الرصاصة التي مزقت الصمت!
صمت رقم «صفر» قليلًا قبل أن يضيف: لقد اغْتِيل «بول كاتيفي» منذُ ربع ساعة! فنظر الشياطين إلى بعضهم، ومرَّت لحظات صامتة مُتوتِّرة حتى قطعها رقم «صفر» بقوله: إننا في انتظار تقارير من عملائنا في إيطاليا أيضًا. لكنَّكم تستطيعون التحرك الآن. إن العمل يحتاج إلى مجموعة واحدة أترك لكم تحديدها، إلَّا إذا كانت لديكم خطة أخرى، والآن …
صمت رقم «صفر» ثم قال: إنني في انتظار أسئلتكم! ومرت دقائق سريعة. ولم يكن أحد من الشياطين يفكر في سؤالٍ ما. إن التحرك هو الأهم الآن.
وعندما لم يسمع رقم «صفر» سؤالًا قال: أتمنَّى لكم التوفيق!
أخذ صوت أقدام رقم «صفر» يَبتعِد حتى اختفى تمامًا، وفي نفس الوقت كان الشياطين يتحركون من أماكنهم وهم يغادرون القاعة الواحد وراء الآخر، وعندما ضمَّتهم قاعة الاجتماعات الصغرى. قالت «ريما»: أظنُّ أننا نَحتاج إلى مجموعتين للتحرُّك. مجموعة في مدينة «ليدز» والأخرى في «جنوة».
قال «مصباح»: بل إلى ثلاث؛ ففريق «الجولدن ستارز» موجود في «ليفورنو» كذلك!
لم يُضِف أحد من الشياطين اقتراحًا ما حتى تحدث «أحمد» فقال: أعتقد أن اقتراح رقم «صفر» هو الأصح. إنَّ مجموعة واحدة سوف تتحرَّك!
في نفس اللحظة وصلت رسالة ضوئية عن طريق اللمبات الست المثبتة فوق لوحة في صدر القاعة الصغرى. كانت الرسالة من رقم «صفر»، وكانت تعني: إنَّ المجموعة يجب أن تتحرك الآن فورًا؛ وهي تضمُّ «أحمد» و«فهد» و«قيس» و«ريما» و«رشيد».
عندما انتهَت الرسالة كانت المجموعة تَنصرِف إلى حُجراتها، وفي خلال عشر دقائق كان الجميع قد أخذوا طريقهم إلى الجراجات السرية. وفُتح الباب لتظهر مجموعة السيارات المتنوعة، وفي دقائق كانت البوابة الصخرية الضخمة قد فُتحَت لتنطلق سيارة الشياطين وهي تضم المجموعة التي حدَّدها رقم «صفر»، والتي أخذت طريقها فورًا إلى أقرب مطار للمقرِّ السري. وما إن انتهى النهار حتى كان الشياطين في المقر السري داخل مدينة «ليدز»، ولم تكن الرحلة شاقة؛ فقد حدث كل شيء بشكل طبيعي، وعندما ضمَّهم المقر السري الصغير قال: «قيس»: نحتاج إلى اجتماع سريع حتى نرسم خطتنا!
أحمد: أوَّلًا وقبل كل شيء، لا بُدَّ أن يَحضر إلينا عميل رقم «صفر». ثم تقدم «أحمد» وأدار قرص التليفون يضرب رقمًا سريًّا فجاءه الصوت في الطرف الآخر: إنني في انتظاركم, لقد وصلتنا التعليمات من رقم «صفر»!
وتحدَّث «أحمد» بكلمات سريعة قليلة أجاب عليها الطرف الآخر فشَكَره «أحمد» وأغلق السماعة، ثم نظر إلى الشياطين وقال: إنها فرصتنا الليلة فقط قبل أن تَحدُث مفاجآت جديدة. إن بيت «بول كاتیفي» يقع في الشارع «١٣» رقمه «٩٥»، إنه يَحتاج منَّا إلى رحلة سريعة إلى هناك! … وصمت قليلًا ثم قال: علينا أن نُكوِّن مجموعتين؛ مجموعة تتجه إلى شارع «٥٦» حيث مقر شركة «الجلود العالمية»، ومجموعة تتَّجه إلى بيت «كاتيفي»، وفي نفس الوقت يظل أحدنا هنا لتلقِّي أية معلومات!
