المعارك تتلاحق!
أسرع الشياطين في اتجاه القلعة. كانوا يجرون وسط النباتات الكثيفة بسرعة غريبة. إن نصف ساعة يُمكن أن تُحقِّق في خطتهم شيئًا كبيرًا. عندما بدأ صوت الطائرة يرتفع كان الشياطين قد أصبحوا بجوار القلعة. غير أنَّ المنطقة المُجاوِرة لها كانت مكشوفة. ولذلك كان من الصعب أن يتقدَّموا في هذه اللحظة.
فجأة قال «فهد»: إنَّها حيلة قديمة، غير أنها يُمكن أن تفيد، لماذا لا نستخدم طرق التمويه؟ نظر له الشياطين في تساؤل، فأكمل حديثه: إننا يمكن أن نتقدم عن طريق الأشجار المتحركة! لمعت أعين الشياطين، وهمست «ريما»: فكرة!
بسرعة كان الشياطين يحاولون انتزاع بعض النباتات من جذورها. وعندما تحقق لهم ذلك أمسكوا بها فوق رءوسهم ثم تحركوا. لقد كانوا يتحركون بطريقة تبادلية. تقدم «أحمد» و«فهد» أوَّلًا، ثم سكنا في مكانيهما. ثبتوا جميعًا لحظة ليروا رد الفعل فلم يحدث شيء …
نظر «أحمد» في ساعة يده كانت هناك خمس دقائق حتى تنتهي المهلة، تحرك باقي الشياطين حتى وصلوا إلى «أحمد» و«فهد» ثم ثبتوا في أماكنهم كانوا كالشجيرات الصغيرة النابتة حديثًا. فجأة ارتفع صوت الطائرة، ثم انطلقت في اتجاه المطار.
قال «أحمد» همسًا: إنها فرصتنا، لا بُدَّ من تنفيذ الخطة «ن»! وبسرعة كانوا يتحرَّكون جميعًا بعد أن انقسموا قسمَين. وأخرج كلٌّ منهم سلكًا رفيعًا وبدءوا في تثبيت شحنات مُتفجِّرة على مسافات مُتباعدة. لقد ساعدهم أن جدار القلعة لم تكن به نوافذ أو فتحات منخفِضة، ولم تمضِ ربع ساعة حتى كانوا قد صنعوا حلقة كاملة من المتفجِّرات. ثبت «أحمد» في نهايتها ساعة زمنية وحدد موعد الانفجار.
كان الوقت كافيًا لأن يبتعدوا نهائيًّا، وفي نفس الوقت يكفي لأن تعود الطائرة، فأسرعوا مبتعدين في الاتجاه المضاد، وكان صوت الطائرة لا يزال بعيدًا فلم يتوقفُوا لحظة، لكنهم سمعوا بعد قليل أصوات نباح. قال «قيس»: يبدو أن تأثير المخدِّر قد انتهى! أسرِعُوا أكثر. ثم أخرج «أحمد» بوصلة ثمَّ وجَّهها، وقال: يجب أن نَنحرِف إلى اليمين قليلًا حيث توجد السيارة!
انحرفوا حسب اتجاه البوصلة، ونظر «أحمد» في ساعته ثم قال: لا تزال هناك عشر دقائق حتى تعزف الموسيقى! فابتسم الشياطين لتعبير «أحمد» الذي كان يعني الانفجار.
لاحت السيارة بين النباتات المتباعدة في هذا المكان، واقترب الشياطين منها، فأشار «أحمد» إشارة أوقفت الشياطين، ثم أخرج من جيبه قفازًا لبسَه، ثم اتَّجه إلى السيارة، أمسك بمقبض الباب ثم همس: كما توقَّعتُ!
ولم يكد يتمُّ جملتَه حتى انقضَّ عليه عملاق. قال «أحمد» وهو يتلقَّى ضربته: لا تقتربوا من السيارة. إنها مُكهرَبة!
فجأةً كان الشياطين يدخلون معركة رهيبة. كان هناك ستة عمالقة قد بدءوا الهجوم. تلقَّى «أحمد» الضربة فتراجع معها، حتى إنه لم يشعر بها، إلا أنَّه كان يردها بحركة بهلوانية جعلت العملاق الذي أمامه يقف مذهولًا. لقد نام «أحمد» على الأرض نومًا كاملًا، ثم قفز كأنه الثعبان في الهواء بعيدًا عنه. إلا أنَّ مشط قدمه كان كافيًا ليجعل العملاق يطير في الهواء، ثم يسقط فوق السيارة المكهربة، فيصرخ صرخة مدوية، ويسقُط بعد أن صرعه التيار الكهربائي في السيارة.
