نصف النقل تقوم بالمهمة!
نظر «أحمد» حوله، لم يكن هناك شيءٌ يمكن أن يفعله، أسرعَ إلى جهاز الإرسال وأرسل رسالة إلى الشياطين. كانت الرسالةُ شفرية، تقول: «٢ – ٥٠ – ٣٦ – ٣٠ – ٢٠» نقطة «٢٤ – ٥٨ – ٤٤» نقطة «٣٠ – ٣٦ – ٣٠ – ٢٠» نقطة «٢ – ٥٤ – ٢» نقطة «٤٤ – ٣٠» نقطة «٢ – ٥٠ – ٥٤ – ٤٦ – ٣٦ – ٥٦» نقطة «٣٦» انتهى. مرَّت دقيقتان ثم جاءه الردُّ «٢ – ٥٠ – ٥٢ – ١٠ – ٥٢ – ٥٨ – ٤٠ – ٥٦» نقطة «٢ – ٥٠ – ٨ – ٢ – ٥٤ – ٣٠ – ٥٦» نقطة «٤٤ – ٣٠» نقطة «٢ – ٥٠ – ٣٦ – ٢٠ – ٣٠ – ٤٦» انتهى.
عندما ترجم الرسالة نظر إلى الأفق البعيد في انتظار المجموعة الثانية. في نفس الوقت، كان يُلقي نظرةً على عربة النقل التي كانت تتباعد، كان يفكِّر: إنَّ عربة النقل يمكن أن تختفيَ، ومعها سوف يختفي «جان بريم» إلى الأبد، وبذلك تكون المغامرة فشلت تمامًا.
انتظَر لحظة، ثم تساءل: هل يمكن أن تكون وجهة العربة مدينة «بوردو» كما قالوا؟
ثم أجاب على تساؤله: مَن يدري؟ قد تكون خدعة.
فجأةً، تردَّدت أمامه إشارةٌ ضوئية عرَف أنَّها إشارة الشياطين. ولم تمضِ دقائق، حتى توقَّفت أمامه عربة نصف نقل، ملأَت الدهشةُ وجهَه لكن الدهشةَ زالت، عندما رأى المجموعة الثانية، والتي تضمُّ «بو عمير»، «باسم»، «رشيد»، «خالد». كان «رشيد» يجلس إلى عجلة القيادة، وقد غيَّروا ملابسهم تمامًا، فبدَوا كأنَّهم مجموعةٌ من العمَّال.
قفزَ «أحمد» بينهم، وتساءَل بسرعة: أين المجموعة الأخرى؟
ردَّ «رشيد»: إنَّهم سوف ينتهون من إصلاح السيارة حالًا، وسوف يتبعوننا.
سأل مرة أخرى: هل كانت الإصابة قوية؟
ردَّ «باسم»: نعم، حتى إنَّها عطلت السيارة.
أضاف «بو عمير»: لا بأس، فسوف تلحق بنا في الوقت المناسب، فسرعتُها ضِعْفُ أيِّ سيارة أخرى.
كان «رشيد» قد رفع سرعةَ العربة حتى النهاية، وكانت أضواءُ عربة النقل الضخمة تقترب شيئًا فشيئًا. قال «بو عمير»: هل رأيت الوجه الآخر «لجان بريم»؟
ابتسم «أحمد» وقال: نعم. لقد وضع ماكياجًا، لا يستطيع أحدٌ أن يكشفَه ولولا أنَّه أسقط نفسَه من فوق سُلَّم العربة، ثم كرَّر اسم «كرو» لما استطاع أحدٌ أن يكشفَه. لقد كان الوجهُ الآخر «لجان بريم» وجهًا غريبًا فعلًا.
علَّق «باسم»: إنَّ خدعة عربة النقل كانت ذكيةً تمامًا، والطريف أنَّهم يستخدمون «جان بريم» في إخفاء نفسه، وليس في إخفاء الآخرين.
كانت العربة نصف النقل تقترب من عربة النقل الضخمة بسرعة. وكانت المسافة بينهما تقلُّ شيئًا فشيئًا.
قال «أحمد»: إنَّ هذه هي فرصتنا الأخيرة، فنحن نقترب من مدينة «بورد» فعلًا، ومن حسن الحظ أنَّ حركة السير على الطريق تكاد تكون معدومةً الليلة؛ ولذلك فينبغي أن تكون عمليَّتُنا هذه هي العملية الأخيرة.
