سقوط الدولة الأموية
(١) الأحزاب السياسية تَجْعَل الدين ستارًا لمبادئها
أَثْبَتْنَا في الفصول التي سبقت ما قاساه الأمويون في توطيد دعائم مُلْكهم من أنصار الأحزاب العلوية كالتوَّابين والخوارج ودعاة المختار، تلك الأحزاب التي قام يدير دفة سياستها زعماء غَلَبَتْ عليهم المطامع الشخصية وتمكَّنت منهم الروح الاستقلالية، فسَعَوْا لأن يجعلوا مِنْ مأساة الحسين سلمًا يرتقون عليه إلى المناصب السياسية، ولطالما ودُّوا لأن يكون لهم من الدين ستارٌ يُخْفُون وراءه مذاهبهم الحقيقية.
وقد فَتَكَ الأمويون بهذه الأحزاب فتكًا ذريعًا وأعملوا في رجالها السيف وتتبعوا آثارهم لِيُفْنُوهم عن بكرة أبيهم، فلم يتمكنوا من ذلك لانتصار هؤلاء بمبدأ التقية، ويقول هذا المبدأ بجواز الاستخفاء وكتمان ما تكنه الصدور من العقائد إن كان عليهم من حرجٍ أو بأسٍ أو ضررٍ.
ثم ظهر هذا النزاع بين الأمويين والشيعة العلوية على اختلاف فِرقها بمظهرٍ شديدٍ رهيبٍ في أواخر القرن الأول للهجرة، وقد كان المحرك الأعظم له جماعات الأعاجم من الفرس، أولئك الذين حقدوا على بني أمية استمساكهم بروح العصبية العربية، واحتكارهم المراكز السياسية للنبلاء العرب، واحتقارهم للموالي والدخلاء على العربية، ولا غرابةَ في أن يكون هذا النزاع خطيرًا؛ لأن الفرس راموا من ورائه استرجاع ما فقدوه من السطوة والسلطان بعد زوال دولتهم وتَقَلُّص ظلها، فساعدوا الشيع التي قامت تطلب الخلافة لآل البيت وضحُّوا بأموالهم وأنفسهم لإنهضاها وتقويتها وبثِّ دعوتها سرًّا وعلنًا، ونعتقد أن هذا النزاع ظَهَرَ بمظاهر عدة: أولًا بمظهر الحركة الزيدية، ثانيًا بمظهر الحركة الجعفرية، ثالثًا بمظهر الحركة الأباضية، رابعًا بمظهر الحركة العباسية، وسنبيِّن كلًّا منها في حينه.
(٢) أسباب سقوط الدولة الأموية
حطَّم بنيان الدولة الأموية في الشام الدعوة المنظمة التي بثَّتها هذه الأحزاب، والأموال الطائلة التي بذلها الرؤساء والجمعيات السرية، وقد انتشر رجالها في كلِّ صقعٍ يدعون لآل البيت وينالون من بني أمية، الفئة الضالة المضلة الفاسقة المغتصبة في عُرْفِهم، ولم يتعاضد الأمويون تجاه هذه الأزمة الصعبة والضائقة والمخيفة، بل راحوا يثيرون روح العصبية بين اليمانية والمضرية، ويستميلون تارة هؤلاء إلى صفوفهم وطورًا أولئك، فهيَّأ بذلك مجالًا لأن ينصب لهم أعداؤهم المكائد، ففرقوا جموعهم وعصفت بهم ريح الفوضى، فزلَّت أقدامهم وانقرضت دولتهم.
(٣) الفرس يحرِّكون الأعاجم والشيعة عند بني أمية
ثم قام يدير زمام المعارضين للمركزية الأموية رجالٌ أقوياءٌ مخلصون كأبي مسلم الخراساني وبكير بن ماهان وغيرهما، بينما كان الخلفاء المتأخرون من الأمويين لاهين مستهترين، لا يباشرون إدارة الأمور بأنفسهم، بل يَكِلُونها لأرباب اللهو وأهل المجون، وقد أسرفوا في ذلك إسرافًا هائلًا، وتنازَعوا على الخلافة فأخذوا يضربون بعضهم البعض ويثيرون القلاقل في مختلف البلاد؛ فضعُفَتْ هَيْبَتُهم ولعبت بهم يد الفساد، وإليك تفصيل هذه الأسباب:
(٣-١) الحركة الزيدية
- (١)
يسوق الزيديون الإمامة في أولاد فاطمة بنت علي بن أبي طالب، ولا يجوِّزون ثبوت إمامة في غيرهم.
- (٢)
إذا خرج فاطمي عالِم زاهد شجاع بالإمامة أصبحت طاعته واجبة، سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين.
