المحاورة الأولى
٦ من أبريل ١٩٣٤م
الذكرى السابعة عشرة لدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى. كان إعلان الحرب في يوم مُقدَّس هو يوم الجمعة الحزينة، وهي سخرية من سخريات التاريخ لم يلتفت إليها أحد في حينها على ما يبدو، وكان هذا الأمر يشغل أذهاننا في أحد مؤتمرات هيئة التحرير، وما برح عالقًا بخاطري وأنا أقصد كانتون لأتناول العشاء مع آل هوايتهد، وكان ابنهم الأصغر أريك الطيار قد لاقى حتفه في الحرب.
وعرفت من إشارة تليفونية أن العشاء في الساعة السادسة، فسارعت إلى ميدان ماتابان بالقطار، ثم استأجرت سيارة حتى منزلهم بشارع كانتون المُطِل على «التلال الزرقاء»، وعندئذٍ علمت أن العشاء لن يكون قبل الساعة السابعة، فخفَّفوا بذلك ارتباكي بلباقة. وقابلني الدكتور نكيولاس، وهو طبيب شابٌّ في أحد المستشفيات الكبرى بلندن، قدم مع زوجته إلى بلادنا لأول مرة في اليوم السابق فقط، وقد علمت أنهما يمتَّان إلى آل هوايتهد بصلة القربى، ثم أُبلِغت رسالة في الحال.
قال الرسول: «تفضَّل بالذهاب إلى المكتب لكي تتحدث مع مستر هوايتهد حتى يحين موعد العشاء.»
وكان هوايتهد جالسًا إلى مكتبه بجوار نافذتَين، وضَّاء الجبين مُحمرَّه من أثر أشعة الشمس التي كانت تغمره إلى وقت مُتأخِّر في الأصيل.
فنهض وقال: «ما أسعدني بقدومك مُبكِّرًا! كان وقتي بعد الظهر مُتقطِّعًا، وكنت أتسكع حتى يحل موعد العشاء.»
وانتقينا مقعدَين كبيرَين إلى جوار الموقد، وأخذ يتحدث عن الصحف.
قال: «إن الصحف الأمريكية تترك في القارئ من عناوينها انطباعًا خاطئًا تمامًا، فإذا ما شرع القارئ في الاطلاع على ما ورد تحت العناوين وجد أن مُحرِّريه قوم معقولون جدًّا، وهم فيما يُسمَح لهم به من مجال أشد إنصافًا من المُحرِّرين الإنجليز لخصومهم في السياسة. إن الصحف الإنجليزية أحسن تحريرًا على وجه الإجمال، ولكن عندما يرتفع مستوى الكتابة في الصحف الأمريكية، فإني أعتقد أنه يعلو المستوى الإنجليزي.»
قلت: «ذلك يتفق مع بعض خبرتي؛ في الصيف الماضي كنت أُحرِّر مقالًا عن معرض مخطوطات فاجنر في بيروت لصحيفة «تايمز» اللندنية، ولم أُجِد تحريره كما لو كتبته ﻟ «بوست جلوب»؛ لأن التايمز تريد أن يتخلص الأسلوب من كل زبرجة.»
والظاهر أن هوايتهد كان كذلك يعلم أن اليوم يُوافِق يوم الذكرى، وأخذ يتحدث عن بُعد الكتب — التي ألَّفها الأساتذة عن الحرب العالمية — عن الواقع: «إنهم يفحصون الأوراق الرسمية بدقة بالغة، ولكن ما شأن الأوراق الرسمية بها؟ إن حالة الخوف التي سادت من عام ١٩٠٠م إلى عام ١٩١٤م كانت مكتومة، تكاد أن تكون لا شعورية. امتنع الناس عن الإباحة بها، آملين بذلك ألا تنفجر المُفرقَعات، ولكن الفزع كان دائمًا في النفوس. إن إنجلترا لم يسُدها الإحساس بالأمن إلا بضع سنوات بعد عام ١٨٧٠م، حينما كان من الجلي أن فرنسا لن تُهاجِم. إن التاريخ الحقيقي لا يُكتَب لأنه ليس في عقول الناس، ولكن في أعصابهم وقلوبهم.»
– «هب أن ثقافتنا الأمريكية قد مُحيت، فمن ذا تظن أننا قد أنجبنا حتى الآن ممن يستطيع أن يكون عونًا دائمًا للعالم؟»
– «والت هويتمان.»