لم يعترض أحد من الشياطين، وأصبح «أحمد» و«فهد» يُكوِّنان مجموعة، و«قيس» و«رشيد» يُكوِّنان مجموعة، وبقيت «ريما» وحدها في المقر.
انطلقت المجموعتان فأخذت المجموعة «أ»، وهي تضم «أحمد» و«فهد»، طريق الشركة، وأخذت المجموعة «ب» التي تضم «قيس» و«رشيد» طريق بيت «کاتیفي»، وكانت الليلة باردةً تمامًا وثَمَّة بدايات المطر سوف ينزل، لكن الشياطين كانوا قد أخذوا احتياطاتهم لمثل هذا الجو البارد … وصلت المجموعة «أ» إلى شارع ٥٦، وكان يبدو هادئًا، وقرأ «أحمد» لافتة كبيرة: «يونايتد ليدز كومباني»، وكانت هناك مجموعة من رجال الشرطة السريين.
ابتسم «أحمد» وهو يراهم منتشرين بطريقة عادية لم تخفَ عليه، وعندما كان يلفت نظر «فهد» إليهم ابتسم «فهد» هو الآخر؛ فلقد عرف ذلك من البداية … وأخذا يقطعان الشارع في هدوء، لم يكن هناك ما يدل على شيء؛ فالمبنى مظلم تمامًا، وليس ثَمَّة حركة غير عادية في المكان.
همس «فهد»: لا أظنُّ أننا سوف نجد شيئًا هنا …
لكن فجأة ظهر رجل يركب دراجة وكان يبدو شاذًّا في ذلك المكان، وأوقف دراجته ثم نزل … أخذ يُصلِح «جنزير» الدراجة وهو يُصفِّر بلحنٍ بدا جذابًا. فالتفت «أحمد» إلى «فهد» وهمس: هل تذكُر هذا اللحن؟
فكر «فهد» قليلًا ثم قال: لا أظنُّ أنني سمعتُه قبل الآن! كان الرجل لا يزال يصلح «الجنزير» ويُرسل صفيره، في نفس الوقت همس «أحمد»: إنه لحن لأغنية شعبية إيطالية تُغنَّى في السواحل دائمًا! وسكت لحظة ثم قال: إن الألحان الشعبية لا يعرفها سوى أهلها! ثم قال فجأة: هذا الرجل ليس إنجليزيًّا!
انتهى الرجل من إصلاح دراجته فركبها وانصرف وهو يعزف أغنية، فقال «أحمد»: ينبغي أن نتبعه!
كان الرجل يتحرَّك ببطء، مما أعطى فرصة لهما أن يظلا قريبَين منه، وكان شارع ٥٦ هادئ الضوء، خالٍ تمامًا من المارة، ويبدو أن جريمة اليوم قد ألقَت ظلالها عليه فلم يقترب منه أحد. انحرف راكب الدراجة يمينًا فانحرَفا خلفه، ثم أسرع قليلًا فأسرعا، إلا أن سرعته أصبحت غير متَّفقة مع سرعتهما، فكان عليهما أن يجريا، إلا أن ذلك سوف يلفت النظر إليهما.
فكر «أحمد» قليلًا ثم صفر بفمِه نفس اللحن الذي كان يُصفِّره الرجل، حتى إنه توقف فجأة ونظر خلفه. واستمرَّ الاثنان في سيرهما حتى اقتربا منه، لكنهما لم يهتما به. لقد كانت الحركة التي نفذها «أحمد» شديدة الذكاء، وظهر بعض المارة في الشارع، وبدأ الرجل يتحرك من جديد. كان يقترب منهما في نفس الوقت الذي توقَّف فيه عن عزف لحنه الشعبي، وعندما أصبح بجوارهما تمامًا قال: هل تَعرفان الأغنية؟
أحمد: أيَّة أغنية تعني!