- (٣) يجوز خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال ويكون كل واحد منهما واجبَ الطاعة.١
(أ) زيد بن علي بن الحسين
أمَّا زعيم هذه الحركة فهو زيد بن علي بن الحسين، وكان شابًّا طموحًا يعتقد كل الاعتقاد أن الخلافة حقٌّ من حقوقِ آل البيت اختلسها بنو أمية واستأثروا بها وجعلوها وسيلةً لإشباع مطامعهم الدنيوية، وردَّد مثل هذه الأفكار في مجالسه الخصوصية والعمومية، فانتبه زعماء الفرس لمقالته وآرائه فأعاروها أذنًا صاغية، وفرَّقوا الأموال في الكوفة الثائرةِ الغاضبة لمُنَاصَرته وتأييده، فجاءه زعماؤها وأكَّدوا له إخلاصهم لآل البيت وتفانيهم في محبة أبناء الرسول واستعدادهم للفتك في بني أمية وطردهم من العراق.
ولو تأملنا في مبادئ الزيدية لتحققنا أن الفرس سَعَوْا لأن يكون زعماء هذه الحركة جماعة من آل البيت نظرًا للمكانة الرفيعة التي لهم في قلوب المسلمين، وكلُّنا يعلم أن المسلمين عمومًا يحبون آل البيت المطهرين ويعترفون لهم بالأفضلية والمقام الرفيع، وقد تمكَّن الفرس بهذه الوسيلة من أن يجعلوا الخلل يتسرب إلى نفوس الأمة، لا سيما وأن الأموال كانت دومًا تدعم دعوتهم وأهْل نُصْرَتهم.
وكان زعماء آل البيت ضعافًا، فظلُّوا تحت تأثير المورفين الفارسي والأفكار الفارسية؛ ولذلك لم تكن لهم الكلمة العليا في تدبير الأمور وترتيب الخطط وتنظيم الأسباب في الحركات التي قاموا بها.
ونعتقد أن زيدًا زعيم هذه الحركة لم ينجح لأمرين: الأول لأنه لم يكن من أولئك الزعماء الضعفاء الذين وصفناهم، فلم يستسلم للفرس سياسيًّا ولم يَرْمِ بنفسه في أحضانهم، بل سعى سعيًا متواصلًا لأن يكون زعيمًا حقًّا يتمتع بكل نفوذٍ وسلطان، وهذا ينافي الخطة التي درج عليها الفرس، فدعوا جماعته للتخلي عنه في أحرج الأوقات وأشدها خطرًا.
ولما كانت الشيعة تَكْرَه الشيخين أبا بكر وعمر، وكان زيد لا يحضُّ على بُغْضِهما لقربهما من الرسول ولبلائهما الحسن في الإسلام أَخَذَ الفرس يبذلون جهدهم للتخلص منه ولانتخاب زعيم يصلح صلاحًا تامًّا لخدمة مآربهم، فجادَلُوه فيهما وأحبوا استطلاع رأيه ونشره كيما يتفرق عنه الشيعة، فصرَّح مرة أنه تجوز إمامة المفضول مع قيام الأفضل، وسألوه التفصيل فأجاب: «كان علي بن أبي طالب أفضل الصحابة، إلَّا أن الخلافة فوِّضت إلى أبي بكر لمصلحةٍ رأوها وقاعدة دينية راعوها من تسكين ثائرة الفتنة وتطبيب قلوب العامة، فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريبًا وسيف أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عن دماء المشركين من قريش لم يَجِفَّ بعد، والضغائن في صدور القوم مِنْ طَلَبِ الثأر كما هي، فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد، وكانت المصلحة أن يكون القيام بهذا الشأن من عرفوه باللين والتودد والتقدم بالسن والسبق في الإسلام والقرب من رسول الله، ألا ترى أنه لما أراد في مرضه الذي مات فيه تقليد الأمر عمر بن الخطاب زعق الناس وقالوا لقد ولَّيت علينا فظًّا غليظًا، فما كانوا يرضون بأمير المؤمنين عمر لشدة وصلابة وغِلَظ له في الدين وفظاظة على الأعداء حتى سكَّنهم أبو بكر.
(٣-٢) الحركة الجعفرية
كثر عدد المرشحين للخلافة حينما اضطرب حبل بني أمية، وكان الفرس يساعدون هؤلاء المرشحين في كل مكان ليقف الأمويون تجاههم موقف الحائر المرتبك الذي لا يعرف كيف يتخلص من ضائقته إذا نَزَلَتْ به واستحكمت حلقاتها.
ومن المهم أن نقرَّ أن هؤلاء الفرس متى قضوا لبانتهم من الرجال الذين يخدمون آراءهم ومصالحهم رموهم جانبًا وانتبذوهم قصيًّا، ولو أَجَلْتَ نَظَرَكَ في الديار العراقية — مركز الدعوة الفارسية وحصنها الحصين في أواخر القرن الأول وبدء القرن الثاني للهجرة — لرأيت الفرس يمدُّون أبناء الرسول من جهة ويعيِّنون أبناء العباس من جهة أخرى، وبعبارة أتم كانوا يشجعون العباسيين والعلويين على طَلَبِ الخلافة وإشعال نيران الثورة، إنهم لم يكتفوا بذلك، بل بذلوا الأموال الطائلة في إنماء قوى الأباضية الخوارج وغيرهم؛ حتى تئن البلاد من ثقل الحكم الأموي وتشعر بوطئته الشديدة، والغريب أنهم كانوا يُمَنُّون جميعَ المرشحين بالخلافة، وهم عن كثبٍ يراقبون سير هذه الحركات وتدرجها ونموها ليشدُّوا أزر القوية منها.
