اكتشاف «جان بريم»
ألقى «أحمد» نظرةً سريعة على جميع النقط التي يقف عندها الشياطين، فكَّر لحظة: لماذا تلجأ العصابة إلى هذه الخدعة، وهي تستطيع أن تشتبك مع الشياطين؟
ردَّ على تساؤله: إنَّ معركة مطعم «مكسيم» جعلَتهم يتصورون أنَّهم يتعاملون مع شياطين فعلًا. وتساءل بينه وبين نفسه، مرة أخرى: ولماذا حرْصُهم الشديد على «جان بريم»؟ هل هو لمجرد الاستفادة منه مستقبلًا، أو أنَّ هناك عمليةً جديدة سوف يقومون بها؟
كانت عيناه تَرقُبان حركةَ النقل إلى العربة ومنها، وهو يقطع الميدان وحده. في حين كان «فهد» قد وقف في مكان محدَّد.
فكَّر «أحمد»: هل نستطيع أن نجعل من «جان بريم» عميلًا لنا؟
ابتسم، وقال في نفسه: إنَّ ذلك يُفيدنا تمامًا … لكن كيف؟
فكَّر: هل يُرسل إلى رقم «صفر» ليعرض عليه الفكرة؟
لكنه عاد ليقول لنفسه: إنَّ هذا ليس مهمًّا الآن، المهم هو إنقاذ «جان بريم».
ظلَّ يرقُب حركةَ النقل. لم يكن هناك شيءٌ يلفت النظر، فنفس العمل حدَث مع العربة الأخرى انتهَت عملية النقل … فجأةً قفز السائق إلى السيارة، وبدأ يتحرك بها.
فكَّر «أحمد»: هل يقومون بالتفتيش على العربة، كما حدث مع السابقة، أو يدعها تمرُّ، ما دام «خالد» يقول إنَّ «جان بريم» لن يكون بين الصناديق؟ فجأةً، اقترب منه «فهد»، في حين كانت العربة تدور حول الميدان.
قال «فهد» بسرعة: إنَّ «جان بريم» في هذه السيارة.
دُهِش «أحمد»، وتساءَل: كيف عرفت؟
قال «فهد»: إنَّ هذه هي الخدعة الجديدة.
سأل «أحمد»: هل تظن أنَّه أحد الرجال؟
ردَّ «فهد»: لاحِظ أنَّه خبيرٌ في الماكياج، ويمكن أن يتخفَّى تمامًا، حتى لا نعرفَه.
تساءل «أحمد»، مرة أخرى: ولماذا يفعل ذلك؟
ردَّ «فهد»: إنَّهم سوف يضطرونه إلى التخفِّي، حتى يقوموا بتهريبه تحت أعيننا، ودون أن ندريَ.
فكَّر «أحمد» لحظة … كانت العربة تسير ببطءٍ، وقد قطعَت الميدان، وبدأت تدخل الشارع الرئيسي في المدينة.
قال «أحمد»: سوف نرى.
أطلق صفارةً؛ جعلَت العربة تأخذ يمينَ الطريق، ثم تقف. أسرع إليها هو و«فهد»، واقترب منهما السائق، واثنان آخران يجلسان في المقعد الخلفي.
قال «أحمد» للسائق: إلى أين؟
ردَّ السائق مبتسمًا: إلى «بوردو».
سأل «أحمد»: ماذا تحمل؟
ابتسم الرجل، وقال: متفجِّرات.
ثم أسرع يضيف: مواد استهلاكية يا سيدي.
نظر له «أحمد»، ثم قال: هيَّا افتح العربة.
نزل السائق في هدوء، ثم فتح البابَين الخلفيَّين؛ أسرع «فهد» وأخرج جهازَ الكشف، ثم بدأ ينتقل بين الصناديق، نظر «أحمد» إلى السائق، وقال: استدعِ بقيةَ الرجال.
ضحك السائق، وقال: هل تكشف عليهم أيضًا؟!
نظر له «أحمد» بحدَّة، فأسرع الرجل يقول: أمْرُك يا سيدي.
ثم نادى على الثلاثة. كان «أحمد» يُعطي فرصةً ﻟ «جان بريم» — إن كان بينهم — أن يُعطيَ أيَّة إشارة؛ ولذلك كان يرقب الرجال الثلاثة وهم ينزلون، نزل الأول بطريقة عادية، وكذلك الثاني؛ أمَّا الثالث، فقد انزلقَت قدمُه فوق سُلَّم العربة، فسقط على الأرض. في نفس الوقت، صرخ فيه: «كرو»، «كرو». لفت نظرَ «أحمد» الكلمةُ التي ردَّدها الرجل، إنَّه يعني «أليك كرو»، العالِم الذي أنقذه الشياطين. لكن ملامح الرجل لم تكن هي ملامح «جان بريم» التي يعرفها «أحمد»، غير أنَّه تذكَّر أنَّه خبيرُ ماكياج، ويستطيع أن يُغيِّرَ ملامحَه. حدَث كلُّ هذا في لحظات سريعة، انحنَى الرجلان على زميلَهما يحاولان إنقاذه، إلا أنَّ «أحمد» قال: «اتركاه.»
