السيدة وردة الهاني
١
ما أتعس الرجل الذي يحب صبيَّة من بين الصبايا ويتخذها رفيقة لحياته، ويُهرق على قدميها عرق جبينه ودم قلبه، ويضع بين كفَّيها ثمار أتعابه وغلة اجتهاده، ثم ينتبه فجأة فيجد قلبها الذي حاول ابتياعه بمجاهدة الأيام وسهر الليالي قد أُعطِي مجانًا لرجلٍ آخر ليتمتَّع بمكنوناته ويسعد بسرائر محبته!
ما أتعس المرأة التي تستيقظ من غفلة الشبيبة فتجد ذاتها في منزل رجل يغمرها بأمواله وعطاياه، ويسربلها بالتكريم والمؤانسة، لكنه لا يقدر أن يُلامس قلبها بشعلة الحب المُحيِية، ولا يستطيع أن يُشبع روحها من الخمرة السماوية التي يسكبها الله من عينَي الرجل في قلب المرأة!
•••
عرفتُ رشيد بك نعمان منذ حداثتي، وهو رجل لبناني الأصل بيروتي المولد والدار، مُتحدِّر من أسرة قديمة غنيَّة موصوفة بالمحافظة على ذكر الأمجاد الغابرة، فكان مولعًا بسرد الحوادث التي تبين نبالة آبائه وجدوده، مُتبعًا بمعيشته عقائدهم وتقاليدهم، مُنصرفًا إلى تقليدهم عن العادات والأزياء الغربية المرفرفة كأسراب الطيور في فضاء الشرق.
وكان رشيد بك طيب القلب كريم الأخلاق، لكنه ليس كالكثيرين من سكان سوريا لا ينظر إلى ما وراء الأشياء، بل إلى الظاهر منها، ولا يصغي إلى نغمة نفسه بل يشغل عواطفه باستماع الأصوات التي يُحدثها محيطه، ويلهي أمياله ببهرجة المرئيات التي تُعمي البصيرة عن أسرار الحياة، وتحوِّل النفس عن إدراك خفايا الكيان إلى ملاحقة الملذات الوقتية. وكان من أولئك الرجال الذين يتسرعون بإظهار محبَّتهم أو مقتهم للناس وللأشياء، ثم يندمون على تسرعهم بعد فوات الوقت، عندما تصير الندامة مجلبة للسخرية والاستهزاء بدلًا من العفو والغفران.
•••
هذه هي الصفات والأخلاق التي جعلت رشيد بك نعمان يقترن بالسيدة وردة الهاني، قبل أن تضم نفسها نفسه في ظل المحبة الحقيقية التي تجعل الحياة الزوجية نعيمًا.
غِبتُ عن بيروت بضعة أعوام ولمَّا رجعت إليها ذهبت لزيارة رشيد بك، فوجدته ضعيف الجسد مكمد اللون، تتمايل على سحنته المنقبضة أشباح الأحزان، وتنبعث من عينيه الحزينتين نظرات موجوعة تتكلم بالسكينة عن انسحاق قلبه وظلمة صدره. وبعيد أن بحثت في محيطه ولم أجد أسباب نحوله وانقباضه سألته قائلًا: ما أصابك أيها الرجل؟ وأين تلك البشاشة التي كانت تنبعث كالشعاع من وجهك؟ وأين ذهب ذاك السرور الذي كان مُلاصقًا شبيبتك؟ هل فصل الموت بينك وبين صديق عزيز؟ أم سلبتك الليالي السوداء مالًا جمعته في الأيام البيضاء؟ قل لي بحق الصداقة، ما لهذه الكآبة المعانقة نفسك وهذا النحول المالك جسدك؟
•••
فنظر إليَّ نظرة متأسف أرَته الذكرى رسوم أيام جميلة ثم حجبتها، وبصوتٍ تتموج في مقاطعه معاني اليأس والقنوط قال: إذا فقد المرء صديقًا عزيزًا والتفت حوله يجد الأصدقاء الكثيرين فيتصبَّر ويتعزَّى، وإذا خسر الإنسان مالًا وفكَّر قليلًا رأى النشاط الذي أتى بالمال سيأتي بمثله فينسى ويسلو. لكن إذا أضاع الرجل راحة قلبه فأين يجدها وبمَ يستعيض عنها؟ يمد الموت يده ويصفعك بشدة فتتوجَّع، ولكن لا يمر يوم وليلة حتى تشعر بملامس أصابع الحياة فتبتسم وتفرح. يجيئك الدهر على حين غفلة ويُحدِّق بأعينٍ مستديرة مخيفة، ويقبض على عنقك بأظافر محددة، ويطرحك بقساوة على التراب ويدوسك بأقدامه الحديدية ويذهب ضاحكًا، ثم لا يلبث أن يعود إليك نادمًا مستغفرًا، فينتشلك بأكُفِّه الحريرية ويُغني لك نشيد الأمل فيُطربك. مصائب كثيرة ومتاعب أليمة تأتيك مع خيالات الليل، وتضمحلُّ أمامك بمجيء الصباح، وأنت شاعر بعزيمتك متمسك بآمالك.
