«بيللا» فتاة وحيدة!
ظهرت على الشاشة خريطة ضخمة، تكاد تُساوي أربعة أضعاف الخريطة التي يحملها «أحمد»، وكان الأكثر إثارة أنها خريطة مُتحرِّكة، كانت الأرض والشمس والكواكب والنجوم في حركة دائمة، وكانت المياه في البحار والمُحيطات تتحرَّك، والأشجار والجبال والمدن كان تبدو وكأن العالم موجود أمامهم الآن، بكلِّ ما فيه من حركة.
نظر الشَّياطين إلى بعضِهم في دهشة. ولم يَنطِق أحدهم بكلمة، كانت اللحظة مُثيرةً فعلًا. فجأة، قطع صوت رقم «صفر» سكون القاعة قائلًا: هل تكفي هذه الإجابة يا عزيزتي «إلهام»؟
ابتسمَت «إلهام» ولم تَنطِق بكلمة. كان «أحمد» يَرقُب الخريطة باهتمامٍ بالغ؛ فهذه الخريطة للعالَم لا يَعرضها رقم «صفر» إلا إذا كانت هناك مغامرة غريبة، مغامرة ربما تُغطِّي العالَم كله.
سأل نفسه: هل هي مجرَّد إجابة عن سؤال «إلهام» أو أنَّ رقم «صفر» يعني شيئًا آخر؟ لكن إجابة السؤال كانت تبدو صعبة، ولذلك استغرَقَ مرَّةً أخرى في الخريطة، كان يَشغل فكر «أحمد» مجموعات الجزر الكثيرة المُتناثِرة في بحار ومُحيطات العالم. بعضها متوسِّط الحجم مثل جزر «كريت» و«أيسلندا»، وبعضها أكبر قليلًا مثل جزيرة «مالاجاش» و«سومطرا»، و«جاوة»، وبعضها أصغر كثيرًا مثل جزر «المالديف» و«فوكلاند»، وبعضها صغير جدًّا، وكأنه نقطة على سطح الماء، مثل جزر «أليستر» و«بتكرن» و«كوك»، وكلُّها تقع في المحيط الهادي. ومثل جزر «كوكوس» و«ماكواري» و«موريشيوس»، وكلُّها تقع في المُحيط الهندي.
كانت عينا «أحمد» تَبحث عن الجُزر المُتناثِرة. بعضُها يقف وحده، وبعضها يَتجاوَر فتكون كل مجموعة بجوار بعضِها.
ظلَّت عيناه تَبحثان، حتى وصلَت إلى المُحيط الأطلسي، بالقُرب من نهاية أمريكا الجنوبية، وبدأ يقرأ أسماء الجزر. جزيرة «جورجيا الجنوبية»، جزر «بوفت»، جزر «أوركن»، ثم فجأةً ابتسم؛ فقد قرأ اسمًا يدعو للابتسام، إن لم يكن يدعو للضحك؛ لقد كانت هناك مجموعة جزر صغيرة تمامًا تبدو كالضباب فوق سطح المحيط الأطلسي، واسم المجموعة «جزر الساندويتش». كانت «إلهام» تجلس قريبة منه، فلاحظت ابتسامته، مالت ناحيته وهمسَت: هل في الخريطة ما يدعو للابتسام؟
نظر إليها، وكانت الابتسامة لا تزال تُغطِّي وجهه، وردَّ هامسًا: بل إنها تدعو للضحك.
قالت: إذن، دعْني أضحك معك.
همس لها: هل ترَين نهاية «أمريكا الجنوبية»؟
نظرت إلى الخريطة، جرت بعينَيها فوقها وهي تقول: نعم.
قال: ألم يلفت نظرك مجموعات الجزر المُتناثِرة في المحيط؟
ردَّت: إنها كثيرة.
سأل: هل قرأتِ أسماءها؟
أخذت تقرأ الأسماء بسرعة، ثم فجأةً توقفت … ونظرت إلى «أحمد» بعينَين مُندهشتَين، ولم تتمالك نفسها، فضحكت وهي تقول: جزر الساندويتش.
لفَت صوتُها نظر الشَّياطين، فنظروا إليها في نفس اللحظة، جاء صوت رقم «صفر» يقول: نعم، هذه هي المغامرة الجديدة التي دعوتُكم إليها.
تجمَّدت ضحكة «إلهام» على وجهِها، ثم نظرت إلى «أحمد» وهمست متسائلة: هل كنت تعرف؟
ابتسم «أحمد»، وقال: لا، فقط أعجبني الاسم، وأثار انتباهي، فلم أسمع عن هذه الجزر قبل الآن.