– «أليس أمرسن؟»
– «لقد أمعنت في قراءة أمرسن في شبابي، ولكني أستسمح جيراني الطيبين، أسرة فربيز وهم «حفدة أمرسن» في أن أقول إنه لم يكن شديد الابتكار، في حين أن هويتمان قد أدخل في الشعر شيئًا لم يكن فيه من قبل، وكثير من أقواله فيه من الجِدة ما كان يضطره إلى اختراع صيغة جديدة للتعبير. يبدو لي أن هويتمان كان واحدًا من عظماء الشعراء القلائل الذين وُجِدوا في التاريخ. إنه يستطيع أن يقف بسهولة إلى جوار الشعراء الأوروبيين العظماء حقًّا … إذا اندثرت المدنية الإنجليزية قبل عام ١٥٠٠م، ما كانت الخسارة فادحة، فإن شوسر لا يبلغ قامة دانتي أو هومر، ومع أنه لدينا بعض الكاتدرائيات الجميلة، إلا أن الفن الغوطي الإنجليزي لا يبلغ من الجودة مبلغ الفن الغوطي الفرنسي، ولكنك لو حطَّمت الحضارة الإنجليزية من عام ١٥٠٠م إلى عام ١٩٠٠م أفقرت العالم كثيرًا؛ لأنها أضافت شيئًا هامًّا إلى تقدُّم الروح البشري.»
قلت: «لاحظت في كلية ونشستر في الصيف الماضي شيئًا اعتقدت أن له قيمته؛ فقد ساقني رجينولد كوبلاند كما ساق سام موريسون من أكسفورد لكي يُرينا أين كانت مدرسته، وأثناء مرورنا بحجرات الصفوف العليا من التلاميذ لاحظت على مكاتبهم نصوص أيسكلس، وثيوسيديد، وغيرهما من «العصر العظيم»، ولم تكن نصوصًا دراسية مجموعة لتلاميذ المدارس، وإنما كانت الأصول العريقة بعينها. فسألت كوبلاند: «هل يدرس هؤلاء التلاميذ المُؤلِّفين المسرحيين والمُؤرِّخين في القرن الخامس في هذه السن؟ وأجابني: كلا، إنهم يقرءونهم من تلقاء أنفسهم. أما في هارفارد فيحسن بالطالب أن يقرأ هؤلاء المُؤلِّفين في العام الثاني من دراسته الجامعية، لشدَّ ما كان ذهولي.»
فقال هوايتهد مُحذِّرًا إياي: «يجب أن تذكر أن التلاميذ في ونشستر مجموعة مختارة، يخضعون لنوع فريد جدًّا من التدريب، يتأثرون به غاية التأثير. إنهم يكتسبون في هذه الناحية مهارة فائقة، فإن جاوزوها كانوا على جهالة شديدة. إنهم يعرفون الكثير عن عادات الرومان في عصر حروب قرطاجنة، ولكنهم قليلًا ما يعلمون — بل قد لا يعلمون شيئًا — عن المشكلات الراهنة في بلدهم وزمانهم. إنهم يتفوقون في الجامعات، ويشتهرون في المِهن، ويذيع صيتهم كرجال إدارة في المُستعمَرات، أو مُوظَّفِي حكومة، ولكن ما نصيبهم من الفنون المُبتكَرة؟ لا أحسب أنك تجد منهم الكثير مُتفوِّقين في هذا الميدان. إنهم يُحسِنون الكتابة، ولكن بخيال محدود. الطلبة الأمريكان أقل معرفة، ولكنهم أشد شغفًا بالتعلُّم. أما التلاميذ الإنجليز فهم أقل شغفًا وأكثر علمًا. الطالب الأمريكي قليل المعرفة فيما يهمه، والطالب الإنجليزي كثير المعرفة فيما يبدو أنه لا يهمه كثيرًا.» قال هوايتهد ذلك وبريق الضحك يترقرق في عينَيه الزرقاوَين اللامعتَين.
فوافقته وعقَّبت بقولي: «أجل، ولكن التربة الثقافية في أوروبا بأسرها أشد خصوبة.»
– «إنك شديد الاهتمام بالتربة. ليس الأمر أمر التربة، فأنتم من الشعب الأوروبي عينه، وتستطيعون تناوُل التاريخ الأوروبي بأسره، غير أن الأمريكان شديدو الخجل.»
– «يسترعي نظري أن كُتابنا لا يعرفون ما يكفي.»
– «حقًّا إن أكثر عظماء الكُتاب كانوا يعرفون الكثير، ولكن من الجائز أن يعرف الإنسان أكثر مما ينبغي، إنما المراد «إحساس» عميق بالأشياء. والخطر الكامن في المدنيات القديمة هو أن تعاليمها ربما كانت «أطيب» مما يجب، وذلك يُثبِّط من هِمم التلاميذ. إنهم يعرفون الكثير عما تم عمله، وهم يحسنون الكتابة، ولكن بغير جِدة. من السهولة القاتلة لعصر من عصور الفن الناهض أن يموت بسبب الإغراق في الدراسات القديمة وشدة الحذلقة، فتزهق روحه. لقد لبثت أكسفورد تُعلِّم الأدب القديم قرونًا عدة، ورفضت كمبردج قرونًا عدة رفضًا باتًّا أن تُعلِّم الأدب، وعلَّمت الرياضة، ومع ذلك فقد خرَّجت كمبردج من الشعراء ضعف ما خرَّجت أكسفورد.»
