«سادة العالم» تطارد الشَّياطين
لم يتحرَّك «أحمد» من مكانه، بل ظلَّ مغمض العينين، وقد ركَّز حواسه كلها، حتى يَكتشف مكان الصوت وطبيعته. فكَّر أن يوقظ «عثمان» و«قيس»، لكنه قال في نفسه: يُمكن أن أوقظهما إذا احتاج الأمر.
كان الصوت قد سكن، ظلَّ «أحمد» يَنتظر أن يعود الصوت من جديد. مرَّت دقائق، فتح نصف عين، وحاول أن ينتظر أن يعود الصوت من جديد. كان صوتٌ خافتٌ يتسرب من الشارع عبر ستائر النافذة، لكنه لم يرَ شيئًا غريبًا.
قال في نفسه: لعلَّني توهمت أن هناك شيئًا.
أخذ يمارس تمارين النوم لينام، بعد أن استيقظ ذهنُه تمامًا، وعندما بدأ يغرق في النوم، تكرَّر الصوت مرةً أخرى، استيقظ بسرعة، لكنه ظلَّ ساكنًا في السرير، حتى إذا كان أحد في الغرفة، فسوف يظنُّ أنه نائم، تردَّد الصوت من جديد. حاول أن يعرف صوت مَن هذا … ركَّز حواسه على الصوت، واستطاع في النهاية أن يُحدِّد مصدره، كان يأتي من اتجاه النافذة.
قال في نفسه: قد تكون محاوَلة جديدة للعصابة، وقد تكون هجومًا أثناء النوم.
لكنَّ الصوت تغيَّر مصدرُه، إنه يأتي الآن من اتجاه الباب. فكر: هل يكون للعصابة فرع داخل فندق «بلازا»؟
قال في نفسه: لقد نزلنا في «بلازا» من قبل.
ظلَّ ينتظر، كان الصوت يأتي من اتجاه الباب فعلًا، ظلَّ يحاول تحديد نوعية الصوت. قال في نفسه: هل يكون الباب غير مُحكَم الإغلاق؟
فكر: هل كانت العصابة تتابع تحركاتهم؟
أجاب في نفسه: ربما تكون السيارة هي السبب.
مرت دقائق أخرى، بدأ يفكر في القيام من السرير، لكنه ظلَّ مُتردِّدًا. فجأةً فُتح الباب، وكان مُستعدًّا؛ فقفز من السرير في اتجاهه وقبل أن يكتمل فتح الباب، كان يضرب القادم بالباب ضربةً عنيفة، حتى إنَّ الباب أُغلق بشدة، في نفس اللحظة التي فُتح فيها … وعلى أثر ذلك استيقظ «قيس» و«عثمان»، وحاول «أحمد» فتح الباب، لكنه كان مُغلقًا من الخارج.
قال «قيس»: ماذا هناك؟!
ردَّ «أحمد»: يبدو أنهم كانوا يُريدُون مُهاجمتنا ونحن نيام.
تعاون الثلاثة في فتح الباب وأمام قوتهم، انفتَح لكن لم يكن هناك أحد. ظلَّ «أحمد» ينظر في الطرقة الطويلة يمينًا وشمالًا، وقد استغرق في التفكير، لكنَّه لم يرَ شيئًا. كان «عثمان» قد أخذ يختبر باب الغرفة، ثم قال: من الواضح أنه كان مفتوحًا بمفتاح.
انضمَّ إليه «قيس» و«أحمد»، وظلا يختبران الباب. لحظة، ثم قال «قيس»: هل ندعو أحدًا من الفندق، أو أحدًا من الاستعلامات؟
ردَّ «أحمد»: لا داعي طبعًا، فسوف تثُور مشكلة دون أن نصل إلى نتيجة.
دخلوا وأغلقوا الباب، وجلس كلٌّ منهم فوق سريره. مرت دقائق قبل أن يقول «عثمان»: يبدو أن العصابة كانت تراقبنا بطريقةٍ جيدة.
ردَّ «قيس»: بالتأكيد، ويبدو أننا أخطأنا؛ لأننا استخدمنا السيارة.
نظر «أحمد» إليه، وقال: لقد فكرتُ في ذلك فعلًا.
قال «عثمان» بسرعة: إذن، علينا بتغيير المكان. ويَنبغي أن يكون شقة مفروشة، بدلًا من الفندق، وأن نُغيِّر السيارة أيضًا.
استغرق الجميع في التفكير لحظة، ثم قال «أحمد»: يَنبغي أن نُغيِّر هيئتنا أيضًا. وهذا هو المُهم.
