محمد عيَّاد الطنطاوي
وقفتُ له على ترجمة بخط الأديب الأستاذ عبد المعطي السعد، قال: هو الشيخ محمد بن سعد، الملقب بعياد الطنطاوي، الشافعي، أحد أفراد الطبقة الأولى الآخذة عن شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم الباجوري شيخ الجامع الأزهر المتوفى سنة ١٢٧٦ﻫ.
كان رحمه الله من أعيان علماء القرن الثالث عشر، راسخَ القَدم في العلوم العقلية والنقلية، آخذًا بحظٍّ وافر من الأدب، وله كثيرٌ من الشعر الحسن والنثر المستحسن، وكان المشتغلون بالأدب من علماء الأزهر في عهده قليلين يُعَدُّون على أصابع اليد؛ كشيخ الإسلام الشيخ حسن العطار شيخ الجامع الأزهر، والشيخ خليل الرجبي.
وحيث طعمتَ من بليحة، وشربتَ من منهل السقا، فتفكَّه بها لأُنس نفسك علَّك أن ترقى.
ومنها: حاشية على رسالة شيخه العلَّامة الشيخ إبراهيم الباجوري، يقول فيها مادحًا ومقرظًا، كما وجدته مكتوبًا بخطِّه تحت طُرَّتها:
ومنها: «شرح منظومة الشيخ السلموني»، التزم السجع في جميع جُمله، يقع في نحو كراسة، و«حاشية على شرح الشيخ خالد الأزهري» على متنه المسمَّى «بالأزهرية» في علم النحو، ضمَّنها تحقيقاتٍ جمَّة، و«حاشية على متن الزنجاني في الصرف المشهور بمتن العزي»، قال في أولها موريًا بالمتن المذكور:
ومنها: «منظومة في البيان نظم فيها متن السمرقندية» وشرح على المنظومة المذكورة، في كراستين لطيفتين.
ومنها حاشية جليلة على كتاب «الكافي في علمي العَروض والقوافي».
وكانت بينه وبين رفاعة الطهطاوي مراسلاتٌ أدبية، وكلاهما من خاصة تلاميذ الشيخ حسن العطار، وقال في إحدى رسائله إليه:
«أنا مشغول بكيفية معيشة الأوروبيين وانبساطهم وحُسن إدارتهم، خصوصًا ريفهم وبيوتهم المحدقة بالبساتين والأنهار، إلى غير ذلك مما شاهدته قبل بباريز، إذ بطرسبورج لا تنقص عنها بل تَفضُلها في أشياء كاتِّساع الطُرق. أما من جهة البرد فلم يضرني جدًّا، وإنما ألزمني ربْط منديل في العنق ولبْس فروة إذا خرجت، أما في البيت فالمداخن المثبتة معدَّة للإدفاء.»
ومن أهم مؤلفاته كتابٌ سمَّاه «أحسن النخب في معرفة لسان العرب»، وقد ضمَّنه جُمَلًا وألفاظًا ومكاتباتٍ وقصصًا وأغاني عامية مع ترجمتها إلى الفرنسية، وله مخطوطاتٌ عِدَّة موجودة في مكتبة كلية بطرسبورج.
وقد اصطحب معه إلى روسيا زوجتَه وابنه، وبقيَا بعده فيها إلى أن تُوفِّيَا ودُفنَا مثلَه بمدافن المسلمين في بطرسبورج.
ولم تؤثِّرْ إقامتُه الطويلة في روسيا في شيء من دينه أو عقيدته، كما يؤخذ من قوله في قطعة شعرية أرسلَها إلى أحد أصدقائه بمصر:
•••
قد تسلَّمتُ في هذه الأيام الجزءَ التاسع من مجلة المجمع العلمي العربي في دمشق، ورأيتُ فيه مقالةً عن الشيخ الطنطاوي جاد بها قلمُكم السيَّال وعِلمكم الواسع، وسُررتُ بها جِدَّ السرور لما نشرتم من ذكْر هذا الرجل الفاضل الذي خدَم الأدبَ العربي والروسي خدمةً تُذكَر وتُشكر، قد طال ما أعلل نفسي بكتابة ترجمة الشيخ، وقد تراكمتْ لديَّ المواد، ولكن لم تساعدني الظروفُ حتى الآن بجمْعها وترتيبها، أما المستقبل فآتٍ؛ ولذلك رأيتُ أن أكتبَ إليكم ببعض الملاحظات والاستدراكات على مقالتكم اللطيفة، وأقول:
«والمصدر الثاني لتاريخه لا يقلُّ أهمية عن الأول، وهو مخطوطاته العديدة الموجودة الآن في مكتب الكلية البتروغرادية، وهي لا تقلُّ عن مائة وخمسين نسخة يُوجد بينها كثيرٌ من تأليفات الشيخ كُتبت أغلبها بخطِّ يده، ومن مؤلفاته المذكورة في مقالتكم (ص٩–٣٨٨) يوجد في الكلية «حاشية على الأزهرية» كُتبت سنة ١٢٥٣ﻫ وهي بخط يده (عدد ٨٢٧)، و«نظم التعريف للزنجاني» كُتِب سنة ١٢٥٥ﻫ حسب النسخة الأصلية المؤرخة سنة ١٢٩٥ﻫ (عدد ٧٢٦)، وعددُ التأليفات غير المذكورة في مقالتكم ليس بقليل؛ ككتاب «منتهى الآراب في الجبر والميراث والحساب» كُتِب سنة ١٢٩٥ بيده (عدد ٨٢٠)، وكتاب «الحكايات المصرية العامية» بيده (عدد ٧٤٥)، ومسودات لتاريخ العرب، وترجمة الباب الأول من «كلستان السعدي» بيده (عدد ٨٣٨) وغيرها، وكثير من المخطوطات مع الحواشي والشروح للشيخ، يذكر فيها وقتَ قراءته لها أو نسخه. وفي هذا من الفوائد كثير.
والمصدر الثالث لتاريخ حياة الشيخ مشتَّت ومبعثر بين أيدي الناس والمكاتب، أعني مكاتبته مع أصدقائه وتلاميذه، ولم يَصِلْ إلى يدي منه غيرُ شيء قليل لا يُطفئ غليلًا.
هذا ما سنح لي تحريرُه في هذه الفرصة، والمرجو من جنابكم أن تغضُّوا الأنظار عن هفواتي، وتَقبلوا عذري على تقصيري؛ فإن العذر عند كِرام الناس مقبول.»