– «لا يستطيع أحد — على الأقل — أن يشكو أن عصرنا لا يمدنا بالمُثيرات الكثيرة ليكتب فيها الكُتاب. أما المشكلة في التاريخ فهو أنه يمدنا بأكثر مما نتطلب.»
– «هل عصور الانقلاب مُلائمة للخلق؟»
– «أحسب أنها كذلك، إذا لم يطل أمدها ولم يشتد عنفها. في عصر إليزابث، كانت تمر بعض الأسابيع الهادئة لا يحدث فيها الكثير، فكان الشاعر يستطيع أن ينصرف إلى تأليف مسرحياته، ثم هناك أيضًا الحافز الذي يصدر عن شخصية كبيرة تُؤدِّي عملًا طيبًا، فتتلوها شخصيات أخرى كثيرة.»
– «وهل يمكن أن يستنفد فنان واحد — أو فنانان عظيمان — عصرًا بأسره، أو أن يستأثر وحده بصورة من صور الفن؟ إن عصر النهضة يضمحل بعد مشيل أنجلو، والأوبرا العظيمة بعد فاجنر صورة هزيلة.»
– «أجل، إن ذلك قد يحدث، وأمثال هؤلاء الرجال يظهرون في نهايات العهود، وموضع الخطر أن تكون الموضوعات الكبرى قد تم أداؤها بصورة رائعة، فلا يجد الفنان المُتأخِّر سوى الموضوعات الثانوية، أو أن يُجمِّل فيما سبق أو أن يزيد من تفاصيله، فينساق الفن أو الفكر إلى الأماكن الضحلة. وما أيسر أن يتم ذلك، وما أفتكه بالفن. أقصد الموضوعات التي هي من قبيل حب الأم طفلها، إنها عالمية جدًّا، حتى إن التعبير عنها يُعتبَر أمرًا مُبتذَلًا، ومع ذلك فقد استطاع النحَّاتون في العصر الوسيط والمُصوِّرون في عصر النهضة أن يُعبِّروا عنها تعبيرًا جميلًا يفوق التصور، ومن العبث أن تُحاوِل تقليدهم. إنني أُحِس أن أعظم الفنون لا يُبتكَر إلا في العصور، وفي الموضوعات، التي يشتد لها التحمس والذيوع، وينعقد عليها الإجماع. إنها تُخاطِب العامة من الناس، وعندما يبدأ الفن في التصدع إلى حلقات خاصة تقل أهميته، وعندما تقول هذه الحلقات: «إن هذا الفن أرفع من أن تفهمه العامة.» حينئذٍ أشك في جودة الفن وفي عظمته.»
– «وعصرنا عصر تصدُّع، وربما لم يهتدِ مُفكِّرونا بعدُ إلى اتجاهاتهم في العهد الجديد، وربما كان ذلك سببًا في تخلُّفهم. لقد تزعزعت عقائد القرن التاسع عشر؛ ومن دلائل ذلك كتابة السير بروح التهكُّم. إن ليتن ستراتشي — الذي عرفته واستمتعت به — يكتب عن شخصيات عصر فكتوريا في ألفة بهم وحماسة بالغة لهم، ولكن عندما يقول أحد المعاصرين: «دعنا نجلس ونسخر في هدوء من هذه المخلوقات الغليظة، دكتور توماس أرنولد والملكة فكتوريا.» عندما يقول ذلك ربما كان مُسلِّيًا، وربما مس مواطن الضعف فيهم، ولكنه لا يكتب عما كان يمدهم بالروح المعنوية، أو عما كان يدفع القرن الذي عاشوا فيه إلى الأمام، والمحصول الثاني الذي نحصده من مثل هذه السخرية قد يدعو إلى الرثاء. وأظن أن جيلك قد قاوَم التصدُّع أكثر من الجيل الصاعد. إنه لا يعرف عالمًا غير عالمه، ولكن جيلك قد عرف. خُذ مثالًا هذه الدقائق الخمس عشرة التي نقضيها في الحديث الآن، إننا نتكلم جادِّين، أما هم فيقولون: «ما يميز خمس عشرة دقيقة عن مثلها، ما دام المرء يقضيها في متاع؟ ولماذا يكون هناك أي فارق؟ وما هو الهدف؟ وما هي القيمة؟ وما هو الغرض؟»»
قلت مُؤكِّدًا: «ولكنك ولكني لا نعتقد أن هذه الدقائق الخمس عشرة ليست بأكثر أهمية من مثيلاتها.»