(أ) جعفر الطيار
(٣-٣) الحركة الأباضية
- (١)
المخالفون من أهل القبلة كفَّار غير مشركين.
- (٢)
مُنَاكَحة أهل القبلة جائزة ومُوَارَثتهم حلال.
- (٣)
غنيمة أموال أهل القبلة من السلاح والكراع عند الحرب حلال وما سواه حرام.
- (٤)
حرام قتل أهل القبلة وسبيهم في السر غيلة إلَّا بعد نصب القتال وإقامة الحجة.
- (٥)
دار مخالفيهم من أهل الإسلام دار توحيد إلَّا معسكر السلطان فإنه دار بغي.
- (٦) مرتكبو الكبائر موحِّدون لا مؤمنون.٧
فترى أنهم يتساهلون في أمور الدين، وهذا بعض ما تَطْلُب الفرسُ وقاتلوا من أجله، ولذاك ساد التساهل في الدولة العباسية يوم استلموا زمام أمورها وانتشر في بغداد أكثر من انتشاره في دمشق وقرطبة، وهو نتيجة لما قدمناه، ثم هم يشيرون بالحرب واعتبار معسكر السلطان دار بغي ليضربوا الخلافة الأموية من أسسها، فتوفقوا في تحطيم العرش الأموي مع غيرهم، ولكنهم لم يوفقوا في الاستيلاء على عرش الخلافة.
(٣-٤) الحركة العباسية
تحرَّكت الدعوة العباسية تدعمها سيوف الفرس وترعاها أموالهم ويبثُّها رجالهم، وكانت كغيرها من الحركات التي وصفناها؛ لا همَّ لها إلَّا القضاء على النفوذ الأموي ونقل الخلافة إلى آل البيت، ومن المهم أن نؤكِّد هنا أن الناس الذين قاموا يؤيدونها لم يفكِّروا البتة أنهم ينصرون آل العباس، وأن آل العباس سيضطهدون العلويين ويضربونهم في الصميم ويلاحقونهم في كل صقعٍ كما فَعَلَ الأمويون بهم من قبل، بل اعتقدوا اعتقادًا راسخًا أنهم يدافعون عن حقٍّ مغصوبٍ لأبناء النبي، وأن لا بدَّ من إرجاع هذا الحق إلى أصحابه، ولا يكون ذلك إلَّا بقتال الأمويين ومناوأتهم وكفاحهم.
(أ) الجمعيات السرية
قام الفرس يبثُّون الدعوة ضد بني أمية وينالون منهم ويثيرون أحقاد الناس وضغائنهم في كل مكان، فوجدت دَعْوَتُهم أرضًا خصبة وجوًّا صالحًا في أدمغة الشيعة، وكان بدء هذه الحركة منذ أن سلَّم الحسن بن علي زمام الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان، فأخذوا يؤسسون الجمعيات السرية والأحزاب القوية في العراق وخراسان، ورشَّحوا محمد بن علي وهو محمد ابن الحنفية للخلافة وعرضوا عليه قَبْض زكاتهم لينفقها في مجاهَدة الأعداء وتنظيم الحركة ضِدَّهم، فقبل ذلك منهم وعيَّن الدعاة في البلاد المختلفة لنشر أَمْره بين المخلصين والثقات سرًّا، وحذر كل الحذر لئلا ينشر أمره، فلما أَدْرَكَتْه الوفاة ولى عبد الله ابنه من بعده، فلم ينجح في إعلان الثورة؛ لأن الأمويين كانوا يراقبون خصومهم ويعدُّون عليهم أنفاسهم.
فعقبه محمد بن علي بن عبد الله بن العباس في الحميمة، وكان مفكِّرًا فلم يرسل دعاته في الشام ومصر لأن هواهم في بني أمية، ولم يجعل الكوفة مركز أعماله خيفة أن يغدر به الكوفيون وهم الذين أثبتت الحوادث خيانتهم لعلي بن أبي طالب والحسين ابنه وزيد بن علي وغيرهم، ولم يقم بالحجاز لأن الحجاز بلاد فقيرة لا قوة لأهلها ولا حول لرجالها، فوجَّه وَجْهَه نحو خراسان، واعتمد بكل قوته على الفرس ورمى بنفسه في أحضانهم ودعاهم إلى نصرته، وقد فعل هذا اعتقادًا منه أنهم مُخْلِصون لقضيته متفانون في محبة آل البيت، ولا غرابةَ في ذلك لأنهم كانوا يرسلون له الأموال الطائلة المرة إثر الأخرى.
ثم إن خراسان بلادٌ بعيدةٌ عن عاصمة الخلافة الأموية، وليس للعرب بها سلطان قوي أو نفوذ عظيم، فيمكن للحركة العباسية أن تنمو وأن تثبت تجاه القوى الأموية، وأن ينتقل رجالها في جبالها ووهادها انتقالًا سريعًا قبل أن يكون للحكومة الوقت الكافي لتشتيت شَمْلهم والقضاء عليهم.
