العالَم في يد «أحمد»
عندما دقَّ جرس التليفون في إحدى الغرف، كان «أحمد» مشغولًا بدراسة خريطة كبيرة للعالَم في المقرِّ السرِّي.
وهذه واحدة من هوايات «أحمد» المفضَّلة؛ فهو يهوى الجغرافيا والتاريخ؛ لأنه يرى أن العالَم هو هذَين العِلْمَينِ. عِلم الجغرافيا الذي يَعرف منه امتداد العالم وتغيُّره وثرواته، وعِلم التاريخ الذي يَعرف منه ماضي العالَم وحاضرَه … وبالتالي يُمكن معرفة مستقبله أيضًا، ورؤية جغرافية العالم وتاريخه، هي التي تُحدِّد دائمًا قيام الحروب والثورات. وفي نفس الوقت ترسم صورة صحيحة للنشاط الإنساني على وجه الأرض.
رفع «أحمد» سماعة التليفون، فجاء صوت «عثمان» يقول: سوف نبدأ الآن مباراة في الشطرنج بين فريقين … فهل تنضمُّ إلينا؟
ردَّ «أحمد»: لا أظنُّ أنني أستطيع الآن أن أنضمُّ إليكم، ولكن يمكن أن أنضم بعد قليل.
جاء صوت «عثمان»: هل هناك شيء مُهمٌّ؟
ابتسم «أحمد» وقال: دائمًا هناك شيء، إذا كنا نريد.
ظهرت الدهشة في صوت «عثمان» وهو يتساءل: كيف؟
ثم أضاف بسُرعة: إنَّنا فعلًا نريد.
ضحك «أحمد» وهو يقول: هذا يتوقَّف على ماذا تُريدون.
ردَّ «عثمان» ضاحكًا: نُريد مغامرة جديدة.
ابتسم «أحمد» وقال: إنَّ الشطرنج نوع من المغامرة؛ فهو يخضع لحسابات، ولا بدَّ أن تكون النتيجة، إما النصر أو الهزيمة.
ابتسم «عثمان» وقال: بعيدًا عن قدرتك في اصطياد المعاني، هل هناك شيء مُهمٌّ فعلًا؟
ردَّ «أحمد»: إنني أستعد.
تساءل «عثمان»: إذن هناك شيء.
ابتسم «أحمد» وقال: الاستعداد نفسه شيء.
ضحك «عثمان» وقال: وما هو استعدادك إذن؟
ردَّ «أحمد»: قراءة في خريطة حديثة، وضَعَها مركز البحوث بالمقرِّ السرِّي.
صمت «عثمان» قليلًا، فقال «أحمد»: ماذا حدث؟
ردَّ «عثمان»: لا شيء، سوى أنني سوف آتي إليك … سلام.
سمع «أحمد» صوت السماعة وهي توضع عند «عثمان»، فابتسم وهو يضع سماعته هو الآخر.
وهمس لنفسه مبتسمًا: إن الشَّياطين ضعاف تمامًا أمام المعلومات الجديدة.
قبل أن يعود «أحمد» إلى الخريطة مرةً أخرى، كان «عثمان» يدخل من الباب.
قال «عثمان»: لقد أثارني حديثك عن خريطة جديدة للعالم. إنَّ هذا الأمر يجب أن يُهمَّ كل الشَّياطين.
كانت الخريطة منبسطة أمام «أحمد» وكانت كبيرة لدرجة أنها تكاد تَشغل نصف غرفته. نظر لها «عثمان» في دهشة، ثم قال: عندك حق، إنها خريطة مُثيرة فعلًا!
جلس عند حافة الخريطة، وبدأت عيناه تجري عليها. كان «أحمد» يراقبه مبتسمًا، فقد انشغل بالخريطة تمامًا. كان هناك جدول جانبي، يبين طريقة حساب الفارق الزمني بين الدول.
اقترب منه «عثمان» وقال: هذه مسألة مدهشة. وقد فكرت فيها فعلًا، لكني مع الأسف، لم ألجأ إلى خريطة.
ابتسم «أحمد» وقال: ماذا كنت تفعل إذن؟
ردَّ «عثمان»: كنتُ ألجأ إلى مركز المعلومات في المقرِّ السري.
نظر إليه «أحمد» وابتسم وهو يقول: يَنبغي أن يكون للإنسان معرفة بذلك، حتى يستطيع أن يرى حركة الدنيا جيدًا.