في نفس الوقت كان الشَّياطين قد انتبهوا للحوار، وهم يحاولون فَهْم ما يَعنيه رقم «صفر» بقوله: هذه هي المغامرة الجديدة.
جاء صوت رقم «صفر» يقول: إنني في الطريق إليكم. هناك تقرير سريع من عملائنا في «روما»، يُضيف معلومات جديدة عن المغامرة.
ثم صمت رقم «صفر»، وفهم الشَّياطين أن هناك أشياء هامة … أولها هناك مغامرة جديدة، وأنهم سيقدمون عليها حالًا … وأن هذه المغامرة سوف تكون في «إيطاليا».
غير أن «إلهام» تساءلت بينها وبين نفسها: إذا كانت المغامرة في «روما»، فماذا عن «جزر الساندويتش» إذن؟
لم تَستطع الانتظار، فهمست ﻟ «أحمد» بتساؤلها، وردَّ: ربما تكون «جزر الساندويتش» لها علاقة بالمغامرة …
قالت هامسةً: إن المسافة بعيدة جدًّا، بين «إيطاليا» و«جزر الساندويتش».
أجاب «أحمد»: أمام العصابات لا يوجد شيء بعيد.
صمت لحظة، ثم أضاف: مَن يدري، قد تكون هذه الجزر واحدة من قواعد العصابات؛ فهي بعيدة بما يكفي لأن تكون بعيدة عن الأنظار.
تساءلت «إلهام»: إنها تقع في منطقة باردة تمامًا، كما يظهر على الخريطة.
ابتسم قائلًا: هذا أدعى لأن تَجعلَها مكانًا مفضَّلًا.
سكت لحظة ثم أضاف: لاحظي أن العالم الآن، وجَد حلولًا لمشاكل كثيرة، ونحن أمام عصابات تتعامل بأحدث ما وصل إليه العلم من اكتشافات.
قطع حديثهما صوت أقدام رقم «صفر» وهي تقترب. ركَّز الجميع انتباههم. فبعد قليل، تكون معلومات المغامرة أمامهم، وبعدها أيضًا يمكن أن ينطلقوا إليها. توقفت أقدام رقم «صفر» وهو يقول: لقد كان اهتمام «أحمد» بجزر «الساندويتش» اهتمامًا يؤكِّد إحساسه القوي بأعمالنا.
نظر الجميع إلى «أحمد» الذي ابتسم، غير أن صوت رقم «صفر» أعادهم إليه، ثم قال: إن مغامرتنا يمكن أن تنتقل إلى «جزر الساندويتش» فعلًا.
سكت لحظة، ثم أضاف: إنَّ مجموعة الجزر تبدو أمامكم على الخريطة، عند الطرف الشرقي ﻟ «أمريكا الجنوبية». وهي تقع عند خط طول ٥٩ درجة، وخط عرض ٢٠ درجة، ويُمكن أن تكون في روما نفسها؛ حيث تقع الأحداث. وقد تكون في أماكن أخرى. إن هذا يتوقف على مدى سرعة حركتكم.
انتظر قليلًا، ثم قال: إن عصابة «سادة العالم» تُهدِّد السيد «مونت كاتيني» الذي يعمل مديرًا للمخابرات الإيطالية، والسيد «مونت كاتيني» لديه الأوراق الخاصة بإنتاج سلاح جديد … سوف تشترك إيطاليا وألمانيا في إنتاجه. وعصابة سادة العالم تُريد الحصول على هذا السرِّ العسكري الخطير …
صمت رقم «صفر» لحظة، ثم قال: إنَّ عصابة «سادة العالم» قد فكَّرتْ، كما تقول تقارير عملائنا في «روما»، في التخلُّص من «مونت كاتيني»، خصوصًا وأن السلاح الجديد سوف يَصلُ إلى الدول العربية، وقد تعاقَدتْ بعض دولنا العربية على شرائه، لكن جناحًا آخر في العصابة، رأى أن التخلُّص من «كاتيني»، لا يُحقق فائدة ما؛ لأن هناك مَن يحلُّ محلَّه في النهاية، ووصلت العِصابة إلى رأي.
صمت رقم «صفر»، كان يُريد أن يشدَّ انتباه الشَّياطين أكثر، ولو أنَّهم أمام أي مغامرة يكون اهتمامهم كبيرًا. في النهاية قال: إنَّ السيد «مونت كاتيني» له ابنة واحدة في الرابعة عشرة من عمرها، اسمها «بيللا»، وليس لديه سواها، خصوصًا وأن زوجته قد مرضت بعد أن أنجبت «بيللا»، وابنته الوحيدة هي مصدر الضغط الوحيد عليه.