•••
ولكن إذا كان نصيبك من الوجود طائرًا تحبه وتطعمه حبات قلبك، وتسقيه نور أحداقك، وتجعل ضلوعك له قفصًا ومُهجتك عشًّا، وبينما أنت تنظر إلى طائرك وتغمر ريشه بشعاع نفسك إذا به قد فرَّ من بين يديك وطار حتى حلَّق السحاب، ثم هبط نحو قفصٍ آخر وما من سبيلٍ إلى رجوعه. فماذا تفعل إذ ذاك أيها الرجل؟ قل لي، وأين تجد الصبر والسلوان؟ وكيف تحيي الآمال والأماني؟
لفظ رشيد بك الكلمات الأخيرة بصوتٍ مخنوق مُتوجع، ووقف على قدميه مرتجفًا كقصبة في مهبِّ الريح، ومدَّ يديه إلى الأمام كأنه يريد أن يقبض بأصابعه المُعوجَّة على شيءٍ ليمزقه إربًا إربًا، وقد تصاعد الدم إلى وجهه وصبغ بشرته المتجعدة بلونٍ قاتم، وكبرت عيناه وجمدت أجفانه، وأحدق دقيقة كأنه رأى أمامه عفريتًا قد انبثق من العدم وجاء ليُميته، ثم نظر إليَّ وقد تغيرت ملامحه بسرعة، وتحول الغضب والحنق في جسده المهزول إلى التوجع والألم، وقال باكيًا:
هي المرأة. المرأة التي أنقذتها من عبودية الفقر وفتحتُ أمامها خزائني، وجعلتها محسودة بين النساء على الملابس الجميلة والحُلي الثمينة والمركبات الفخيمة والخيول المطهمة.
المرأة التي أحبَّها قلبي وسكب على قدميها عواطفه، ومالت إليها نفسي فغمرتها بالمواهب والعطايا.
المرأة التي كنتُ لها صديقًا ودودًا ورفيقًا مخلصًا وزوجًا أمينًا، قد خانتني وغادرتني وذهبتْ إلى بيت رجل آخر لتعيش معه في ظلال الفقر، وتشاركه بأكل الخبز المعجون بالعار، وشرب الماء الممزوج بالذل والعيب.
المرأة التي أحببتها، الطائر الجميل الذي أطعمته حبات قلبي وأسقيته نور أحداقي، وجعلت ضلوعي له قفصًا ومهجتي عشًّا، قد فرَّ من بين يدي وطار إلى قفصٍ آخر محبوك من قضبان العوسج، ليأكل فيه الحسك والديدان، ويشرب من جوانبه السم والعلقم. الملاك الطاهر الذي أسكنتُهُ فردوس محبتي وانعطافي قد انقلب شيطانًا مخيفًا، وهبط إلى الظلمة لتعذب بآثامه ويعذبني بجريمته.
وسكت الرجل وقد حجب وجهه بكفَّيه كأنه يريد أن يحمي نفسه من نفسه، ثم تنهَّد قائلًا: «هذا كل ما أقدر أن أقوله، فلا تسألني أكثر من ذلك، ولا تجعل لمصيبتي صوتًا صارخًا، بل دعها مصيبة خرساء لعلها تنمو بالسكينة فتُميتني وتريحني.»
فقمتُ من مكاني والدموع تراود أجفاني والشفقة تسحق قلبي، ثم ودَّعته ساكتًا لأنني لم أجد في الكلام معنى يُعزِّي قلبه الجريح، ولا في الحكمة شعلة تُنير نفسه المظلمة.
٢
بعد أيام التقيتُ لأول مرة بالسيدة وردة الهاني في بيتٍ حقير مُحاط بالزهور والأشجار، وكانت قد سمعتْ لفظ اسمي في منزل رشيد بك نعمان، ذلك الرجل الذي داست قلبه وتركته ميتًا بين حوافر الحياة. ولمَّا رأيتُ عينيها المنيرتين وسمعت نغمة صوتها الرخيمة قلت في ذاتي: «أتقدر هذه المرأة أن تكون شريرة؟ وهل بإمكان هذا الوجه الشفاف أن يستر نفسًا شنيعة وقلبًا مجرمًا؟ أهذه هي الزوجة الخائنة؟ هذه هي المرأة التي جنيت عليها مرات عديدة بتصويرها لفكري كثعبان مخيف مخشي في جسم طائر بديع الشكل؟» ولكني رجعت وهمست في سري قائلًا: «إذًا أي شيء جعل ذلك الرجل تعيسًا إذا لم يكن هذا الوجه الجميل؟ أولم تسمع وترَ أن المحاسن الظاهرة كانت سببًا لمصائب خفيَّة هائلة وأحزان عميقة أليمة؟ أوَليس القمر الذي يسكب في قرائح الشعراء شعاعًا هو القمر الذي يهيج سكينة البحار بالمد والجزر.»
