بكاء الأمهات لدى رؤية الدبابات
يا لها من مفاجأة! وصلتني من أمي رسالة سميكة، كان ذلك حتمًا أواخر مارس. عندما سألْتُها عن السيدة جروسكورت أثناء أيام عيد الميلاد، قَلَّبَت أمي في بعض الأدراج وأخرجت ما كتبَته في فيردا خلال شَهرَي مارس وأبريل ١٩٤٥م، ثم طَبعَت كل شيء على الآلة الكاتبة. لم تكتب في حياتها يوميات إلا آنذاك، عندما انتهت الحرب وجاء الأمريكان، وفيها وجدَت بعض الأشياء عن السيدة جروسكورت. ولكني مُحْرَجة، هكذا كتَبَتْ لي، بسبب هذه الأوراق التي أُعطيها لكَ، إلا أني كنتُ صغيرة للغاية.
ثماني صفحات بالخط الصغير، قرأْتُها فورًا.
«٣٠ / ٤ / ٤٥. يوم الجمعة العظيمة. في الصباح تَحتَّم على قوات الدفاع الشعبي في القرية التَّجمُّع وبدء المسيرة. جاءهم الأمر بالتوجه إلى أيزناخ. وَداعٌ صعب! القُدَّاس الإلهي بدون إزعاج. بعد ذلك سيقوم الأطفال الذين يَنالون الأسرار المقدَّسة لأول مرة بتزيين الكنيسة استعدادًا للاحتفال بهم يوم عيد القيامة. تبدو الكنيسة بالفعل جميلة للغاية. لا تنقص إلا أكاليل الزينة. وعلى المذبح سَيُوضع المفرش الأبيض والزهور. لن نقوم بهذا إلا في الغد. بعد الظهر، نحو الثانية والنصف، أرى قوات الدفاع الشعبي تَعود إلى القرية، ثم أسمعهم يقولون: إن الدبابة الأولى ستصل إلى هنا خلال ثلاث ساعات. هل هذا صحيح؟ على كل حال أتأكد من أن مَتاعي الذي سآخُذه خلال السَّير جاهز. نسمع أزيز الطائرات والرصاص. أذهب إلى الأطفال وأقول لنفسي: مِن المستحيل أن أهرب بالرضيع والطفل المريض عبْر الغابة، إذا تَحتَّم عليَّ ذلك وإذا صدر الأمر. نحن في يد الرَّب الحنون، فليغفر لنا ذنوبنا. ألم يُصلَب المسيح مِن أجْلِنا؟ وليُدخلنا الرَّب في ملكوته اليوم إذا كانت هذه إرادته! يريد الكبير أن يتفرج على الكتاب المقدَّس المصور. يُناسبني هذا تمامًا. أجلس بجانبه. وفجأة أسمع أزيز طائرات تطير فوقنا على مستوًى منخفِض تمامًا، ومن الشارع تتصاعد فرقعات وهدير. بعد وهلة أذهب إلى الشباك لأرى ما يحدث. أرى دبابة تلو الأخرى تزحف من اتجاه لانجنشفارتس. ولأن كل مُقاوَمة نُبديها نوع من الجنون فقد عَلَّقوا علمًا أبيض عند بنك الائتمان. والآن، منذ الخامسة إلا الربع تقريبًا، والدبابات والعربات المُدرَّعة والسيارات الصغيرة الرشيقة تخترق القرية بلا انقطاع في اتجاه رينا-نويكيرشن. أنتهز فرصة أنَّ طفلي الأكبر هادئ، وأنه يتفرَّج في سكون على الكتاب المُقدَّس المُصوَّر، وأخرج إلى المزرعة، حيث أجد آل جروسكورت. تبكي السيدة الدكتورة «ج»، والسيدة بلومبه تقول لي: «لو كانوا جاءوا قبل عام، لكان زوج ابنتي ما زال على قيد الحياة!» لم أَعُد أطيق سماع ثرثرتهم. تَجنَّبتُهم. وطفرت الدموع من عيني أيضًا، ولكن لأسباب أخرى في الحقيقة. مِسكينة يا ألمانيا، مِسكينة يا ألمانيا. ما أكثرَ التضحيات التي ضَحَّى بها الناس في الحرب! والآن يا للبؤس الذي سنيتشر: بطالة، مَجاعات، أمراض! أشياء لا يتصورها العقل. العزاء الوحيد الباقي لنا هو أننا نعرف أن يد الله تحمينا، وأنه يعلم احتياجاتنا قبل أن نطلبها منه. بعد ثلاث إلى أربع ساعات تَمرُق بسرعة عظيمة دبابة بعد الأخرى عند منزل آل لوتسن في زاوية الطريق. في المساء ساد الهدوء. بين الحين والآخر تَعبُر الطريق سيارة بمفردها.»
في البداية أدهشتني المُؤرِّخة التي لم أكن أعلم بوجودها، ثم سذاجة المؤرِّخة. وما حدسته من أن حياتها كانت أعمق تشابكًا مع حكاية جروسكورت مِمَّا ظننتُ.
في المساء عرضْتُ هذه الأوراق على كاترين، شاعرًا بالانتصار؛ لأنها تبرر حماستي لجروسكورت. قالت كاترين: إنها على كل حال صريحة وأعطَتْك اليوميات، بالرغم من أنها تعرف أنك تفكر تفكيرًا مختلفًا تمامًا.
– ومع ذلك: ليس هناك حرف من التعاطُف. مع أنها دائمًا متعاطفة مع الجميع.
– كم كان عمرها؟
– ٢٣.
– طيب! ومَن ربَّاها؟ نازيون ومسيحيون، كما نعلم. إذن، لا تكن قاسيًا معها هكذا!
– ولا كلمة أَسَف على جيورج جروسكورت.
– من أين لها أن تعرف ما تعرفه أنتَ اليوم؟
جرى هذا الحديث في وقت كانت كاترين تستمتع فيه استمتاعًا متزايدًا بمعارَضتي. بالطبع كانت على حق. وأنا كنتُ الأبله الذي لا يريد الاعتراف بذلك.
«لم أعد أطيق سماع ثرثرتهم. تَجنَّبتُهم.» هذه الجملة أشعلتْ نار حماستي. عندما كنتُ أشعر أني أكلف نفسي فوق طاقتها، أو عندما أفكر بسرعة في الاستسلام، فإن أكثر النساء وداعةً كانت تمنحني العزاء، أمي الخائفة. لقد تجنَّبتُهم، والآن عليَّ أن أُكفِّر عن هذه الخيانة التي ارتكبتُها، أن أحمل الفضيحة، ليس مسموحًا لي بأن أتجنَّب أحدًا. وخاصةً الآن!