نفسية المُعلنين عن الزواج
ماذا يفعل الإنسان ليحصل على شريكة — أو شريك — حياته وفق «المُواصفات» الخاصة التي ترسمها له ميوله وذوقه وخياله؟! ماذا يفعل إذا تعذَّر عليه العثور على هذا المخلوق من بيان معارفه وأصدقائه؟! ثم ماذا يفعل لكي يعرف الناس أنه في حاجة إلى زوج أو زوجة؟!
كانت أُسَرنا المصرية القديمة تلجأ إلى «الخاطبة» في فض هذه المشكلة، تُكلِّف الخاطبة بأن تتحدَّث عن بناتها في مجلس الأُسَر التي تعرف أن فيها شبابًا «على وش جواز …» ولما كانت الخاطبة تاجرة أو «سمسارة»، فقد كان همها الوحيد هو «التزويج» على أية صورة، فكانت تُبالغ في أوصاف «العملاء» و«العميلات» حتى تصل إلى إتمام الصفقة؛ لهذا كان الالتجاء إلى الخاطبة أمرًا محفوفًا بالأخطار.
فما العمل إذن؟ لقد لجأ الأوروبيون إلى طريقةٍ مُبتكَرة، هي الإعلان عن أنفُسهم في الجرائد والمجلات، يذكُرون صفاتهم ومركزهم الاجتماعي في كلماتٍ مختصرة، ثم يُعيِّنون شروطهم، ويرجون «الراغبين أو الراغبات» كتابة الطلبات إلى الجريدة التي نُشِر فيها الإعلان تحت رقم معيَّن، وتتكلَّف الجريدة بضمان سرية الموضوع كله حتى لا تنكشف شخصيات المُتقدمين، وحتى تحُول بين تلاعُب من يريد العبث.
ولعل ألطف إعلانات الزواج هي تلك التي يقرؤها الإنسان في الصحف الفرنسية، فهي جميلة الصيغة وإن كانت «مكشوفة» في بعض الأحيان، ويُلاحَظ أن المُعلنين فيها يُعلِّقون أهميةً كبرى على المظهر الخارجي، وهذا مثلٌ منها:
«أريد شابًّا في طول جاري كوبر، ووجه تيرون بارو، ورجولة جان جابا، وإنسانية ريمو. لا يهمُّني المال؛ فعندي منه ما يكفيني. لست صغيرة السن، ولكنني جميلة وأنيقة.»
أين الفتاة التي تنطبق عليها أوصاف زوجة «دي ونتر» في رواية «ربيكا». أنا شخصيًّا قريب الشبه جدًّا من «دي ونتر»، ولكني لست في مثل غناه. أرجو الرد بعنوان: «المسيو دي ونتر مجلة …»
وللأمريكيين تفنُّنٌ غريب في إعلانات الزواج، وهذه أمثلة ممَّا يأتي فيها:
«مسافر غدًا في مهمةٍ صحفية في الصين، وأريد زوجةً شابَّةً مُخاطِرةً صحيحة البدن، تُجيد الآلة الكاتبة والاختزال. أنا شابٌّ في الثلاثين هيوز. أرجو المُقابلة غدًا في غرفة الاستقبال بقسم الإعلانات بصحيفة …»
«أنا من هواة طوابع البريد، وأريد أن أتزوَّج هاويةً مثلي. أرجو الكتابة تحت رقم … لا لزوم للصور.»
«خسرت متجري وتركتني زوجتي، وأريد أن أبدأ من جديد مع زوجةٍ ذات فأل حسن. أرجو الكتابة عاجلًا تحت رقم … مجلة …»
وأغرب إعلانات الزواج هي تلك التي ينشرها الفلاحون في صحف سويسرا وألمانيا، فهم يضعونها في صيغةٍ أقرب إلى إعلانات بيع المواشي، وإليك بعض الأمثلة:
«فلاحٌ قوي البدن في الأربعين من عمره، يملك شيئًا قليلًا ويُجيد الفلاحة، يطلب فتاةً قويةً طويلةً ضخمة، تُدير البيت وتعمل في الحقل وتحب الأولاد، ويُشترط أن يكون لها ملك ولو صغيرًا، يُستحسن ألا يكون لها أقارب كثيرون.»
«شابَّةٌ فلاحة في الأربعين حسنة الهيئة قوية البنية، تُجيد أعمال الحقل وإدارة البيت، تريد الزواج من رجلٍ صحيح البنية، لا يهمُّني الشكل، يُستحسن أن يكون أرملًا له أولاد، لا مانع عندي من أن أعيش مع أمه.»
ومن أعجب إعلانات الزواج في صحف أوروبا وأمريكا «الطلبات المُستعجلة» أو طلبات «الإسعاف»، وهذه أمثلة منها:
«الفتاة التي كانت في قطار «يرن» السريع الساعة ١١ صباحًا، الشقراء الزرقاء العينَين، التي كانت تلبس فستانًا أزرق، تتفضَّل بالكتابة إلى الشاب الخجول الصوت الذي كان جالسًا أمامها، والذي عرض عليها سيجارة فرفضت، وأرجو السرعة لأنني في حالةٍ سيئة، ولا أعرف طعم الراحة من ساعة أن اختفت عن عيني، اكتبي تحت رقم …»
«لاعب التنس الفاتن الذي كان يلعب بمهارة في ملعب … يوم … الساعة … يتفضل بالكتابة إلى آنسةٍ عشقته، ولا تستطيع الحياة بدونه، جميلة وحائزةٌ كل الشروط، اكتب تحت رقم …»
والعجائز الذين يُعلنون عن أنفسهم كثيرون جدًّا وإعلاناتهم لطيفة، يُحاولون بها اجتذاب عروس شابَّة أو غنية! وإليك أمثلة منها:
«شاب في الستين من عمره [!] حسن الهيئة، مجرِّب، طويل، رياضي، ذو مركز طيب، شعره كامل ولو أنه أبيض. أريد فتاةً متوسطة السن، لا تزيد سنها عن الثلاثين، لا مانع عندي أن تكون أرملةً شابَّة لها بعض المال.»
«رجلٌ سمباتيك [!] شديد المرح، مُحب للحياة والرقص والموسيقى، يمتلك منزلًا على الرفييرا، مسلكٌ طيب وخلقٌ قويم، في الخامسة والستين من عمره، ولكنه شاب الجسم والروح.»