مفاجأة … لم يتوقعها أحد!
انتهى الجزء الأول من مغامرة «العملية المزدوجة» في مطار «أورلي» في باريس، عندما استطاعت المجموعة الأولى من الشياطين أن تأخذ عالِم الإلكترونيات «أليك كرو»، وتُرسله إلى المقرِّ السري بمصاحبة «إلهام».
وكان رقم «صفر» قد أخبر الشياطين أنَّ هناك صراعًا بين عصابتَي «سادة العالم» و«اليد الحديدية»؛ فقد اتَّهمَت عصابةُ «اليد الحديدية» عصابةَ «سادة العالم» بأنَّها خطفَت «أليك كرو»، وثار بينهما صراعٌ عنيف. وحتى تقضيَ عصابةُ «سادة العالم» على الصراع، ادَّعت أنَّ «أليك كرو» ليس عندها، وأنَّه يعيش حياتَه العادية، وأنَّه سوف يتناول عشاءَه في الساعة الخامسة مساءً في مطعم «مكسيم». وقامت عصابة «سادة العالم» بعمل خدعة ذكية؛ فقد أحضرت خبيرًا في الماكياج والخِدَع السينمائية، يُدعَى «جان بريم». وطلبت منه أن يصنع خدعة تُوحي بأنَّ «أليك كرو» قد أُطلق عليه الرصاص في مطعم «مكسيم»، وهو يتناول عشاءه، وسوف تكون الخدعة أن يدخل بعض رجال «سادة العالم» إلى المطعم، ويُطلقون طلقات صوت على «أليك كرو» فيسقط على الأرض، ويبدو أنَّه انتهى. في نفس الوقت، يكون هناك آخرون من نفس العصابة يرتدون ملابس الشرطة الفرنسية، يدخلون المطعم عند سماع صوت الطلقات، وينقلون «أليك كرو» في سيارة إسعاف. وهكذا يبدو أمام الجميع أنَّه انتهى. والحقيقة أنَّه اختفى نتيجة الخدعة في نفس الوقت وكان هناك خبير الماكياج، الذي سوف تقضي عليه العصابة؛ لأنَّه الوحيد الذي يعرف السرَّ، ولهذا كانت العملية مزدوجة؛ فمهمة الشياطين؛ أولًا: الحصول على «أليك كرو» وإنقاذ «جان بريم».
وخرجت مجموعتان من الشياطين، كلُّ مجموعة لتنفيذ جزء من «العملية المزدوجة». كانت المجموعة الأولى تضم: «أحمد» و«إلهام» و«قيس» و«عثمان» و«فهد»، والثانية تضم: «بو عمير» و«باسم» و«خالد» و«مصباح» و«رشيد». وفي الوقت الذي كانت المجموعة الأولى تعمل داخل المطعم، كانت المجموعة الثانية تعمل خارجه. واستطاعت المجموعة الأولى فعلًا أن تدخل المطعم في اللحظة المناسبة، وهي ترتدي ملابس الشرطة الفرنسية، وأن تخطف «أليك كرو». ولكن، لم تكن العملية سهلة؛ فقد حدَث صراعٌ عنيف بين عصابة «سادة العالم» والمجموعة الأولى من الشياطين، انتهت بإنقاذ «أليك كرو»، حيث أوصله «أحمد» و«إلهام» إلى مطار «أورلي» في «باريس»، حيث كانت تنتظر طائرة الشياطين الخاصة، كي تنقلَه إلى المقرِّ السريِّ للشياطين اﻟ ١٣. أمَّا المجموعة الثانية من الشياطين، فقد كانت لإنقاذ «جان بريم».
كان «أحمد» قد انتهى من توصيل «أليك كرو» إلى المطار، هو و«إلهام». وعاد «أحمد» لينضمَّ إلى المجموعة الأولى. في حين كانت المجموعة الثانية تقوم بمطاردة رجال عصابة «سادة العالم» لإنقاذ «جان بريم».
كان «أحمد» يقود سيارته عائدًا من المطار. فجأةً، ظهرت شبورة مائية تُغطِّي الطريق. فكَّر «أحمد»: إنَّ هذه الشبورة يمكن أن تُعطِّلني تمامًا، بجوار أنَّ حوادث الطريق تأتي معظمها في هذه الحالات.
مدَّ يدَه، وضغط زِرَّ التوجيه في السيارة، فأصبحت تمشي وحدها، بالإضافة إلى أنَّ جهاز التوجيه فيها، يتفادَى أيَّ عائق يمكن أن يظهر.
