إبراهيم باشا
جاء كبيرًا مع والده من بلده، وأُمُّه هي أُمُّ طوسون وإسماعيل وزهرة وناظلة، وكانت
أشرفَ بيتًا من بيت محمد علي، وتزوَّجت قبله بأحد أبناء الكبار ثم نشزتْ منه فطلَّقها
وغضب أهلُها وأقسموا ألا يزوجوها إلا بشخص منحطٍّ عن مرتبتها فتزوجها محمد علي، ومن
يريد الطعن في نسب إبراهيم يقول إنها تزوجت محمد علي وهي حامل من زوجها الأول فولدت
إبراهيم على فراشه فهو ليس بولده. وهو قول لم يثبت، وبسبب شرف بيتها كانت تتعاظم على
محمد علي وهو يحتمل لها، حتى لما قُتل ولدُها إسماعيل بالسودان وبلغها الخبر، دخلت على
محمد علي ورمت طربوشَه من رأسه، وأخذت بلحيته وهي تبكي وتصرخ وتقول: مَن أحلَّ لك
الرميَ بأولادي إلى تلك المجاهل وقتلهم؟ وهو لا يزيد على البكاء ويقول لها: أمر الله،
أمر الله، ولما ماتت قال: الآن صرتُ واليَ مصر؛ لأنها كانت تتحكَّم فيه وفي
أموره.
وكان إبراهيم باشا معتلًّا في أواخر مدة والده، وكان يسكن بقصر القبة، فذهب والدُه
مرة لزيارته هناك ومعه سليم
١ أغا السلحدار، فقال له في أثناء الطريق: لقد طال اعتلالُ إبراهيم فلا هو في
حال يُرجى معها ولا يموت فيستريح ويُريحنا، فأبلغها السلحدار لإبراهيم.
فلما قابل والده مرة أخرى فاتحه في ذلك، وقال: ما هو ثقلي عليكم حتى تتمنوا
موتي؟!
فامتعض محمد علي وصار يحلف له أن مُبلِّغه كذاب، ولم يزل إبراهيم معتلًّا حتى لما
تولَّى وذهب لاستنبول كانوا يرون في القارورة التي يتفل بها بصاقَه معرَّقًا بالدم،
ولما تولَّى انتقل إلى القلعة وسكن بها، وأحضروا له جندًا من الحرس كالعادة، فقال: لا
حاجة لي بالحرس، فقد شهدت عدة حروب
٢ ولم يكن لي حرس، ومات بالقلعة، ونزلوا بجنازته ودفنوه في مقبرتهم التي
بجوار الإمام الشافعي، وكان عندهم بين معلِّمي القصر العالي رجلٌ فارسي اسمه سنجلاخ
خطاط مشهور، فناطوا به كتابةَ الكتابات على تُربته، واعتنَوا بها كثيرًا، فيقال إنها
كلفتهم نحو ثلاثين ألف دينار، ولمَّا تُمِّمت أعطاه أولاده الثلاثة، أحمد رفعت وإسماعيل
ومصطفى، كل واحد مائة كيس كالجائزة، فلم تُرضِه وسافر لبلاده فمات بها.