انتظر لحظةً، ثم قال: عندما نقترب من العربة، فسوف يُعطي «رشيد» إشارةً للعربة حتى تفسح الطريق، وهي طبعًا لن تشكَّ في العربة نصف النقل. وعندما تتوسَّط عربتُنا عربتَهم، سوف يقفز اثنان على جانب العربة القريب، ثم يزحفان إلى كابينة السيارة، في نفس الوقت، سوف أقفز إلى الكابينة مباشرةً وسوف يؤدي ذلك إلى ارتباكهم.
صمتَ لحظةً، ثم أضاف: إنَّ المهم في تنفيذ هذه العملية هو التوقيت؛ فيجب أن يكون وصولُ الاثنين من سقف العربة إلى الكابينة متلازمًا مع قفزتي إليها.
ثم قال بعد قليل: لقد فكَّرتُ أن نسبقَ العربة ثم نقف أمامها لنسدَّ الطريق، ونُجبرَها على التوقف. لكن ما فكَّرتُ فيه أيضًا هو أنَّ عربةَ النقل يمكن أن تُحطِّم نصفَ النقل دون أن تتأثر. وبذلك نفقد سيارة أخرى، ونحن في العَراء.
فجأةً، تردَّدت إشارةٌ ضوئية في مِرآة نصف النقل. فقال «رشيد»: لقد وصلَت المجموعة الأولى.
فكر «أحمد» بسرعة، لكن «خالد» قال: ينبغي أن تظلَّ سيارة الشياطين بعيدة، حتى لا نلفتَ النظر. في نفس الوقت، على المجموعة الأولى أن تكون مستعدةً للتدخُّل في أي وقت.
قال «أحمد»: سوف يقوم «بو عمير» و«خالد» بالقفز على جانب السيارة.
ثم نظر إلى «رشيد» وقال: عليك أن تكون حذرًا، ولا تمرَّ من العربة، فبمجرد أن نقفز، عليك أن تُبطئَ من سرعتك وتكون خلف عربة النقل مباشرة.
اقتربَت نصفُ النقل من العربة، ثم أعطى «رشيد» إشاراتٍ ضوئيةً ليُفسحَ له الطريق. مرَّت دقيقة، ثم أخذَت العربة تأخذ اتجاه اليمين، لتُفسحَ طريقًا «لرشيد»، ضغط قدَمَ البنزين أكثر، فتقدَّمت نصف النقل حتى دخلَت من يسار العربة، وتقدَّمت حتى أصبحَت في منتصفها تمامًا. قفز «بو عمير» و«خالد» معًا في رشاقة إلى جانب السيارة، ضغط «رشيد» قدَمَ البنزين أكثر، فتقدَّمَت نصف النقل حتى كابينة العربة. لكن فجأةً، انحرفَت العربة يسارًا، فأغلقَت الطريق أمام نصف النقل، ولم يكن أمام «رشيد» إلا طريقان: إما أن يصطدمَ بالسيارة، وإما أن يصطدم بالسور الحديدي الرفيع الموجود على يساره، والذي يفصل بين اتجاهَي الطريق.
وبسرعة قرَّر أن يصطدمَ بالحاجز الحديدي؛ لأنَّه إذا اصطدم بالعربة، فسوف تتحطم نصف النقل ومَن فيها. في نفس اللحظة التي انحرف فيها «رشيد» إلى الحاجز الحديدي، قفز «أحمد» قفزةً رشيقة، فنزل على سُلَّم العربة، بجوار باب الكابينة. فجأةً، كان السائق يفتح البابَ في عنف، ليصدمَ «أحمد» ويمكن أن يُطيحَ به في الهواء. إلا أنَّ «أحمد» كان قد توقَّع هذه الحركة فأحكم قبضتَه على الباب. أغلق السائقُ البابَ مرة أخرى، فعاد «أحمد» معه. وفي لحظة، كانت ضربة قوية قد خرجَت من يد السائق إلى وجه «أحمد».
