عندما أُطفئت الشموع
رغم أن السيارة ظهرت فجأةً في أحد الشوارع الجانبية، إلا أن «أحمد» كان ينتظر أي حركة من العصابة. فما دام يدخل فيلَّا «مونت كاتيني»، فلا بد أن تكون حركاتُه مرصودة.
كانت السيارة مُندفِعة بطريقةٍ جنونية. وعندما كادت تضرب «أحمد» قفز قفزةً واسعة إلى جانب الشارع، فلم يُصَب بسوء في الوقت الذي استمرت فيه السيارة في انطلاقها، حتى اختفت.
قال «أحمد» في نفسه: إنهم لن يتركونا لحظة …
ثم أخذ طريقه إلى الشقة، فكَّر: إنهم قد يتبعونني، ومن الضروري أن أخدعهم.
أنقذه وجود دورة مياه عامة، أسرع واختفى داخلها، وعندما خرج كان قد تَغيَّر تمامًا. وأصبح شخصية أخرى؛ فقد كانت معه أدوات الماكياج.
عندما وصل إلى الشقة، كان «قيس» و«عثمان» في انتظاره، شرح لهما كل ما حدث عند لقائه ﺑ «إلهام» و«زبيدة»، ثم «بيللا».
وتحدث عن حكاية السيارة التي كادت أن تصدمه.
قال «عثمان»: إنهم يُحاصرون «مونت كاتيني» فعلًا، لكنَّ الذي يحيرني هو لماذا لا يفعلون ذلك مع مدرسي «بيللا».
ردَّ «أحمد»: لقد فعلوه، وانقطع عدد منهم فعلًا.
تساءل «عثمان» مرة أخرى: والباقون، لماذا تركوهم؟
أجاب «أحمد»: يبدو أن هذه خطتهم الجديدة، فهم لن يستطيعوا الوصول إلى «بيللا»، إلا عن طريق أحد المدرسين. إما أن يكون عن طريق المدرس ذاته … وإما عن طريق خطفه وزرع آخر مكانه، كما اتفقنا. وهذه خطة جيدة وناجحة.
قال «قيس»: لهذا تُصبح مراقبة المدرسين هي الأهم في مغامرتنا.
ردَّ «أحمد»: بالتأكيد.
بعد كل هذه الأحداث هدأ كل شيء، فقد قام «أحمد» بأكثر من زيارة إلى فيلَّا «مونت كاتيني»، ولم يظهر أثر للعصابة … وذهب «عثمان» مرة، وكذلك فعل «قيس». راقب الشَّياطين الفيلَّا، ليلًا ونهارًا، وراقبوا المدرسين بعد أن زوَّدتهم «بيللا» بالصور التي طلبها «أحمد» منها، ومع ذلك لم يحدث شيء غير عادي، غير أن ذلك لم يُسعِد الشَّياطين. وفي آخر زيارة قام بها «أحمد» للفيلَّا، لقي السيد «مونت كاتيني» الذي قال له مُبتسمًا: يبدو أن جهودكم قد أثمرت، فكل شيء هادئ حولنا.
ابتسم «أحمد»، وأجاب: أرجو ذلك.
قال «مونت»: إنَّ «بيللا» سعيدة تمامًا بالعزيزتين «للي» و«نينا»، وأخيرًا نزلن الحديقة، وأصبحت يقضين فيها وقتًا طيبًا كما تقول «بيللا»، بل إنها تفكر أن تأخذ بعض الدروس في الحديقة فعلًا، بدلًا من حبسها الدائم في غرفة المكتب.
لم يردَّ «أحمد» مباشرة كان يفكر جيدًا في كلمات «مونت»، ثم أخيرًا قال: أظن أن هذه مسألة شائكة، أن تنزل الآنسة «بيللا» إلى الحديقة وحدها …
قال «مونت»: إنَّ الحراسة مشددة حول الفيلَّا، وأجهزة الإنذار في كل مكان.
ابتسم «أحمد»، وقال: أعتقد أنَّ السيد «مونت» يعرف ربما أكثر مني أن العصابات الآن تملك أجهزة حديثة تمامًا، قد لا تملكها الدول نفسها.
هزَّ «مونت» رأسه، وقال: هذا صحيح مع الأسف.
ثم صمت، ليقول بعد لحظة: تقترح ألَّا ندعها تنزل إلى الحديقة؟!
ردَّ «أحمد»: لا أظن، لكن ينبغي أن يتم ذلك في حراسة الصديقتين «للي» و«نينا».
هزَّ «مونت» رأسه مرة أخرى، وقال: سوف أطلب منها ذلك.
قال «أحمد»: لا ينبغي أن تعرف، سوف أخبر «للي» و«نينا» حتى تقوما بحراستها دون أن تشعر.
ابتسم «مونت»، وقال: كم أشكر لك تفكيرَك يا صديقي «جليم».
وعندما عقد الشَّياطين الثلاثة اجتماعًا في شقتهم، قال «أحمد»: إن هذا الهدوء الذي يحيط بالفيلَّا، يجعلني غير مطمئن.