والحقيقة التي لا غبارَ عليها أن دعاة العباسيين أَظْهَروا مهارةً تامةً في تكَتُّمهم، فحذروا حذرًا شديدًا من العرب في فارس، وكانوا لا يُفْشُون أسرارهم إلَّا للمخلصين لهم، ويأخذون عليهم العهود والمواثيق المؤكدة، وأظهروا براعة تامة في تمثيل جور بني أمية واعتدائهم وتهتكهم واستهتارهم واستخفافهم بأمور الدين والشريعة المطهرة، وجعلوا يسيرون من مقاطَعة إلى مقاطَعة ومن كورة إلى كورة فيدعون الناس إلى مبادئهم فيستجيبون لهم.
(ب) زعماء العباسيين
أمَّا أشهر رجال الدعوة العباسية العاملين فكانوا بُكير بن ماهان، وهو شابٌّ فارسيٌّ غنيٌّ وخطيبٌ مفوَّه، وسليمان بن كثير، ولاهز بن قريط، وقحْطَبة بن شبيب، وغيرهم من رجال الفرس والشيعة، وقد خدموا القضية العباسية خدمة كبرى فضحَّوْا بأموالهم وأوقاتهم وراحتهم في سبيلها.
وعقب محمد بن علي ابنه إبراهيم المعروف بالإمام. وكان ساعِدَه الأيمن وعَضُدَه المتين شابٌّ فارسيٌّ يدعى أبا مسلم الخراساني. وُلِد أبو مسلم حوالي سنة ١٠٠ هجرية/٧١٨م في رستاق فريدين من قرية تسمى سنجرد، وقيل إنه من قرية ماخوان على بعد ثلاثة فراسخ من مرو، وتعاطى والِدُه التجارةَ بين خراسان والعراق، فجلب إلى الكوفة الأغنام والمواشي ورجع حاملًا منها المنسوجات والمحصولات العراقية، وقد ضَمِنَ مرةً بعضَ رساتيق للحكومة وقاطَعَ عليها فلَحِقَه عجْز فيها وناء تحت أعباء الديون، فهرب مع زوجته «وشيكة» وهي كوفية الأصل فارسية التربية، وعرَّج في طريقه على رستاق لبعض أصدقاه وهم آل العجلي بماه البصرة مما يلي أصبهان، ونزل عندهم ضيفًا كريمًا، ولما اشتد طَلَبُ الحكومة له التجأ إلى أذربيجان فمات بها.
نشأ أبو مسلم في بيت عيسى ومعقلٍ ابْنَيْ إدريس العجلي، فتعهَّداه وأرسلاه إلى المدرسة مع أولادهما، فخرج أديبًا لبيبًا يُشار إليه بالبنان حسب رواية ابن خلكان.
(ﺟ) خراسان بركان الثورة العباسية
ثم دارت الأيام دورتها وانتشرت الدعوة العباسية في خراسان وفارس، فاشترك آل العجلي في المؤامرة على الدولة الأموية، وراحوا يشجِّعون الناس على تأخير الخراج عن خزينة الحكومة، فقبضت عليهم وساقَتْهم إلى واسط، وهناك صدر الأمر بسجنهم. فلَحِقَ بهم أبو مسلم يخدمهم ويختلف إليهم في حبسهم، فاجتمع مدة إقامته في واسط بدعاة العباسيين واتصل بنُقَبائهم، فمال إلى مُنَاصَرَتِهم انتقامًا من أولئك الذين سَبَّبوا نكبةَ عائلته وسجن أوليائه. فلما آنسوا منه الذكاء وتَوَقُّد الخاطر أَوْعَزوا إليه بالمسير إلى محمد بن علي زَعِيمِهم وهو في الحميمة من أعمال الشام، فركب إليه فاستقبله واستخدمه في بثِّ الدعوة فوجده كثير العبرة مُخْلِصًا.
أبو مسلم الخراساني
فترى أنَّ الإمام لم يكن لينظر إلى العرب عمومًا إلَّا أعداءً لحركته وعاملًا من عوامل الانحلال فيها، بينما كان الفرس — في نظره — الحصن الحصين لدعوته، فاعتمد عليهم اعتمادًا كليًّا.
اللواء والراية
سياسة فرِّق تسُدْ
لجأ أبو مسلم الخراساني إلى السياسة المعروفة بسياسة «فرِّق تسُدْ» حينما أراد مناوأة العرب الأمويين المنتشرين في الأقطار الفارسية، واستغل اختلاف بعضهم على بعضٍ، فراح يُشْعِل نار العصبية في صدورهم ويرسل دعاته إلى الزعماء ليوقعوا بينهم الضغينة والبغضاء.
ولو دَرَسْنا أحوال القبائل العربية في أواخر القرن الأول للهجرة لتحقَّقْنا أن الخلفاء الأمويين المتأخرين لجئوا أيضًا إلى تفرقة العرب وإنماء روح العصبية بينهم، فأَحْسَنوا إلى فئةٍ منهم وأَغْدَقوا عليها النعم وعيَّنوا لها الرواتب وأَسْنَدوا لرجالها المناصب دون الفئة الأخرى، فجاء أبو مسلم وبذل الأموال لإثارة الفتن بين مختلف القبائل العربية؛ فتكلَّلت مساعيه بأكاليل النجاح، ووقعت العصبية بين المضرية واليمانية بخراسان.