– «ذلك لأننا ننتمي إلى جيل كان يشعر أن بعض الخبرات أعلى قيمة من غيرها، وكان عندنا حس بالاتجاه الذي تسير فيه.»
ثم أُثيرَ موضوع العلم — أو العصر العلمي — وهل هو يُعادي الشعر؟
قال: «أعتقد أن بعض عظماء الشعراء لو عاشوا في زماننا ربما كانوا علماء ولم يكونوا شعراء. شلي — على سبيل المثال — أظن أنه كان بالإمكان أن يُصبِح كيمويًّا أو عالمًا من علماء الطبيعة. وخذ مثالًا آخر، الأستاذ آمز الدارتموثي، لقد اشتهر اسمه في أوروبا وأمريكا بكشوفه في ميدان علم النفس والبصريات، لو تحدَّثت إليه لتبيَّن لك على التو أنك تتحدث إلى شاعر أو صوفي.»
(وتنبَّهت إلى أن هذا بعينه يحدث في مسرحية «أجنحة فوق أوروبا» لصاحبَيها روبرت نيكولاس وموريس براون؛ العالم فيه شابٌّ شاعر مثالي يُؤمِن بشلي.)
وهنا دخل علينا مستر جورج أجاسز، وبينما كان يبحث على عجل مع الأستاذ هوايتهد بعض شئون جامعة هارفارد، التي كان مستر أجاسز مُراقِبًا عليها، تهيَّأ لي الوقت لأتفرَّس في الغرفة؛ إنها حجرة كبيرة ذات سقف مُدبَّب يستند إلى دعائم مكشوفة، بها مَوقد من الطوب يتسع لكُتل خشبية يبلغ طول الواحدة منها ثلاث أقدام، وهذه الحجرة الدراسية تُغطِّي جدرانَها الكتب، والأريكة والمقاعد حول الموقد مكسوَّة باللون الأخضر الفاتح، وثِيرة باردة، ولكن لهيب الكُتل الخشبية كان يُشِع دفئًا مُستحبًّا في برودة أبريل الفاترة المُتخلَّفة من فصل الشتاء، والمكتب وحافظة الأوراق تستقبل ضوء النهار استقبالًا حسنًا، ولكن مكان عمله كان بالتأكيد ذلك المقعد الكبير المُنخفِض بجوار النافذة الجنوبية الغربية، وكان مُعدًّا بلوح للكتابة يمكنه أن يضعه فوق حجره.
ومن تلك النافذة يُطِل المرء على رقعة فسيحة من سلاسل التلال والمراعي والغابات، وكان الوقت بعد ساعة الغروب، فكانت التلال المُتشابِكة تبدو في الأفق أرجوانية كالشفق، تحت سماء صافية في ربيع باكر.
•••
وكانت مسز هوايتهد في حجرة الجلوس على مقعدها المُتمدِّد، وما أكثر ما وقع من حوادث؛ لقد انقصمت رقبة ابنتهما جس وهي تنزلق فوق ثلوج جبل واشنجتن، وظلت أسابيع مُعلَّقة بين الحياة والموت، ولما تقشع هذا الهم أُصيبت مسز هوايتهد بنوبة قلبية؛ فكانت شاحبة اللون، ولكن ما برحت تتقد فيها شرارة الحياة. كانت بقامتها المديدة وقدِّها النحيل وشعرها الأبيض وردائها الأسود تبدو سيدة جليلة أكثر مما تبدو سيدة عليلة، وإن كانت تتناول عشاءها على نضد «طاولة» في مرقدها. أما نحن فقد اتجهنا نحو مائدة الطعام، ولكن الباب بيننا وبينها كان مفتوحًا بحيث تستطيع أن تُشارِك في الحديث، وكانت تفعل ذلك الفَينة بعد الفينة.
وقبل البدء في العشاء كانت تُطالِع بصوت مرتفع، وفي حماسة بالغة، بعض الفقرات الأولى من «جون بروانز بودي» التي قرءوها جميعًا وأحبوها جميعًا. ودخلت علينا مسز نيكولز وقُدِّمت إلينا، وهي سيدة إنجليزية أنيقة شابة من الطراز ذي الشعر الأسود والعيون الزرقاء، صريحة ودود.
وعلى مائدة الطعام، واصل الإنجليز الثلاثة موضوع الأدب الأمريكي مُجامَلةً فيما يبدو لي، ثم اتجه الحديث وجهة أخرى عندما قال أحد الحاضرين إن «البيت المكشوف» إحدى روايات دكنز القليلة التي تُعالِج بعض الشيء المدى الفسيح والتنوُّع في الحياة الاجتماعية (مثل ما جاء في قصائد هويتمان من ذكر مُطوَّل لمُختلِف الحرف).
قال دكتور نيكولز: «أجل، كلها إلا في البداية.»
