الحب والمرأة
المرأة تُحبُّ أن تكون محبوبة، ولكنها في صميم نفسها لا تؤمن بالرجل كثيرًا؛ فالرجل هو القوة، والقوة تعبث بالضعف. ومع ذلك تُنصِت المرأة للرجل، وتجد لذةً عظيمة في مُخادعة نفسها ومحاولة تصديق أكاذيبه؛ فالواقع أنها خيالية العاطفة، تنشُد الحب الصادق المُلتهِب الدائم، وتستسلم لتُجرِّب؛ فإن أخفقت أعادت الكرَّة حتى تستقرَّ على حبٍّ مُتبادلٍ وطيد، وتنحدر إلى مهواة الخلاعة والتبذُّل.
وهي تريد الرجل قويًّا، وتريد أن تُحبَّه هي لا أن يحبَّها هو، أو تريد أن يحبَّها ولكن في أنفة وعزة وكبرياء وعدم اكتراث؛ ولهذا لا ينجح مع النساء — على حدِّ قول فولتير — إلا الرجال الذين لم يجد الحب إلى قلوبهم المُتحجرة سبيلًا!
الحب والغيرة
يرى ماكس رينال أن حق الرجل الوراثي في امتلاك المرأة وحيازتها، والإنفاق عليها وعلى أبنائه المُستولَدين منها، هو الذي يجعل الحب مُقترنًا بالغيرة؛ فهو يُحبُّ ولكنه في الوقت نفسه يرغب في الاحتفاظ بكرامة رجولته، وهذه الكرامة هي التي تثور إذا ما ظهر المُزاحم، وهي التي تُولِّد الغيرة، وتدفع في معظم الأحيان إلى الإجرام أو إلى الجنون.
وثَمةَ باعثٌ آخر على الغيرة قد يكون أهم وأخطر، وهو ما يُسمِّيه ماكس رينال «خيال اللذة». فحين يظهر المُزاحم، وتُعرِض المعشوقة عن عشيقها الأول؛ يدبُّ الشك في نفسه، ثم يشتعل في ذهنه خيال اللذة، فيتمثَّلها تمامًا، ويتمثَّل غريمه مُستمتعًا بها، فيُجنُّ جنونًا.
فالرجل والحالة هذه أناني، وحبه مظهر من مظاهر الأنانية، والمرأة تعرف هذا حقَّ المعرفة، وتعرف عند الاقتضاء كيف تُلهِب أنانيته وكبرياءه وغَيْرته؛ للاحتفاظ به، أو لتعذيبه والانتقام منه.
ولكن ماكس رينال على الرغم ممَّا تقدَّم، يؤمن بوجود حب آخر لا يعرف الأنانية، ولا تنفذ الغيرة إلى قلب صاحبه، وفي هذا يقول: «كلما ارتقى الإنسان في سُلَّم الحضارة، واتسع ذهنه، وصفَت روحه، وتحرَّرت غرائزه من سلطان الشهوة؛ مال به الحب نحو الغيرية لا نحو الأنانية، ونحو التضحية لا نحو الكبرياء وحب الذات.» فهو يسعد بلذة الحب كرجلٍ عادي، ولكنه يسعد فوق هذا بلذة تضحية نفسه في سبيل المرأة التي يُحب. ولقد كان تورجنيف يقول: «إني أعبدها، وماذا يهمُّني أن تكون لي أو لسواي؟ المهم أن تكون سعيدة، وأن يعرف الرجل الذي تُحبه كيف يُسعدها.»
وهذا في رأي ماكس رينال أسمى مراتب الحب.