ثمَّ أضاف بعد لحظة: أظنُّهم لن يعودوا الليلة مرة أخرى. وعلينا أن ننال قسطًا من الراحة، فلا نَدري ماذا سوف يحدث غدًا؟!
استلقى كلٌّ منهم في فراشه، ولم تمضِ دقائق، حتى كانوا قد استغرقوا في النوم. وفي الصباح كان أول ما فعله «أحمد» هو الاتِّصال بعميل رقم «صفر»، وشرح له ما حدث، ثم حدَّد ما يحتاجونه.
وكان ردُّ العميل أن ذلك جاهزٌ فعلًا. وهناك شقة في العمارة المقابلة لفيلَّا «مونت كاتيني». إلا أن «أحمد» كان من رأيه أن تكون الشقة بعيدة حتى لا يكونوا تحت الأنظار.
فقال العميل: سوف تكون الشقة جاهزةً بعد ساعة. وسوف أتَّصل بك.
أنهى «أحمد» المكالمة، وجلس الشَّياطين للمناقشة، قال «أحمد»: أولًا: ينبغي أن نتخفَّى جيدًا، حتى لا يعرفنا أحد؛ فإذا كنا مراقَبين فإنهم سوف يظنون أننا لا نزال في الفندق.
قال «قيس»: أعتقد أننا يَنبغي أن نتردَّد على الفندق بين لحظةٍ وأخرى، حتى يظنُّوا أننا لا نزال نُقيم فيه؛ لأننا لو اختفَينا مرةً واحدة، فسوف يدور البحث عنا.
أضاف «عثمان»: أيضًا، يجب أن نُغيِّر ملامحنا باستمرار، حتى لا يَكشفنا أيُّ فردٍ منهم.
بدأ الثلاثة يضعُون الماكياج، ويُغيِّرون ثيابهم، فأصبحوا شخصيات مُختلِفةً تمامًا … وعندما غادروا فندق «بلازا»، كان كلٌّ منهم يخرج بمُفردِه.
كان عميل رقم «صفر» قد تحدَّث إلى «أحمد»، وأخبره بعنوان الشقة التي تقع في منطقة متوسطة. فلا هي بعيدة عن فيلَّا «مونت»، ولا هي قريبة منها. كان كل منهم يحمل عنوان الشقة، واتفقوا على موعد اللقاء هناك.
استقلَّ «أحمد» تاكسيًا، واتجه إلى فيلَّا «مونت» … وعندما وصل نزل بعيدًا عنها. كان يبدو في ثياب أحد جنود الشرطة. اتجه مباشرةً إلى الحارس، وألقى إليه بتحية الصباح، ثم قال: أيام الأسبوع ستَّة.
ابتسم الحارس وقال: هكذا يقولون.
ثم أفسح له طريقًا للدخول. كانت الفيلَّا هادئة تمامًا، ولم يكن يسمع أي صوت، سوى بعض أصوات العصافير في الحديقة الجميلة. اتجه «أحمد» مباشرة إلى باب الفيلَّا، ثم دقَّ الجرس بطريقةٍ معينة، ففُتح الباب. كان هناك خادم عجوز، يَمتلئ وجهه بالطيبة حياه «أحمد»، ثم سأل: أين الآنسة «بيللا»؟
قال الرجل مبتسمًا: في الدرس يا سيدي.
سأل «أحمد»: والآنستان «للي» و«نينا»؟
ردَّ الرجل بابتسامة رقيقة: تفضَّل يا سيدي.
تقدم الخادم «أحمد» إلى صالة واسعة، ثم طُرقة طويلة. لفت نظر «أحمد» طراز المباني القديم الفاخر، كان المكان هادئًا. في النهاية وقف الخادم العجوز أمام باب حجرة، ثم فتحه وقال: «إنهما في الداخل.»
دخل «أحمد» فوجد «إلهام» و«زبيدة» في حالة استغراق، وبين يدَي كلٍّ منهما كتابًا، ما إن شعرتا بوجوده حتى قفزنا إليه في فرح.
قالت «إلهام»: ما هي الأخبار؟
وقالت «زبيدة»: ليتَ الشَّياطين يقضُون هنا إجازة.
ابتسم «أحمد» وهو يُسلِّم عليهما، ثم جلس، أعادت «إلهام» سؤالها: ما هي الأخبار؟
ابتسم «أحمد»، وقال: كل شيء على ما يرام، وأنتما؟
ردَّت «زبيدة» بسرعة: إن «بيللا» فتاة رائعة، تتمتَّع بذكاء عظيم، وهي تُجيد أشياء كثيرة، حتى إنني فكرت أن أقترح ضمَّها إلى الشَّياطين.
ابتسم «أحمد» وهو يقول: يمكن أن تكون مساعدة لنا، لكنها لا تستطيع تبعًا لقانون رقم «صفر» أن تنضمَّ إلينا.