قال مستر أجاسز: «كان دكنز جيدًا في نهاياته وأوساطه، ولكن ضعيف في بداياته. أما ثاكري فكان جيدًا في البداية، ضعيفًا بعد الوسط.»
وقال هوايتهد: «عندما كنت في كمبردج (وكان ذلك في سنة ١٨٨٣م) لم يكن هناك من يقرأ دكنز، كان لا يستحق الاعتبار.»
فسألت مسز نيكولز: «وهل ذلك لضعف كتابته؟»
– «إلى حد كبير فيما أحسب.»
– «إن ثاكري يستطيع بالطبع أن يكتب.»
ثم ذُكِّرت برأي تشسترتن فيه؛ ذلك أن «ثاكري» كان يعتقد أن أمورًا كثيرة ستبقى، في حين أنها كانت فانية. «إنه لم يعرف من الجهلاء عددًا يمكنه من معرفة الحقيقة.»
وقال هوايتهد: «لم يشرع رجال الجامعة والطبقات المُثقَّفة في الاطلاع على دكنز بوجه عام — فيما أظن — إلا بعد عام ١٨٩٠م.»
– «وما الذي أظهره آنئذٍ؟ هل عاونه الاشتراكيون؟»
– «كلا، لم يُعاوِنوه البتة فيما أحسب.»
– «كنت أفكر في الفابيين، وقد بدأ نشاطهم في عام ١٨٨٤م.»
– «كلا، بل لقد ظهر بنفسه، مع ظهور قانون معونة الفقراء، وإصلاح المساكن.»
ثم اتجه الحديث نحو إزالة أحياء الفقراء، وانتصار الاشتراكيين في الانتخابات لتولي مجلس لندن البلدي؛ مما دفع الحكومة إلى وضع مشروع ضخم لإزالة المساكن القديمة، وهو مشروع — كما يقول الأستاذ — «كانوا يُلوِّحون به ولكنهم لم يقصدوا فعلًا أن يُنفِّذوه.» وجرت مقارنة بين أحياء لندن القديمة وأحياء نيويورك القديمة، وقيل إن أحياء لندن تتميز على الأقل بمبانيها التي تصلح للبقاء أكثر مما تصلح نظائرها في نيويورك، وإن أخطار النار فيها قليلة أو معدومة، وتعجَّبوا من وجود منازل خشبية، ولكنهم رأوا أنها أليَق بطبيعتها بمناظرنا الطبيعية، ثم أضاف هوايتهد إلى ذلك قوله: «إن من أبرز ما يُميِّز المدينة الأمريكية — كما لاحظت — براعة رجال المطافئ بها.»
ثم تساءلت قائلًا: «قبل أن نترك موضوع الروائيين، ماذا حدث لجورج إليوت؟»
فأجاب الأستاذ: «لقد تدهورت، وإني لأعجب لماذا حدث ذلك، وقد كان كتابها «مدلمارش» كتابًا عظيمًا.»
وتكلَّمت مسز هوايتهد من غرفة الجلوس قائلةً: «هل حاولت قراءتها أخيرًا؟»
قلت: «أجل.»
قالت: «وكذلك فعلت، ولقد كانت جليلة فيما أذكر، وما زالت في بعض مواضعها، ولكن ألم تجد لديها فقرات طويلة مُمِلة ثقيلة؟»
قلت: «ما أحرجَ هذا السؤال! أجل لقد وجدت، بيدَ أني كنت في العقد الثالث من عمري أُقسِم بها، وهي لا تزال ترفع النصل بيمينها على الأقل.»
قالت مسز هوايتهد: «وكذلك كان الأمر معي، ولقد كففت عن حث صديقاتي في حماسة على مطالعتها.»
وقال هوايتهد: «هذا أمر خطر. لقد لبثت أعوامًا أُمجِّد أنبياء العهد القديم، وحقًّا لم أُطالِعهم حديثًا، ولكني أذكر أنهم كانوا في قمة المجد، ثم حاولت أن أقرأ أشعياء فلم أستطع أن أُتابِعه.»
– «ماذا لمست فيه؟ هل صرفتك عنه الطريقة التي دُوِّنت بها التراجم المختلفة للعهد القديم؟»
– «كلا، إنما صرفني عنه اللغو والابتعاد عن الموضوع، ولقد وجدت أني عندما أتحدث عن أنبياء العهد القديم ينبغي لي أن أسير في طريق آخر غير طريقي.»
– «هل تذكر ما قال ستراتشي عن الأنبياء؟»
– «كلا.»