تساءل «عثمان»: لماذا؟
رد «أحمد»: إنه كما يقولون، الهدوء الذي يَسبق العاصفة.
سكت لحظة، ثم أضاف: إنَّ العصابة تنفذ خطتها الآن، وهي تعطينا فرصة لنشعر بالأمان، والأمان عادة يجعل الإنسان أقل حرصًا.
أضاف «قيس»: إنني أوافق تمامًا على رأي «أحمد».
تساءل «عثمان»: إذن، هل تتوقع شيئًا قريبًا؟
ردَّ «أحمد»: ربما أكثر مما تظن.
فجأةً، أعطى جهاز الاستقبال إشارة، فعرف «أحمد» أن هناك رسالة من «إلهام». كانت رسالة شفرية، فأخذ يستقبلها، كانت الرسالة تقول:
«٤–٣٢–١٦» وقفة «٣٣–١٦» وقفة «٣٢–٤٤–١٦» وقفة «٣٨–٤٤–١٦» وقفة «٤–٤٤–٣٢–٤٤» وقفة «٢–٣٧–١٢–٣٤–٣٧» وقفة «٦٠–٣٢–٤٤–٢٠» وقفة «٥٠– ٤٥–٣٤» وقفة «٤٤–٧٠–٣٨–٣٨–٢» وقفة «٤٥–٢–٣٧–٣٨–١٦–٢٠–٥٠–٤٥–٣٩» وقفة «٣٤–٣٥–٨٠» وقفة «٢–٣٩–٦–٣٨» وقفة «٣٨–١٦–٣٢–٤٥–٤٥–٣٩» انتهى.
عندما تلقى «أحمد» الرسالة، ابتسم منذ بدايتها. كان «قيس» و«عثمان» يراقبانه.
قال «عثمان»: أخبار طيبة بالتأكيد!
قال «أحمد»: هي طيبة فعلًا، لكنها تدعو للتفكير أيضًا.
قال «قيس»: ماذا هناك إذن؟
مرَّت لحظة، قبل أن يقول «أحمد»: عيد ميلاد «بيللا» بعد غد، ونحن طبعًا مدعوُّون لحفلٍ صغيرٍ في فيلَّا «مونت»، ولن يكون هناك سوانا والمُدرسين.
ابتسم «عثمان» وقال: لا بدَّ من هدية جيدة للآنسة «بيللا».
ابتسم «قيس» وقال: أعرف أن «بيللا» تَشغلك.
ضحك «عثمان»، ولم يرد. غير أن «أحمد» قال: الهدية ليست القضية، إن العصابة يمكن أن تحقق خطتها في تلك الليلة.
لمعت عينا «عثمان»، وقال: كيف؟
ابتسم «أحمد» وهو يرد: لا أدري كيف، وإلا كنت قد أفشلت لهم خطتهم.
سكت لحظة، فنظر «عثمان» إلى «قيس» الذي قال: إنني من رأي «أحمد» يجب أن نأخذ حذرنا جيدًا في هذا الحفل، خصوصًا وأن المدرسين سوف يَتواجَدُون.
قال «عثمان» بسرعة: إذن نَطلُب من السيد «مونت» ألا يدعوهم.
قال «أحمد»: لا أظنُّ، بل ينبغي أن يكون عيد الميلاد مُفرحًا بالنسبة للآنسة «بيللا».
سكت لحظة ثم أضاف: إن علينا أن نعرف جيدًا أين سيكون عيد الميلاد؟ … في الحديقة مثلًا، أو داخل الفيلَّا؟ … وفي أي مكان داخلها؟ … ومتى؟ … وما نوع الطعام الذي سيُقدَّم؟ … وأن نراقب الهدايا، فالمؤكد أن المدرسين سوف يقدمون لها هدايا … وهكذا …
قال «عثمان»: هذه مسألة مثيرة فعلًا …
سكت قليلًا، ثم قال: أقترح أن نلتقي بالسيد «مونت».
ردَّ «قيس»: لا داعي، إن «إلهام» و«زبيدة» يمكن أن تقدِّما لنا كلَّ التفاصيل.
مرَّت فترة صمت، كان الشَّياطين يفكرون في حفل عيد الميلاد.
فجأةً قال «عثمان»: ألن ترد على رسالة «إلهام»؟
قال «أحمد» بهدوء: بالتأكيد.
بدأ يرسل رسالة شفرية إلى «إلهام»، كانت الرسالة تقول: عيد ميلاد سعيد للعزيزة «بيللا»، سوف نكون في الحفل. هناك بعض التفاصيل، سوف أتحدَّث إليك فيها، تحيات الشَّياطين ﻟ «بيللا».
في الصباح نزَل الشَّياطين، يختار كل منهم هدية مناسبة ﻟ «بيللا»، وكان على «أحمد» أن يختار ثلاث هدايا؛ واحدة يُقدمها لها … والأُخريَين تُقدمهما «إلهام» و«زبيدة»، اختار «عثمان» قلبًا من الذهب … يخترقه سهم. علَّق عليه «قيس» قائلًا: هذه رسالة مُباشرة.