الرجل: تلك التي كنتُ أعزفها!
صفَّر «أحمد» بفمه لحن الأغنية، فابتسم الرجل ابتسامة فهمها «أحمد» وقال: هل أنت من أهل «جنوة»؟
رد «أحمد»: لقد عملتُ في الميناء بعض الوقت! ابتسم الرجل ابتسامة مختلفة ثم قال: أهلًا بكما! إنني سعيد أن أجد أحدًا من أهل «جنوة» هنا!
سأل «أحمد»: هل أنت من هناك؟
الرجل: لا ولكني من «سان مارينو».
سار الثلاثة يتحدثون في هدوء، غير أن «أحمد» توقَّف لحظة سريعة لاحظها الرجل فسأل: هل تشكُو من شيء!
فأجاب «أحمد» بسرعة: لا إنها مسألة بسيطة! كان سبب توقُّف «أحمد» هو هذه الرسالة التي وصلته من المجموعة «ب»، والتي قال فيها «قيس»: إنني أُحدِّثك من داخل بيت «كاتيفي»! وفكَّر «أحمد» بسرعة: ما هو الحل الآن؟ هل يُحاول التخلص من الرجل أو يستمر معه؟
قال الرجل: دعني أتعرف عليكما؛ إنني أُدعى «موجا»، وأعمل في ملهى «الويست»، إنني في الطريق الآن إلى الملهى، وهوايتي ركوب الدراجات، ولذلك أمارس هوايتي في الذهاب إلى «الويست» والعودة منه!
قال «فهد»: نحن في رحلة لعدة أيام، اسمي «باركر» وزميلي اسمه «بوجامي»!
موجا: يبدو أنكما أفريقيان!
فهد: نعم!
موجا: إذن دعاني أَدعُكُما إلى السهرة الليلة، يُمكن أن تصحبا بقية الزملاء، وسوف أكون في انتظاركم! هل اتفقنا؟
هزَّ «أحمد» رأسه قائلًا: نعم. وسوف يُسعدنا تماما أن نسهر معك!
ودَّعا «موجا» ثم أخذا الطريق المُضادَّ، وما إن ابتعدا عنه حتى نقل «أحمد» الرسالة إلى «فهد»، الذي قال: هذه فرصة طيبة!
أخذا طريقهما إلى شارع «١٣» حيث يقع بيت «كاتيفي»، وكان الشارع هادئًا لا يقطع هدوءه غير صوت سيارة تمرُّ بسرعة ثم يعود الهدوء من جديد. اقتربا من رقم «٩٥»، كانا يتقدَّمان في حذر؛ فهما يَعرفان أنَّ البيت مُراقَب جيدًا وإن كان أحد لا يظهر، وهمس «أحمد» في أذن «فهد»: ينبغي أن نتجاوَز البيت!
مرا من أمامه، وكان عبارة عن فيلَّا قديمة غارقة في الهدوء، ولم تكن هناك ثمة إضاءة تشير إلى أن أحدًا بالداخل.
وعندما تجاوَزاه بمَسافة معقولة انحرَفا إلى أحد الشوارع الجانبية، وأسرع «أحمد» يُرسِل رسالة إلى المجموعة «ب»: هل توصلتُما إلى شيء؟!
ومضَت لحظة قبل أن يأتي الرد: لقد عثرتُ على ورقة قد تُفيدنا كثيرًا، هل اتصلتما ﺑ «رشيد»؟!
