عندما ظهرت الشجرة … فجأة
توقَّفت السيارة فجأة، وظهرَت شجرة ضخمة تسدُّ الطريق. نظر الشياطين إلى بعضهم، فقد كانت الشجرة تقف عند مقدمة السيارة تمامًا.
قال «فهد»: هذه الشجرة سقطَت الآن فقط، وإلا كانت السيارة قد طارَت من فوقها مباشرة أو انحرفت عنها.
نظر «أحمد» بسرعة خارج السيارة، كانت مجموعة من الرجال تقترب وهي تحمل الفئوس.
قال: ينبغي أن نتصرَّف بحذر، فأمامنا معركة ليست سهلة.
وفي هدوء، فتح باب السيارة ثم نزل بسرعة، لقد كان يفكِّر: من الممكن أن تكون السيارة هدفهم، والتعامل معهم هو الحل.
توقَّفت مجموعة الرجال في نصف دائرة أمام السيارة. قال «أحمد» في نفسه: لقد كسروا الشجرة بهذه الفئوس في الوقت المناسب. قال أحدهم بصوت حادٍّ: انزلوا جميعًا.
نظر «أحمد» إلى الشياطين، فنزلوا الواحد بعد الآخر.
قال الرجل: ابتعدوا عن السيارة.
سأل «أحمد» بطريقة هادئة: هل هناك سبب؟
ردَّ الرجل: سوف تعرفون السببَ بعد قليلٍ.
ابتسم «أحمد»، وقال: لا نظن أننا ارتكبنا خطأً ما.
قال الرجل: لقد ارتكبتم الخطأَ الهامَّ، وسوف تندمون عليه.
ثم أضاف بسرعة: مع مَن تعملون؟
أبدى «أحمد» دهشةً، وتساءل: ماذا تقصد؟
قال الرجل: أظن أنَّك تفهمني جيدًا، فقد التقينا في مطعم «مكسيم».
فهم «أحمد» بسرعةٍ أنَّ هؤلاء تابعون لإحدى العصابتَين؛ إمَّا «سادة العالم» أو«اليد الحديدية»، لكنَّه أخفى ذلك، وقال: إنني لم أتردَّد على مطعم «مكسيم» منذ فترة.
ضَحِك الرجل، وقال: أعرف ذلك، لكنك كنت هناك اليوم.
ابتسم «أحمد»، وقال: ربما يكون هناك خطأ ما.
بينما كان «أحمد» في حواره مع الرجل، كان بقية الشياطين يراقبون الموقف، ويبحثون عن حلٍّ. وكان أكثرهم توقعًا هو «عثمان»، فقبل أن ينزل من السيارة، أخذ في يده عدة كرات من الدخان، وانتظر حتى يرى إلى أين سوف تذهب المحاورة بين «أحمد» وأفراد العصابة.
قال «أحمد»: ما الذي تريدون أن نفعله؟!
قال الرجل: ابتعدوا عن السيارة.
تحرَّك «أحمد» وهو يبتسم. في نفس الوقت الذي كان يفكر فيه في حلٍّ، إلا أنَّ «عثمان» كان قد نفَّذ الحلَّ فعلًا، فقد ترك كرات الدخان تسقط على الأرض. وفي الوقت الذي تحرك فيه، كان يهمس بلغة الشياطين: الموقف في أيدينا.
ابتعد الشياطين عن السيارة بمسافة كافية، في نفس الوقت الذي بدأ فيه رجال العصابة يقتربون منها. فجأةً، بدءوا يَسعُلون؛ فقد كانت كرات الدخان قد بدأ مفعولها. وبسرعة، كان الشياطين يقفزون في اتجاه الرجال. قفز «أحمد» قفزة واسعة، وفتح رجلَيْه، ثم ضرب اثنين منهما بقوة، فاصطدمَا بآخرين، في نفس الوقت، كان «عثمان» قد أمسك أحدهم، ودار به دورة كاملة، ثم تركه فجأة، فأخذ الرجل يدور حول نفسه، وهو يتراجع، حتى اصطدم بزميله الذي كان «فهد» قد ضرَبه ضربة قوية، جعلَتْه يتراجع بسرعةٍ، فسقط الاثنان على الأرض. كان أفراد العصابة لا يقاومون، فقد أثَّر فيهم الدخان؛ ولذلك فإنَّ المعركة لم تستغرق وقتًا. وعندما فرغ الشياطين منها، وقفوا ينظرون إلى الرجال الذين تناثروا على الأرض بلا حَراكٍ.
وقال «أحمد»: لقد كان توقُّعُ «عثمان» ممتازًا.
ابتسم «عثمان»، وقال: إنَّ هذه لُعبة الشياطين.
وبسرعةٍ، قفزوا إلى السيارة، فجلس «فهد» خلف عجلة القيادة، وتراجع بالسيارة بقوةٍ، حتى ابتعد عن الشجرة، ثم رفع سرعتها، وضغط زرَّ الارتفاع، فطارت السيارة فوق الشجرة حتى تجاوزَتْها، ثم هبطت على الأرض، مندفعةً إلى الاتجاه الجنوبي، حيث مدينة «رانز.» فجأةً، سجل جهاز الاستقبال رسالة، عرف «أحمد» أنَّها من المجموعة الثانية.
