وأخيرًا: ميز بروسر ضرر الاستيلاء على اسم المدعي أو هيئته من أجل مصلحة المدعى عليه، والفائدة التي يتحصل عليها المدعى عليه ليس بالضرورة أن تكون مالية؛ فقد حدث وتحصلت الفائدة، على سبيل المثال، عندما وُضع اسم المدعي بالخطأ على شهادة ميلاد أحد الأطفال باعتباره الأب، على الجانب الآخر، فإن الضرر القانوني، المنتشر في عدة ولايات، عادة ما يتطلب الاستخدام غير المصرح به لهوية المدعي في أغراض تجارية (عادة في الإعلانات)، إن إقرار هذا الضرر يؤسس لما كان يسمى ﺑ «حق الشهرة» الذي يستطيع الفرد من خلاله أن يقرر كيف يرغب في استغلال اسمه أو صورته دعائيًّا، وطبقًا لما قاله بروسر، فإن الأشكال الأربعة لانتهاك الخصوصية تترابط فقط من خلال كون كل منها تشكل تدخلًا في «حق المرء في أن يترك وشأنه».
عندما نضع في اعتبارنا ضعف العقلية القانونية أمام المسميات والتصنيفات الفخمة، ومع الوضع في الاعتبار المكانة المستحقة لبروسر، يصبح لدينا تكهن مقبول بأن الرؤية الرباعية سوف تهيمن على أي نوع من التفكير بشأن حق الخصوصية في المستقبل.
وقد سُجلت التقلبات التي طرأت على هذه الأضرار الأربعة في عدد هائل من المؤلفات الأكاديمية الشهيرة، ولم يكن هذا التطور مقتصرًا على الولايات المتحدة فقط، في الواقع، سعت كافة النظم القانونية المتقدمة تقريبًا، بدرجة ما، إلى إقرار جوانب محددة من الخصوصية، وهذه النظم تشمل أستراليا، وكندا، والصين، وتايوان، والدنمارك، وإستونيا، وفرنسا، وألمانيا، وهولندا، والمجر، وأيرلندا، والهند، وإيطاليا، وليتوانيا، ونيوزيلندا، والنرويج، والفلبين، وروسيا، وجنوب أفريقيا، وكوريا الجنوبية، وإسبانيا، وتايلاند، والغالبية العظمى من دول أمريكا اللاتينية.
حق دستوري
ظلت هذه الأضرارُ الأربعة الوسائلَ الفعالة التي تَمكَّن القانون الأمريكي من خلالها من حماية الخصوصية، وأيضًا صارت هذه الأضرار تمثل، بشكل أو بآخر، علامة على حدود الحماية الدستورية للخصوصية، وقد كان مصدر الاهتمام الرئيسي لوارين وبرانديز هو ما يمكن أن نطلق عليه الآن تطفل وسائل الإعلام، ولكن بعد عدة سنوات، أظهر برانديز (وقد صار قاضيًا حينها) معارضة شديدة في قضية «أولمستد ضد الولايات المتحدة» في عام ١٩٢٨، وقد أعلن برانديز أن الدستور، «مناوئًا الحكومة، قد منح الفرد الحق في أن يترك وشأنه»، مضيفًا، «من أجل حماية ذلك الحق، فإن كل تطفل غير مبرر من قبل الحكومة على خصوصية الفرد، أيًّا كانت الوسيلة المستخدمة، لا بد أن يعتبر انتهاكًا للتعديل الخامس من الدستور»، وقد تبنت المحكمة العليا هذه الرؤية في قضية «كاتز ضد الولايات المتحدة»، ومنذ ذلك الحين استحضرت المحكمة العليا ذكر الخصوصية مرارًا وتكرارًا باعتبارها حق الفرد في أن يترك وشأنه.
أما التطور الأهم والأكثر إثارة للجدل، فقد حدث سنة ١٩٦٥ مع قرار المحكمة العليا في قضية «جريزولد ضد ولاية كونيتيكت»، فقد قضت المحكمة بعدم دستورية القانون الذي أصدرته ولاية كونيتيكت والذي يقضي بحظر استخدام وسائل منع الحمل؛ لأن القانون انتهك الحق في خصوصية الحياة الزوجية، ذلك الحق الذي يعد أقدم من «ميثاق الحقوق»، إن الدستور الأمريكي ليس به ذكر لحق الخصوصية، ومع ذلك خلال سلسلة من القضايا، أقرت المحكمة العليا — من خلال ميثاق الحقوق (وخاصة التعديل الأول، والثالث، والرابع، والخامس، والتاسع) — من بين بقية حقوق الخصوصية الأخرى، ذلك الحق الخاص ﺑ «خصوصية الارتباط»، و«الخصوصية السياسية»، و«خصوصية المشورة»، وأيضًا وضعت المحكمة العليا حدودًا ضد استراق السمع والتفتيش غير القانوني.
الحرب بين المجموعات المناهضة للإجهاض والمؤيدين له هي النسخة الأمريكية الجديدة من الحروب الأهلية الدينية الرهيبة التي اجتاحت أوروبا في القرن السابع عشر، فالجيوش المتخاصمة تزحف عبر الشوارع أو تجمع نفسها في مظاهرات عند عيادات الإجهاض، وقاعات المحاكم، والبيت الأبيض، صارخة بعضها في بعض، ومتبادلة عبارات التحقير والبصاق أحيانًا، إن الإجهاض يمزق أمريكا.
