خاتمة شبه سعيدة
في سبتمبر ١٩٦٩م انتهى العام الذي قضيته قاتلًا. بعد اغتيال كاترين وموت «ر» تخلَّيتُ عن الموضوع بين عشية وضحاها. لم يرجعني شيء إلى كتاب جروسكورت، ولا حتى التعاطف مع جيورج والمقاوَمة التي أبداها، أو تَعاطُفي مع أناليزه ومقاوَمتها.
ولكن الحكايات ظلَّت تدور في رأسي كأيام الطفولة: لم أرَ الآن الرأس المقطوع فحسب، بل الجلَّاد روتجر ورؤساءه، رءوس الأفاعي البرلينيين، هافَمان في أدوار عِدَّة، السيدة جروسكورت وهي تُقطِّع سجق فيردا، وهي تتحدَّث عن فرايزلر أو وهي تُبدِي حماستها لهمفري بوجارت. مئات من صور كهذه تزاحمَت في رأسي.
«لقد تجنَّبتُهم». هذه الجملة من يوميات أمي جعلتني أبدأ من جديد: عليَّ أن أعوضها عن التهميش، أن أحكي حكاية القاتِل التي لم يكتبها أحد، أن أجرؤ على تقديم اعتراف.
للتأخير مزايا عديدة. لم يكن ممكنًا آنذاك تكوين صورة كاملة عن القضايا التي رفعَتْها أناليزه جروسكورت. ملفات اكتُشِفَت حديثًا، وأبحاث جديدة سهَّلَت عليَّ وصْف جيورج جروسكورت ومجموعة المقاوَمة.
والطبيبة ذات القلب الكبير! بعد الطلب الذي تقدَّم به مُحامُو ثلاثة مكاتب مرموقة: كاول من برلين الشرقية، وهاينَمان الابن من إسن، وشايد من برلين الغربية، كان عليها الانتظار حتى عام ١٩٧٢م. فَحصتِ الدوائر الحكومية الطلب، وتداوَلت، وتباطَئوا، ثم عرضوا عليها أخيرًا تسوية: لن تحصل على تعويض، ولكنها ستحصل، وفقا للوائح، على معاشٍ كأرملة، كما سيحصل الأولاد على معاشٍ بصفتهم أيتامًا. بصورة رجعية، ولكن ليس ابتداء من ١٩٥١م، كما يقضي القانون، بل بدءًا من عام ١٩٦٠م.
وافَقَتْ. لم تُرِد أن تفكر في المبلغ الضخم — نصف مليون مارك — الذي أهدته للدولة التي سامَتْها العذاب طوال أكثر من عشر سنوات. نَعمِت بأربعة وعشرين عامًا خالية من الملاحَقات. ثم كانت بداية رد الاعتبار لزوجها عندما أقاموا مَعرضًا في مستشفى موآبيت عن المقاوَمة، عن جيورج وجماعة «الاتحاد الأوروبي». وامتد بها العمر حتى شهدتْ إطلاق اسم زوجها على أحد شوارع برلين، وإقامة شاهد تذكاري لزوجها في مسقط رأسه أونترهاون.
بالمناسبة: أحد المحامِين الثلاثة، وتحديدًا البرليني الغربي الذي قدَّم بِاسْم السيدة جروسكورت الالتماس الذي أتى لها بالخاتمة السعيدة إلى حد ما، هو أحد أكثر أبناء مهنته نجاحًا. إنه — وأستميحكم العذر، ولكن هذه المقارَنة ليست من اختراعي — هو الذي دافعَ عن القاضي «ر»، وحصَل له على حكم البراءة الذي أُعلن في ذلك اليوم البعيد، عيد القديس نيقولاوس.