محمد الخِضر حسين
ثم رحل إلى الشرق سنة ١٣١٧ﻫ، ولكنه لم يبلغ طرابلس حتى اضطر إلى الرجوع بعد أن أقام بها أيامًا، فلازم جامع الزيتونة يفيد ويستفيد إلى سنة ١٣٢١ﻫ، فأنشأ فيها مجلة السعادة العظمى، ولقي في سبيل بثِّ رأيه الإصلاحي ما يلقاه كلُّ مَن سلك هذا السبيل.
وفي سنة ١٣٢٣ﻫ ولِيَ القضاء بمدينة بنزرت، والتدريس والخطابة بجامعها الكبير، ثم استقال ورجع إلى القاعدة التونسية، وتطوَّع للتدريس بجامع الزيتونة، ثم أُحيل إليه تنظيم خزائن الكتب بالجامع المذكور، وفي سنة ١٣٢٥ﻫ اشترك في تأسيس جمعية زيتونية، وفي هذه المدة جُعِل من المدرسين المعيَّنين بالجامع.
وفي سنة ١٣٢٦ﻫ جُعِل مدرسًا بالصادقية، وكُلِّف بالخطابة بالخلدونية.
ولما قامت الحرب الطرابلسية بين الطليان والعثمانيين كان من أعظم الدعاة لإعانة الدولة، ونشَر بجريدة الزاهرة قصيدتَه التي مطلعها:
ثم رحل إلى الجزائر فزار أمهاتِ مدنها، وألقى بها الدروس المفيدة، ثم عاد إلى تونس، وعاود دروسه في جامع الزيتونة، ونشر المقالات العلمية والأدبية في الصحف.
وفي سنة ١٣٣٠ﻫ سافر إلى دمشق مارًّا بمصر، ثم سافر إلى القسطنطينية فدخلها يوم إعلان حرب البلقان فاختلط بأهلها وزار مكاتبها، ثم لما عاد إلى تونس في ذي الحجة من هذه السنة نشر رحلته المفيدة عنها وعن الحالة الاجتماعية بها ببعض الصحف.
ثم جُعِل عضوًا في اللجنة التي ألَّفتها حكومةُ تونس للبحث عن حقائق في تاريخ تونس، ثم ترك ذلك لما عزم على المهاجرة إلى الشرق، فرحل إليه ونزل مصر وعرف بعض فضلائها، ثم سافر إلى الشام ثم للمدينة ثم للقسطنطينية، ثم عاد إلى دمشق معيَّنًا مدرسًا للغة العربية والفلسفة بالمدرسة السلطانية بها، وبقي كذلك إلى أن اتهمه مدة الحرب العظمى جمال باشا حاكمُ سورية بكتم حال المتآمرين على الدولة، واعتقله ستة أشهر وأربعة عشر يومًا، ثم حُوكم فبرئ من التهمة فأُطلق سبيلُه في شهر ربيع الثاني سنة ١٣٣٥ﻫ.
ومن شعره في حبسه، وكانوا حالوا بينه وبين أدوات الكتابة:
ثم استمر في التدريس بالمدرسة بدمشق، إلى أن دُعي إلى القسطنطينية سنة ١٣٣٦ﻫ فجُعِل منشئًا عربيًّا بوزارة الحرب، وواعظًا بجامع الفاتح، فبقي كذلك إلى سنة ١٣٣٧ﻫ، ففارق الآستانة وعاد إلى دمشق، وقال في ذلك:
وعُيِّن عضوًا بالمجمع العلمي العربي بدمشق ومدرسًا ببعض المدارس، فلم يباشر شيئًا من ذلك، بل سافر قاصدًا مصر، ونزل بها، فولي التصحيح، وعمل الفهارس بدار الكتب المصرية.