جلستُ وجلسَتِ السيدة وردة وكأنها قد سمعتني مفتكرًا، فلم تُرِدْ أن يطول الصراع بين حيرتي وظنوني، فأسندَتْ رأسها الجميل بيدها البيضاء، وبصوتٍ يُحاكي نغمة الناي رقةً قالت: «لم ألتقِ بك قبل الآن أيها الرجل، ولكني سمعتُ صدى أفكارك وأحلامك من أفواه الناس، فعرفتكَ شفيقًا على المرأة المظلومة، رءوفًا بضعفها، خبيرًا بعواطفها وأميالها؛ من أجل ذلك أريد أن أبسُطَ لك قلبي وأفتح أمامك صدري لترى مخبآته، وتخبر الناس إن شئت بأن وردة الهاني لم تكن قط امرأة خائنة شريرة.
كنتُ في الثامنة عشرة من عمري عندما قادني القدر إلى رشيد بك نعمان، وكان هو إذ ذاك قريبًا من الأربعين، فشغف بي ومال إليَّ ميلًا شريفًا كما يقول الناس، ثم جعلني زوجةً له وسيدة في منزله الفخيم بين خُدَّامه الكثيرين، فألبسني الحرير وزيَّن رأسي وعنقي ومعصمي بالجواهر والحجارة الكريمة، وكان يعرضني كتحفة غريبة في منازل أصدقائه ومعارفه، ويبتسم ابتسامة الفوز والانتصار عندما يرى عيون أترابه ناظرة إليَّ بإعجابٍ واستحسان، ويرفع رأسه تيهًا وافتخارًا إذ يسمع نساء أصحابه يتكلمون عني بالإطراء والمودة. لكنه لم يكن يسمع قول السائل: «أهذه زوجة رشيد بك أم هي صبية تبنَّاها؟» وقول الآخر: «لو تزوج رشيد بك في زمن الشباب لكان بِكره أكبر سنًّا من وردة الهاني.»
جرى كل ذلك قبل أن تستيقظ حياتي من سبات الحداثة العميق، وقبل أن توقد الآلهة شعلة المحبة في قلبي، وقبل أن تنبت بزور العواطف والأميال في صدري. نعم، جرى ذلك عندما كنت أحسب منتهى السعادة في ثوبٍ جميل ومركبة فخيمة تجرُّني ورياش ثمينة تحيط بي، ولكن كلما استيقظتُ عندما استيقظت وفتح النور أجفاني وشعرت بألسنة النار المقدسة تلسع أضلعي وتحرقها، وبالمجاعة الروحية تقبض على نفسي فتُوجعها. عندما استيقظت ورأيتُ أجنحتي تتحرك يمينًا وشمالًا وتريد النهوض بي إلى سماء المحبة، ثم ترتجف وترتخي عجزًا بجانب سلاسل الشريعة التي قيدت جسدي قبل أن أعرف كنه تلك القيود ومقاد تلك الشريعة. عندما استيقظت وعرفت بهذه الأشياء عرفتُ بأن سعادة المرأة ليست بمجد الرجل وسؤدده، ولا بكرمه وحلمه، بل هي بالحب الذي يضم روحها إلى روحه، ويسكب عواطفها في كبده، ويجعلها عضوًا واحدًا من جسم الحياة، وكلمة واحدة على شفتي الله.
عندما بانت هذه الحقيقة الجارحة لبصيرتي رأيتني في منزل رشيد نعمان مثل لص سارق، يأكل خبزه ثم يستتر بظلام الليل، وعرفتُ أن كل يوم أصرفه بقربه هو كذبة هائلة يخطُّها الرياء بأحرفٍ نارية ظاهرة على جبهتي أمام الأرض والسماء؛ لأنني لم أقدر أن أهب له محبة قلبي لقاء كرمه، ولا أن أمنحه انعطاف نفسي ثمنًا لإخلاصه وصلاحه. وقد حاولتُ أن أتعلم محبته فلم أتعلم؛ لأن المحبة هي قوة تبتدع قلوبنا، وقلوبنا لا تقدر أن تبتدعها.
ثم صليتُ وتضرعت وباطلًا تضرعت، وصليت في سكينة الليالي أمام السماء لتُولد في أعماقي عاطفة روحية تقربني من الرجل الذي اختارته رفيقًا لي، فلم تفعل السماء؛ لأن المحبة تهبط على أرواحنا بإيعازٍ من الله لا بطلب البشر. وهكذا بقيت عامين كاملين في منزل ذلك الرجل أحسد عصافير الحقل على حريتها، وبنات جنسي يحسدنني على سجني، وكالثكلى الفاقدة وحيدها كنت أندب قلبي الذي ولد بالمعرفة واعتلَّ بالشريعة، وكان يموت في كل يوم جوعًا وعطشًا.