– «ذلك في مقاله عن كارليل؛ حيث يقول إن كارليل لا يقدُر الفنانين، وإنه ليُؤثِر أن يُذكَر كنبي من الأنبياء. ولكي يكون المرء اليوم نبيًّا ينبغي أن يتحلى بصفات ثلاث؛ صوت مرتفع، ووجه جسور، وحِدة غضب (وقد اقتبس ستراتشي هذه الصورة الفكاهية من أرستوفان، غير أن قيمتها لم تقل من أجل هذا). ولكن ستراتشي يتساءل: من ذا الذي يذكر الأنبياء على أية حال؟ ربما ذكرنا أشعياء وأرميا، ولكنهما كانا محظوظَين جدًّا؛ إذ نقلتهما إلى الإنجليزية لجنة من الأساقفة في عهد إليزابث!»
وقالت مسز هوايتهد: «أذكر لهما ما قاله ستراتشي في بيتنا عن جين أوستن.»
– «كان ذلك عندما كنا نقطن كامبردج، في نهاية عهدنا بها، وكان ستراتشي يُقيم معنا، وقال: إنه قرأ جين أوستن. فقلت له: أنت تقرأ جين أوستن! ماذا عندها لك؟ فأجاب ستراتشي: «العاطفة!»
وقال أجاسز، وكأنه يفكر بصوت مرتفع: «إني أرى أن السخرية — برغم ما تقولون — لا تكون إلا عند الفشل في تحقيق الشفقة الإنسانية.»
وعلَّق الدكتور بقوله: «إن الإنجيل يخلو من الفكاهة بدرجة ملحوظة، وإني لأعجب لماذا؟»
وأجاب هوايتهد جادًّا: «وإنك لتكتئب أيضًا إذا كان «يهوه» فوق رأسك دائمًا.»
وقال مستر أجاسز: «على النقيض التام للإغريق وفكاهتهم.»
وسألت مسز نيكولز قائلةً: «وأين ذاك؟»
– «أرستوفان.»
وقال هوايتهد: «نعم، ولكني أعتقد أن الفكاهة جاءت مُتأخِّرة عن المرحلة التي ينتمي إليها الأنبياء. أعتقد أن الفكاهة أمر جاء أخيرًا، وأن أرستوفان برع فيها خاصة، فهل عند هومر من الفكاهة قليل أو كثير؟»
وأضاف الدكتور قائلًا: «وكتاب اليهود المقدس — فوق ذلك — كان أدبًا دينيًّا.»
وقال هوايتهد: «أجل. وعندما تكون الكتابة جديدة لا يُدوِّن الناس ما يحسبونه تافهًا، وما برحت القبائل البدائية تعدُّ سوء الحظ من التوافه. ويُحدِّثنا بعض إخواننا الذين كانوا في أفريقيا مع الزنوج خلال الحرب كيف أن الزنوج قصدوا مرة جدول ماء في طلب شيء مُعيَّن ثم عادوا وهم يُقهقِهون ضاحكين.
ماذا أضحكهم؟ لقد أطل من الماء فجأة تمساح واختطف أحد زملائهم، ولم يكن المخطوف من البيض، وإنما كان من زملائهم هم.»
وكان هذا الحديث يدور حينما كنا ننهض عن مائدة الطعام، ورذاذ الربيع يتساقط، ونسمع نغمه الموسيقي فوق رءوسنا؛ لأن سقف حجرة الجلوس، كسقف المكتب، يستند إلى دعامات من البلوط، مُلوَّنة باللون الأسود، يفصل بينها دهان أبيض، والأبواب الزجاجية الثلاثة ذات الشقَّين تفتح على بهو يُواجِه الغرب، وتُطِل عبرَ الأرض الخضراء والحديقة على «التلال الزرقاء» التي اشتقَّت ماساشوست اسمها الهندي منها، والغرفة فسيحة بهيجة، بها مِدفأة ضخمة، ومقاعد وأرائك منتقاة من الماهوجاني، مكسوَّة بالحرير الفرنسي رمادي اللون؛ مما يُشير إلى الطراز الإمبراطوري، والأزهار على الموائد الجانبية ورف المدفأة من السوسن والنسرين والنرجس وزنبق الوادي.
وقالت مسز هوايتهد، وقد انضمت إلى الحديث عند عودتنا إلى حجرة الجلوس: «عندما كنتم تتحدثون على المائدة عن ليتن ستراتشي أردت أن أذكر هذه الأبيات من الشعر لمس وردزورث عن ليدي مرغريت هول:
وتساءلت مسز نيكولز قائلةً: «إذن فهل يجب على المُصوِّرين الماهرين أن يُداهِنوا من يُصوِّرونهم من الأشخاص الطيبين برغم غبائهم، بل وبساطتهم؟»
وهنا أبدى مستر أجاسز هذه الملاحظة: «إنه لما عرضت في نيويورك صور جون سارجنت لأشخاص أثرياء — ولكنهم غير مقبولين — ممن جلسوا للتصوير، همس في أذني أستاذ من هارفارد قائلًا: «هذا هو الخلود الزائف».»