(د) العصبية القبائلية تَهْدِم صَرْح المملكة الأموية
(ﻫ) العصبية بين المضرية واليمانية
(و) العرب في الديار الفارسية يقتتلون
مكث العرب يقتتلون في خراسان نحوًا من عشرين شهرًا، وأبو مسلم لا يهدأ عن إيقاد نيران الفتنة ليُوَهِّن قُواهم ويشلَّ سواعدهم، وليكون له الوقت الكافي لِضَرْبهم ضربة قاسية لا تقوم لهم من بعدها قائمة.
وذَكَرَ في آخر رسالته الأبيات المشهورة:
ويدلُّنا هذا على أن الحكومة كانت مُضَعْضَعَة مشلولة لا قُدْرَة لها على ضَبْط زمام الأمور والدفاع عن كيانها، ولما أَعْيَتْ نَصْرًا الحِيَلُ ولم يُنْجِدْه أحد يقال إنه كتب للخليفة:
ولما أبطأ عليه الغوث أرسل إليه:
هذه وثائق ظاهرة بيِّنة تشهد لنا أن العصبية فتَّت في عضد بني أمية وكانت من أعظم الأسباب التي أدَّت إلى سقوطهم.
(ز) مقتل إبراهيم الإمام زعيم العباسيين
قَبَضَ مروان بن محمد على إبراهيم الإمام وأَحْضَرَه إلى حران حينما كَثُرَتْ شيعته وتعدَّدت أحزابه، وكانت حران مركز مروان ومقامه، ثم أَمَرَ به فأُعدِم، ويذكر المؤرِّخون أنه سمَّه، فخاف أخواه السفاح والمنصور فهربا إلى الكوفة مع بعض خاصَّتِهما، وأَظْهَرَ السفاح بها الدعوة وخطب بالناس في المسجد الجامع وبويع بالخلافة سنة ١٣٢ﻫ/٧٤٩م، ووفدت عليه الزعماء من أطراف العراق تبايعه وتقدِّم خضوعها له، وندب عمه عبد الله بن علي لقتال مروان بن محمد، فترى مما تقدَّم أن العراق وخراسان أَعْلَنَتَا خَلْع بني أمية.
(ﺣ) هزيمة مروان بن محمد في معركة الزاب
أمَّا وقد خلعت كلٌّ من خراسان والعراق طاعةَ الأمويين؛ فلم يَعُدْ أمام مروان إلَّا مناجزة العباسيين الوقيعة الفاصلة، لعلَّه يصدمهم صدمة توهن معنوياتهم، فجهَّز جيشًا بَلَغَ عَدَدُه نحوًا من مائة وعشرين ألف مقاتل وزحف به نحو العراق فالتقى مع عبد الله بن علي على الزاب الكبير، فانهزم جيش مروان وغرق منه عددٌ وافر، وكان أصحاب مروان فاتري الهمة قد لعبت بهم الدعوة العبَّاسية وأثَّر عليهم الذهب الفارسي فولَّوْا هاربين جزعين، وبَذَلَ جهده ليثبِّت أقدامهم فعيَّن لهم الأعطيات والرواتب فلم يُفْلِح، وكانت الفوضى قد انتشرت في صفوفهم فما أطاعوا الأوامر التي أَصْدَرَها لهم زعمائهم ولا أعاروها اهتمامًا.
(ط) الثورة في سورية
مضى مروان بعد هزيمته إلى الموصل فحرَّان فالشام، فوَثَبَ عليه أهل حمص ودمشق والأردن وفلسطين وأعملوا السيف في جنده وانتهبوا أمواله وذخائره، وكان بعد انكساره يستقري مدنهم ويستنهض هممهم فيروغون عنه ويهابون الحرب ويودُّون الخلاص منه، ولا غرابةَ في ذلك؛ فإن الشام كانت قد ملَّت الفوضى والقتال وزهدت في مساعدة الخلفاء الأمويين المترفين الذين لا يهوون إلَّا إشباع مطامعهم واتِّباع ملذاتهم الشخصية.
فكَّر مروان مرارًا بطلب النجدة والمعونة من البيزنطيين تجاه هذه الضائقة الشديدة التي نَزَلَتْ به، عَلَّه يسترجع ما فَقَدَهُ من السطوة والسلطان، فمنعه من ذلك أنصاره المخلصون وأشاروا عليه بالذهاب إلى مصر الغنية فيجمع شمله ويجعل الشام هدفه وإفريقية حصنه وموئله، وقد جادل مروان بن محمد إسماعيل بن عبد الله القسري في هذا الموضوع، وحفظ لنا الدينوري أقوالهما:
قال مروان — يخاطب إسماعيل بن عبد الله القسري: «أَجْمَعْتُ على أن أرتحل بأهلي وولدي وخاصة أهل بيتي ومن اتبعني من أصحابي حتى أَقْطَعَ الدرب وأصير إلى ملك الروم فأستوثق منه بالأمان، ولا يزال يأتيني الخائف والهارب من أهل بيتي وجنودي حتى يكثف أمري وأصيب قوة على محارَبة عَدُوِّي.»