تعد التجربة الأمريكية مؤثرة ومنورة في الوقت ذاته، أما بقية السلطات القضائية العاملة بالقانون العام فما زالت تتصارع مع المشكلات العنيدة الخاصة بتعريف الخصوصية، وتحديد نطاقها، والتوفيق بينها وبين الحقوق الأخرى، وبخاصة حرية التعبير، وكنوع من التعميم، من العدل أن نقول إن مرجعية القانون العام مبنية على المصلحة، في حين يميل العرف القاري للسلطات القضائية العاملة بالقانون المدني للاستناد إلى الحقوق، بعبارة أخرى، بينما يتبنى القانون الإنجليزي، على سبيل المثال، منهجًا براجماتيًّا يختلف من قضية لأخرى فيما يتعلق بحماية الخصوصية، نجد أن القانون الفرنسي يتفهم الخصوصية كحق إنساني أساسي، ومع ذلك فقد تقلص هذا التباين تحت تأثير الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان وبقية الإعلانات والتوجيهات التي تنطلق من بروكسل، وتتجلى شدة هذه الرياح العرضية بوضوح في تبني المملكة المتحدة لها داخل قانون حقوق الإنسان الذي أصدرته سنة ١٩٩٨، كما سنوضح بعد قليل.
محن القانون العام
ليس قانون إنجلترا وويلز وحده الذي ما زال يتصارع مع مأزق الخصوصية؛ فأستراليا، ونيوزيلندا، وأيرلندا، وكندا، وهونج كونج، وبقية السلطات القضائية العاملة بالقانون العام ما زالت تتخبط في مستنقع من التردد والحيرة.
يظل القانون الإنجليزي، على الرغم من تعدد المفوضيات، واللجان، ومحاولات إصدار التشريعات؛ غامضًا وغير محدد فيما يتعلق بالخصوصية، ففي عام ١٩٧٢، رفضت لجنة يانجر فكرة قانون عام للخصوصية يستند إلى التشريع، وخلصت اللجنة إلى أن ذلك التشريع سيثقل كاهل المحكمة ﺑ «أسئلة جدلية ذات طبيعة اجتماعية وسياسية»، وسيصبح من المتحمل أن يتعرض القضاة لمشكلات تتعلق بتحقيق التوازن بين الخصوصية ومصالح متنافسة مثل حرية التعبير، وأوصت اللجنة باستحداث جريمة وضرر جديدين تحت مسمى المراقبة غير القانونية، وضرر جديد يقع بالكشف عن المعلومات أو باستخدام معلومات اكْتُسِبَت بطريقة غير قانونية، والتفكير في قانون خرق الثقة (الذي يحمي المعلومات السرية التي يفضي بها طرف إلى آخر) كوسائل ممكنة يمكن من خلالها حماية الخصوصية، وقد قدمت تقارير مشابهة في بقية السلطات القضائية العاملة بالقانون العام.
دخول قانون حقوق الإنسان لعام ١٩٩٨ حيز التنفيذ يضعف حجة من يقولون إنه لا بد من وجود ضرر عام لانتهاك الخصوصية لكي يسد الفجوات الموجودة في التدابير الحالية، فالقسمان ٦ و٧ من القانون القصد منهما سد تلك الفجوات؛ فلو كانت القضية تتعلق بالفعل بانتهاك حقوق شخص ما، تنظمها المادة ٨ من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، من قبل سلطة عامة، فسوف يستحق ذلك الشخص تعويضًا قانونيًّا، وخلق ضرر عام سوف … ينهي السؤال الجدلي الذي يحدد إلى أي مدى تتطلب الاتفاقية من الدولة أن توفر تعويضات عن اختراقات للخصوصية قام بها أشخاص لا ينتمون للسلطات العامة؛ إن كان ذلك ممكنًا.
هذا القانون (الذي يدمج المادة ٨ من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في القانون الإنجليزي) بالغ التأثير، فهو ينص على حماية حق احترام الحياة الأسرية، والمنزل، والمراسلات، فهذا المعيار يعطي — على الأقل من وجهة نظر واحد من القضاة المخضرمين — «الزخم الأخير لإقرار حق الخصوصية في القانون الإنجليزي»، ومع أن قناعته قد لا يشاركه فيها كل أعضاء الهيئات القضائية، فإن تحليل الخصوصية المعروض في القضايا الحديثة يشير إلى أن تأثير المادة ٨ من الاتفاقية هو أنها تنص، على الأقل، على إمكانية التطبيق الأفقي للحقوق الواردة بهذه المادة، وبالفعل، فإننا نلاحظ في عدد من الأحكام الحديثة استعدادًا للسماح للمادة ٨ بأن تجهض ميلاد ضرر قانوني قائم بذاته لانتهاك الخصوصية، يكاد المرء يسمع صليل السيف وهو يعاد إلى غمده.
أنواع محددة من المعلومات بخصوص شخص ما، مثل المعلومات المتعلقة بصحته، أو علاقاته الشخصية، أو شئونه المالية، ربما يكون من السهل تمييزها كمعلومات خاصة، وهذا الوصف ينطبق أيضًا على أنواع محددة من الأنشطة، التي قد يفهم الشخص العاقل، الذي يطبق المعايير العصرية للأخلاق، أنه قد قصد بتلك النشاطات أن تكون غير مراقبة، والمتطلب الذي يجعل كشف أو مراقبة المعلومات أو السلوك إساءة بالغة في نظر الشخص العاقل معتدل الحساسية هو، في الكثير من الظروف، اختبار عملي مفيد لما يستحق صفة الخاص.
ومع أن الحكم لم يكن حاسمًا بشأن القضية الرئيسية، فإنه أشار إلى أن المحكمة العليا، عندما يتقدم إليها مدعٍ أكثر استحقاقًا (كان المدعي في هذه القضية مجزر لحوم كشفت هيئة الإذاعة الأسترالية، في تقرير مصور لها، عن ممارساته الوحشية)، ربما تدرك أن ضرر انتهاك الخصوصية قد لا يكون أمرًا مستبعدًا بالكلية.
