وقفتُ له على ترجمة في كتاب ألَّفه ابنُه الشيخ عبد القادر المغربي أحدُ أعضاء المجمع
العلمي العربي بدمشق،
١ وسمَّاه: «آل درغوث في طرابلس الشام المشهورين بآل المغربي»، أودعه ذكْر
أصل أسرتهم في تونس ثم تراجم أجدادهم في طرابلس الشام، وقد جاء فيه أن والده الشيخ
مصطفى المغربي الدرغوثي نزل دمشق الشام في حدود سنة ١٢٧٥ﻫ، وكان يحضر مجلس الأمير عبد
القادر الجزائري الشهير حيث يجتمع العلماء والفضلاء ويتبارون في المسائل العلمية
والمناظرات الجدلية، ومنهم الشيخ مصطفى المغربي التهامي ابن عمة الأمير، فكان يُعجب
بمناظراتهما خاصة، واتفق أن تناظرا يومًا في مجلسه في قول الشاعر:
وهو من ألغاز النحاة، فكان كلٌّ منهما يوجهه توجيهًا في الإعراب والمعنى يناقض به
الآخر، وقد حمل هذا الجدل الشيخ مصطفى المغربي الدرغوثي على أن كتب رسالة في هذا البيت
وما يتعلق به من جهة اللغة والإعراب والمعنى.
وذكر الأستاذ «المغربي» أيضًا في مؤلفه المذكور أن والده ألَّف رسالة تفسير «قل هو
الله أحد» وقد قرَّظها علماءُ الشام وغيرهم في ذلك العصر؛ كالأمير عبد القادر الجزائري،
والشيخ عبد الله الحلبي، والشيخ الكزبري، والشيخ محمد مصطفى التهامي المغربي، وكان
تقريظُه الأخير لها نظمًا ونثرًا، وقال فيه بعد الديباجة ما نصُّه:
«وبعدُ، فقد استقرأتُ سطورَ هذه الصفائح، واستقصيتُ معاني طروسها الصبائح، فتمثَّلت
لي رقومُ أقلامها بآثار سيوفٍ قواطع، ورسومُ أعلامها بأزهار ونجوم طوالع، بواطن دلائل
حججها هداية تذكار للمسترشدين، وظواهر غلائل لججها رجوم للشياطين والمعتدين، معالم سليم
الفطرة للذوق، ومكارم مريد الحلية بالطوق، حائزة من حوز البلاغة السحرَ الحلال، جائزة
من فوز البراعة الشوط الحلال، قمنٌ أن تُسمَّى عند الأنام، بما سمَّى به الإمام، فرائد
الاغتنام، رسالة التأسيس والتقديس في الرد على أهل التلبيس، أو منهاج الخلاص، في تفسير
سورة الإخلاص؛ فلقد أبدع فيها مؤلِّفُها غايةَ الإبداع، ورصَع فوائدَ فرائدها ترصيعَ
الاختراع والابتداع، وقف فيها على الحقائق، ودعَّمها بدعائم الدقائق:
فهاك عقودًا قد حكتْها جواهرُ
بلى، وحكتْها في سناها زواهرُ
لها زجلُ الترصيع يسبي نظامه
مكلَّلة بالدرِّ تنمو الظواهرُ
مضمنة الألغاز يزدان حُسنُها
على القمر المكمول والسرُّ ظاهر
فإن حكت الإبريز قلْ ذاك وصْفُها
بلى، وحكاه البدرُ إن تمَّ باهرُ
وحينئذٍ فاسمع تماثيل مبتغٍ
يسُرُّك من بُشراه ليلًا يساهرُ
يماثلها الإكليلُ إن زان برجُه
وشولتها للغيث والنهر ناهرُ
كذا علم يتلو الغروب ابتهاجه
بحُمرته والوقت حانت مظاهرُ
نعم فلق الإصلاح أبدى سفوره
ودلَّ على شمس المسرات قاهرُ
سماء سرايا الغزو إن نظمتْ به
لها دبران الجور ولَّى يعاهرُ
فذي مثَل الأوراق في نسْج رقمِها
وفي قمرٍ وقت اتساقٍ مزاهرُ
وشيمته قد صانها الضوءُ معدلًا
بذا كرمت رفعًا وعلوًا تجاهرُ
إليك ومنك انحاز للعلم مصطفى
مآثر حلَّتْها الرقوم الأشاهرُ
لقد ظَفِر القَرْمُ الذي حاز مجدَكم
بمنبتكم فامتاز بالشهم ماهرُ
كتبتُ لكم ذاك النوال الذي جرَى
به القلمُ المعلوم والدهر داهرُ
نعم هو في الأعراق قد حقَّ ظاهرًا
ولا أحدٌ عن منبت الأصل ناهرُ
أتتكَ بناتُ الفكر منها ابتكارنا
ببكر عذار اللبِّ تعنى تُصاهرُ
لها كفؤ بالغرب أنسى لوحشها
ويؤنسها من تونس الفخر طاهرُ
خلَّص الله أعمالنا وأعماله، وسدَّد أقواله وأفعاله، ويسَّر لنَيل المراد آماله، كتبه
خديمُ العلماء، ومقبِّل الثرى تحت أقدام الكرماء، المقتفي باعتقاده منهجَهم السامي
«محمد المصطفى بن أحمد بن التهامي» المالكي الأشعري المغربي الفريسي نجارًا، الوهراني
تعلُّمًا، ثم الدمشقي دارًا، الحسني الحسيني حسبًا ونسبًا وشعارًا، عرَّفه الله قدرَ
نفسه، ولطف به في الدنيا وحال حلوله في رمْسه، وغفر له ولوالديه وللمسلمين أجمعين،
آمين، والحمد لله رب العالمين.» ا.ﻫ.
ووقفتُ على ترجمة للشيخ مصطفى التهامي بخط نسيبه المرحوم السيد محيي الدين الحسني،
قال رحمه الله:
غاية ما أعلم من ترجمة نسيبنا المرحوم العلَّامة السيد الحاج مصطفى التهامي أنه حينما
تولَّى الأمير عبد القادر الجزائري عيَّنه كاتبًا لسرِّه، ولما شرع في تنظيم العساكر
عيَّنه خليفةً يقود قطعة من الجيوش، وقد شاهد عدةَ حروب مع الأمير عبد القادر،
٢ ولا زال على سيرته الحسنة إلى أن صحبتُه إلى «امبواز» قرب مدينة باريز، ثم
إلى بروسة، ودمشق، وكان يُدرِّس في عدة فنون في جامعها الكبير، وتقلَّد إمامة المالكية
في الجامع الأموي، وكان رحمه الله له جَلدٌ عجيب في العبادة؛ ففي شهر رمضان من كل عام
كان بعد أن يصلِّيَ صلاة التراويح، ينفرد وحده في الجامع ويشرع في صلاة ركعتين يختم
فيهما القرآن الشريف بتمامه، ويظلُّ هذا دأبَه في كل ليلة من الشهر.
وما زال على تلك الحالة المرْضية،
٣ إلى أن قضى نحبَه على رأس الثمانين بعد المائتين والألف، وكان الأمير عبد
القادر غائبًا في البقاع الحجازية.