خاتمة
فريدريش كريستيان دليوس من أكثر الكتاب الألمان اهتمامًا بتاريخ بلده المعاصِر، ولا سيَّما فترة الانتفاضة الطلابية والحركة اليسارية في الستينيات. آنذاك كان شباب العالم يغلي بالتَّمرُّد والرغبة في التغيير، وكان الشعور السائد أن السُّلطة فاسدة في الشرق والغرب معًا. في «قاتل لمدة عام» يرسم دليوس جدارية ألمانية ضخمة عن تلك الفترة وعقود النازية التي سبقتها، جدارية مليئة بالتفاصيل المدروسة جيدًا، لكن القارئ لا يضيع في شعابها.
قد يقول قائل: رواية عن النازية والستينيات في شطْرَي ألمانيا، إنها أحداث بعيدة في أرض بعيدة، هل تهمنا؟
لا يعيد التاريخ نفسه، لكنه يقدم دروسًا تتشابه عِبَرُها. هذه الرواية تلقي ضوءًا كاشفًا على حقبة حالكة الظلام في التاريخ الألماني، كما تبين الرواية أن الجناة ليسوا بالضرورة وحوشًا آدمية. إن التعبير الذي استخدمته الفيلسوفة هنه آرنت عن «عادية الشر» يجد له خير تجسيد في هذا العمل الذي يُظهِر بجلاء أن الديمقراطية لا تُولَد بين يوم وليلة، وأن شعبًا ساير الديكتاتور سنوات طويلة وآمن به، لن ينقلب شعبًا حرًّا ديمقراطيًّا بمجرد إسقاط الطاغية.
أحداث بعيدة في أرض بعيدة؟