في عام ٢٠٠٥ اتخذت محكمة الاستئناف بنيوزيلندا خطوة مهمة تجاه الإقرار بضرر قانوني عام يتعلق بانتهاك الخصوصية، ففي قضية «هوسكينج ضد رونتينج»، التقط المدعى عليهم صورًا لتوءمتي المدعي البالغتين من العمر ١٨ شهرًا في الشارع، حيث كانتا تجلسان داخل عربة الأطفال التي تدفعها أمهما، والد الطفلتين شخصية تليفزيونية معروفة، وقد سعى الزوجان لاستصدار أمر قضائي بمنع نشر تلك الصور، وقد أقرت هيئة المحكمة التي نظرت الدعوى أن القانون النيوزيلندي لم يدرك سببًا لإقامة دعوى انتهاك خصوصية بناءً على الكشف العلني لصور ملتقطة في مكان عام، ولكن على الرغم من أن محكمة الاستئناف رفضت التماس المدعي، فقد قررت (بأغلبية ٣ إلى ٢) بأنه قد صارت هناك حاجة لإقرار تدبير قانوني ضد «انتهاك الخصوصية من خلال نشر المعلومات الخاصة والشخصية»، وقد تبنت المحكمة هذه الرؤية بناء على تفسيرها لتحليل المحاكم الإنجليزية للتدبير القانوني ضد خرق الثقة، إلى جانب كون هذه الرؤية متسقة مع التزامات نيوزيلندا بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وقد اعتبرت المحكمة أيضًا أن حكمها قد سهل عملية التوفيق بين قيم متنافسة، ومكَّن نيوزيلندا من الاستفادة من الخبرة الواسعة للولايات المتحدة في هذا المجال.
في حكمهما، حدد القاضيان جولت بي وبلانشارد جيه متطلَّبين أساسيين لنجاح ادعاء انتهاك الخصوصية؛ أولًا: لا بد أن يكون لدى المدعي توقع معقول للخصوصية، وثانيًا: لا بد من حدوث إشهار لحقائق خاصة بطريقة تبدو مهينة ومسيئة للغاية في نظر شخص عاقل وموضوعي.
ينص قانون الخصوصية لسنة ١٩٩٣ على أن أي شخص قد يشتكي إلى مفوض الخصوصية مدعيًا أن فعلًا ما يمثل، أو يبدو كأنه يمثل، «تدخلًا في خصوصية أحد الأفراد»، وإذا وجد مفوض الخصوصية أن الشكوى ترتكز على حقائق، فربما يحيلها إلى مفوض الدعاوى القضائية المعين بموجب قانون حقوق الإنسان لسنة ١٩٩٣، الذي قد يطرح الدعوى أمام محكمة مراجعة الشكاوى، وقد تصدر المحكمة قرارًا بمنع تكرار الفعل المشتكى منه أو تطلب تصحيح أو تدارك التدخل الواقع، وتمتلك المحكمة أيضًا سلطة الحكم بالتعويض.
مع أن أيرلندا لا تعترف صراحة بالحق العام في الخصوصية في القانون العام، فإن المحاكم استنبطت حقًّا دستوريًّا في الخصوصية من المادة ٤٠-٣-١ من الدستور التي بموجبها تتعهد الدولة بأن تحترم الحقوق الشخصية للمواطنين وتدافع عنها، وتصونها، وهكذا، على سبيل المثال، قررت المحكمة العليا بالأغلبية في عام ١٩٧٤ أن الخصوصية واحد من بين تلك الحقوق، وأشارت الأحكام اللاحقة إلى أن المادة الدستورية تتسع لبعض انتهاكات الخصوصية من خلال اعتراض الاتصالات والمراقبة.
توجهات أخرى
يقوم التوجه القاري نحو الخصوصية على مفهوم «حق الشخصية»، ففي ألمانيا هذا الحق مضمون بواسطة القانون الأساسي، فالمادة ١ تفرض على كل سلطات الدولة واجب احترام وحماية «كرامة الإنسان»، والمادة ٢(١) تنص على أن «لكل شخص الحق في التطوير الحر لشخصيته ما دام لا يعتدى على حقوق الآخرين أو ينتهك النظام الدستوري أو القانون الأخلاقي»، وتجتمع هاتان المادتان لتشكلا حقًّا عامًّا للفرد في شخصيته، ويعد الحق في احترام الحياة الخاصة لفرد ما انبثاقًا من هذا الحق الخاص بالشخصية.
علاوة على ذلك، فإن المحاكم تحمي الخصوصية كجزء من حق الشخصية الذي يكفله القانون المدني، وتطبق المحاكم أيضًا قانون الجنح لكي توفر تدبيرًا قانونيًّا ضد السلوك المؤذي للكرامة الإنسانية مثل: النشر غير المرخص لتفاصيل دقيقة من الحياة الخاصة لشخص ما، والحق في عدم نشر التقارير الطبية بدون موافقة المريض، والحق في عدم تسجيل محادثات المرء دون علمه أو موافقته، والحق في عدم فتح مراسلات المرء، سواء قرئت أم لا، والحق في عدم التقاط صور للمرء دون موافقته، والحق في الوصف العادل لحياة المرء، والحق في عدم إساءة استخدام الصحافة للمعلومات الشخصية.
وتميز المحاكم الألمانية ثلاثة نطاقات للشخصية: النطاق «الحميمي»، والنطاق «الخاص»، والنطاق «الفردي»، ويغطي «النطاق الحميمي» أفكار المرء ومشاعره وطريقة التعبير عنهما، ومعلوماته الطبية، وسلوكه الجنسي، ونظرًا لطبيعته شديدة الخصوصية، فإن هذا النوع من المعلومات يتمتع بحماية مطلقة، ويتضمن «النطاق الخاص» معلومات ليست بالحميمية أو السرية (مثل الحقائق المتعلقة بأسرة المرء أو حياته العائلية) ولكنها مع ذلك خاصة؛ ولهذا تجتذب حماية كافية، وقد يكون إفشاء تلك الحقائق مبررًا إذا كان للمصلحة العامة، أما «النطاق الفردي» فهو يتعلق بالحياة العامة، والاقتصادية، والمهنية للمرء، وكذا علاقاته الاجتماعية والوظيفية، وهذا النطاق يحظى بأدنى درجات الحماية.