ففي يوم من تلك الأيام السوداء نظرت من وراء الظلمة فرأيتُ شعاعًا لطيفًا ينسكب من عينَي فتًى يسير وحده على سبل الحياة، ويعيش منفردًا بين أوراقه وكتبه في هذا البيت الحقير، فأغمضتُ عينيَّ كيلا أرى ذلك الشعاع وقلتُ لنفسي: «نصيبكِ يا نفس ظلمة القبر، فلا تطمعي بالنور.» ثم أصغيتُ فسمعت نغمة علوية تهزُّ جوارحي بعذوبتها وتمتلك كُليَّتي بطهرها، فأغلقتُ أذني وقلت: «نصيبكِ يا نفس صراخ الهاوية، فلا تطمعي بالأغاني.»
أغمضتُ أجفاني كيلا أرى وغلقت أذني كيلا أسمع، لكن عينيَّ ظلَّتا تريان ذلك الشعاع وهما مُطبقتان، وأذنيَّ تسمعان تلك النغمة وهما مغلقتان، فخفتُ لأول وهلة خوف فقير وجد جوهرة بقرب قصر الأمير، فلم يجسر أن يلتقطها لخوفه، ولم يقدر أن يتركها لفاقته، وبكيتُ بكاء ظامئ رأى الينبوع العذب مُحاطًا بكواسر الغاب، فارتمى على الأرض مترقِّبًا جازعًا.»
وسكتت السيدة وردة دقيقة وقد أغمضَتْ عينيها الكبيرين، كأن ذلك الماضي قد انتصب أمامها فلم تجسر أن تُحدِّق به وجهًا لوجه، ثم عادت وقالت: «هؤلاء البشر الذين يجيئون من الأبدية ويعودون إليها قبل أن يذوقوا طعم الحياة، الحياة الحقيقية، لا يمكنهم أن يدركوا كنه أوجاع المرأة عندما تقف نفسها بين رجل تحبه بإرادة السماء، ورجل تلتصق به بشريعة الأرض. هي مأساة أليمة مكتوبة بدماء الأنثى ودموعها، يقرؤها الرجل ضاحكًا لأنه لا يفهمها، وإن فهمها انقلب ضحكه فجورًا وقساوة، وأنزل على رأس المرأة من غضبه نارًا وكبريتًا، وملأ أذنيها لعنًا وتجديفًا. هي رواية موجعة تمثلها الليالي السوداء بين ضلوع كل امرأة تجد جسدها مقيدًا بمضجع رجل عرفته زوجًا قبل أن تعرف ما هي الزيجة، وترى روحها مرفرفة حول عنق رجل آخر تحبه بكل ما في الروح من المحبة، وبكل ما في المحبة من الطهر والجمال. هو نزاع مخيف قد ابتدأ منذ ظهور الضعف في المرأة والقوة في الرجل، ولا ينتهي حتى تنقضي أيام عبودية الضعف للقوة.
هي حرب هائلة بين شرائع الناس الفاسدة وعواطف القلب المقدسة، قد طُرحتُ بالأمس في ساحتها وكدتُ أموت جزعًا وأذوب دموعًا، لكنني وقفت ونزعت عني جبانة بنات جنسي، وحللتُ جناحي من ربط الضعف والاستسلام، وطرتُ في فضاء الحب والحرية، وأنا سعيدة الآن بقرب الرجل الذي خرج وخرجت شعلة واحدة من يد الله قبيل ابتداء الدهور، ولا توجد قوة في هذا العالم تستطيع أن تسلبني سعادتي؛ لأنها منبثقة من عناق روحين يضمهما التفاهم ويظللهما الحب.»
ونظرتْ إليَّ السيدة وردة نظرة معنوية كأنها تريد أن تخترق صدري بعينيها لترى تأثير كلامها في عواطفي، وتُسمِع صدري صوتَها من بين ضلوعي، لكنني بقيتُ صامتًا كيلا أوقفها عن الكلام، فقالت وقد قارن صوتها بين مرارة الذكرى وحلاوة الخلاص والحرية: «يقول لك الناس إن وردة الهاني امرأة خائنة جحودة، قد اتبعت شهوة قلبها وهجرت الرجل الذي رفعها إليه وجعلها سيدة في منزله. ويقولون لك هي زانية عاهرة، قد أتلفت بمقابضها القذرة إكليل الزواج المقدس الذي ضفَّرته الديانة، واتخذت عوضًا عنه إكليلًا وسخًا محبوكًا من أشواك الجحيم، وألقت عن جسدها ثوب الفضيلة وارتدت بلباس الإثم والعار. ويقولون لك أكثر من ذلك؛ لأن أشباح جدودهم ما زالت حية في أجسادهم، فهم مثل كهوف الأودية الخالية يرجعون صدى الأصوات ولا يفهمون معناها، هم لا يعرفون شريعة الله في مخلوقاته، ولا يفقهون مفاد الدين الحقيقي، ولا يعلمون متى يكون الإنسان خاطئًا أو بارًّا، بل ينظرون بأعينهم الضئيلة إلى ظواهر الأعمال ولا يرون أسرارها، فيقضون بالجهل ويدينون بالعماوة ويستوي أمامهم المجرم والبريء والصالح والشرير، فويلٌ لمن يقضي وويل لمن يدين.