في نفس الوقت كان اشتباك بقية الشياطين مع العمالقة الخمسة، وعندما انتهى «أحمد» من اشتباكه شاهَدَ عملاقًا يدور في الهواء فابتسم. لقد كانت «ريما» ترفعُه فوق كتفيها وهي تدور به، بينما كان «فهد» مُشتبكًا مع عملاق آخر، وقد تكوَّما معًا وكأنَّهما كُرة، إلا أن «أحمد» كان يعرف أنها حركة يتميَّز بها «فهد»، وسوف تنتهي بانتصار «فهد». وقريبًا من المعركة الحامية كان يقف عملاق ينتظر أن يَفرغ أحدهم. وما إن رأى «أحمد» حتى صاح في وحشية ثم طار في الهواء مُتخطيًا كل المعارك الثنائية الدائرة، آخذًا اتجاه «أحمد» الذي قابل حركته بحركة مُماثلة؛ فقد طار هو الآخر مصطدمًا بالعملاق فسقط بلا حراك. وما كاد «أحمد» ينزل على قدمَيه حتى دوى انفجار هزَّ المنطقة كلها، حتى إن المعارك الثنائية قد توقفت، وشاهد الشياطين ألسنة اللهب تندلع من القلعة. غير أنَّ الطائرة كانت لا تزال بعيدة …
قبل أن يُفيق العمالقة من شدة الاهتزاز التي أحدثها الانفجار، حتى كان الشياطين قد سيطروا على الموقف تمامًا، وأخرجت «ريما» مسدسها وصوَّبتْه ناحيتهم صارخةً فيهم، فوقفُوا ينظرون إليها في دهشة، وحتى لا يفكروا في أي حركة أطلقَت إبرة مُخدِّرة على أقربهم إليها، فنظر في اتجاهها قليلًا وكأنَّ الأمر لا يعنيه، حتى إن الآخرين بدءوا في الحركة، إلا أنهم تراجعوا؛ فقد رأوا زميلهم يسقط بلا حراك. وكان سقوط زميلهم بلا صوت رصاص أو إصابةٍ واضحة كفيلًا بأن يجعلهم يتجمَّدون …
اقترب «أحمد» من السيارة وبالقفاز في يديه فتح الباب ثم أخذ المفاتيح واتَّجه إلى مؤخِّرة السيارة ففتح حقيبتها الخلفية ونظر داخلها قليلًا ثم مدَّ يده ونزع صندوقًا صغيرًا في حجم علبة السجائر وأغلق الحقيبة وعاد. فرفع يده بالصندوق أمام الشياطين قائلًا: هذا هو المُولِّد الذي يدفع بالتيار الكهربي في جسم السيارة!
فجأةً كان صوت الطائرة يصمُّ أذانهم فصرخ «أحمد»: اقفزوا إلى النباتات! في قفزة واحدة كان الشياطين قد ترَكُوا المكان.
أصبحت الطائرة فوقَهم، وظلت تدور، فأخرج «أحمد» من جيبه قُنبلة لاصقة في حجم «بلية» زجاجية، ثم أخرج مسدَّسه وثبتها في مقدمته، كانت الطائرة تنزل فوق الطريق الأسفلتي، وظل «أحمد» مُنتظرًا حتى اقتربت، وقبل أن تصل إلى الأرض أطلق مسدسه فانطلقت القنبلة اللاصقة إلى جسم الطائرة فالتصقت به، ولم تمضِ لحظة حتى دوى انفجار تردد صداه في المكان ثم اندلعت النيران في الطائرة … بينما كان العمالقة أفراد العصابة يقفون وهم في حالة ذهول؛ فقد كانوا يرون أشياء لم تَحدُث أمامهم من قبل، حتى إنهم لم يتحركوا من أماكنهم. وفجأةً ارتفع نباح الكلاب وخلفَها كانت تظهر همهمات …
قال «أحمد»: إنَّ الكلاب سوف تكشفنا!
أخرج الشياطين مسدساتهم ذات الإبر المخدِّرة وقال «رشيد»: فلنَنتهِ من هؤلاء أوَّلًا! صوَّبوا مسدساتهم إلى العمالقة، ولم تمضِ لحظة حتى كانوا يتهاوون الواحد بعد الآخر.