كانت رسالة شفرية، تقول: «٢ – ٥٠ – ٥٠ – ٤٦ – ٢ – ٢» نقطة «٤٤ – ٣٠» نقطة «٤٨ – ٥٤ – ٣٠ – ٢٤ – ٥٦» نقطة «١٠ – ٢ – ٥٤» نقطة «١٦ – ٢ – ٢٠ – ٤٨» نقطة «٤ – ٤٠ – ١٦» نقطة «٨ – ٢٨ – ٨» نقطة «٥٠ – ٤٦ – ٢ – ٣٦» انتهى.
قرأ «أحمد» الرسالة للشياطين، فقال «عثمان»: إنَّها مبنًى رائع.
وقال «فهد»: إنَّ «جان دارك» أسطورة حقيقية؛ ولذلك خلَّدوا اسمها بهذا المبنَى الرائع، وهو يقع في ميدان «جان دارك»، في قلب مدينة «رانز».
نظر «أحمد» في تابلوه السيارة، ثم أجرى عملية حسابية سريعة، فعرف أنَّ أمامهم عشرين كيلومترًا، حتى يصلوا إلى «رانز.» وكان هذا يعني بالسرعة التي يسيرون عليها، عشر دقائق فقط. قال: علينا أن نستعدَّ، فإنَّ لحظة اللقاء قد اقتربت.
قال «قيس»: أقترح أن نترك السيارة بعيدًا عن الميدان، ثم نصل إلى المبنى سيرًا على الأقدام.
فكَّر «أحمد» لحظةً، ثم قال: لاحِظْ أنَّ الساعة تقترب من منتصف الليل الآن، وسوف نجد مدينة «رانز» نائمة تمامًا.
ردَّ «قيس»: إننا فقط سوف نَصِل حسب موعد الرسالة.
ظهرَت أضواء مدينة «رانز» على البعد. وعندما دخلوا المدينة كانت هادئةً، كما قال «أحمد»؛ ولذلك قال «قيس»: أقترح أن نترك السيارة في شارع جانبي، حتى لا تلفتَ نظرَ أحدٍ.
وافق الجميع على اقتراحه، وعندما اقتربوا من الميدان، انحرف «فهد» إلى شارع جانبي، ثم أوقف السيارة، فنزل الشياطين بسرعة، واتجهوا إلى ميدان «جان دارك». كان الميدان لامعَ الضوء، وفي مواجهته تمامًا كان يقف المبنى القديم.
قال «أحمد»: أقترح أن يذهب اثنان فقط إلى هناك.
تحرَّك «أحمد» و«فهد»، في حين بقيَ «عثمان» و«قيس» يرْقُبان المنطقة جيدًا، قطع «أحمد» و«فهد» الميدان، واتجهَا إلى المبنى. كان يبدو غامضًا مثيرًا، وكانت بوابته الحديدية مغلقة، والأضواء خافتة.
همس «فهد»: إنَّ المكان يبدو خاليًا تمامًا.
ردَّ «أحمد»: لعل هناك شيئًا لا نعرفه.
فجأةً، ظهر رجل عجوز في داخل المبنى، واقترب منهما، ثم همس: إنني «خالد».
فوجئ «أحمد» و«فهد»؛ فهمس «أحمد»: ماذا هناك؟!
ردَّ «خالد»: إنَّ وكر العصابة يقع خلف المبنى مباشرة؛ ولذلك فإنَّه لا يلفت النظرَ، وقد استطعتُ أن أدخل المكان، وأُصبحَ من رجاله.
سأل «أحمد»: وأين بقية المجموعة؟
ردَّ «خالد»: إنَّها تتوزع حول العصابة، فنحن نخشى أن ينقلوا «جان بريم» في الظلام.
سكت لحظة، ثم أضاف: لقد خدعَتْنا العصابة خدعةً كبرى، لكننا استطعنا أن نكشف خدعتهم قبل أن تكتمل.
سأل «فهد» بسرعة: كيف؟
ردَّ «خالد»: ليس هذا وقتَ التفاصيل، فسوف نقولها فيما بعدُ، إنَّ المهم الآن، أن تنضموا إلى المجموعة الثانية؛ حتى يُمكن مراقبة المنطقة جيدًا.
سأل «أحمد»: هل تظنُّ أنَّ «جان بريم» لا يزال حيًّا؟
ردَّ «خالد»: نعم، ومن الصعب أن يخسروه، فهو يمثِّل ثروة بالنسبة لهم، ويمكن أن يستفيدوا منه كثيرًا.
سكت لحظةً، وهو يدور بعينَيه في المكان، ثم قال: لقد التقطنا رسالة من المركز الرئيسي للعصابة، ومقرُّها في «رانز» بهذا المعنى، وهذا ما يجعلني أقول: إنَّهم لن يتخلصوا منه.
ثم أضاف: هيَّا الآن، إنَّ «بو عمير» و«باسم» يقفان في النقطة «ن»، و«مصباح» و«رشيد» في النقطة «ع»، وعليكم أن تغطُّوا بقية المنطقة.
ثم ابتعد عنهما، حتى اختفى في الظلام. في نفس اللحظة، سجل جهاز الاستقبال رسالة تقول: «إنَّ هناك حركة لافتة للنظر، انضموا إلى النقطة «ن».»
عرَف «أحمد» أنَّ الرسالة من «بو عمير»، فأسرع هو و«فهد» إلى حيث النقطة المحددة. فجأة، همس «فهد»: إنَّ لديَّ فكرة، سوف تُفيدنا كثيرًا.
قال «أحمد» متسائلًا: ما هي؟
ردَّ «فهد»: هيَّا الآن إلى السيارة، وسوف تعرف.