بدتِ الدهشة على وجه «أحمد»، فسأله «فهد»: ماذا هناك؟! فنقل له رسالة «قيس» فبدت الدهشة على وجهه هو الآخر وتساءلَ: أين «رشيد» إذن؟! ولم يكَد يُنهي سؤاله حتى كانت هناك إشارة سرية جعلَتِ الاثنَين يَضحكان؛ لقد أرسل «رشيد» رسالة صوتية عن طريق لحن الشياطين المميَّز إليهما؛ فقد كان مختبئًا في مكان ما قريبًا منهما، فرد «فهد» بلحن الشياطين.
وفجأةً ظهر من خلف أحد الأبنية رجلٌ مُتوسِّط الطول يَمشي في نشاط، فهمس «أحمد»: يجب أن نبتعد الآن حتى لا نُثير شكوك أحد، وحتى لا نُضيِّع فرصة «قيس»!
وتحرَّكا مُبتعدَين عن المكان وهما يعزفان معًا لحن الشياطين. وفي نفس الوقت الذي كان «رشيد» قد صمَت كان الرجل يَقترب منهما، غير أنَّهما تجاهلا ذلك.
سأل «فهد»: هل تتحرك غدًا إلى «جنوة»؟
أجاب «أحمد»: إن ذلك يتوقف على الورقة التي عثر عليها «قيس»!
ابتعَدا نهائيًّا عن المنطقة التي يقع فيها البيت، فأرسل «أحمد» رسالة إلى «قيس»: ما هو الموقف الآن؟ ومرَّتْ لحظة قبل أن يأتيه الرد: المسألة تحتاج لبعض الوقت.
أرسل «أحمد» رسالة إلى «ريما»: هل هناك جديد؟ جاءه الرد بسرعة: هناك رسالة من رقم «صفر» بضرورة الإسراع إلى «جنوة»! ونقَل «أحمد» الرسالة إلى «فهد»، وعندما فتح «فهد» فمه ليتكلَّم رفع «أحمد» يده يشير إليه أن يصمت؛ لقد كانت هناك رسالة من «قيس»، وكانت الرسالة تقول: هناك تحركات داخل الفيلَّا ينبغي أن تكونوا قريبين!
نقل الرسالة إلى «فهد»، ثم أسرعا في اتجاه شارع ١٣، ومرَّت سيارة بجوارهما تمامًا، ولم يكن يظهر بداخلها أحد؛ فقد كان زجاجها من النوع المُعتِم، وهمس «فهد»: هل تظنُّ أن أحدًا يتتبَّعُنا؟ … رد «أحمد» بسرعة: لا أظنُّ؛ قد تكون مجرَّد مصادفة.
اقتربا من الشارع فأطلق «أحمد» صفير الشياطين، وفي نفس اللحظة جاءت رسالة من «قيس»: إنني أكاد أكون مُحاصَرًا داخل حجرة.
رد «أحمد»: إنَّنا قريبون منك جدًّا، ومُستعدُّون لأيِّ احتمال!
قال «فهد»: أقترح أن أدخل الفيلَّا! وفكر «أحمد» قليلًا، ثم قال: ليس الآن.
فجأةً ظهرت السيارة مرةً أخرى ومرقت بسرعة، ثم انحرفت عند أول مُنحنًى، وهمس «فهد»: إن «رشيد» في نفس المكان! فأرسل «أحمد» رسالة سريعة إلى «رشيد» هل هناك شيء؟ جاءه الرد بسرعة: لا جديد! فأرسل رسالة أخرى: اقترب من الفيلَّا؛ قد تكون هناك مواجهة ما.
كانت الفيلَّا تَغرق في الظلام والصمت، ولم يكن يظهر أحد، كانت لحظات توتُّر، وأخذ الشياطين موقعًا في ركنٍ يكشف الشارع كله والفيلَّا أيضًا … فجأة دوت رصاصة قطعت الصمت وأضاءت داخل الفيلَّا للحظة سريعة، فنظر «فهد» إلى «أحمد» ولم يَنطِق بكلمة، غير أن عينيه كانت تقول: إن هناك شيئًا!