أنا كنت زانية وخائنة في منزل رشيد نعمان؛ لأنه جعلني رفيقة مضجعه بحكم العادات والتقاليد قبل أن تُصيِّرني السماء قرينة له بشريعة الروح والعواطف، وكنت دنسة ودنيئة أمام نفسي وأمام الله عندما كنت أُشبع جوفي من خيراته ليُشبع أمياله من جسدي. أما الآن فصرت طاهرة نقية؛ لأن ناموس الحب قد حررني، وصرت شريفة وأمينة لأنني أبطلت بيع جسدي بالخبز وأيامي بالملابس. نعم، كنت زانيةً ومجرمةً عندما كان الناس يحسبونني زوجة فاضلة، واليوم صرت طاهرة وشريفة وهم يحسبونني عاهرة دنسة؛ لأنهم يحكمون على النفوس من مآتي الأجساد، ويقيسون الروح بمقاييس المادة.»
والتفتت السيدة وردة نحو النافذة وأشارت بيمينها نحو المدينة ورفعت صوتها عن ذي قبل، وقالت بلهجة الاحتقار والاشمئزاز، كأنها رأت بين الأزِقَّة وعلى السطوح وفي الأروقة أشباح المفاسد وخيالات الانحطاط: «انظر إلى هذه المنازل الجميلة والقصور الفخيمة العالية، حيث يسكن الأغنياء والأقوياء من البشر، فبين جدرانها المكسوَّة بالحرير المنسوج تقطن الخيانة بجانب الرياء، وتحت سقوفها المطلية بالذهب المذوب يقيم الكذب بقرب التصنع.
انظر وتأمل جيدًا بهذه البنايات التي تمثل لك المجد والسؤدد والسعادة، فهي ليست سوى مغاير يختبئ فيها الذل والشقاء والتعاسة. هي قبور مكلسة يتوارى فيها مكر المرأة الضعيفة وراء كحل العيون واحمرار الشفاه، وتنحجب في زواياها أنانية الرجل وحيوانيته بلمعان الفضة والذهب. هي قصور تتشامخ جدرانها تيهًا وافتخارًا نحو العلاء، ولو كانت تشعر بأنفاس المكاره والغش السائلة عليها لتشققت وتبعثرت وهبطت إلى الحضيض. هي منازل ينظر إليها القروي الفقير بأعينٍ دامعة، ولو علم بأنه لا يوجد في قلوب سكانها ذرة من تلك المحبة العذبة التي تملأ صدر رفيقته لابتسم مستهزئًا وعاد إلى حقله مُشفقًا.
وأمسكت السيدة وردة بيدي وقادتني إلى جانب النافذة التي كانت تنظر منها نحو تلك المنازل والقصور، وقالت:
تعالَ فأريك خفايا هؤلاء الناس الذين لم أرضَ أن أكون مثلهم. انظر إلى ذلك القصر ذي الأعمدة الرخامية والجوانح النحاسية والنوافذ البلورية، ففيه يسكن رجل غني ورث ماله عن والده البخيل، واكتسب أخلاقه من جوانب الأزِقَّة المفعمة بالمفاسد، وقد تزوج منذ عامين بامرأة لم يعرف عنها شيئًا سوى أن لوالدها شرفًا موروثًا ومنزلةً رفيعةً بين نبلاء البلاد. ولم ينقضِ شهر العسل حتى ملَّها مُتضجرًا وعاد إلى مسامرة بنات الهوى، وتركها في هذا القصر مثلما يترك السكِّير جرَّة خمر فارغة، فبكتْ وتوجعت لأول وهلة، ثم تصبرت وسلَتْ سلوَّ من عرف خطأه، وعلمت بأن دموعها هي أثمن من أن تُهرق على خسارة رجل مثل زوجها، وهي الآن مشغولة عن كل شيء بعشق فتًى جميل الوجه حلو الحديث، تسكب في راحتيه عواطف قلبها وتملأ جيوبه من ذهب بعلها، الذي يغضُّ الطرف عنها لأنها تغضُّ الطرف عنه.