نظر له الرجلان، ثم فجأةً ابتعدَا. كان «أحمد» يفكِّر بسرعة. فجأةً، دوَّى صوتُ طلقة رصاص أصابَت الأرض بجوار الرجل الراقد على الأرض؛ وكانت الطلقة هي التأكيد الهام ﻟ «أحمد» أنَّ الرجل هو «جان بريم»، وأنَّ أفراد العصابة يختفون في مكان ما، ويريدون التخلص منه.
تردَّدت طلقات سريعة، كانت تطيش؛ لأنَّ «أحمد» كان يُغير مكانه باستمرار ولم ينتظر طويلًا، فقد قرَّر أن يشتبك مع الرجال حتى لا يُعطيَ فرصةً لرجال العصابة في استخدام أسلحتهم. طار «أحمد» في الهواء؛ ليضرب الرجلَين في نفس اللحظة التي تولَّى فيها «فهد» الاشتباك مع السائق، في حين تدحرج «جان بريم» واختفى خلف إحدى عجلات العربة. قابل قفزةَ «أحمد» في الهواء، قفزةٌ أخرى من أحد الرجلَين، فالتقى الاثنان في الهواء؛ ولذلك لم يستطع «أحمد» أن يضرب الرجل. في نفس الوقت، كان الرجل الآخر في انتظار «أحمد» ما إن نزل على الأرض، حتى تلقَّاه الرجلُ بضربة قوية جعلَت «أحمد» يطير في الهواء، كان «فهد» قد انتهى من السائق، بعد ضرْبِه ضربةً قوية، وقبل أن يستعيدَ نفسه، أمسك به وضربه بشدة، فسقط بلا حَراكٍ. أسرع إلى الرجل الآخر الذي ما إن رآه حتى أسرع بالدوران حول نفسه، وضرب «فهد» عدَّة ضرباتٍ متتالية، ولم يستطع «فهد» اللحاق به، لسرعة ضرباته. كان واضحًا أنَّ المعركة سوف تكون ضد «فهد» و«أحمد»، في حين لم يتحرك بقية الشياطين؛ فالمسافة بينهم وبين مكان المعركة تكفي لاصطيادهم.
لكن، متى كان الشياطين لا يستطيعون التصرُّفَ. فجأةً، اقتربَت سيارة الشياطين وعند مكان المعركة توقَّفت، في حين كانت طلقات الرصاص تنهمر عليها كالمطر.
وعندما توقَّفت، توقَّف إطلاق الرصاص؛ لأن ذلك، قد يُصيب رجالهم أيضًا. قفز «عثمان» و«مصباح» من السيارة واشتبكَا مع الرجال الثلاثة، بعد أن استعاد السائقُ نفسَه. ودارَت معركة عنيفة، فجأةً ظهرَت سيارةٌ صغيرة، سريعة تمامًا، وتوقَّفت في لحظة عند الجانب الآخر من عربة النقل. كان «أحمد» قد ضرب أحدَهم ضربةً عنيفة، جعلَت الرجل يتهاوَى على الأرض، أمَّا «عثمان» فقد حمَل أحد الرجلين، ودار في الهواء، ثم قذفه في عنفٍ. وكان «مصباح» قد أجهز هو الآخر على الرجل الثالث. وعندما نظر الشياطين إلى عربة النقل وهي تتحرك، كانت أعينُهم تنتظر ظهور «جان بريم» إلا أنَّه كان فاقدَ الوعي في كابينة العربة.
صاح «أحمد»: لقد خطفوا «جان بريم» مرة أخرى.
كانت السيارة الصغيرة قد ابتعدَت خلف عربة النقل، ثم فجأة، دوَّت طلقةٌ بجوار «مصباح»، الذي قفز بسرعة مع الشياطين إلى سيارتهم، فانطلقت في مطاردة عربة النقل. أسرع «أحمد» بإرسال رسالة إلى الشياطين جميعًا للانضمام إليهم. كان قد بقيَ من الشياطين «قيس» و«بو عمير» و«باسم» و«رشيد»، أما «خالد» فقد كان لا يزال في مبنى «جان دارك»؛ ولذلك كان عليه أن يتصرَّف وحدَه.
اندفعت سيارة الشياطين في سرعة رهيبة، كانت عربة النقل تنطلق بسرعة كبيرة هي الأخرى. قال «عثمان»: إنَّ سرعة العربة لا تتناسب مع حمولتها، وهذا قد يؤدي إلى كارثة.
ردَّ «فهد»: إنَّ ذلك لا يهمُّهم في شيء، إنَّ الذي يفكِّرون فيه هو أن يتخلصوا من «جان بريم».
قال «أحمد»: لا أظن … وإلا كانوا قد تخلصوا منه من البداية، أعتقد أنَّ «جان بريم» يمثِّل بالنسبة للعصابة أهمية خاصة.
فجأةً، ظهرَت عربةُ نقل أخرى خلف سيارة الشياطين؛ فقال «مصباح»: أظن أنَّها تابعة للعصابة.
اقتربَت سيارة الشياطين من تقاطُع في الطريق؛ فقال «أحمد»: هدِّئ السرعةَ، فمَن يدري … قد يظهر لنا شيءٌ مفاجئ من هذا التقاطع.
ولم يكَدْ «أحمد» ينتهي من كلمته حتى ظهرَت عربةُ نقلٍ ضخمة، تجرُّ خلفها مقطورة، واتجهت نحو سيارة الشياطين بسرعة رهيبة.