محمد الطنطاوي
١٢٤١ﻫ–١٣٠٦ﻫ
وقفتُ له على ترجمة جمعَها الأستاذ العالِم السيد عيسى إسكندر المعلوف، قال:
هو الشيخ محمد ابن الشيخ مصطفى ابن الشيخ يوسف ابن الشيخ علي الطنطاوي الأزهري، وُلِد
في طنطا سنة ١٢٤١ﻫ، ومات أبوه وعمره أربع سنوات، وماتتْ أُمُّه وعمره ستُّ سنين، وحفِظ
القرآن وهو ابن سبع سنين على الشيخ محمد الشبراويشي، ثم دخل جامع السيد البدوي للطلب،
فقرأ على السيد محمد أبي النجا المشهور صاحب الحاشية، والشيخ عبد الوهاب بركات، والشيخ
علي حمزة، وانتفع بهم مدة وأجازوه بالإجازة العامة.
ثم سافر مع أخيه الأكبر إلى بلاد الروم وبلاد التُّرك، ثم دخل حلب وقرأ على الشيخ
أحمد الترمانيني وأجازوه، ثم رحل إلى الشام سنة ١٢٥٥ﻫ وقرأ على الشيخ سعيد الحلبي،
والشيخ عبد الرحمن الطيبي، والشيخ عبد الرحمن الكزبري، وأخذ طريقتَه النقشبندية على
الشيخ محمد الخاتي الخالدي، فانتفع به حتى استخلفه عنه فيها.
١
وعاد إلى مصر سنة ١٢٦٠ﻫ، ودخل الجامع الأزهر وانقطع للطلب بهمَّة وجد واجتهاد، فقرأ
على الشيخ إبراهيم الباجوري، والشيخ إبراهيم السقا، والشيخ عليش المغربي، والشيخ مصطفى
البلتاني،
٢ والشيخ مصطفى المبلط، والشيخ محمد الخضري، وأكثر قراءته عليه في العلوم
الغريبة كالميقات والفلك والجبر والمقابلة، إلى أن صار إمامًا في العلوم العقلية
والنقلية، مع شدة ذكائه وحفْظه.
ثم رجع إلى الشام واستوطن دمشق في محلة الميدان سنة١٢٦٥ﻫ، وجلس في حجرة جامع سيدنا
صهيب الرومي، فأقبل عليه الطلبة، ولم يزل يُقرئ الطالبين إلى سنة ١٢٧٨ﻫ، ثم دعاه الأمير
عبد القادر الجزائري وعيَّن له معاشًا (راتبًا) واستأجر له دارًا، وأرسل جميعَ أولاده
للأخذ عنه مع غيرهم من طلاب العلوم والفنون.
وكان الشيخ الطنطاوي يشتغل إلى ذلك بحساب جداول مما يتعلق بعلم الفلك والميقات والربع
المقنطر والمجيب والأسطرلاب، وقد قرأت
٣ عليه جملة رسائل فيها، كما قرأتُ عليه دروسَه في جامع صهيب، كما كنتُ في
معيَّته سنة ١٢٩٠ﻫ حينما وقع خللٌ في بسيطة منارة جامع بني أُمية المسماة «بمئذنة
العروس»، فحسب الشيخ سائر أعمالها، وجعل لها جداول بعدة الأعمال ورسم غيرها، ثم أزالها
ووضع بسيطته في مكانها.
«وبالجملة» كان في كل علم عمدة، ولكل مشكلة عدَّة، رقيق القلب رحيمه، سخي الكف كريمه،
غير أن دهره قد عانده، وعاكسه في آخر أمره وما ساعده، وهذا من دأبه مع أهل الفضائل،
وذوي المآثر والشمائل، إلا أنه كان يقابل ذلك بالتسليم والرضا، ويعلم أن ذلك مما جرى
به
القدَر والقضا.
٤
ومن نظمه قصيدةٌ في مديح راشد باشا والي ولاية سورية لأمرٍ اقتضى ذلك،
قال فيها:
أضحت دمشق ببهجة ومسرَّة
تزهو على كلِّ البلاد بنُضرة
إلى أن قال:
لا تعجبوا والي حِماها راشدٌ
بل مرشد والرشد أعلى خلَّةِ
ومحمديُّ الخلق وهو محمدٌ
ولذاتِه كلُّ القلوب أحبَّتِ
أحيا بها العدلَ الذي يا طالما
تاقتْ له كلُّ النفوس وحنَّتِ
والأمن قد عمَّ الأنامَ جميعَهم
فتقلَّدوا منه بأوفى منَّةِ
٥
وله قصائدُ كثيرة، وتقييداتٌ شهيرة، لا يحسُن استقصاؤها للخروج عن المطلوب من
الاختصار، وكذلك لو أردت أن أذكر عفَّتَه، وتفصيل تعيين الحكومة له مقادير من المعاش
لم
يقبلْها ورعًا وزهدًا، لأدَّى المقام بخروج عن المَرام.
وفي سنة ١٣٠٥ﻫ رسم بسيطة
٦ في ميدان دمشق في جامع الدقاق المعروف بكريم الدين، وجعل حسابها على الأفق
المرئي، فجاءت أحسن من بسيطة جامع بني أمية التي كان حسابها على الأفق الحقيقي، وتمَّ
عملُها ورسمها وحفرها، وصُنع مكانٌ في المنارة لوضعها فيه في أول «برج الجدي»، فعاجله
المرضُ قبل ذلك، وتُوفي غُرة جمادى الأولى سنة ١٣٠٦ﻫ، ودُفن في تربة باب الصغير قرب
مدفن سيدنا بلال رضي الله عنه من جهة الغرب.
وبعد موته بقليل وُضعت البسيطة في مكانها، والأوقات تُستفاد منها بغاية الضبط، جزاه
الله خيرًا، وأعظم له منَّةً وأجرًا.