(ي) مقتل مروان الثاني في مصر
اتجه مروان نحو مصر لِيَجْمَع شَمْله ويُطْلق آخِرَ سَهْم في كنانته، فلحق به أبو عون العلي أحد قادة عبد الله بن علي، وبثَّ رجاله في أثره فاكتشفوا مكانه في بوصير إحدى قرى الصعيد — مصر — فطعنوه فصرعوه واحتزُّوا رأسه وحَمَلُوه إلى السَّفَّاح في الكوفة، ولم يَمُتْ مروان رخيصًا بل دَافَعَ إلى النفس الأخير. وقد أَفَلَ بمقتل مروان نَجْمُ بني أمية في الشام.
(ك) الدعوة الفارسية العباسية ضد بني أمية
قُلْنَا: إن العصبية القبائلية كانت سببًا كبيرًا في سقوط الأمويين وزوال دولتهم، والآن نزيد أن الدعوة التي بثَّها أعداؤهم من الفرس والشيعة لَعِبَتْ دورًا مهمًّا في بلاط الخلفاء العباسيين، فأعملوا السيف في رقابهم ولَاحَقُوهم في كُلِّ قُطْرٍ من الأقطار العربية؛ حتى إنهم أَفْنَوْا مُعْظَمَهُمْ، ولم يُفْلِت منهم إلَّا عبد الرحمن الداخل المعروف بصقر قريش، وكان بعض الشعراء من أكبر المحرِّضين على إعدامهم، وهم بلا ريبٍ يمثلون لنا آراء الأحزاب المعارضة فيهم.
(ل) الشعراء يحرِّضون العباسيين على إعدام بني أمية
أنشد سديف أحد موالي بني العباس في حَضْرة السفاح:
وقال أيضًا يحضُّه على بني أمية ويَذْكُر مِنْ قَتْل مروان وبني أمية مِنْ قَوْمِه:
وله:
وقال أحد شيعة بني العباس:
وقال آخر:
(م) تفنُّن العباسيين في تعذيب الأمويين
استعمل العباسيون الحيلة في استقدام بني أمية، فأمَّنوهم على أرواحهم وأموالهم وأملاكهم، وأكَّدوا لهم أنه لن يضطهدوهم، وسوف يحافظون عليهم ويقيِّدونهم في ديوان العطاء، فقَدِموا على السفاح مطمئنين إليه عائذين به، فنَكَثَ عَهْده وتَفَنَّنَ في تعذيبهم وإعدامهم.
مائدة السفاح الرهيبة
وطالما ردَّد هذا البيت:
مذبحة نهر أبي فطرس
(٤) تَهَتُّك الخلفاء الأمويين واستهتارهم وإهمالهم واجباتهم تجاه الأمة
أغرق الخلفاءُ الأمويون المتأخرون في مجونهم واستهتارهم وتهتكهم، وأَسْرَفُوا إسرافًا زائدًا في اتباعهم سُبُل الشهوات والملاذِّ، فأهملوا واجباتهم تجاه الأمة التي اعتمدت عليهم في تدبير أمورها والاعتناء بمُقَدَّرَاتِها، إنهم لم يُنْسَجُوا على منوال معاوية الأول وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز فيوطِّدون دعائم الأمن والسلام، ويضربون أصحاب القلاقل وأهل الفتن بيد حديدية، ويسنُّون القوانين التي تُصْلِح حال السكان وتُنَمِّي تجارتهم وتنشِّط صناعتهم وتحيي زراعتهم، بل أَخَذُوا يقرِّبون الندماء والفسَّاق والمأمورين الذين لا يعرفون من المنصب إلَّا إرضاء ساداتهم، ولا يفهمون من روح المسئولية سوى تعداد الأيام والشهور لقبض رواتبهم.
(٤-١) يزيد الثاني الوالد المغرم
فترى أنه كان لبعض المحظيات الكلمة النافذة في إسناد الوظائف للولاة، وحكى الرواة أن حبابة غنَّت يزيد بن عبد الملك يومًا:
وسمع جارية لها تتمثل:
قلنا: إن يزيد بن عبد الملك كان يهوى حبابة ويحبها حبًّا جمًّا، وكانت ذِكْرَاها تُعَاوِد قلبه الجريح حتى لَفِظَ نفسه الأخير، والغريب أن سلامة كانت مفتونة به فتألمت من تقديمه حبابة عليها، وهذا ما نغَّص عيشها، ومع ذلك فلم تَنْسَ يزيدًا وبَكَتْه بكاءً مرًّا، قالت سلامة تتمثل يوم قضى:
(٤-٢) الوليد الثاني وإسرافه في احتقار المبادئ الإسلامية
(أ) الوليد اللاهي
وكان مدمنًا للشراب حتى ليُروى أنه خَاطَبَ الناس بشعرٍ يوم الجمعة في المسجد الجامع فصعد المنبر وقال:
(ب) شعره الجيد في الخمريات
وللوليد أشعارٌ جياد في الخمريات، وهي تصف تأثير ابنة الكرمة على النفوس الطروبة وصفًا دقيقًا رائعًا، وقد سَرَقَ الشعراء المتأخرون من معانيها وسلخوا صورها وأودعوها في أشعارهم، وكان أبو نواس من أشهر الأدباء الذين سطوا عليها وادَّعَوْها.