ثم انظر إلى ذلك البيت المحاط بالحديقة الغَنَّاء، فهو مسكن رجل ينتمي إلى أسرة شريفة حكمت البلاد مدة طويلة، وقد انخفض مقامها اليوم بتوزيع ثروتها وانصراف أبنائها إلى التواني والكسل، وقد اقترن هذا الرجل منذ أعوام بفتاةٍ قبيحة الصورة لكنها غنية جدًّا، وبعد استيلائه على ثروتها الطائلة نسي وجودها واتخذ له خليلة حسناء، وغادرها تنهش أصابعها وتذوب شوقًا وحنينًا، وهي الآن تصرف الساعات بتجعيد شعرها وتكحيل عينيها، وتلوين وجهها بالمساحيق والعقاقير، وتزيين قامتها بالأطلس والحرير لعلها تحظى بنظرة من أحد زائريها، لكنها لا تحصل إلا على نظرات شبحها في المرآة.
ثم انظر إلى ذلك المنزل الكبير المزين بالنقوش والتماثيل، فهو منزل امرأة جميلة الوجه خبيثة النفس، قد مات زوجها الأول فاستأثرت بأمواله وأملاكه. ثم اختارت من بين الرجال رجلًا ضعيف الجسم والإرادة اتخذته بعلًا لتحتمي باسمه من ألسنة الناس وتدافع بوجوده عن منكراتها، وهي الآن بين مريديها كالنحلة، تمتص من الزهور ما كان حلوًا ولذيذًا.
وانظر إلى تلك الدار ذات الأروقة الوسيعة والقناطر البديعة، فهي مسكن رجل مادي الأميال كثير المشاغل والمطامع، وله زوجة كل ما في جسدها جميل وحسن، وكل ما في روحها حلوٌ ولطيف، وقد تمازجت في شخصها عناصر النفس بدقائق الجسد مثلما تتألف في الشعر نغمة الوزن برقة المعاني، فهي قد كونت لتعيش بالحب وتموت به. لكنها كالكثيرات من بنات جنسها، قد جنى عليها والدها قبل بلوغها الثامنة عشرة من عمرها ووضع عنقها تحت نير الزيجة الفاسدة، وهي الآن سقيمة الجسم تذوب كالشمع بحرارة عواطفها المقيدة، وتضمحل على مهل كالرائحة الزكية أمام العاصفة، وتفنى حبًّا بشيء جميل تشعر به ولا تراه، وتصبو حنينًا إلى معانقة الموت لتتخلص من حياتها الجامدة، وتتحرر من عبودية رجل يصرف الأيام بجمع الدنانير والليالي يعدُّها، ويصر أسنانه مجدفًا على الساعة التي تزوج فيها بامرأة عاقر لا تلد له ابنًا ليُحيي اسمه ويرث ماله وخيراته.
ثم انظر إلى ذلك البيت المنفرد بين البساتين، فهو مسكن شاعر خيالي سامي الأفكار روحي المذهب، له زوجة غليظة العقل خشنة الطباع، تسخر بأشعاره لأنها لا تفهمها، وتستهزئ بأعماله لأنها غريبة. وهو الآن مشغول عنها بمحبة امرأة أخرى متزوجة تتوقَّد ذكاءً وتسيل رقة، وتوَلِّد في قلبه النور بانعطافها، وتوحي إليه الأقوال الخالدة بابتساماتها ونظرتها.»
وسكتت السيدة وردة هُنيهة وقد جلست على مقعدٍ بجانب النافذة، كأن نفسها قد تعبَتْ من التجوُّل في مخادع تلك المنازل الخفية، ثم عادت تقول بهدوء: «هذه هي القصور التي لم أرضَ أن أكون من سكانها. هذه هي القبور التي لم أُرِد أن أُدفن حية طيَّ لحودها. هؤلاء هم الناس الذين تخلصت من عوائدهم وخلعتُ عني نير جامعتهم. هؤلاء المتزوجون الذين يقترنون بالأجساد ويتنافرون بالروح، ولا شفيع بهم أمام الله سوى جهلهم ناموس الله.
أنا لا أدينهم الآن بل أُشفق عليهم، ولا أكرههم بل أكره استسلامهم عفوًا إلى الرياء والكذب والخيانة. ولم أكشف أمامك خفايا قلوبهم وأسرار معيشتهم لأنني لا أحب الاغتياب والنميمة، بل فعلتُ ذلك لأريك حقيقة قوم كنت في الأمس مثلهم فنجوتُ، وأبين لك معيشة بشر يقولون عني كل كلمة شريرة لأنني خسرت صداقتهم لأربح نفسي، وخرجت عن سبيل خداعهم المظلمة، وحوَّلتُ عينيَّ نحو النور حيث الإخلاص والحق والعدل.
