كيف تؤثِّر الألوان في نفسك؟
يقول «إدوارد بودولسكي»: «وصل علماء النفس في أبحاثهم إلى أن الحرارة ليست شيئًا ماديًّا فحسب، بل هي كذلك شيءٌ نفساني. وعلى ذلك أصبح استخدام الألوان المناسبة في المنازل والمكاتب أمرًا له أهميته في توفير الدفء والحرارة عن طريق هذا التأثير النفساني؛ فقد ثبت أن من الألوان ما يُوحي بالشعور بالحرارة، ومنها ما يفعل العكس، أو يتعدَّاه إلى الشعور بالبرودة والقشعريرة تبعًا لنوع الفصل السائد، أو تبعًا لحالة الطقس.»
والألوان التي تبعث الشعور بالدفء في نفس الإنسان هي اللون الأحمر واللون البرتقالي، وما يُشتق منهما، كاللون الحنائي والأحمر الداكن والبرتقالي الداكن. أما الألوان الحمراء اللامعة فإنها تبعث الدفء كذلك، ولكنها تُسبِّب في نفس الوقت شيئًا من الانفعال، وتجعل الإنسان عرضة للثورة والتهيج السريع. ومن الألوان المقبولة التي تُوحي بالدفء اللون الأصفر بدرجاته المختلفة بين فاتح وباهت، واللون القرمزي واللون البني. ويُلاحَظ أنه كلما خفَّت درجة الألوان السالفة الذِّكر وأصبحت باهتة، قلَّ تأثيرها في بعث الشعور بالحرارة.
وإذا كانت الحجرة مطليَّة بطلاءٍ لونه يبعث الشعور بالبرودة كاللون الرمادي أو الأزرق أو الأخضر، فيمكننا بعث الحرارة النفسانية فيها عن طريق الأثاث؛ بأن تختار لها قطعًا من الأثاث والتماثيل والمصابيح تشعُّ ألوانًا تبعث على الدفء، فنستخدم مصابيح تُرسِل لونًا برتقاليًّا، وستائر حمراء داكنة، وقطعًا قرمزية اللون أو تميل إلى الاحتراق والتوهج، فكل ذلك وما إليه يُساعد على احتفاظ الإنسان بالشعور بالدفء والحرارة. ومن هذا القبيل الضوءُ الذي ينبعث من لوحة المذياع الزجاجية، فإذا كان أحمر فإنه خير ما يغذِّي هذا الشعور بالدفء في الليالي القرة الباردة.
ويعتقد كثيرٌ من علماء النفس أن البيئة إذا كانت مكوَّنة من ألوانٍ مناسبة تم اختيارها على أصولٍ علميةٍ صحيحة، فإنها سوف تؤثِّر في ميول الطفل النفسية لدرجةٍ كبيرة لا يمكن الوصول إليها بالعقاب أو الزجر والنصيحة. وقد أُجريت كثيرٌ من التجارب العلمية في جامعة «إيوا» برهنت على أن الأطفال الذين يُكثِرون من الصياح والصراخ سرعان ما يلزمون جانب الهدوء والسكينة إذا تعرَّضوا للضوء الأزرق، ويليه في هذا التأثير اللون الأخضر بجميع درجاته، أما اللون الأحمر أو الظلمة الحالكة فإنها تُسبِّب انزعاج الأطفال وصياحهم.
ومنذ سنين وجد أحد أصحاب المخازن الفتوغرافية أن عماله الذين يعملون في صنع الأفلام في غُرفٍ مُظلمةٍ مُضاءة بمصابيح حمراء عُرضةٌ للتهيج السريع والانفعال لأتفه الأسباب، وحينما استبدل صاحب المخزن أضواء هذه الغُرف الحمراء بأخرى خضراء وزرقاء تغيَّرت حالتهم فورًا، فرضيت نفوسهم، وأصبحوا أقدر على احتمال متاعب العمل طول اليوم.
ويضرب الدكتور «كورت جولدشتين»، طبيب الأعصاب العالمي، المثال الآتي دليلًا على تأثير الألوان على حالة المرضى بأمراضٍ عصبية: «عالجت امرأةً مُصابة بمرض في المخيخ، واضطراب يعتريها من حين لآخر، فلا تستطيع أن تحفظ توازُنها. وإذا حدث وارتدَت ملابس تميل إلى اللون الأحمر فإن كل هذه الأعراض تزداد وطأتها إلى درجةٍ لا يمكن احتمالها، فيدور رأسها وتسقط فاقدة الوعي، وحينما ترتدي ملابس تميل إلى الخضرة أو الزرقة يحدث العكس، فتهدأ وتقوى على حفظ توازُنها، وتبدو كما لو كانت سليمة.»
ويقول الدكتور «جولدشتين»: «إن اللون الأحمر يدفع إلى النشاط، ويستفزُّ المرء إلى الحركة والعمل بانفعالٍ ظاهر. أما اللون الأخضر فإنه يساعد على التروِّي وإتقان العمل المنوط بالإنسان. واللون الأحمر يخلق الجو الانفعالي، ويُحرِّك مشاعر الإنسان، فتتوارد عليه الأفكار، وتتفتَّح أمامه سُبُل الحركة والنشاط. واللون الأخضر بدوره يمدُّ الإنسان بهذه الصفات اللازمة للدأب والاستقرار حتى يُنجز مهمته على خير الوجوه، وهي ليست شيئًا غير الهدوء والصفاء تتآلف وتتضافر لتجعل الحياة طبيعيةً متَّسِقة البنيان، وما الحياة إلا ألوان.»