ضحك «عثمان»، وقال: إنَّني أقول لها: نحن نُحبك جميعًا.
ابتسم «قيس»، وقال: إذن قدِّم لها مجموعة من القلوب.
وضحك الشَّياطين للتعليق. كان «قيس» قد اختار لها عروسًا كبيرة، تغني أغنية لعيد الميلاد، أمَّا «أحمد» فقد اختار عُصفورًا من الكريستال … واختار ﻟ «إلهام» فيلَّا من الخشب، واختار ﻟ «زبيدة» لوحة لراقصة باليه.
في الموعد المحدد، كان الشَّياطين في طريقهم إلى فيلَّا «مونت»، وصلَ «أحمد» أولًا … وبعده بربع ساعة وصل «عثمان»، وأخيرًا وصل «قيس».
كان حفل عيد ميلاد «بيللا» بديعًا فعلًا؛ فقد ازدانت صالة الفيلا الواسعة بالورد، والأوراق الملوَّنة، ثم تمتدُّ الزهور لتُزيِّن الطرقة الطويلة، حتى غرفة الصالون الواسعة. كانت غرفة الصالون تطلُّ على حديقة الفيلَّا، وفي جانبٍ منها أُعدَّت منضدة طويلة، وُضع فوقها «تورتة» كبيرة تعلُوها شمعة بيضاء. أما بقية الشموع، فكانت تتوزَّع على درجات التورتة العالية، وكانت كلها تمثِّل عمر «بيللا» الحقيقي.
لم يكن أحد من المدرِّسين قد وصل بعدُ … وكانت «إلهام» و«زبيدة» مشغولتَين بإعداد كل شيء. وعندما أرادت «بيللا» أن تَشترِك معهما ضحكت «إلهام» وهي تقول: إنه عيدك الليلة يا عزيزتي «بيللا»، ومن حقك أن تَجلسي كعروس. وكان «أحمد» و«قيس» و«عثمان» يدُورون في الفيلَّا، يراقبون كل مداخلها … حتى إن «مونت كاتيني» ضحك بصوتٍ مُرتفِع، وهو يقول: هذه ليست بداية الحرب العالَمية الثالثة.
ابتسم الشَّياطين ولم يُعلِّقوا. كان «مونت» سعيدًا للغاية، وهو يرى ابنته «بيللا» مشرقةً تروح وتجيء، وكأنه احتفال كبير. وقف الشَّياطين في أحد أركان غرفة الصالون، وقال «عثمان»: ليت باقي الشَّياطين معنا الليلة.
قال «أحمد»: كان ينبغي وجودهم، فأنا لا أشعر بالراحة.
ظهرت الدهشة على وجه «عثمان»، وهو يقول: لماذا؟
ردَّ «أحمد»: لا أدري، إن شعورًا بالكآبة يملؤني الآن، وكأني مُقبِل على عمل رديء.
تنهَّد «قيس»، وقال: أرجو أن يكون عيد الميلاد هادئًا، وألا يَقطعه ما يُعكِّر سعادة «بيللا»، بدأ المُدرِّسون يَتوافدون. كان «مونت» يستقبلُهم بحرارة، ويشكر وجودهم، فهو يعرف أنهم يُلاقون الأمَرَّينِ من العصابة. وقف الجميع يتحدثون، ثم فجأةً ظهرت «بيللا» … كانت أنيقة تمامًا في ثوبها الأبيض البسيط ووردة حمراء على صدرها، وبجوارها «إلهام» و«زبيدة». كانت الساعة تدق التاسعة تمامًا في هذه اللحظة، ضحك «مونت» وقال: تمامًا، لقد وُلِدت «بيللا» في الساعة التاسعة.
ابتسم أحد المدرسين، وقال: إذن نُشعل الشموع، حتى تكون حياة عزيزتنا «بيللا» مضيئة دائمًا.
التفَّ الجميع حول «التورتة» الضخمة العالية التي كان يصل طولها إلى طول «بيللا» أمسك أحد المدرسين بعلبة ثقاب، وبدأ يشعل الشموع، وعندما انتهى منها أسرع «مونت» بإطفاء النور، غنَّى الجميع أغنية عيد الميلاد، ثم بدءوا معًا يَنفُخون الشموع لإطفائها، وشمل الغرفة ظلام كثيف، أسرع «مونت» إلى زر النور، وضغط عليه، لكن اللمبات لم تُضئ. صاح «مونت»: لقد انقطع النور.
حدثت حركة غير مرئية وسط الظلام، واختفَت علبة الثقاب، وعندما أسرع الخدم بالشموع لم يكن المُدرِّسون موجودين. ولم تكن «بيللا» موجودة هي الأخرى. ووقف الجميع، وكأنهم قد تجمَّدوا، لقد نفَّذت العصابة خطتها، وخطفت «بيللا».