وقد نفوني الآن من جامعتهم وأنا راضية؛ لأن البشر لا ينفون إلا من تمردت روحه الكبيرة على الظلم والجور، ومن لا يؤثر النفي على الاستعباد لا يكون حرًّا بما في الحرية من الحق والواجب. أنا كنت بالأمس مثل مائدة شهية، وكان رشيد بك يقتات مني عندما يشعر بحاجة إلى الطعام، أما نفسانا فتظلان بعيدتين كخادمين ذليلين، ولما رأيت المعرفة كرهت الاستخدام، وقد حاولت الخضوع لما يدعونه نصيبًا فلم أقدر؛ لأن روحي أبت أن أصرف العمر كله راكعة أمام صنم مخيف، أقامته الأجيال المظلمة ودعته الشريعة. فكسرتُ قيودي، لكنني لم أُلقِها عني حتى سمعتُ الحب مناديًا ورأيت النفس مُتأهبة للمسير، فخرجتُ من منزل رشيد خروج الأسير من سجنه، تاركة خلفي الحلي والحُلل والخدم والمركبات، وجئت بيت حبيبي الخالي من الرياش المملوء من الروح، وأنا عالمة بأنني لم أفعل غير الحق والواجب؛ لأن مشيئة السماء ليست بأن أقطع جناحي بيدي وأرتمي على الرماد، حاجبةً رأسي بساعدي، ساكبةً حشاشتي من أجفاني، قائلةً: هذا نصيبي من الحياة.
إن السماء لا تريد أن أصرف العمر صارخة مُتوجعة في الليالي قائلة متى يجيء الفجر، وعندما يجيء الفجر أقول: متى ينقضي هذا النهار. إن السماء لا تريد أن يكون الإنسان تعيسًا؛ لأنها وضعت في أعماقه الميل أن السعادة؛ لأنه بسعادة الإنسان يتمجَّد الله.
هذه هي حكايتي أيها الرجل، وهذا احتجاجي أمام السماء والأرض، وأنا أردده وأترنَّم به، والناس يغلقون آذانهم ولا يسمعون لأنهم يخشون ثورة أرواحهم، ويخافون أن تتزعزع أُسس جامعتهم وتهبط على رءوسهم.
هذه هي العقبة التي سرتُ عليها حتى بلغتُ قمة سعادتي، ولو جاء الموت واختطفني الآن لوقفَتْ روحي أمام العرش الأعلى بلا خوف ولا وجل، بل بفرحٍ وأمل، وانحلَّت لفائف ضميري أمام الديَّان الأعظم وبانت نقية كالثلج؛ لأنني لم أفعل غير مشيئة النفس التي فضَّلها الله عن ذاته، ولم أتَّبع غير نداء القلب وصدى أغاني الملائكة.
هذه هي روايتي التي يحسبها سكان بيروت لعنة من فم الحياة، وعلة في جسم الهيئة الاجتماعية، ولكنهم سوف يندمون عندما تنبه الأيام محبة المحبة في قلوبهم المظلمة، مثلما تستنبت الشمس الزهور من بطن الأرض المملوء من بقايا الأموات، فيقف إذ ذاك عابر الطريق بجانب قبري ويلقي عليه السلام قائلًا: «ها هنا رقدت وردة الهاني التي حرَّرت عواطفها من عبودية الشرائع البشرية الفاسدة، لتحيا بناموس المحبة الشريفة، وحوَّلت وجهها نحو الشمس كيلا ترى ظل جسدها بين الجماجم والأشواك».»
•••
ولم تنتهِ السيدة وردة من كلامها حتى فُتح الباب ودخل علينا فتى نحيل القوام، جميل الوجه، تنسكب من عينيه أشعة سحرية وتسيل على شفتيه ابتسامة لطيفة، فوقفت السيدة وردة وأمسكت بذراعه بانعطافٍ كُلي وقدَّمته إليَّ بعد أن لفظت اسمي مُذيَّلًا بكلمة لطيفة، واسمه مشفوعًا بنظرة معنوية، فعرفتُ بأنه ذلك الشاب الذي أنكرت العالم وخالفَت الشرائع والتقاليد من أجله.
ثم جلسنا جميعًا صامتين لانشغال كلٍّ منا بمعرفة رأي الآخر فيه، حتى إذ مرَّت دقيقة مملوءة من السكينة التي تستميل النفوس إلى الملأ الأعلى نظرتُ إليهما وقد جلسا أحدهما بجانب الآخر، فرأيتُ ما لم أرهُ قط، وعرفت بلحظة معنى حكاية السيدة وردة، وأدركتُ سر احتجاجها على الهيئة الاجتماعية التي تضطهد الأفراد المتمردين على شرائعها قبل أن تستفحص دواعي تمردهم.
رأيت روحًا واحدة سماوية متمثلة أمامي بجسدين، يجملهما الشباب ويسربلهما الاتحاد، وقد وقف بينهما إله الحب باسطًا جناحيه ليحميهما من لوم الناس وتعنيفهم. وجدتُ التفاهم الكلي مُنبعثًا من وجهين شفَّافين يُنيرهما الإخلاص ويحيط بهما الطهر، وجدت لأول مرة من حياتي طيف السعادة مُنتصبًا بين رجل وامرأة يرذلهما الدين وتنبذهما الشريعة.