تتمتع الخصوصية بحماية حماسية في فرنسا، ومع أن الخصوصية لا ينص عليها صراحة في الدستور الفرنسي، فقد وسع المجلس الدستوري في عام ١٩٩٥ مفهوم «الحرية الفردية» في المادة ٦٦ من الدستور لكي يشمل الحق في الخصوصية، وبهذا الشكل رفعت قيمة الخصوصية لتصبح حقًّا دستوريًّا، علاوة على ذلك، فإن المادة ٩ من القانون المدني الفرنسي تنص على أن «لكل شخص الحق في أن تُحترم حياته الخاصة …» وقد أوَّلت المحاكم هذا النص لكي يشتمل على هوية الشخص (الاسم، تاريخ الميلاد، الديانة، العنوان … إلخ) والمعلومات الخاصة بصحته، وحالته الاجتماعية، وعائلته، وعلاقاته الجنسية، وميله الجنسي، وطريقة حياته بشكل عام، وأيضًا فإن الانتهاك المتعمد لمكان خاص، من خلال التقاط الصور أو تسجيل المحادثات، هو جريمة جنائية، وقد تقضي المحكمة بالتعويض لمن يتعرضون لهذه التعديات.
أما الدستور الإيطالي فهو يحمي الحق في الخصوصية كمقوم من المقومات الأساسية لشخصية الفرد، وعليه فإن انتهاك الخصوصية قد يؤدي إلى مطالبات بموجب القانون المدني، الذي ينص على أن أي شخص يرتكب، بتعمد أو بإهمال، فعلًا يسبب أذى مفرطًا لشخص آخر ملزم بتعويض من وقع عليه الأذى، ويصرح القانون المدني أيضًا بأنه قد يحظر نشر صورة شخص ما إذا كان ذلك النشر سيسبب جرحًا لكرامته أو يضر بسمعته.
وتضمن المادة ١٠ من الدستور الهولندي الحق في الخصوصية، ولكنه حق محدد بشروط، ومع أن المحكمة العليا قد أقرت بأن الحق في حرية التعبير لا يبرر التعدي على الخصوصية، فإنها سوف تتدبر كل الظروف والملابسات في أي قضية تتعلق بالخصوصية، وقد يبرهن صحفي ما على أن نشر المعلومات موضوع الدعوى كان مبررًا، وتفرض المادة ١٤٠١ من القانون المدني مسئولية عامة عن الإضرار غير القانوني بالآخرين، وقد جرى تأويل المادة لكي تشمل الضرر الناتج عن معلومات شخصية مؤذية دون مبرر، ويعاقب القانون الجنائي على التعدي على حرمة منزل شخص ما، أو التنصت على المحادثات الشخصية، أو التقاط الصور للأفراد على ملكية خاصة بدون تصريح منهم، أو نشر الصور التي تُلتقط بهذه الطريقة.
وفي حين أن كلًّا من الدستور الكندي والميثاق الكندي للحقوق والحريات يخلوان من أي إشارة واضحة للخصوصية، فإن المحاكم قد سدت هذه الفجوة من خلال تأويل الحق الدستوري في أن يكون المرء آمنًا من التفتيش أو الاعتقال غير المبررين (القسم ٨ من الميثاق) لتضمين حق الفرد في توقع قدر معقول من الخصوصية، لا يوجد حق في الخصوصية يكفله القانون العام على امتداد الحدود الأمريكية، ولكن محاكم الدرجات الأولى قد أظهرت استعدادًا لتوسيع نطاق أسباب التقاضي الحالية، كالتعدي على حرمة المنازل أو الإزعاج، لكي تحمي خصوصية الضحية، لقد عولج قصور القانون العام في عدد من المقاطعات الكندية من خلال سن ضرر قانوني لانتهاك الخصوصية، ففي مقاطعات كولومبيا البريطانية، ومانيتوبا، ونيوفاوندلاند، وساسكاتشوان، يعد ضرر «انتهاك الخصوصية» مستوجبًا لإقامة الدعوى بدون إثبات لوقوع الضرر، والصياغة المحددة للضرر القانوني تختلف بين مقاطعة وأخرى.
وقد طورت مقاطعة كويبك، كإحدى السلطات القضائية العاملة بالقانون المدني، تدبيرها القانوني من خلال تأويل نصوص عامة تتعلق بالمسئولية المدنية في القانون المدني السابق، ومع ذلك فإن الحماية الحالية ليست مدرجة صراحة في القانون المدني الجديد، وهي تنص على أن لكل شخص الحق في أن تُحترم سمعته وخصوصيته، وأنه ليس من حق أحد أن يعتدي على خصوصية شخص آخر إلا بموافقة ذلك الشخص أو ورثته، أو أن يكون ذلك التعدي مصرحًا به قانونًا، وأشكال السلوك المنتهك للخصوصية التي حددها القانون تغطي نطاقًا واسعًا إلى حد مقبول من السلوكيات، علاوة على ذلك، فإن القسم ٥ من ميثاق كويبك لحقوق الإنسان والحريات يصرح بأن لكل شخص الحق في أن تُحترم حياته الخاصة، وهذا النص مطبق تطبيقًا مباشرًا بين المواطنين، وقد فسر قانون الخصوصية الموحد لسنة ١٩٩٤ القوانين الإقليمية الحالية وأضاف إليها.
البعد الدولي
- (١)
لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته.
- (٢)
ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات.
- (١)
لكل إنسان حق احترام حياته الخاصة والعائلية ومسكنه ومراسلاته.