قال الوليد من خمرياته:
(ﺟ) الوليد اللاهي، سعدة وسلمى
وكان الوليد الثاني عصبيًّا لا يثبت على قرار، فبينَّا تراه قد وهب قلبه لفتاة من الفتيات الجميلات وراح يستعطفها ويتقلب على فراش الألم إن صدَّته وخَذَلَتْه إذا به يسلوها ويعشق غيرها ويستميت في رضى حبيبته الجديدة، ثم تُعَاوِدُه ذكرى حبه القديم فيبكي كالأطفال ويتوجع على ما فاته، فهو محبٌّ للحسان مستعدٌّ لأن يضحِّي لأجْلهن ما عزَّ وهان، أحبَّ الوليدُ سعدة بنت سعيد بن خالد فتزوجها، ثم علِق بأختها سلمى فطَلَّق سعدة وطلب سلمى إلى أبيها فردَّه خائبًا، ولم يَحْظَ بها إلَّا بعد اعتلائه عرش الخلافة، وكان دومًا يتألم لانفصاله عن سعدة ويتحرق على فراقه لها، قال الأغاني: كان الوليد متزوجًا سعدة بنت سعيد بن خالد، فمرض سعيد وجاءه الوليد عائدًا، فدخل فلمح سلمى بنت سعيد أخت زوجته وسترها حواضنها وأختها، فقامت فبرعتهن طولًا فوقعت بقلب الوليد، فلما مات أبوه طلَّق زَوْجَته وخطب سلمى إلى أبيها فلم يزوِّجه سعيد وردَّه أَقْبَحَ ردٍّ، وهويها الوليد ورام السلو عنها فلم يسلُ، ويقال إنه لما طَلَّقَ سعدة ندم على ذلك وغمه، وكان لها من قلبه محل، ولم تحصل له سلمى فاهْتَمَّ لذلك وجزع وراسل سعدة، وقد كانت زُوِّجَتْ غيره فلم ينتفع بذلك، وله من رسالة لها:
فأجابته:
… وخرج الوليد بن يزيد … لعله يراها، فلقيه زيَّات معه حمار عليه زيت فقال له: هل لك أن تأخذ فرسي هذا وتعطيني حمارك هذا بما عليه وتأخذ ثيابي وتعطيني ثيابك، ففعل الزيات ذلك، وجاء الوليد وعليه الثياب وبين يديه الحمار يسوقه متنكِّرًا حتى دخل قصر سعيد فنادى من يشتري الزيت، فاطَّلَع بَعْضُ الجواري فرأينه فدَخَلْن إلى سلمى وقُلْنَ: إن بالباب زيَّاتا أَشْبَهَ الناس بالوليد فاخرجي فانظري إليه، فخَرَجَتْ ورأتْه ورآها فرجعت القهقرى وقالت: هو والله الفاسق الوليد، فقلن: لا حاجة بنا إلى زيتك فانصرف، وقال:
وقال أيضًا:
(د) مجالس أُنْس الوليد
أفرط الوليد الثاني في لَهْوه وانهمك انهماكًا زائدًا في تهيئة أسباب الأنس والحبور، فأحيا الليالي الطوال وهو غارقٌ بين الكأس والطاس لا همَّ له إلَّا التمتع بملاذِّ الحياة الدنيا.
وكان يدعو إلى مجالس سَمرَه رفاقَه وخاصته، ويُسرِف إسرافًا عظيمًا في سبيل إرضائهم واكتساب مودتهم، فجلب الوصائف والوصيفات ليقفوا بين أيديهم، وكانوا من أجمل الحور والولدان.
روى حماد الرواية يصف مجلسًا من مجالس أُنس الوليد قال: دعاني الوليد يومًا من الأيام في السحر والقمر طالعٌ، وعنده جماعة من ندمائه وقد اصطبح فقال: أنشدني في النسيب فأنشدْتُه أشعارًا كثيرةً، فلم يهش لشيءٍ منها حتى أنشدته قول عدي بن زيد:
(ﻫ) الوليد يفسد اليمانية عليه
وجعل أندادُ الوليد الثاني وخصومُه السياسيون ينالون منه ويذمُّونه ويذكرون فضائحه وتماديه في الفجور، وينشرون أقواله التي تنمُّ عن إلحاده وزندقته؛ حتى ثقل أَمْرُه على رعيَّته وأصبحت دمشق تهوى إعدامه، وكان من أكبر أعدائه آلُ الوليد بن عبد الملك ووَلَدُ هشام بن عبد الملك لأنه أساء إليهم وضَرَبَهُم وسجنهم وشهَّرهم، وذلك لمنافَسَتِهم له ومؤامرتهم التي كانوا يدبِّرونها ضده، ونعتقد أن الوليد ارتكب غلطًا فادحًا في إفساده اليمانية عليه وهم عظم جند أهل الشام، فقال في ذمِّهم ومدح بني نزار القيسيين:
(٤-٣) يزيد الثالث يتغلب عليه ويُعْرَف بالناقص
قام على رأس اليمانية وغيرهم من المعارضين يزيدُ بن الوليد بن عبد الملك (يزيد الثالث)، وأظهر النسك والتواضع والزهد في الحياة، وقال بوجوب الإصلاح في دواوين الحكومة، ووَعَدَ بالعدل ونادى بالسلام والنهوض باقتصاديات البلاد، فحاصروا الوليد الثاني في قَصْره وقَتَلُوه ثم احتزُّوا رأسه ونصبوه على رمح وطافوا به في دمشق، وكان ذلك سنة ١٢٥ﻫ/٧٤٢م، ولا يَغْرُب عن بالنا أن الوليد كان قد زاد أهل الشام في أعطياتهم وأجرى على فقرائهم الرزق وأخرج لعيالاتهم الكسوة، ومع ذلك فقد ناصروا الأحزاب المعارضة له ليتخلصوا من الفوضى التي سادت في البلاد.
