الملكات العقلية
مما يؤكِّده علم النفس الحديث أن الإنسان العادي لا يستفيد إلا من خُمس الملكات العقلية، وتبقى الأربعة الأخماس الأخرى خاملة ما لم يعمل على تدريبها وتنشيطها واستغلالها في حياته اليومية.
وتنشأ معظم العيوب التي تشُوب تفكير الإنسان عن إهماله لبعض المبادئ الأولية والقواعد البسيطة، كالتسرُّع في الإجابة عن الأسئلة والحكم على الأشياء، أو كالحياء والخوف اللذَين قد يعتريانه عند مواجهة الغير. ومن اليسير عليك أن تعرف مدى النقص في تفكير شخص ما إذا لاحظت كيفية إجابته عن الأسئلة البسيطة، فإذا قلت له مثلًا: «ما هي الفأس؟» فأجابك: «إنها أداة تُستعمل لحفر الأرض.» دلَّ ذلك على عقليةٍ غير مُنتظمة التفكير؛ إذ إن هناك أدواتٍ غيرَ الفأس يشملها هذا التعريف، كما أنك لم تسأله عن استعماله حتى تكون إجابته هكذا.
فاعمل على أن يكون كلامك على هذا النحو، بل عوِّدْ نفسك على تحديد المعاني وتوضيح الحديث. وسيتطلَّب منك ذلك بعض الوقت والجهد، ولكنك سوف تشعر في النهاية بأنها خير وسيلة تُساعدك على تركيز قُواك العقلية، وتُمكِّنك من إيجاد الحلول الصحيحة لما يُواجِهك من مشاكل وصعوبات في حياتك.
وتتوقَّف القدرة على الانتباه والمُلاحظة على الموضوع والعمل الذي تُعالجه، والشخص العادي لا يمكنه أن يُوجِّه كل انتباهه إلى موضوعٍ ما إلا إذا كان ذا أهمية حيوية لديه. ومهما تكن الأهمية التي تُعلِّقها على الموضوع يجب أن تكون قادرًا دائمًا على تركيز انتباهك فيه وحده.
إن قوة الانتباه تُشبِه شعاع الضوء؛ تضعف كلما انتشرت.
ويمكنك أن تُدرِّب نفسك على تقوية ملَكة الملاحظة والانتباه بمُمارسة بعض التمرينات العقلية البسيطة في أوقات فراغك، كأن تُمعِن النظر في أي شيء يقع عليه بصرك، وتحُوطه بنظرةٍ فاحصة لمدة لا تزيد على خمس دقائق، ثم تتركه جانبًا، وتكتب له وصفًا شاملًا، مُحاولًا وضع التفصيلات التي علِقت بذهنك عنه، ثم ترجع إليه مرةً أخرى وتُقارنه بكتابتك؛ لتتعرَّف على نواحي النقص في ملَكة الانتباه عندك، وتعمل على تقويتها لتكرار مثل هذا التمرين.
والذاكرة من الملَكات التي تظل ثابتة على الحالة التي خُلِقت عليها، فلا يمكن تقويتها تقويةً محسوسة وإن أمكن ذلك في بعض الحالات، وكل ما يمكن عمله في سبيلها هو تحسين طريقة التذكر بتطبيق نظرية التداعي والاقتران؛ فكلما اقترن الموضوع الذي تريد أن تتعلَّمه أو تذكُره ببعض الظواهر الثانوية البسيطة، ساعد ذلك على سهولة استرجاعه، وتصوُّره كحقيقةٍ واضحةٍ ملموسة بكل تفاصيلها؛ إذ إن هذه الظواهر الثانوية تكون بمثابة حلقات يستند إليها التفكير في الرجوع إلى الماضي لاستدعاء الصورة كوحدةٍ كاملة، وهذه هي التي يعتمد عليها علم التربية الحديث في تعليم النشء.
وما من شيء يؤثِّر على نشاط الفكر وحدَّة الذهن كما يؤثِّر عليها الثقة بالنفس؛ فهي التي تمنع عنك الخوف والتردُّد والخجل، وتُضفي على حركاتك وتصرفاتك جوًّا من السكينة والاطمئنان يُساعد ملَكاتك الفعلية على العمل في هدوء ونشاط. فاعمل على أن تُعزِّز ثقتك بنفسك، واحذر من أن يستولي عليك شعورٌ قويٌّ بالندم والخطيئة يُحوِّل الاتجاهات الصحيحة لنشاطك الفكري.
وإذا أدَّت بك الظروف إلى أن تفقد بعض ثقتك بنفسك، فلا تُظهِر هذا الضعف لغيرك، بل ابذل كل ما في وُسعك حتى تبدو للناس هادئًا مُطمئنًّا لا تضطرب ولا تتردَّد، ولا تحنِ رأسك، بل تظاهَرْ بالشجاعة والقدرة على مواجهة الصعاب وحدك. واعلم أن الثقة بالنفس تُكتسَب بالمِران والتكرار والإقدام، وليتأكَّدِ الذين تُثبِّط هِممَهم أفكارُ الإخفاق وصور الهزيمة أن «من لم يرتكب خطأً لن يُحرِز نصرًا». والإخفاق خير من الهرب؛ لأن الأول يقترن بالشجاعة، وهي عامل البناء في كيان الإنسان، بينما ينطوي الآخر على مِعول الهدم والفناء. فخيرٌ لك أن تقول «لقد حاولت وأخفقت»، من أن تقول «لا يمكنني».