- (٢)
لا يجوز للسلطة العامة أن تتعرض لممارسة هذا الحق إلا وفقًا للقانون وبما تمليه الضرورة في مجتمع ديمقراطي لمصلحة الأمن القومي وسلامة الجمهور أو الرخاء الاقتصادي للمجتمع، أو حفظ النظام ومنع الجريمة، أو حماية الصحة العامة والآداب، أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
وقد انخرطت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورج إلى حد بعيد في الفصل في الشكاوى المقدمة من أفراد يطلبون التعويض عن انتهاكات مزعومة للمادة ٨، وقد كشفت شكواهم عن وجود قصور في القوانين المحلية للعديد من السلطات القضائية الأوروبية، على سبيل المثال، في قضية «جاسكين ضد حكومة المملكة المتحدة»، صرحت المحكمة بأن الحق في احترام الحياة الخاصة والأسرية يفرض واجبًا على السلطات العامة بأن تقدم للفرد ما بحوزتها من معلومات شخصية تخصه، وفي قضية «ليندر ضد حكومة السويد»، قضت المحكمة بأن هذا التصريح بالوصول للمعلومات يمكن رفضه قانونًا لأحد المطالبين به حينما تتعلق المعلومات بالأمن القومي، مثلًا، بغرض التحري عن فرد مرشح لمنصب حساس، شريطة أن توجد عملية مرضية يمكن من خلالها مراجعة قرار الامتناع عن تقديم المعلومات، وخلال السطور التالية سنناقش قرارين من القرارات الرائدة للمحكمة فيما يتعلق بمراقبة الهواتف.
التطفل
لم يعد جاسوس هذه الأيام يعتمد على أذنيه وعينيه المجردتين، وكما رأينا في الفصل الأول، فإن مجموعة من الأجهزة الإلكترونية قد جعلت مهمته أسهل نسبيًّا، وفي مواجهة هذه التطورات التكنولوجية، من غير المرجح أن تثبت وسائل الحماية التقليدية، سواء المادية أو القانونية، فعالية تذكر؛ فالأولى لن تكون فعالة لأن الرادار والليزر لا تقيدهما الحوائط والنوافذ، والثانية لأنه في غياب الانتهاك الفعلي لملكية الفرد، فإن قانون التعدي على ملكية الغير لن يساعد الضحية الواقعة تحت حصار المراقبة الإلكترونية، فموضع الحماية هو ملكية المدعي وليس خصوصيته.
وتثير التعديات المادية على الأماكن الخاصة تساؤلات مشابهة لتلك التي تتولد عن اعتراض المحادثات والمراسلات الخاصة، سواء الإلكترونية أو التقليدية، ولا يمكن لمجتمع متحضر أن يسمح بالدخول والتفتيش غير المرخص بهما لمنزل أحد الأشخاص دون مذكرة قانونية صادرة مسبقًا، وعادة من إحدى المحاكم، ويتطلب منع السلوك الإجرامي، والكشف عنه، ومقاضاة من يرتكبونه تفتيشًا للأماكن الخاصة بواسطة الشرطة أو سلطات تطبيق القانون الأخرى، وهذه مسألة تثير تساؤلات عميقة عن السياسة التي تتوسع إلى ما هو أبعد من حماية الخصوصية، ومع ذلك فمن الواضح — وخاصة في المجتمعات الصناعية الحديثة — أن المراقبة الإلكترونية، واعتراض المراسلات، ومراقبة الهواتف، تقتضي وجود آلية نظامية وتشريعية واضحة للتحكم على نحو خاص في الظروف التي بمقتضاها سوف يسمح القانون باستخدام تلك الأجهزة، والتطبيق القانوني لها في ملاحقة المجرمين وتحقيق العدالة الجنائية.
وتنظم القوانين في العديد من الدول الديمقراطية استعمال المراقبة الخفية من خلال سلطة قضائية، وعادة ما يصدر أمر قضائي لتوضيح قيود استعمال هذه القوة — بما فيها المهلة الزمنية — التي هي مضرة على نحو خاص؛ نظرًا لكونها لا تتضمن فقط مراقبة ما يقوله الشخص المراقب، وإنما أيضًا مراقبة من يتحدث إليهم، ومعظم هؤلاء يكونون في الغالب أشخاصًا يجرون محادثات بريئة.
المراقبة والإرهاب
تعد مراقبة خطوط الهاتف سلاحًا فعالًا فيما يسمى ﺑ «الحرب على الإرهاب»، وقد اشتد استخدامها — كما هو متوقع — منذ هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، فخلال ستة أسابيع من ذلك التاريخ، سن الكونجرس الأمريكي قانون توحيد وتقوية أمريكا من خلال «توفير الأدوات المناسبة المطلوبة لاعتراض ومنع الأنشطة الإرهابية» (قانون «باتريوت»)، وكان هذا مجرد إجراء وحيد من بين عدة تدابير قُدمت لترخيص مراقبة نطاق من الأنشطة، بما فيها المكالمات الهاتفية، والرسائل الإلكترونية، والاتصالات الإلكترونية عبر الإنترنت، بواسطة عدد من مسئولي تطبيق القانون، وقد أجريت تعديلات موسعة على بنود سلسلة من قوانين ما قبل الحادي عشر من سبتمبر — مثل قانون مراقبة الهواتف، وقانون خصوصية الاتصالات الإلكترونية، وقانون مراقبة المخابرات الأجنبية — مما يقلل بشدة من حمايتها للخصوصية.
وقد أدان مناصرو الخصوصية ومؤيدو الحرية المدنية جوانب متعددة من هذا التشريع، ومن بين مخاوفهم حقيقة أن التشريع يقلل الإشراف القضائي على المراقبة الإلكترونية من خلال تعريض الاتصالات الإلكترونية الخاصة لأدنى مستوى من المراجعة، والقانون يسمح أيضًا لسلطات تطبيق القانون بالحصول على ما يمكن اعتباره «إذنًا قضائيًّا على بياض»؛ فهو يرخص بأوامر عشوائية بمراقبة استخباراتية لا تحتاج إلى تحديد المكان الذي سيُفتش أو تشترط أن يجري التنصت فقط على محادثات الهدف.
ومن الخصائص الأخرى المميزة لهذا القانون الصلاحية التي يخولها لمكتب التحقيقات الفيدرالي في استخدام سلطاته الاستخباراتية في تجنب المراجعة القضائية لشرط توافر «السبب المحتمل» المنصوص عليه في التعديل الرابع للدستور الذي يقضي بأن تحدد مذكرة التفتيش المكان الذي سيُفتش، ويمنع إساءات مثل التفتيش العشوائي لمنازل أشخاص أبرياء بناء على مذكرة تفتيش صادرة بحق منزل آخر، بعبارة أخرى، في حالة المراقبة الإلكترونية، فإن شرط التحديد الذي يقتضيه التعديل الرابع للدستور يلزم مسئولي تطبيق القانون المتقدمين بطلب لاستصدار أمر قضائي أن يحددوا الهاتف الذي يريدون مراقبته.