همس «فهد»: ينبغي أن يَنطلِق أحد بالسيارة حتى نستطيع الاشتباك مع الكلاب ومن خلفهم! وقفز قفزة سريعة ومعه قفز «قيس» و«ريما» … فركبوا السيارة، وبقي «رشيد» و«أحمد»، وأدار «فهد» السيارة ثم انطلق بسرعة رهيبة جعلت الكلاب تنبح بشدة وتَنطلِق في أثر السيارة. غير أن طلقات الرصاص كانت تتطاير خلفها، لكن «فهد» الذي كان يتوقع ذلك كان ينطلق في خطوط مُتعرِّجة حتى لا يكون هدفًا سهلًا. في نفس الوقت كان «أحمد» و«رشيد» يَرقُبان ما يحدث الآن في هدوء. كانت الكلاب قد انطلقَت خلف السيارة، وظهر في مُنتصَف الطريق مجموعة من الرجال، عرف «أحمد» أن من بينهم «موجا» …
همس إلى «رشيد»: أُريد «موجا» حيًّا! أطلق «رشيد» طلقة مُخدِّرة فسقط واحد منهم. نظروا حولهم في فزع ثم أخذوا يُطلقون الرصاص بغير هدف، أطلق «أحمد» طلقة مُخدِّرة أخرى فسقط واحد آخر.
صرخ «موجا»: إننا نتعامل مع شياطين! تحدث «أحمد» بصوت مختلف عن صوته وباللغة الإيطالية قائلًا: ألقوا مسدَّساتكم، إنها لن تفيد كثيرًا!
أخذوا يتلفَّتون حولهم بحثًا عن مصدر الصوت، غير أنهم لم يُلقُوا مسدَّساتهم، فزحف «أحمد» و«رشيد» مُبتعدَين عن مكانهما إلى مكان آخر، ثم قال «أحمد» بصوت آخر، وبالإيطالية أيضًا: ألقوا مسدساتكم. إنها لن تُفيد كثيرًا! ظلوا يتلفَّتون، وأخيًرا صرخ «موجا»: بربكم أين أنتم؟
قال «أحمد»: سوف ترون عندما تُلقون بالمسدَّسات! فألقَوا بمسدَّساتهم فقال «أحمد»: تقدموا بضع خطوات إلى الأمام! نفَّذُوا ما طلب، وفي هدوء ظهر لهم من بين الأعشاب وهو يبتسم دون أن يكون بيدَيه شيءٌ.
رآه «موجا» فاتَّسعت عيناه، وظهرت الدهشة على وجهه، وكأنه لا يدري ماذا يقول، همس: «بوجامي»! ابتسم «أحمد» وقال: لقد دعوتُكَ أمس لتكون ضيفنا اليوم أيها السيد «موجا»، غير أنك رفضت، وصمت لحظةً، ثم قال: هل لا تَزال ترفض دعوتي؟ لاحَظَ «أحمد» أحد الرجال ينظر في اتجاه المسدسات فتغافَل عنه، حتى إن الرجل قفز قفزة سريعة إلى المسدَّس. لكن قبل أن تصل يده إليه كانت طلقة مخدِّرة قد أصابت يده. هرشها في هدوء ثم نام بجوار المسدسات. شاهد بقية الرجال ما حدث فظهرت الدهشة على وجوههم. همس أحدهم: إنهم ليسوا آدميِّين، إنهم شياطين بالتأكيد!
ابتسم «أحمد» وهو يتحدَّث بلغة الشياطين إلى «رشيد» يطلب منه أن يُرسل رسالة إلى الشياطين ليَحضُروا بالسيارة، ونظر إلى «موجا» وقال: ما رأيك أيها الصديق «موجا»، هل نجلس أرضًا بعض الوقت؟ إنني أعتذر إليك، فلسْنا قريبين من «الويست» وإلا كنت دعوتُكَ إليه!
جلس الجميع على الأرض، وتحدث «رشيد» بلغة الشياطين، قال: هناك معركة أخيرة … لكنها في صالحنا! رد «أحمد»: لا بأس!
مضى الوقت حتى جاء صوت السيارة من بعيد … وعندما اقتربت ارتفعت أصوات سيارات الشرطة قادمة، ووصل «فهد» يقود السيارة وحدَه، ثم نزل وقال: الآخران يَحرُسان الصيد!
ظهر «رشيد» من بين المزروعات. ظلَّ الرجال ينظرون إليهم في دهشة وكأنهم لا يصدقون. وكان «موجا» شاردًا تمامًا ينظر في الفراغ وقد ضاع لونُه.
لحظات ثم ظهرت سيارات الشرطة وأخذت تقترب حتى توقفَت، نزل القائد فحيَّا الشياطين الذين ركبوا السيارة التي يقودها «فهد»، ثم انطلقوا.
أرسل «أحمد» رسالة إلى رقم «صفر»: من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر»: لقد انتهت المهمة ومعي الهدية! وجاءه الرد سريعًا: من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»: تحياتي إليكم. إنني في انتظار الهدية. إلى اللقاء!