وعندئذٍ قالت مسز هوايتهد: «إن للجالسين للتصوير كذلك حقوقهم.» وتحدثت عن مغامراتهم الحديث مع أحد المُصوِّرين، وقالت: «إنه رسم لي صورة أولًا، وجلست أحد عشر صباحًا مُميتًا، حتى سألني أأودُّ أن أرى سير عمله؟ وكنت بطبيعة الحال أعلم أن أمثال هذه الخطوط الأولى لا تسرُّ البتة، ولذا فلم أتوقَّع أن أرى شيئًا يُذكر. وسألني رأيي فيها. قلت: المرء — بالطبع — لا يعرف منظره. واستمر في عمله، وكأنه يعد شعرات رأسي واحدة واحدة، ولما أتم الصورة أطلع عليها زوجته، فقالت له: «إنها مزعجة! إنها لا تُشبِهها قط، ماذا تريد أن تفعل بها؟»»
– «أريد أن أضعها في إطار وأُقدِّمها لمستر هوايتهد على سبيل التذكار.» فقالت له: «لن تفعل، ولا بد أن تُمزِّقها.» ولم أعلم قط ما انتهى إليه أمر الصورة، ولكنه أسرَّ إليَّ بعد حين قائلًا: «اعلمي أنني لم أكن قط مُهتمًّا بموضوع الصورة، إنما كان كل اهتمامي بوسيلة التعبير!»
ثم سأل مستر هوايتهد قائلًا: «وماذا كان من أمر الصورة التي صوَّرها لي؟»
فأجابت مسز نيكولز: «إنها تُظهِرك في السادسة من سنك.»
وقالت مسز هوايتهد: «أجل، ولقد ظل على هذه الصورة عشرين عامًا بعد ذلك عندما تزوجت منه، ولعدة سنوات بعد هذا.» وابتسمت ابتسامة تدل على الذكريات القديمة، مشوبة بشيء من الكآبة الخفيفة، واستمرت قائلةً: «وقد فهمت معناها، ولزمت الصمت!»
وقال الفيلسوف مُتلطِّفًا: «كنت أتحدث إليه وهو يقوم بالتصوير، ولكنه كان يتوقف ليخط على الورق مذكراته، حتى اضطررت إلى أن أُوجِّه إليه هذا السؤال: «هل أنت فنان أو سكرتير كاتب؟»
فأراد أن يُحيِّرني إلى جدل يخصه.
قال لي إنه سافر إلى الخارج وعاد ومعه ضريح إيطالي، آية في الجمال فيما أحسب، وقد وضعه وسط المتحف، ثم غاب عن البلاد مرة أخرى لمدة عام، ولما عاد وجد أن الضريح قد اختفى، وأخيرًا وجده في الطابق السفلي، ولكنه لم يستطع أن يرفعه مرة أخرى، وحاوَل أن يكسب تأييدي قائلًا: «لو انضممت إليَّ أظن أن تأثيرك سيكون من القوة بحيث يكفي لرده إلى مكانته التي يستحقها.»
فسألته: «وأي فائدة مني؟ إنني لا أعرف شيئًا عن الفن. كل ما أعرفه أن ضريحك آية في الجمال.»
– «ذلك كل ما يعنيك أن تعرفه.» (مقتبسًا سطرًا من كيتس.)
– «تعالَ وقُل لهم ذلك.»
– «ولكني أستطيع أن أقول هذا هنا دون أن أذهب إلى المتحف، ثم إن قولي لن يُعينك؛ لأن المصلحة تميل إلى الحفريات، وضريحك قد يكون جميلًا، ولكن إذا لم يثبت أن تاريخه يقع في حدود عشر سنوات من الفترة المطلوبة، فلن يخرج من الطابق السفلي».»
وقالت مسز هوايتهد: «ولكن لا تُخطِّئ فهمنا، إنه عزيز علينا، ونحن به جِد مُغرَمين.»
ثم اتجه الحديث إلى حركة بوشمان، التي كانت في طريقها إلى الظهور في ذلك الحين، صوتها مسموع، وإن يكن بغير ضجيج.
وسأل سائل: «ما هذه الحركة التي تجعل الكتوم ينتفض؟»
وقال هوايتهد شيئًا عن حقيقتها في تعبير لا يُخالِجه التردُّد.
وقالت مسز هوايتهد: «هل سمعت عن زيارة الدكتور رتشارد كابوت وزوجه لجماعة المُعترِفين؟»
– «كلا.»
في اللحظة المُلائمة أومأ مستر بوشمان برأسه — وهو لا يعلم من هما — مُشيرًا إلى أن دورهما قد جاء ليُؤدِّيا الشهادة. فنهض الدكتور كابوت وقال في حزم: «أنا الدكتور رتشارد كابوت، من الأطباء، وأستاذ علم الاجتماع في كلية هارفارد.» وتبعته زوجته (وانخفض صوتها إلى حد التمتمة) وقالت: «اسمي ألا كابوت، وأنا باحثة جادة عن الحقيقة.» ثم جلست، وهذا كل ما حدث.
