محمد شهاب الدين المصري
هو الشيخ شهاب الدين الحجازي محمد بن إسماعيل بن عمر المصري محتدًا الشافعي مذهبًا، وهو شريف النسب، وُلِد بمكة المكرمة سنة ١٢١٠ﻫ، وحضر إلى القاهرة صغيرًا ونشأ بها، واشتغل أولًا بالقبانة، ثم دخل المحكمة الشرعية تلميذًا للتعلم، ومال للأدب حتى نبغ في نظم الشعر واشتهر به شهرة تامة، واشتهر أيضًا بمعرفة الفنون الرياضية كالحساب والهندسة والموسيقى، أخذ عن العلَّامة الشيخ حسن العطار شيخ الإسلام الأسبق، وانفرد بالرياسة في تحرير الوقائع، ثم أُحيلت إليه رياسةُ تصحيح الكتب بمطبعة بولاق، ومن ثَم داخَل الأعيان حتى اتصل بالوالي السابق عباس الأول وتقرَّب إليه ومدحه بالقصائد، فأحبَّه وقرَّبه حتى صار كبيرَ جلسائه ونُدمائه، وجعَل له في كل قصر من قصوره حجرة يبيت فيها الليلتين والثلاث إذا طلبه للمجالسة والمنادمة، وأفاض عليه من نعمه، وقبِل شفاعته حتى صار له بذلك جاهٌ عريض.
وله معه نوادرُ غريبة؛ فمنها أن المترجم كان جالسًا في حجرته مرة في أحد القصور، ومعه بعض جلساء الوالي ينتظرون الإذن بالدخول إليه، فقال في عرض كلامه: يقولون إن البغلة لا تحمل، أفلا يكون ذلك بسبب رطوبات أو ما أشبهها تعوق حملَها؟ وعند الوالي أطباء كثيرون، فلو أنه أمر بعضَهم بالبحث في سبب هذه العلة وإزالتها فلستُ أشكُّ في أنها تحمل بعد ذلك، وأسرع بعضُ العيون فبلَّغ الواليَ كلامَه، فجاءه بعد هنيهة أحدُ رجال القصر يقولون له: إن الواليَ سيأمر الأطباء بما أشار به، ولكنه يسأل: ماذا يكون إذا لم تحمل البغلة؟
فبُهِت القوم لنقل المجلس بهذه السرعة، إلا المترجَم، فإنه قال لرجل القصر: بلِّغ مولاك أن لي كذبتين كل سنة أيام الباذنجان هذه إحداهما.
وكان رحمه الله رقيقَ المزاج، أنيسَ المحضر، عظيمَ الرأس، وسطًا بين الطول والقِصَر، لا يملُّ جليسُه من نوادره المستظرفة الطريفة الرائعة، وتعلَّق بعلم الموسيقى فبرع فيه، وأخذ عنه كثيرون، وجمع فيه كتابًا سمَّاه «سفينة الملك ونفيسة الفلك»، وهو كتاب جليل في فنِّ الموسيقى والأغاني العربية حوى نخبةً من مختار الشقيق الرقيق وضروبه، طبع حجر سنة ١٢٨١ﻫ.
ومن مؤلفاته الكثيرة: ديوان شهاب الدين المصري، وفيه: القصائد في كل فنون العَروض ومعاني الشعر، رتَّبه على ثمانية أقسام.
ومن شعره في الهزج:
وأرَّخ تمام كتابه سفينة الملك سنة ١٢٥٩ﻫ،
وأنشد ما كُتِب على سِتر السيدة آمنة أُم المصطفى عليه الصلاة والسلام:
وأنشد في تقريظ كتاب ملتقى الأبحر سنة ١٢٦٣ﻫ:
ومن قصيدة امتدح بها المرحوم الشيخ محمد أمين المهدي:
وكانت وفاته بالقاهرة سنة ١٢٧٤ﻫ، ودُفن خارج باب النصر بحفل حافل من العلماء والأدباء الذين يقدِّرون علمه وفضله، رحمه الله.