وبعد هُنيهة وقفتُ وودَّعتهما مُظهرًا بغير الكلام تأثيرات نفسي، وخرجتُ من ذلك المنزل الحقير الذي جعَلته العواطف هيكلًا للحب والوفاق، وسرتُ بين تلك القصور والمنازل التي أظهرت لي خفاياها السيدة وردة، مفكرًا بحديثها وبكل ما ينطوي تحته من المبادئ والنتائج. لكنني لم أبلغ أطراف ذلك الحي حتى تذكرت رشيد بك نعمان، فتمثلت لبصيرتي لوعة قنوطه وشقائه، فقلتُ في ذاتي: «هو تعيس مظلوم، ولكن هل تسمعه السماء إذا وقف أمامها متظلمًا شاكيًا وردة الهاني؟ هل جنَتْ عليه تلك المرأة عندما تركته واتبعت حرية نفسها؟ أم هو الذي جنى عليها عندما أخضع جسدها بالزواج قبل أن يستميل روحها بالمحبة؟»
فمن هو الظالم من الاثنين ومن هو المظلوم؟ من هو المجرم ومن هو البريء يا تُرى؟ ثم عدتُ قائلًا لذاتي مُستفتيًا أخبار الأيام مُستقصيًا حوادثها: «كثيرًا ما أباح الغرور للنساء أن يتركن رجالهن الفقراء ويتعلقن بالرجال الأغنياء؛ لأن شغف المرأة ببهرجة الملابس ونعومة العيش يُعمي بصيرتها ويقودها إلى العار والانحطاط، فهل كانت وردة الهاني مغرورة وطامعة عندما خرجت من قصر رجل غني مُفعم بالحلي والحلل والرياش والخدم، وذهبت إلى كوخ رجلٍ فقير لا يوجد فيه سوى صف من الكتب القديمة؟ وكثيرًا ما يُميت الجهل شرف المرأة ويُحيي شهواتها، فتترك بعلها مللًا وتضجُّرًا، وتطلب ملذَّات جسدها بقُرب رجلٍ آخر أكثر منها انحطاطًا وأقل شرفًا، فهل كانت وردة الهاني جاهلة راغبة بالملذات الجسدية، عندما أعلنت استقلالها على رءوس الأشهاد وانضمت إلى فتى روحي الأميال، وقد كان في إمكانها أن تُشبع حواسها سرًّا في منزل زوجها من هيام الفِتيان الذين يستميتون ليكونوا عبيدَ جمالها وشُهداء غرامها؟ وردة الهاني كانت امرأة تعيسة، فطلبت السعادة فوجدتها وعانقتها، وهذه هي الحقيقة التي تحتقرها الجامعة الإنسانية وتنفيها الشريعة.»
همستُ تلك الكلمات في مسامع الأثير، ثم قلتُ مستدركًا: «ولكن أيسوغ للمرأة أن تشتري سعادتها بتعاسة بعلها؟» فأجابتني نفسي قائلة: «وهل يجوز للرجل أن يستعبد عواطف زوجته ليبقى سعيدًا؟»
•••
وظللتُ سائرًا وصوت السيدة وردة يتموج في مسامعي، حتى بلغت أطراف المدينة والشمس قد مالت إلى الغروب، وابتدأت الحقول والبساتين تتَّشح بنقاب السكينة والراحة، والطيور تنشد صلاة المساء، فوقفتُ مُتأملًا ثم تنهَّدتُ قائلًا: «أمام عرش الحرية تفرح هذه الأشجار بمداعبة النسيم، وأمام هيبتها تبتهج بشعاع الشمس والقمر. على مسامع الحرية تتناجى هذه العصافير وحول أذيالها تُرفرف بقرب السواقي. في فضاء الحرية تسكب هذه الزهور عطر أنفاسها وأمام عينيها تبتسم لمجيء الصباح. كل ما في الأرض يحيا بناموس طبيعته، ومن طبيعة ناموسه يستمد مجد الحرية وأفراحها، أما البشر فمحرومون هذه النعمة لأنهم وضعوا لأرواحهم الإلهية شريعة عالمية محدودة، وسنُّوا لأجسادهم ونفوسهم قانونًا واحدًا قاسيًا، وأقاموا لأميالهم وعواطفهم سجنًا ضيقًا مخيفًا، وحفروا لقلوبهم وعقولهم قبرًا عميقًا مظلمًا، فإذا ما قام واحد من بينهم وانفرد عن جامعتهم وشرائعهم قالوا: هذا متمرد شرير خليق بالنفي، وساقط دَنِس يستحق الموت. ولكن هل يظل الإنسان عبدًا لشرائعه الفاسدة إلى انقضاء الدهر؟ أم تحرره الأيام ليحيا بالروح وللروح؟ أيبقى الإنسان مُحدِّقًا بالتراب؟ أم يُحول عينيه نحو الشمس كيلا يرى ظل جسده بين الأشواك والجماجم؟»