قال في نفسه: لا أظن أنَّ رجال العصابة ما زالوا في الطريق بعد المطاردة المثيرة التي حدثت بيني وبينهم.
ولكن فجأةً، سجَّل رادارُ السيارة أجسامًا سوداء تعترض الطريق، حتى تكاد أن تسدَّه. قال في نفسه: هل تكون سيارات العصابة؟ أو أنَّها مجرد حادثة من هذه الحوادث التي تقع في هذا الجو الغائم؟
فكَّر قليلًا، ثم قرَّر أن يُرسل رسالة إلى المجموعة الأولى ليعرف مكانها. أخرج جهاز الإرسال، وأرسل رسالة شفرية، كانت الرسالة تقول: «٢ – ٣٠ – ٥٤» نقطة «٢ – ٥٤ – ٦ – ٥٢» انتهى. بسرعة، جاء الرد يقول: «٤٤ – ٣٠» نقطة «٢ – ٥٠ – ٥٤ – ٤٦ – ٢٦ – ٥٦» نقطة «٥٢» انتهى.
قال «أحمد» في نفسه: إنَّها منطقة بعيدة، وهذا يعني أنَّهم يتجهون خارج باريس.
كانت السيارة تقترب من الأجسام السوداء الواضحة على شاشة الرادار، وبتأثير الشبورة، لم يكن يستطيع رؤية التفاصيل. فكَّر قليلًا، ثم أخذ يقرأ إرشادات موجودة في تابلوه السيارة، ثم ابتسم. قال في نفسه: رائعٌ، إن كانت سيارات العصابة، فلن يروني أبدًا.
اقتربَ أكثر. ثم فجأةً، انطلقَت أضواءٌ حادة في اتجاهه، حتى إنَّه اضطرَّ أن يُغمضَ عينَيه. في نفس اللحظة ضغط زِرًّا في تابلوه السيارة، فانطلقت أضواء أقوى من الأضواء التي أمامه، وبسرعة استطاع أن يرى عددًا من السيارات، عرف أنَّها سيارات العصابة فعلًا.
قال في نفسه: إنَّها معركة ضرورية، لكنَّ دخولها ليس من الشجاعة. كانت سيارتُه تقترب بسرعة. في نفس الوقت، رأى عددًا من الرجال وهم يحاولون أن يحجبوا عن أعينهم ضوءَ سيارته بأيديهم. اقتربَ أكثر، فضغط زرًّا في التابلوه، جعل مقدمة السيارة ترتفع، ثم تطير في الهواء، لتمرَّ من فوق السيارات الواقفة. في نفس اللحظة، التي انحنى فيها الرجال — وكأنَّهم شعروا أنَّ سيارته سوف تهبط فوق رءوسهم — ضَحِك وهو يراهم على هذه الصورة. وعندما لامسَت عجلاتُ سيارته الأرضَ، انطلق بسرعة. ولكن فجأةً، رأى عربةَ نقلٍ ضخمة أمام سيارته مباشرة، بمسافة لا تستطيع إلا أن تصطدمَ بها. فكَّر بسرعة، لكنَّه لم يَصِل إلى شيء. … أغمض عينَيه، وألقى بنفسه تحت عجلة القيادة، انتظر، تخيَّل أنَّه سوف يسمع صوتَ الاصطدام المخيف، لكنَّه لم يسمَع شيئًا مما انتظره. قال في نفسه: لعل عربة النقل تسير بسرعة كبيرة، وهذا يحتاج لوقت، حتى يتمَّ الاصطدام. لكن شيئًا لم يحدث أيضًا. فجأةً، سمع صوت طلقات رصاص تصطدم بمؤخرة السيارة. قال في نفسه: لا بد أنَّهم يطاردونني الآن، لكن، ماذا حدث لعربة النقل؟!
بدأ يرفع وجهَه في حذر، ثم جلس على المقعد، ولم يجد أمامه شيئًا، حتى عربة النقل لم تكن موجودة. نظر من الزجاج الخلفي، فرأى عربة النقل تسير بعيدًا. ضرب تابلوه السيارة في سعادة، وهو يهتف: شكرًا لك أيتها السيارة الرائعة.
مرةً أخرى، بدأ يسمع صوت طلقات الرصاص بمؤخرة السيارة. ابتسم؛ فهو يركب سيارة مدرعة، ولا تستطيع طلقات الرصاص مهما كانت أن تؤثر فيها. ومن بعيد، رأى سيارات العصابة وهي تتسابق إليه. لكن سرعة سيارته كانت عالية تمامًا، بدرجة لا تجعل أيَّ سيارة أخرى تتمكن من اللحاق بها.
