اليوم الرابع عشر (الخميس ٢٦ أبريل سنة ١٩٠٠)
پاريس مثل سائر عواصم أوروبا ومدائنها الكبرى، لها في العادة حركة هائلة يذهل أمامها العقل ويحار فيها الفكر، فكيف بها في أيام المعرض العام. لا جرم أنها تستدعي زيادة الخفة ونهاية النشاط، فإذا أراد الماشي أن ينتقل من إحدى حافتي الطريق إلى الأخرى، أي من برزوق إلى آخر أو (بالتعبير المتعارف في مصر الآن) من تلتوار إلى تلتوار (كذا) وجب عليه الإسراع في العَدْو والوثب والقفز مع الاحتراس الشديد، والالتفات التام إلى الخلف وإلى الأمام واليمين والشمال؛ لئلا تصدمه العربات المتعددة الأنواع والأشكال، مما لا يدخل تحت حصر، ولا يضبطه إحصاء.
أما إذا كان يجري على طريقة الشرقيين في التماهُل والتكاسل والنفخة والفخفخة والعظمة والأُبَّهة، فالأفضل له في رأيي أن يريح ويستريح.
– وكيف ذلك وهو يريد أن ينعم نفسه برؤية عظمة پاريس، أو ينعم على پاريس برؤية عظمة نفسه؟
– إذا كان ولابد، فليكن دائمًا في عربة، مترفعًا عن العامة؛ ففي ذلك السلامة.
أما أيام المعرض فإنها تزيد بحسب هوى الحوذي فهو الخصم والحكم، ويا ويل من ركب عربة على غير اتفاق، فيقع بين يديه، وهو يجور عليه ولا يبالي، فلينظر صاحبنا مقدار ما يلزمه من النفقات في الركوب وحده، وأما بقية المصاريف في الأكل والشرب والنوم والمشتريات واللوازم وغير ذلك، فربما تكلّمت عنها في يوم آخر متى توفرت لدي المعلومات الكافية بعد التجربة المرّة، المَرَّة بعد المَرَّة، وأمري لله وإليه أنيب.