المدة (من ٢٤ مايو إلى ١٥ يونيو سنة ١٩٠٠)
رأيت من باب الواجب أن لا أتكلم على معروضات الأجانب، حتى يتم أمر يهمني ويهم سكان مصر: ألا وهو انتهاء القسم المصري والاحتفال بافتتاحه، وحينئذ أفتتح به رسائلي على المعرض العام، كما هو اللائق، فإن رضي القراء فبها، وإلا فالذوق والمجاملة حكمان بينهم وبيني على أنه لم يَفُتْهُمْ شيء، وأتعشم أن المستقبل يكون مكللًا بالنجاح والفلاح.
وقد كان الغرض الأصلي من مجيئي لپاريس معالجة أذني اليسرى من وقْر ألمَّ بها، ودويِّ لازمها، وطنين مستديم فيها، بعد أن أتعبت أطباء مصر وأتعبوني، فأشار عليّ بعضهم أن لا ألتمس العلاج إلا من طبيب حصر عنايته في تطبيب هذا المرض، فقصدت ثلاثة من أشهر الحكماء، وأنطس الأطباء الذين انقطعوا لدرس هذا الفرع ومعالجته، حتى أصبحوا يشار إليهم بالبنان، وأصبح كلامهم مسموعًا في كل الآذان باستئذان وبغير استئذان. وفي آخر هذه المدة تحققت أن لا مناص لي من حمد الله تعالى على السراء والضراء، وصرت لا أسأله دفع القضاء، بل اللطف فيه، فإن حكماء پاريس (ولا أقول كلهم) لا يكادون يمتازون عن أضرابهم عندنا، إلا بزيادة التعقيد في إعطاء المواعيد، والمبالغة في الفخفخة عند السماح بالمقابلة، وإلزام القاصد بالسعي في التزلف إليهم، والتقرب منهم، ونيل الحظوة عندهم، فحيا الله هذه الصناعة! ويا ليتني كنت طبيبًا!
ولما كان اليوم التالي قد تحدّد لافتتاح المعرض المصري عزمتُ على تمضية ما بقي من إجازتي لزيارة المعرض العام بالتفصيل، فإن أقسامه كلها قد كادت تبلغ التمام.