اليوم الثالث (الأحد ١٥ أبريل)
اسمع! إليك فائدة مجرّبة صحيحة تلقَّيْتها عن أحد الأشياخ من الدراويش، وقد ثبتت صحتها عندي الآن: ذلك أني أتردد في بعض الأوقات، إلى درويش أعتقد فيه الخير، وأسأله الدعاء. فلما علم بسفري إلى المعرض العام، قال لي: «يا بني! سمعت أنك قد تشكو من اضطراب البحر، فما الذي أعددته لاتِّقائه؟»
فقلت: «لا شيء يدرأ عني الدوار، وقد جرّبت كل ما وصفه الواصفون فما أجدى نفعًا.»
فقال لي: «إن شئت أن لا تضطرب في جوفك الأمعاء، ولا تعاندك الصفراء، فتوكل على الله، وكُلْ شيئًا من الفول المدمّس، في صباح يوم الرحيل، وعليك بالاعتقاد التامّ واليقين الصحيح، وإياك! إيَّاك! من الشك والارتياب فتندم.»
فصادفت هذه النصيحة هوى في فؤادي، ولذلك عملتُ بها، وقضيت من الفول مرادي. فلما وصلت الإسكندرية في ظهر يوم الجمعة الماضي، دعاني صديق حميم لتناول الغذاء، وكان معه شيخ لا من الدراويش ولا من البهاليل، وإنما تمشيخ وحشر نفسه في الطائفة، طمعًا في تقبيل اليد، ونوال الرّفد، والعيش الرغد. وقد زاد الصديق كرمه ولطفه، فإنه استحضر نوعًا من السمك المملح ليس في مصر أحد لا يعرفه بل يكاد المصري لا يُعرف إلَّا به.
فأخذ المتمشيخ يكثر من الإطناب في فوائده، والتنويه بفضائله حتى حرّك النّهم وأجرى اللعاب في الفم، فأقبلت عليه مودّعًا ومتزوّدًا حتى بلغت حد النصاب أو كدت؛ بل جاوزته وزدت، أما البصل فقد كنا في ميناه وقد ذهبت ساعة النحس، بانقضاء وقت الصلاة، ولذلك نلت منه ونال مني، حتى صرت أبتعد من كل من أتى ليودعني، فبهذا جرى القلم: اللذة يتبعها الألم.