سكت لحظة ثم أضاف: طبعًا سوف تقولون إنَّ واحدًا في منصب «كاتيني» يستطيع أن يَحميَ نفسه ويحمي ابنته جيدًا، لكن ينبغي أن تعرفوا أن عصابة «سادة العالم» لا يقف أمامها شيء، وهي تستطيع تَجنيد مَن يستطيع خطف «بيللا».
إن «كاتيني» يعرف يقينًا أن العصابة سوف تفعل ذلك، ولهذا فهو يُحيط ابنته بحراسة مشدَّدة … ولا تخرج بمفردها مطلقًا، حتى المدرسة لا يجعلها تذهب إليها؛ فقد أحضر إليها مدرسين في البيت. وأنتم تعرفون أن خروجها يُعرِّضها بالتأكيد للخطر، والغريب أن العصابة لم تُهدِّد «مونت كاتيني» بخطف ابنته، وهذا ما جعله يتأكَّد أن هذه خطتهم، وأن ابنته «بيللا» معرَّضة في أية لحظة للخطف، ولذلك فإن المدرِّسين الذين يقومون بالتدريس لها، تجري عليهم اختبارات صعبة، وتجري حولهم إجراءات أمنٍ مُشدَّدة أيضًا، خوفًا عليهم وخوفًا من أن يتعرَّضوا لأي ضغط من العصابات.
وبالفعل قد تراجع عدد منهم بعد تهديد العصابة لهم، وانسحب البعض الآخر، إلا أن قلة منهم استمر؛ فهم مؤمنون بموقف «مونت كاتيني»، ويرون أن حفظَه لأسرار الدولة، ينبغي أن يكون موضع الاحترام.
كان الشَّياطين يتابعون كلمات رقم «صفر» بكثير من الاهتمام. أضاف رقم «صفر»: إن موقفنا هو الإعجاب بموقف السيد «كاتيني» كرجل يحبُّ وطنه، ويحافظ على أسراره، في نفس الوقت نحن نعطف عليه كأبٍ محبٍّ لابنته الوحيدة «بيللا»، أيضًا نحن يُهمنا أن يتمَّ تصنيع السلاح الجديد، حتى يصل إلينا؛ فنحن بالتأكيد في حاجةٍ إليه، للدفاع عن وطننا العربي.
هزَّت هذه الكلمات مشاعر الشَّياطين، وكان الزعيم قد توقَّف عن الكلام لحظة، ثم قال: إن «بيللا» تعيش الآن في حالة حصار، وهي لا ترى أحدًا، وليس لديها أصدقاء. ولهذا فإن مهمَّتنا هي أن يكون لها أصدقاء، وأن تعيش كأيِّ فتاةٍ في سنِّها، وأظنُّ أنكم تستطيعون ذلك.
مرةً أخرى توقَّف الزعيم عن الكلام، ثم أضاف: سوف تتساءلون عن جزر «الساندويتش»، وما دورها في مغامرتنا، قد يُفكِّر أحدهم، أن «كاتيني» سوف يَنقُل ابنته إلى هذه الجزر البعيدة، حتى تكون في أمان، بعيدًا عن متناوَل العصابة، لكن هذا ليس صحيحًا؛ فجزر «الساندويتش» تقع في منطقةٍ باردة تمامًا، بجانب أنها إحدى قواعد عصابة «سادة العالم».
سكت قليلًا ثم قال: إن عملاءنا في «روما»، قد عرفوا أن العصابة تُخطِّط الآن لخطف «بيللا»، وإذا تحقَّق ذلك فسوف ينقلونها إلى جزر «الساندويتش»، التي لا تَخطر على بال أحد، ومن هناك يستطيعون أن يساوموا «مونت كاتيني» على تسليم سرِّ السلاح.
مرَّت لحظة قبل أن يقول: والآن … سوف أقول لكم الكلمات الأخيرة.
سكت قليلًا، ثم قال: لقد تم الاتصال بالسيد «مونت كاتيني»، وتم الترتيب على أن تصلوا إلى هناك.
أضاف بعد لحظة: سوف تكون «إلهام» و«زبيدة» صديقتين ﻟ «بيللا»، وسوف يكون «أحمد» و«عثمان» و«قيس» المسئولين عن حراسة هذه الصداقة الجديدة.
سكت لحظة، ثم قال: هل هناك أسئلة؟
وقبل أن ينتظر أية أسئلة قال: سوف تُشاهدون فيلمًا عن حياة «بيللا» قبل الالتقاء بها.
ثم اختفت خطواته.