إهداء الكتاب
إلى روح أستاذي الإمام الشيخ محمد عبده؛ إلى الرجل العظيم الذي لم تقع عيني على مثله رجاحةَ عقل، وسَجَاحةَ خُلق، وعبقريةَ ذهن، وسموَّ نفس، وعظمةَ روح، وهمةً تناطح النجوم، وكرمًا يشامخ الغيوم، وأدبًا إلهيًّا من الطراز الأول حتى لكأنما نشأ في حضانة الله؛ إلى الرجل كل الرجل، الذي يحب معالي الأمور ولا يحب سفسافها.
إلى الرجل الذي لم يفزع إليه فازع، ولم يستصرخه مستصرخ إلا كان الصراخ له إنجاز ما أمَّله؛ إلى الرجل الذي لو مدَّ الله في أجله، وبقي إلى أن رأى ثمار غرسه ونتاج عمله، لكان للأديب اليوم شأنٌ غير هذا الشأن، وحالٌ غير تلك الحال؛ لأنه عظيم، فهو يحب كل عظيم ويُمدُّه ويشبُّه وقدًا، ولا يحقد ولا يحسد؛ لأن «رئيس القوم لا يَحمِل الحِقْدا.»
•••
•••
•••
إلى روح أستاذي الذي علَّمني وربَّني وأدبني، فأحسن — بحمد الله — تأديبي؛ فكنت خريجه ولا فخر، وكنت غرس يديه ونعمة عين. وكما أرسل الله إلى صفيِّه وخيرته من خلقه سيدنا محمد بن عبد الله — صلوات الله وتسليماته عليه — ملَكين كريمين سقطا عليه كسقوط الندى وهو يلعب مع إخوته من الرضاعة خلْف بيوت ظِئره — رضوان الله عليها — فأضجعاه، فاستخرجا قلبه فشقَّاه، فتناوشا منه علقة سوداء، ثم غسلا قلبه بثلجهما السماوي حتى أنقياه، وكان ذلك كمدرجة لمقام النبوة ومهمة الرسالة العظمى؛ أرسل الله إلينا هذا الإمام، وطلع علينا كما يطلع البدر في دجنات الظلام ونحن في الأزهر نتعسف الطريق، ونتقحَّم تلك الجراثيم، فهدى من ضلالة، وأنار من ظلمة، وانتاشنا من مضيق ومرتطم، وأقامنا على المناهج النيرة، والمحاجِّ الواضحة، وغسل عقولنا حتى أنقى أدرانها، ثم فاض علينا فيضُ علمه وأدبه.
فإلى روح هذا الإمام، أُهدي هذا الكتاب.