مرةً أخرى، أخذ «عثمان» يَنظر إلى الجدول. ثم بدأ يقرأ: كان الجدول يضمُّ قطاعًا من خريطة للمُحيط الهادئ، وتَظهر في أعلاه منطقة صغيرة من الاتحاد السوفييتي. وبجوار الخريطة قرأ: خط الزمن الدولي تمشيًا مع طبيعة الأرض الكروية، فإنَّ خط الطول ١٨٠ درجة شرقًا، ينطبق على خط الطول ١٨٠ درجة غربًا؛ ولذلك يُعتبَران خطًّا واحدًا، ولكن نقول عنه شرقًا أو غربًا حسب اتجاهِه وموقعِه من خطِّ طول جرينتش … وقد اتَّفق على جعل خط الطول ١٨٠ بمثابة خط الزمن الدولي. وإن مجرَّد عبورِه، يكون الإنسان قد اجتاز يومًا كاملًا. وهذا الخط يقسم المحيط الهادي إلى نصفين تقريبًا.
ظهرت الدهشة على وجه «عثمان»، ثم نظر إلى «أحمد»، وهو يقول: إنه شيء مُدهِش.
صمت لحظة ثم أضاف: أحبُّ أن أُجرِّب ذلك.
قام إلى مكتب «أحمد» وأحضر ورقة وقلمًا، وبدأ يحدد عددًا من البلاد، ثم يحسب كم تكون الساعة فيها الآن.
فجأةً، دقَّ جرس التليفون. فرفع «أحمد» السماعة، وجاء صوت «رشيد»: هل «عثمان» عندك؟
ابتسم «أحمد» وردَّ: نعم.
تساءل «رشيد»: إنني أنتظرُكما لمباراة الشطرنج.
ابتسم «أحمد» وردَّ: نحن في مُباراة أخرى.
ظهرت الدهشة في صوت «رشيد» وهو يقول: إذن أنتم تَلعبون وحدكم.
ضحك «أحمد» وهو يقول: مباراة مع العالم كلِّه.
فهم «أحمد» أن «رشيد» قد أصبح أكثر دهشة، فقد قال على الطرف الآخر: ماذا تَعني بمباراة مع العالم كله؟
ردَّ «أحمد» مُبتسِمًا: لا بأس من إشراككم في المباراة، فانتظروا.
نظر «أحمد» إلى «عثمان» الذي كان مُنهمكًا في قراءة جدول آخر، من الجداول الكثيرة الموجودة عند أطراف الخريطة …
قال «أحمد»: الشَّياطين يُريدون أن يشتركوا معنا في مباراتنا.
فهم «عثمان» ماذا يعني «أحمد» وقال: عندهم حق، وسوف يسعدون تمامًا، عندما تُصبح لديهم هذه المعلومات التي أقرؤها الآن. انظر …
ثم أخذ يقرأ الجدول الذي أمامه، وكان عنوانه: «المجموعة الشمسية وتوابعها»، قرأ: الشمس تبعد عن الأرض بحوالي ١٥٠ مليون كيلومتر.
ثم نظر إلى «أحمد» في دهشة، وقال: هذه مسافة رهيبة. تصوَّر ١٥٠ مليون كيلومتر.
ثم أخذ يقرأ من جديد: «الشمس كرة غازية، يبلغ قطرها حوالي مليون و٤٠٠ ألف كيلومتر».
ظهرَت الدهشة على وجهِه، وهو يقول: إنها ضخمة جدًّا.
ثم أضاف: إذن ما هو حجم الأرض التي تعجُّ بالناس، والمواصلات والحروب؟
ابتسم «أحمد» قائلًا: ينبغي أن ننضمَّ للشياطين، حتى نعرف جميعًا كل هذه المعلومات.
ضغَط «أحمد» زرًّا في طرف الخريطة، فانطوَت بسرعة، وأصبحت وكأنَّها عصا طويلة.
ابتسم «عثمان» وهو يقول: العالم الآن في يدِك.
ضحك «أحمد» للتعبير، وغادرا الغرفة، لكنهما ما كادا يصلان إلى الباب، حتى كان الشَّياطين جميعًا أمامهما.
ابتسم «أحمد» وقال: لقد كنا في الطريق إليكم.