قلت: «الظاهر أنها ضرب من ضروب جيش الخلاص للطبقة العليا. في أوقات الاضطراب الاجتماعي يخرج الناس على العقائد القديمة ويتمسكون بالأوهام، والاعتراف الجنسي نقطة من نقاط المساومة.»
ثم عقَّبت على ذلك مسز هوايتهد قائلةً: «وكذلك الأمر مع علماء التحليل النفساني. أليس مما لا مفر منه أن يتكون لديهم ذوق خاص من كل هذا التقصي البعيد لأسرار اللاشعور؟ أظنهم قد انتهوا بالتقصي لمجرد لذة التقصي. وما جدوى الفقير منه، الذي هو بحاجة إليه — بل أشد حاجة — من الغني، إن كانت به فائدة؟ إنني لا أرى عيادات مجانية لعلماء التحليل النفساني.
ومما يُذهِلني أن الأطباء النظاميين كثيرًا ما يتناولون مُرتَّبات ضعيفة، في حين أن هؤلاء العلماء النفسانيين يكسبون كثيرًا. أليس التحليل النفساني نوعًا من الشغف الشديد بنبش ما في عقول الآخرين، وحملهم على الإباحة بما ربما كان من الواجب عليهم أن يبوحوا به، ولكن لغير هذا الذي ينبش ويُحاوِل أن يحمل الناس على الإباحة؟»
ودافعت زوجة الدكتور نيكولز عن المهنة في غياب أصحابها بكفاية وجدارة، والظاهر أنها كانت تعرف الكثير عنها.
ثم قال الفيلسوف: «إن «كنيسة الملك» في بوسطن فريدة بين جميع فروع المذاهب البروتستانتية التي أعرفها. إنهم يسمحون لكل إنسان بالدخول ثم يعظونه — حتى أنا على سبيل المثال — إنها محترمة إلى درجة لا تُصدَّق.»
ثم وجَّه إليَّ السؤال قائلًا: «هل تعرف مكانًا أكثر منها احترامًا، حتى في بوسطن؟»
– «ليس هناك مكان آخر غير شارع جبل فرنون، ألا يقول عنه هنري جيمس إنه أكثر شوارع أمريكا احترامًا؟»
وقال الفيلسوف: «أخشى ألا يُعيننا ذلك؛ لأن كنيسة الملك — كما أعلم — مِلك لقوم يقطنون في شارع جبل فرنون، إنها نادرة الامتياز. إن هناك دينًا خاصًّا لكنيسة الملك، دينًا فريدًا في نوعه في هذا الوجود، وأعتقد أن هذه الكنيسة هي المكان الصحيح الذي يتزوج فيه الإنسان.»
قال: «إننا في حرية مُطلَقة، كحرية هارفارد. هل تعرفون أن لهارفارد محاضرة موقوفة يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر؟ وكان المفروض أن يتحدث المُحاضِر بإسهاب في الأخطاء اللعينة لكنيسة روما، بل لقد دعوا قسيسًا كاثوليكيًّا لكي يقوم بإلقائها.»
– «وكيف يتغلبون على الشروط؟»
– «في يسر شديد! ربما لا يستطيع المُحاضِر أن يكشف أي خطأ لعين في كنيسة روما، فلا ينتظر في هذه الحالة أن يتحدث فيها.»
– «إن أحد أصدقائي القدامى يستسيغ ذلك. إنه الآن قسيس ولكنه كان فيما سبق أستاذًا للتاريخ في هارفارد، وكان بعيد الصيت، وكنا نطلب العلم في الجامعة معًا، واشتهرنا بتفوقنا، وكلانا من الغرب الأوسط وآباؤنا دكاترة، وكان حتى في ذلك الحين مُتعمِّقًا في حِكم الكنيسة الأنجليكانية العليا.»
فقال الفيلسوف: «لا بد أن يكون هو ذلك الرجل الذي كثيرًا ما ألقاه في المكتبة. إننا على وشك أن نتبادل التحية.»
– «أرجو أن تتبادلاها في المرة القادمة.»
– «ألا يرجع انتماؤه إلى الكنيسة إلى عهد بعيد؟»
– «حتى منذ ثلاثين عامًا كنت أعجب — بجهالتي الدينية — كيف كان يحتفظ بعقيدته في الكنيسة الأنجليكانية العالية ومعرفته بفلاسفة ما وراء الطبيعة الألمان كل في ركن ذي منطق مُحكَم.»
فقال الفيلسوف: «إنني لا أتصور ذلك من الصعوبة كما يبدو، كلنا يفعل ذلك، إنما العسير أن تحتفظ بهما في ركن واحد.»