لقد كان السائق يتصرَّف بسرعة مذهلة. تلقَّى «أحمد» الضربةَ وشعر أنَّ ثقلًا هائلًا قد صدَم وجهَه. لكن الضربة برغم قوتها، لم تجعل «أحمد» يترك الباب، فقد ظلَّ متشبثًا به، في نفس اللحظة، كان «بو عمير» و«خالد» قد وصلَا إلى الكابينة. فنزل «خالد» بسرعة إلى باب العربة الأيمن. فجأةً، انحرفَت السيارة يسارًا، ثم يمينًا. وظلَّ السائق ينحرف بها يمينًا ويسارًا حتى لا يُعطيَ فرصةً ﻟ «أحمد» أو «خالد» أن يُحقِّقَا أيَّ تصرُّف. ثم فجأة، فرملَ فرملةً حادة، تردَّد صوتُها في الليل، ثم انطلق مرة أخرى، وكانت هذه الحركة كفيلةً بأن تُطيحَ ﺑ «أحمد» و«خالد» إلى الأرض. إلا أنَّ «بو عمير» كان لا يزال متشبثًا بالسقف، فلم يسقط. في الوقت الذي كان يجري فيه هذا الصراع. استطاع «رشيد» أن يُعيدَ نصف النقل مرة أخرى إلى الطريق. فقد كان الحاجز الحديدي ضعيفًا. ولم يكن سوى علامة تفصل جانبَي الطريق. في نفس الوقت، كانت سيارة المجموعة الأولى من الشياطين قد اقتربَت، ظلَّت في تقدُّمِها خلف العربة. في حين حملَت نصف النقل «أحمد» و«خالد» اللذَين لم يُصبْهما ضررٌ كبير.
كان الجميع يراقبون «بو عمير» وهو يكاد يطير فوق سطح العربة لشدة سرعتها. فكَّر «بو عمير» قليلًا، وقال في نفسه: إنَّ هذه هي الفرصة الأخيرة، وهي تحتاج لسرعة في التوقيت والتنفيذ.
أخرج من جيبه كرةً من كرات الغاز، ثم لوَى جسمه في رشاقة رائعة، وألقى الكرةَ من نافذة العربة، في اتجاه السائق. مرَّت دقيقة، ثم سَمِع صوتَ السائق يَسعُل. وبدأَتِ العربةُ تفقد توازنَها، وفي براعةٍ، لوَى جسمَه مرة أخرى، ثم انزلق من نافذة العربة فأصبح بجوار السائق. قبل أن يحاول أيَّة حركة، ضربَه ضَرْبةً سريعة جعلَتْه يصطدم بالباب المجاور. أمسك «بو عمير» عجلةَ القيادة بيدٍ، ثم صوَّب ضربةً أخرى إلى الرجل الذي كان لا يزال يَسعُل. في نفس اللحظة، فتح باب العربة، ثم ضرب السائق ضربةً قوية، جعلَت الرجل يسقط من الباب. اعتدل بسرعة وأحكم قبضتَه على عجلة القيادة. أما نصف النقل وسيارة الشياطين فقد شاهدوا من خلال زجاج سيارتهما سائقَ السيارة وهو يطير في الهواء، ثم يسقط على الأرض بلا حَراك.
قال «أحمد»: لقد تصرَّف «بو عمير» بشكل جيد.
لكن فجأة، ظهرَت عربةُ نقل تسير في الاتجاه المعاكس المقابل لعربة النقل …
صاح «خالد»: كارثة سوف تحدث.
أسرع «رشيد» بالانحراف يسارًا. فقد توقَّع ما سوف يفعله «بو عمير»، فعندما اقتربَت العربة المقابلة، لتصطدم بعربة «بو عمير» انحرف يسارًا إلى الحاجز الحديدي، فحطَّم جزءًا منه. في نفس الوقت، تفادَى العربة المقابلة، ثم عاد بسرعة إلى الطريق. كانت لحظةً سريعة مثيرة، راقبها الشياطين بخوف، فمَن يدري ماذا يمكن أن يحدث ﻟ «بو عمير»، لو أنَّه تصرَّف تصرُّفًا آخر.
في النهاية، توقَّفت العربة، في حين وصلت إليها المجموعتان، بالعربة نصف النقل والسيارة، قفز الشياطين بسرعة، ونزل «بو عمير»، أما «جان بريم» فقد كان يرقد مغمًى عليه. انتقل الجميع إلى سيارة الشياطين. التي انطلقت في اتجاه باريس. وبسرعة، لا يمكن أن يلحق بها أحد.
ضحك «أحمد» وقال: لقد أنهينا العملية رقم «٢»، لكن أفكر في شيء آخر.
سأل «عثمان»: ما هو؟
قال «أحمد»: سوف أُخبركم به، عندما نَصِل إلى باريس.
ضغط «خالد» زِرَّ الراديو، فانسابت موسيقى هادئة، واستغرق الشياطين في أفكارهم حول ما قاله «أحمد».
أما «جان بريم» فقد فتح عينَيه وابتسم، ثم استغرق في النوم. وعلى مشارف باريس كان الفجر قد بدأ يُغطِّي الوجود. وكان الشياطين في حاجة إلى النوم، بعد هذا الصراع الطويل.