بطريرك العرب
بَلَدٌ مَشَى بِسُهُولِهِ وَجِبَالِهِ
مُتَدَفِّقًا بِنِسَائِهِ وَرِجَالِهِ
وَشَّى لَيَاليَهُ بريقُ دُمُوعِهِ
وَسَرَى الأَسَى لَهَبًا عَلَى آصَالِهِ
وَإِذَا مَشَى وَهوَ المُفَجَّعُ بابنِهِ
أَكْبِرْ أساه ولا تَسَلْ عَنْ حَالِهِ
فِي مَوكبٍ كَالسَّيلِ لولا أَنَّهُ
مُتَمَهِّلٌ وَالصَّمْتُ كُلُّ مَقَالِهِ
فَكَأَنَّهُ مُتَعَثِّرٌ بِدُمُوعِهِ
أَوْ أَنَّهُ يَمْشِي عَلَى آمَالِهِ
وَهُنَاكَ نَعْشٌ فِي القُلُوبِ سَوَادُهُ
فَكَأَنَّمَا فِيهَا مَحَطُّ رِحَالِهِ
يَحْتَاطُهُ وَفْدُ الشَّبَابِ مُوَدِّعًا
فِي شَيْخِ نَهْضَتِهِ فَتى اسْتِقْلَالِهِ
وَتَرَى ورَاءَ النَّعْشِ شَعْبًا خَاشِعًا
مُتَبَرِّكًا مِنْهُ بِلَمْسِ ظِلَالِهِ
نَكَسَ السِّلاحَ حُمَاتُهُ لَمَّا هَوَى
حَامِي السلامِ شَهِيدَ طُولِ نِضَالِهِ
•••
فَمَنِ المُسَجَّى غَارِقًا بِسُبَاتِهِ
فِي النَّعشِ يَغْمُرُه بفيضِ جلَالِهِ
وَعَلَيْهِ مِنْ نُورِ القَدَاسَةِ هَالَةٌ
ذَرَّاتُهَا البيضاءُ بيضُ فِعَالِهِ
وَيَمِينُهُ مَمْدُودَةٌ فَكَأَنَّهَا
بُسِطَتْ لآخرِ مَرةٍ بنَوَالِهِ
تِلْكَ اليَمِينُ رَعَتْ صَدَاقةَ عَاهِلٍ
كَانَتْ رِقَابُ الناسِ طَوْعَ شِمَالِهِ
وَتَرَى عَلَى شَفَتَيْهِ بَسْمَةَ رَاحَةٍ
هِيَ بَسْمَةُ المَفْكُوكِ مِنْ أَغْلَالِهِ
أَوْ بَسْمَةُ المَصْلُوبِ حَامِلَةً عَلَى
شَفَتَيْهِ آيَ الصَّفْحِ عَنْ مُغْتَالِهِ
•••
المُطْعِمُ الطَّاوِينَ جُلَّ طَعَامِهِ
وَالوَاهِبُ البؤسَاءَ بَاقِيَ مَالِهِ
لَا أَطْلُبُ الرَّحَمَاتِ مِنْ رَبِّي لَهُ
فَأَنَا عَلَى ثِقَةٍ بِحُسْنِ مَآلِهِ
فَالخَلْقُ كُلُّهُمُ عِيَالُ اللهِ
أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ أَبَرُّهُمْ بِعِيَالِهِ