سألت «إلهام»: ألم تَظهر العصابة مرة؟
ابتسم «أحمد» وقال: أكثر من مرة، وكانت بينَنا معركة جيدة هنا.
ظهرت الدهشة على وجه «زبيدة»، وقالت: هنا أين؟
ضحك «أحمد» ضحكة صغيرة، وقال: في نفس ليلة أمس. وقريبًا من الفيلَّا، ويبدو أنَّ العصابة تُراقبنا جيدًا. ومع ذلك دعكما من هذا. لقد أتيت لألفت نظركما إلى شيءٍ هام، هو المدرسون الذين يقومون بالتدريس للآنسة «بيللا»؛ فنحن نتوقَّع عملية من أفراد العصابة عن طريق أحدهم.
سألت «إلهام»: كيف؟
أخذ «أحمد» يشرح لهما ما فكَّر فيه هو و«قيس» و«عثمان» وعندما انتهى من كلامه، أضاف: هذه هي مهمتكما، مراقبة المدرسين، والتأكد منهم جيدًا، ولا أظن أن ذلك سوف يخفى عليكما.
شردت «إلهام»، ثم قالت: هذه حقيقة، فليس أمام العصابة سوى ذلك.
في نفس الوقت قالت «زبيدة» بسرعة: وكيف يُمكن أن تَخرُج من الفيلَّا؟
ابتسم «أحمد»، وأجاب: هذه ليست مسألة صعبة، إن العصابة لديها ألف خطة لذلك.
فجأةً ظهرت «بيللا». كانت تلبس فستانًا أزرقَ بلون السماء، وقد أحاطت وسطها بحزامٍ أبيض ولبست قرطًا أبيضَ، وسلسلة من البلاتين الأبيض تَنتهي بدائرة، بداخلها صورة صغيرة.
قالت بابتسامة عريضة وهي تتقدَّم من «أحمد»: مرحبًا بالسيد «جليم».
حيَّاها «أحمد» قائلًا: مرحبًا أيتها الصديقة «بيللا».
ثم أضاف: أرجو أن تكون الصديقتان «للي» و«نينا» قد حازتا على إعجابك.
ابتسمت «بيللا»، وقالت: إنني سعيدة بهما تمامًا. وأشكر لكم مساعدتي.
صمت «أحمد» لحظة، ثمَّ سأل: هل تَعرفين أساتذتك جيدًا يا عزيزتي «بيللا»؟
ظهرت الدهشة على وجهها، ثم قالت: ماذا تقصد؟
انتظر «أحمد» لحظة، ثم قال: أقصد، هل تَعرفين ملامح كلٍّ منهم جيدًا. مثلًا هل في وجهه علامة مميزة … يتحدث بطريقةٍ معينة … يبتسم بشكلٍ خاص؟
ابتسمت «بيللا» وهي تقول: بالتأكيد أعرف … وأستطيع أن أُقلِّد كل أساتذتي، مثلًا … الأستاذ «جارو» إنه لا يبتسم أبدًا، يبدو جادًّا دائمًا … ودائمًا يخلع نظارته ويلبسها … وقد يجذب بعض الشعيرات في رأسه …!
سكتت لحظة، ثم قالت: مع أن رأسه لا يضمُّ شعرًا كثيرًا.
ثم أخذت تقلِّده، وعندما انتهت، قالت: ومثلًا الأستاذ «شانكر» برغم أنه رجل متقدِّم في السن، إلا أنه يضحك دائمًا، ويشرح دروس التاريخ وكأنه في معركة.
ثم أخذت تُقلِّده، ولم يكن أمام الشَّياطين إلا الضحك على طريقتها في التقليد، ثم قال «أحمد»: هل أستطيع الحصول على صور لهم؟
أبدت «بيللا» دهشتها وهي تقول: لماذا؟
ردَّ «أحمد»: جانب من عملنا.
انتظرت «بيللا» قليلًا، ثم قالت: الحقيقة أنه ليس لديَّ صورٌ لهم، لكن لديَّ كاميرا، ويُمكن أن ألتقط صورًا لهم.
ابتسم «أحمد» وقال: هذه فكرة طيبة.
ثم وقت يستأذن للانصراف. فقالت «بيللا»: كيف؟ لا بدَّ أن تشاركنا الغداء.
ابتسم «أحمد» وقال: هناك أصدقاء في انتظاري.
حياهن وخرج، وعندما غادر الفيلَّا، سار في الشارع الهادئ، لكن فجأةً ظهرت سيارة سوداء، ووضح أنها تقصده، فقد كانت مندفعة في الطريق إليه.