قال في نفسه: إنَّ هذا لا يكفي، فمن المهم أن يفقدوا أثري. فكَّر قليلًا، ثم ابتسم. أخذ يُقلِّل من سرعة السيارة حتى يُعطيَ فرصةً للسيارات الأخرى، كي تلحق به. وعندما أصبحت قريبة منه، بمسافة تكفي لِما فكَّر فيه، ضغط زرًّا في التابلوه، فانطلقت عاصفةٌ من الدخان، غطَّت الطريق تمامًا، نظر من الزجاج الخلفي، فرأى بين سُحُب الدخان ضوءَ فوانيس السيارات الحمراء، وهي تصطدم ببعضها … ابتسم، وهو يقول: الآن، انتهت المطاردة.
ثم رفع سرعة السيارة مرة أخرى، بعد أن حدد بواسطة البوصلة اتجاه مجموعة الشياطين الأولى.
كان الطريق هادئًا، بعد أن انحرف يمينًا عن الطريق الرئيسي. وكان الليل بديعًا، وهو يقطع الطريق في الريف الفرنسي، كانت الطرق مضاءة بدرجة كافية، تجعله يرى كلَّ شيء جيدًا. أدار جهاز الراديو، فانطلقت موسيقى هادئة. فجأةً استقبل جهازُ الاستقبال رسالةً شفرية، تقول: «٢ – ٢٨ – ٦ – ١٠ – ٢ – ٥٦» نقطة «٥٢ – ١٦ – ٣٠ – ٥٤ – ٥٦» نقطة «٢٠ – ٢ – ٥٤ – ٢٢» انتهى.
عندما تلقَّى الرسالة، امتلأ وجهُه بالدهشة. فهم يتَّجهون إلى الجنوب الفرنسي. قال في نفسه: إنني أعرف مدينة «رانز» جيدًا، لكن، لماذا هذه المدينة بالذات؟
فجأةً، تردَّدت إشارةٌ ضوئية أمامه، دُهش مرة أخرى. إنَّ هذه إشارة الشياطين، ولا يعرفها سواهم، فمَن الذي يستخدمها؟!
ردَّ على الإشارة الضوئية، بإشارة أخرى مختلفة حتى يتأكد، فجاءه الردُّ بإشارة ثالثة. وبرغم أنَّ هذه الإشارات لا يعرفها سوى الشياطين، إلا أنَّه ظل يشكُّ. فجأةً، رنَّ جرس التليفون في السيارة. فرفع السماعة، ثم ابتسم. فقد كان «عثمان» هو الذي يضحك.
قال «أحمد»: لماذا جئتم من هذا الطريق؟!
جاءه صوتُ «عثمان» يقول: إنَّ هذا أقصر طريق إلى «رانز».
ثم ضحك مرة أخرى، وهو يُضيف: بجوار أننا كنَّا نريد أن نُفاجئَك.
ابتسم «أحمد»، وقال: إنَّها مفاجأة رائعة، وإن جاءت متأخرة!
سأل «عثمان»: لماذا؟
أجاب «أحمد»: كانت هناك معركة مثيرة، لكن لم أدخلها.
قال «عثمان»: ينبغي أن نترك سيارتنا في أقرب محطة بنزين، سنتحرك بسيارة واحدة.
ثم أضاف بسرعة: إنَّ أول محطة، تبعد عنا بمسافة كيلومتر واحد فقط، اللقاء هناك.
في دقائق، كان «أحمد» يدخل محطة البنزين، وخلفها مباشرة كانت سيارة المجموعة تدخل هي الأخرى. نزلوا منها بسرعة، بعد أن أوقفوها في موقف جانبي، ثم انضموا ﻟ «أحمد»، ومن جديد، أخذتِ السيارةُ طريقَها إلى مدينة «رانز».
سأل «أحمد»: هل هناك إشارة من المجموعة الثانية؟!
ردَّ «فهد»: نعم، فقد استطاع «رشيد» أن يُرسل فراشة التصقَت بمؤخرة السيارة التي خطفوا فيها «جان بريم»، وكانت متجهة نحو «رانز».
سأل «أحمد»: ثم ماذا؟
قال «فهد»: لم نتلقَّ منهم شيئًا حتى الآن.
مرَّت لحظات، قبل أن يقول «أحمد»: إذن، لا بد من رسالة سريعة إليهم، حتى نعرف آخر التطورات.
ولم يكَد ينتهي «أحمد» من جُملته، حتى حدث ما لم يفكروا فيه، أو يتوقعوه.