ردَّت «إلهام» مبتسمة: خفنا أن تُقابِلا العالم وحدكما.
انتقلوا جميعًا إلى صالة التليفزيون. كان الشَّياطين ينظرون إلى العصا التي في يد «أحمد» بدهشةٍ شديدة، حتى إن «زبيدة» سألت: هل هذا سلاج جديد؟
ابتسم «أحمد» وقال: إنه أهمُّ الأسلحة.
ظهرت الدهشة على وجوه الشَّياطين جميعًا، بينما ابتسم «عثمان». ولم ينتظر «أحمد»، فقد بسط الخريطة على الأرض. فوقفوا أمامها في اهتمام.
قال «بو عمير»: هذا شيء رائع.
وقال «قيس» مُبتسمًا: إنها فعلًا مغامرة مع العالم.
قال «عثمان» بسرعة: انتظروا لحظة. هذه أرقام جديدة، على الأقل بالنسبة لي. ثم أخذ يقرأ: الشمس تبعد عنا بحوالي ١٥٠ مليون كيلومتر، وقُطرها حوالي مليون و٤٠٠ ألف كيلومتر.
سألته «ريما» بدهشة: إذن، ما هو قُطرُ الأرض بما عليها من حركةٍ ونشاط؟
ابتسم «عثمان» وقال: لقد سألتُ نفس السؤال. وهذه هي الإجابة.
ثم قرأ: يبلغ قطر الأرض حوالي ١٢ ألفًا و٧٥٦ كيلومترًا.
ثم فكَّر قليلًا، وقال: إنها تُساوي حوالي واحد على ٣٤ من قُطر الشمس.
ثم أخذ يقرأ بقية الجدول: تُحيط بالشمس حافة مُظلمة، تليها حلقة غازية ملوَّنة يبلغ سمكها ١٦ ألف كيلومتر.
ابتسمت «إلهام» وقالت: إنها حَقائق مُثيرة فعلًا.
قال «عثمان»: إنَّنا نعرف القليل عن عالَمِنا.
ثمَّ نظر إلى «أحمد» وابتسم قائلًا: إنَّ المعرفة هي دائمًا مفتاح الشَّياطين.
فجأةً أُضيئت لمبة حمراء، تردَّد الضوء مرات. فنظر الشَّياطين إلى بعضهم، وقالت «ريما»: رقم «صفر».
كان الشَّياطين يَبتسمون، فهم يعرفون الهدف من دعوة رقم «صفر». وقال «عثمان»: كنتُ أريد أن أعرف المزيد؛ فالمَجموعة الشمسية تضمُّ كواكب أخرى.
ابتسم «أحمد» وقال: لا بأس؛ فالحقائق لن تَهرب منَّا، وعندما نعود، نستطيع أن نُكملها.
ضغط «أحمد» زر الخريطة، فتحوَّلت إلى عصا، وقالت «زبيدة»: هل ستَصحبُها معك؟
ابتسم «أحمد» وقال: لا أظنُّ؛ فالقاعة فيها ما يكفي من الخرائط.
وبسرعة أخذ الشَّياطين طريقهم إلى قاعة الاجتماعات الكبرى … إلا أن «إلهام» سألت، وهي في الطريق إلى القاعة: ولماذا قاعة الاجتماعات الكُبرى هذه المرة؟
ابتسم «أحمد» وقال: لا بد أن رقم «صفر» يعني بذلك شيئًا.
استقرَّ الشَّياطين في مقاعدهم في القاعة الواسعة، التي كانت تغرق في الضوء، وكأنه النهار. كانوا غارقين في أفكارهم، كلٌّ منهم يُحاول أن يصل إلى معنى هذا الاجتماع، في هذه القاعة الكبيرة.
بعد لحظات، أخذ الضوء يَخفت قليلًا قليلًا، حتى غرقت القاعة في الظلام، استمرَّ الظلام لحظة، وهمسَت «زبيدة» تقطع الصمت، الذي كان يملأ القاعة: إنَّ البداية مُثيرة جدًّا هذه المرة.
لكن شيئًا فشيئًا، بدأ ضوء يزحف على المكان، ثم فجأةً أُضيئت شاشة ضخمة وكأنَّها شاشة سينما، ثم جاء صوت رقم «صفر» يقول: هذا هو جواب السؤال أيتُها العزيزة «إلهام».
وكان الجواب مثيرًا فعلًا.