في حكمها التاريخي عام ١٩٦٧ في قضية «كاتز ضد حكومة الولايات المتحدة»، قضت المحكمة العليا بأن وضع جهاز تنصت خارج كابينة تليفون عمومي يمثل نوعًا من التفتيش غير القانوني، وقد جادلت الحكومة بأنه ما دام جهاز التنصت لم يوضع بالفعل داخل الكابينة، فلم يحدث أي انتهاك لخصوصية المدعي، ولكن المحكمة رفضت وجهة النظر هذه، وأعلنت أن «التعديل الرابع يحمي الناس، وليس الأماكن»، ومع أن المحكمة قد تراجعت عن هذا الموقف قليلًا منذ ذلك الحين، فإن حكمها بأن الحماية يجب أن تكون مُفعَّلة، سواء أكان لدى الفرد في تلك الظروف «توقع معقول للخصوصية» أم لا؛ يظل الذريعة التي يُتذرع بها بأن حماية مشابهة يجب أن تنطبق على الاتصالات عبر الإنترنت، ولكن في الوقت الحاضر، فإن قانون باتريوت، وتجسيداته الأكثر حداثة، والإجراءات المرتبطة به، قد جمدت الحديث عن تساؤلات مثل هذه.
قبل سن القانون، كان المحققون في قضايا الإرهاب والتجسس ملزمين بالعودة إلى المحكمة للحصول على إذن قضائي في كل مرة يغير فيها المشتبه فيه الهاتف أو جهاز الكمبيوتر الذي يستخدمه.
ويسمح القانون باستصدار مذكرات «المراقبة المتنقلة للهواتف» من محكمة سرية لأجل اعتراض المكالمات الهاتفية والاتصالات الإلكترونية الخاصة بمشتبه به، بدون تحديد هاتف محدد أو حتى اسم المشتبه به، بعبارة أخرى، عندما يدخل الشخص المستهدف في مذكرة التنصت المتنقل منزل شخص آخر، فإن الموكلين بتطبيق القانون يستطيعون مراقبة هاتف صاحب ذلك المنزل.
لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي سلطة واسعة بالفعل في مراقبة الاتصالات الهاتفية والإلكترونية، وينص القانون الحالي، على سبيل المثال، على أنه يمكن الحصول على مذكرة قضائية بمراقبة الهواتف فيما يتعلق بالجرائم المتصلة بالهجمات الإرهابية، بما فيها تفجير واختطاف الطائرات، ومعظم التغييرات المتعلقة بسلطات مراقبة خطوط الهاتف والمدرجة بقانون باتريوت لن تنطبق فقط على مراقبة الأشخاص المشتبه في تورطهم في أنشطة إرهابية، ولكن أيضًا على التحقيقات الخاصة بجرائم أخرى، وأيضًا يمتلك مكتب التحقيقات الفيدرالي السلطة في اعتراض الاتصالات بدون تقديم سبب محتمل لوقوع جريمة؛ وذلك «لأغراض استخباراتية بموجب قانون مراقبة المخابرات الأجنبية»، ومعايير استصدار مذكرة مراقبة هاتف بموجب قانون مراقبة المخابرات الأجنبية أقل تشددًا من تلك المتعلقة بمراقبة الهواتف لأغراض جنائية.
تجري أجهزة تسجيل الأرقام وأجهزة الحصر والتتبع مسحًا إلكترونيًّا للمكالمات الهاتفية والاتصالات الإلكترونية، وهكذا، فإن جهاز تسجيل الأرقام يراقب كل الأرقام التي يتم الاتصال بها من خلال هاتف أرضي أو يسجل من خلاله كل الاتصالات الإلكترونية، ويرخص قانون باتريوت لقاضٍ فيدرالي أو قاضٍ محلي بإحدى المناطق إصدار إذن قضائي باستخدام جهاز تسجيل أرقام أو وسيلة حصر وتتبع غير مدرج به اسم مزود خدمة الإنترنت الذي سيقدم إليه هذا الإذن القضائي، وبالفعل، يمكن تقديم هذا الإذن القضائي لأي مزود خدمة إنترنت في الولايات المتحدة، فالقاضي يصدر الإذن فقط ويقوم الموكلون بتطبيق القانون بكتابة المواقع التي سيقدم إليها هذا الإذن، وبذلك يقيد الدور القضائي أكثر وأكثر.
أساليب القبول
قبل وقت طويل من صدور هذا الكم الرهيب من تدابير مكافحة الإرهاب الحالية، كانت الولايات المتحدة قد سنت عددًا من القوانين، على مستوى الولايات والمستوى الفيدرالي، التي تضع المعايير الواجب استيفاؤها قبل السماح للحكومة باعتراض المكالمات، فقبل إصدار إذن قضائي بموجب قانون خصوصية الاتصالات الإلكترونية لسنة ١٩٨٦، كان على مسئول تطبيق القانون أن يبين طبيعة الجريمة محل التحقيق، ونقطة الاعتراض، ونوع المكالمات التي ستُعترض، وأسماء المستهدفين المحتملين، وكان عليه أيضًا أن يظهر مبررًا مقنعًا لاعتراض المكالمات، وأن يبين أن طرق التحقيق التقليدية غير فعالة، والأذون القضائية الصادرة بموجب هذا القانون ترخص المراقبة لمدة قد تصل إلى ٣٠ يومًا (مع احتمالية التمديد ﻟ ٣٠ يومًا أخرى)، ولا بد من تقديم تقرير إلى المحكمة كل ٧ إلى ١٠ أيام.
