أحمد الرفاعي١
اشتغل الشيخ أحمد الرفاعي بالحضور في الأزهر على مشايخ وقته، حتى تأهَّل للتدريس، فدرَّس الكتب المتداولة، وقرأ عليه كثيرون من كبار علمائه: كالشيخ محمد عبده، والشيخ محمد بخيت، والشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي، والشيخ محمد حسنين العدوي، والشيخ محمد النجدي الشرقاوي، وغيرهم، وقد أصبح في أواخر أيامه وليس في الأزهر إلا مَن هم من تلاميذه أو في طبقتهم، إلا الشيخ عبد الرحمن الشربيني والشيخ سليم البشري.
وكان من عادته ألا يقطعَ الإقراءَ طولَ السنة، ولا يُسامح في أوقات المسامحات، ولا يُقعده عن الاشتغال بالتدريس إلا المرض، فقرأ الكتب المتداولة مرارًا، ومهَر فيها بسبب كثرة اشتغاله، حتى صار المستعصي منها عنده بمنزلة السهل عند غيره، وأتقن فنَّ التجويد فجُعِل شيخًا على المقارئ مدةً طويلة.
ولما أُقيم الشيخ حسونة النواوي شيخًا على الأزهر في المرة الأولى ولم يجد له إقبالًا من علمائه، صاحبَه المترجَمُ وتحبَّب إليه ولازمه في غدواته وروحاته، ثم لما انحرف الخديو السابق عباس بن توفيق عن الإمام الشيخ محمد عبده مفتي مصر والعضو بمجلس إدارة الأزهر وأراد كفَّ يدِه عنه، ساعده المترجَمُ على ذلك وأخَذ في معاكسة الشيخ وتدبير المكايد له وتنفير الأزهريين منه، وتقرَّب من الخديو، وأكثَر من التَّرداد على قصر القبة ومداخلة الحاشية، حتى حَظيَ عنده وأقبل عليه إقبالًا عظيمًا، فلما عزَل الخديو الشيخَ سليم البشري عن الأزهر في ٢ ذي الحجة سنة ١٣٢٠ﻫ، وأراد إرجاعَ الشيخ حسونة النواوي أو تنصيب الشيخ محمد بخيت ولم يرضَ النظار، رشَّح المترجَم واستدعاه وأعلمه بانتخابه له، فعاد إلى داره جذلًا وأشاع الأمر، وهيَّأ السُّكَّر لشُرب المهنئين، والرمل الأصفر لفرشه بصحن الدار، وكاد الأمر يتمُّ له لولا أن بعض مبغضيه من المقربين للخديو صرفه عن توليته وذكر عنه هنَات — الله أعلم بها — فعدل الخديو عن تنصيبه والتمس لنفسه مخرجًا من وعْده الذي وعده به، فأعمل بعضُ المقربين الحيلةَ واستدعوه بحضرة الخديو وسألوه عن قبوله التولية، فقال لهم: نعم ولَّاني مولاي الخديو وقبلتُ.
فأخذوا يذكرون صعوبةَ مِراس أهل الأزهر والمشاق التي يُعانيها شيخُهم لإخضاعهم، ولمَّحوا له أنهم لا يظنونه يقوى عليهم. فقال: ومن أهل الأزهر؟ أنا أدوسهم بقدمي.
فقالوا: إنك ستكون مع الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الكريم سلمان العضوين بمجلس الإدارة، فهل ترضى بأن يشاركاكَ في الإدارة؟ وكيف يكون شأنك معهما؟
فقال: كلَّا، لا أرضى أن يشاركاني، بل أشترط لقبول التولية عزلَهما، وهما عندي كافران لا يُوثَق بهما.
فاستغرق الخديو في الضحك، وقال: شرطك لا يمكن تنفيذُه، ونحن نريحك من رياسة الأزهر، ونعوضك عنها بشيء نُجريه عليك من الأوقاف، فأُسقِط في يده، ورضي مرغمًا، ثم صرفوه.
ثم وقعت منه في أواخر أيامه زلَّةٌ. قيل إنه تصرَّف في وقْف بغير وجه شرعي، ولكن الله لطف به، فلم يقع له بسبب ذلك غير فصله من المقارئ، وكثرت غمومُه وهمومه لما لاكتْه الألسنةُ في هذه المسألة، فانقطع عن التدريس لمرض أصابه، إلى أن تُوفي بعد ظهر يوم الاثنين ١٨ صفر سنة ١٣٢٥ﻫ ودُفِن يوم الثلاثاء، وأذَّنوا له على المآذن كالعادة في موت كبار العلماء، وقد بلغ من السن نحو خمس وسبعين سنة، وكان قصيرًا دحداحًا خفيفَ الحركة، رحمه الله وتجاوز عنه.
وله من المؤلفات: حاشيته على شرح لامية الأفعال لابن مالك، طُبِعت بمصر.