اليوم الرابع (الاثنين ١٦ أبريل)
أشعة النهار وطلائع الأنوار تساقطت من السماء، وتسابقت في الفضاء حتى رست على وجه الماء، فبدا الإشراق على جبين الآفاق، وظهرت غرة الصباح على رؤوس الجبال، فحياها الضياء بالثناء والسناء، ثم حياها فأحياها، ووافاها بعد أن كان جناها، فخجلت السحب في علاها فظهر على هاماتها الاحمرار، وثبتت فلول جيوش الليل في تفانيها فسالت منها الدماءُ كالأنهار، وفي أثناء ذلك بزغ قوس من النار في ثنايا السحاب.
فنظرتُ إلى القمر وإذا به قد علاه الاصفرار، ثم ابيضَّت عيناه من الحزن، بل وجهه من الانكسار. وحينئذ ازداد الحريق في صياصي السحاب، واستمرّ الاشتعال في الازدياد والانتشار، حتى انصبغت دائرة الأفق بل ميدان القتال، ثم علا لسان النار بلا دخان، وازداد حجم ذلك القوس فصار كالقرص، وكله أنوار في أنوار. وعند ذلك لم يقرّ للقمر قرار، بل جنح إلى الفرار، وولَّى الأدبار. وترك الحكم والسلطان لرب النار والنور والنهار.
فلما تبددت كتائب الظلماء، وانتشرت رايات الضياء، في سائر الأرجاء، وتمَّ شروق الغزالة وطلع النهار، سبحت جميع العناصر باسم الواحد القادر، وعَنت الوجوه للحيِّ القيوم، وابتسمت الثغور، وانشرحت الصدور لعودة الحياة إلى الوجود.
هذا قليل من الشعر مقلوبًا في قالب النثر، ألهمه الإشراف على الإشراق فأملاه لسان الوجدان، على صفحات الجنان، فحرك كهرباء البنان فحطّ هذا البيان على وجه القرطاس؛ ليبيضَّ وجه الكاتب عند الناس.
وهذا وحق امرئ القيس والمتنبي! منتهى ما وصل إليه طوقي. فإن أعجب حِفْني وشوقي، فذلك قرَّة عيني وغاية قصدي.