تعد مراقبة هواتف الآخرين أو استخدام جهاز ما لالتقاط اتصالاتهم بدون موافقة المحكمة جريمة فيدرالية، إلا إذا كان أحد طرفي المحادثة قد وافق مسبقًا على ذلك، ومن الجرائم الفيدرالية أيضًا استخدام أو الكشف عن أي معلومات تم الحصول عليها من خلال مراقبة غير قانونية لخطوط الهاتف أو التنصت الإلكتروني، ويقدم التشريع أيضًا حماية من اعتراض الرسائل الإلكترونية والاستخدام السري لممارسات مراقبة المكالمات الهاتفية، وتتضمن هذه الترتيبات آلية إجرائية لمنح هيئات تطبيق القانون مدخلًا محدودًا للاتصالات الخاصة وتسجيلات الاتصالات تحت شروط متوافقة مع نصوص التعديل الرابع الذي يضمن حق المرء في ألا يكون عرضة للتفتيش أو الاحتجاز غير الشرعيين، وينص على أنه لا يجب إصدار مذكرات قضائية إلا لمبرر مقنع.
هل من حل؟
لا يوجد نظام مثالي، ولكن على أقل تقدير، يتوقع من المجتمعات الديمقراطية أن تنظم هذا النوع من المراقبة شديدة التطفل بطريقة تضمن احترام التوقعات المشروعة والمعقولة لمواطنيها، وحينما تقرر المحكمة هل ستمنح مذكرة قضائية لتنفيذ عملية مراقبة خفية، لا بد أن تقتنع بأن وراء هذا التطفل المقترح هدفًا شرعيًّا، ويجب أن تضمن المحكمة أن وسائل التحقيق تتناسب مع فورية وجسامة الجريمة المزعومة، موازنة بين الحاجة إلى المراقبة في مقابل مدى تعدي تلك المراقبة على خصوصية الشخص المستهدف وبقية الأشخاص الذين قد يتأثرون بها، ولا بد من وجود شك معقول في أن الشخص المستهدف متورط في ارتكاب جريمة خطيرة، ولا بد أن تطمئن المحكمة أيضًا إلى أن المعلومات المتصلة بالهدف من عملية المراقبة من المرجح أن يُحصل عليها، وأن هذه المعلومات لا يمكن الحصول عليها بوسائل أخرى أقل تطفلًا.
لتصل المحكمة إلى قرار، يحق للمرء أن يفترض أن مأمور الضبط القضائي التابع لها سوف يضع في اعتباره فورية وجسامة الجريمة الخطيرة أو التهديد الذي تمثله على الأمن العام، والمكان الذي سيقع فيه اختراق الخصوصية، والطريقة التي ستطبق في عملية الاختراق، وطبيعة أي جهاز سيُستخدم.
وعلى المحكمة أن تضع في اعتبارها «التوقع المعقول للخصوصية» في الظروف الخاصة بالقضية، وفيما يتعلق بمراقبة خطوط الهاتف، فإن الاقتراح الذي يُسمع أحيانًا هو أن التوقع المقبول للخصوصية لمستخدم الهاتف ربما يمكن تبريره عندما يتبين أن المتنصت فرد عادي، ولكن ليس عندما يكون المتنصتون رجال الشرطة الذين يعملون بموجب سلطة قانونية، ويقال إن هذه الفرضية مبنية على تقبل المخاطرة، ولكن من الصعب أن نرى كيف يمكن استنتاج مثل هذا التمييز بطريقة منطقية، فلو كان من حقي أن أفترض أن محادثتي الخاصة لن يتنصت عليها فرد عادي، فلماذا يجب أن يكون هذا الافتراض أقل قوة عندما يتبين أن المتنصتين هم رجال الشرطة؟
وهناك صعوبة إضافية متكررة تتعلق بالمعايير الواجب تطبيقها في حالة «المراقبة غير الاتفاقية» في مقابل «المراقبة بالمشاركة»، فالحالة الأولى تقع عندما تعترض محادثة خاصة بواسطة شخص ليس طرفًا في المحادثة ولم يحصل على موافقة أي من أطرافها، على الجانب الآخر، فإن «المراقبة بالمشاركة» تتضمن قضايا يستخدم فيها طرف في محادثة ما جهاز تنصت لكي يبث المحادثة إلى شخص ليس طرفًا فيها، أو يسجل طرف في محادثة ما دون موافقة الطرف الآخر، وكثيرًا ما يحتج البعض بأنه في حين يجب أن يكون هناك تحكم قانوني في المراقبة غير الاتفاقية، فإن المراقبة بالمشاركة — وخاصة عندما تستخدم بغرض تطبيق القانون — لها مبرراتها، ولكن هذا الادعاء يتجاهل الفوائد المميزة التي تدعم الاهتمام بحماية المحتوى، والأهم من ذلك حماية الأسلوب الذي تجري به المحادثات، علاوة على ذلك، مع أن المراقبة بالمشاركة وسيلة مساعدة مفيدة في كشف الجرائم، ومن الجائز أنها تشكل خطرًا أقل على الخصوصية من المراقبة غير الاتفاقية، فإن «الطرف الذي يسجل المحادثة على نحو سرِّيٍّ يستطيع أن يظهر الأمور بطريقة ملائمة تمامًا لموقفه؛ لأنه الشخص المتحكم في الموقف، فهو يعرف أنه يسجل تلك المحادثة».
أوروبا
كانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان نشطة بشكل خاص في هذا الجانب، ومن المفيد تثقيفيًّا أن نقارن بإيجاز بين اثنين من قراراتها المهمة، أحدهما يتعلق بألمانيا، والآخر بالمملكة المتحدة، كانت مراقبة الهاتف في قضية «كلاس ضد جمهورية ألمانيا الاتحادية» متوافقة مع القانون الألماني، ولكن في قضية «مالون ضد المملكة المتحدة» تمت عملية المراقبة بدون إطار تشريعي شامل، وبالرغم من أن كلتا القضيتين تعلقت بهواتف تناظرية، فإن المبادئ التي طرحت تعتبر عامة بما يكفي لتطبيقها على الهواتف الرقمية، بالإضافة إلى اعتراض المراسلات المكتوبة، وربما تنطبق أيضًا على بقية أشكال المراقبة.