وأعلن يزيد الثالث منهج سياسته حينما اعتلى عرش الخلافة وأخذ يبرِّر الوسائل التي اتَّخَذها في قَتْله للوليد بن يزيد بن عبد الملك، قال من خطبة العرش: أيها الناس … والله ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ولا حرصًا على الدنيا ولا رغبةً في المُلك، وما بي إطراء نفسي وإني لظلومٌ لها، ولقد خسرت إن لم يرحمني ربي، ولكني خرجت غضبًا لله ودينه، وداعيًا إلى الله وسنة نبيه، لما هُدِمَتْ معالم الهدى، وأُطفئ نور التقوى، وظَهَرَ الجبار العنيد المُسْتَحِلُّ لكل حرمة والراكب لكل بدعة، مع أنه والله ما كان يؤمن بيوم الحساب، ولا يصدِّق بالثواب والعقاب، وإنه لابن عمي في النسب، وكفئي في الحسب، فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره، وسألته أن لا يَكِلَني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك مَنْ أجابني من أهل ولايتي، حتى أراح الله منه العباد، وطهَّر منه البلاد، بحول الله وقوته، لا بحولي وقوتي.
أيها الناس إن لكم عليَّ أن لا أضع حجرًا على حجر، ولا لبنة على لبنة، ولا أكري نهرًا ولا أكنز مالًا، ولا أعطيه زوجًا ولا ولدًا، ولا أَنْقِل مالًا من بلدٍ إلى بلدٍ حتى أسدَّ فَقْر ذلك البلد وخصاصة أهله بما يغنيهم، فإنْ فضلَ فضلٌ نَقَلْتُه إلى البلد الذي يليه ممن هو أحوج إليه منه.
(٤-٤) مروان الثاني يتغلب على الفوضى
كانت الضغينة تأكل قلوب المضرية بني نزار وهم أحزاب الوليد الثاني كما قَدَّمْنا، فاتَّحدوا وصمَّموا على خَلْع إبراهيم بن الوليد أخي الخليفة يزيد الثالث — وكان قد بايعه قبل وفاته. والحقيقة أن الدمشقيين لم يعترفوا به، فكانت فئة منهم تسلِّم عليه بالخلافة وفئة أخرى تسلِّم عليه بالإمارة، أمَّا الحزب المضري فلم يبايعْه، بل بايَعَ مروان بن محمد المُلَقَّب بالحمار لصبره وجلده في الحروب، فخلعه وسار نحو دمشق وقتل إبراهيم، وهكذا فقد لعبت العصبية دورًا مهمًّا في تاريخ بني أمية، وكان من نتائجها سقوطهم تحت سيوف العباسيين.
وأمَّا مروان فأراد أن يتخلص من الفوضى فلم يتمكن؛ لأن أعداءه الفرس والشيعة كان قد انبسط نفوذهم واتسع سلطانهم، فلم يَقْدِر على الثبات أمامهم.
وبقتله أَفَلَ نَجْمُ بني أميةَ في الشام كما أسهبنا.
معاوية بن أبي سفيان (الأول) | ٤١ | ٦٦١ |
يزيد بن معاوية (الأول) | ٦١ | ٦٨٠ |
معاوية بن يزيد (الثاني) | ٦٤ | ٦٨٣ |
مروان بن الحكم | ٦٥ | ٦٨٤ |
عبد الملك بن مروان | ٦٦ | ٦٨٥ |
الوليد بن عبد الملك (الأول) | ٨٦-٨٧ | ٧٠٥ |
سليمان بن عبد الملك | ٩٧ | ٧١٥ |
عمر بن عبد العزيز | ٩٩ | ٧١٧ |
يزيد بن عبد الملك (الثاني) | ١٠٢ | ٧٢٠ |
هشام بن عبد الملك | ١٠٦ | ٧٢٤ |
الوليد بن يزيد (الثاني) | ١٢٦ | ٧٤٣ |
يزيد بن الوليد (الثالث) | ١٢٧ | ٧٤٤ |
إبراهيم بن الوليد | ١٢٧ | ٧٤٤ |
مروان بن محمد | ١٢٧ | ٧٤٤ |
الدولة الأموية في الشام | ١٣٣ | ٧٥٠ |