يضع القانون الألماني قيودًا صارمة على اعتراض الاتصالات، ومن بينها اشتراط أن تقدم طلبات استصدار المذكرات القضائية كتابة، وأن يكون هناك بالفعل أساس للاشتباه بأن شخصًا ما يخطط لارتكاب، أو يرتكب، أو ارتكب أفعالًا إجرامية أو تخريبية محددة، وأن المراقبة ربما تغطي فقط المشتبه المحدد أو معارفه المفترضين؛ لهذا فإن المراقبة الاستقصائية أو العامة غير مصرح بهما، وينص القانون أيضًا على أنه لا بد من إظهار أن طرق التحقيق الأخرى ستكون غير فعالة أو أكثر صعوبة من عملية المراقبة، ويشرف على عملية اعتراض الاتصالات مأمور ضبط قضائي يمكنه أن يكشف فقط عن المعلومات المتصلة بالتحقيق، في حين يجب عليه إتلاف بقية المعلومات، ولا بد من تدمير المعلومات المعترضة عندما لا تكون هناك حاجة لها، ولا يسمح باستخدامها لأي غرض آخر.
ويشترط القانون أن توقف عملية الاعتراض فورًّا عندما تنتهي هذه المتطلبات، ولا بد من إبلاغ الشخص المستهدف في أسرع وقت ممكن دون إضرار بالهدف المطلوب من عملية الاعتراض، وحينها ربما يتحدى الشخص المستهدف شرعية اعتراض اتصالاته لدى محكمة إدارية وقد يطالب بتعويضات من محكمة مدنية إذا ثبت وجود تحامل ضده.
بالإضافة لما سبق، فإن القانون الألماني الأساسي يحمي سرية البريد، والمراسلات، والاتصالات، ولهذا يجب على المحكمة أن تقرر هل التدخل مبرر وفقًا للمادة ٨(٢) من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان لكونه «متوافقًا مع القانون» وضروريًّا في مجتمع ديمقراطي «لمصلحة الأمن القومي … أو لمنع الاضطرابات والجرائم»، وفي حين أقرت المحكمة بوجود حاجة إلى تشريع من أجل حماية هذه المصالح، فقد صرحت بأن القضية الحقيقية ليست الحاجة إلى مثل هذه البنود القانونية، وإنما هل هذه البنود تحتوي على وقاية كافية ضد إساءة الاستخدام.
وقد ادعى مقدمو هذه الدعوى أن القانون خالف المادة ٨ من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان؛ لأنه افتقر إلى المتطلَّب الذي يقضي بضرورة إبلاغ الشخص المستهدَف «دون استثناء» عقب انتهاء عملية المراقبة، وقد قضت المحكمة بأن الإجراء الذي اتخذ لم يكن متعارضًا في حد ذاته مع المادة ٨، شريطة أن يُبَلَّغ الشخص المستهدف بعد انتهاء إجراءات عملية المراقبة فور أن يصبح من الممكن توجيه إخطار له دون تعريض الغرض من هذه الإجراءات للخطر.
وفي قضية «مالون ضد المملكة المتحدة»، طالب المدعي — الذي علم أثناء محاكمته على عدد من الجرائم تتعلق بالمتاجرة في ممتلكات مسروقة بأن محادثاته الهاتفية كانت عرضة للاعتراض والمراقبة — بإصدار أمر امتثال ضد الشرطة، وقد جادل الرجل دون طائل: أولًا بأن مراقبة الهاتف كانت انتهاكًا غير شرعي لحقه في الخصوصية والملكية الخاصة والسرية، وثانيًا بأن عملية المراقبة تمثل خرقًا للمادة ٨ من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، وثالثًا بأن حكومة المملكة ليس لديها سلطة قانونية في اعتراض المكالمات، بما أن هذه السلطة لم يخولها القانون لأحد، رفع الرجل شكواه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهناك، وعلى نحو لا يثير الاستغراب، حكمت المحكمة له، وقد أقرت المحكمة بالإجماع بأن الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان قد خُرق بالفعل، ونتيجة لهذا الحكم، أقرت الحكومة البريطانية بأن هناك حاجة لسن قانون، وهكذا وُضع قانون اعتراض الاتصالات لسنة ١٩٨٥، ويؤسس القانون لإطار شامل مقبول، عموده الفقري هو بند قانوني يخول لوزير الدولة صلاحية إصدار مذكرات مراقبة حينما يرى ذلك ضروريًّا لمصلحة الأمن القومي، أو من أجل منع أو كشف جريمة خطيرة، أو لحماية الحالة الاقتصادية.
في حين يبدو واضحًا أن مراقبة خطوط الهاتف تفيد في القبض على المجرمين ومنع الجريمة والإرهاب، فإن المسئولية تقع على عاتق هؤلاء الذين يرغبون في تطبيق هذه الوسيلة غير المقيدة من وسائل التحقيق لكي يظهروا أن هناك حاجة قوية لفعل ذلك، وأنه من المرجح أن تكون فعالة، وأنه لا يوجد بديل مقبول عنها، وإذا لم يكن هناك إمكانية لإثبات تلك المزاعم، فسيصبح من المستحيل عمليًّا تبرير هذه الممارسة «ليس لأننا نرغب في عرقلة تطبيق القانون، ولكن لأن هناك قيمًا نضعها في مكانة أعلى من كفاءة الأداء الشرطي».
إن الأسلوب الحكيم في التعامل مع هذه المشكلة من شأنه أن يكفل أنه متى اكْتُسِبت مواد عملية المراقبة بطريقة جائرة خالية من الضمير، بحيث تؤدي إلى إضعاف شديد لثقة العامة في تطبيق العدالة، فإن المعلومات المكتسبة لا يجب أن يسمح بإدراجها في الأدلة التي تستند إليها المحكمة.