الأمراض الخلقية
يجب التفريق بين المرض الخلقي والإثم أو الشر؛ فالرجل الذي يختلس أو يسكر أو يحتد أو يُشبِع شهواته — عمدًا وعن سبق إصرار — ليس مريضًا، وإنما هو أثيم أو شِرير أو مُخطئ، أما الرجل المُثري الذي يدخل مخزنًا تجاريًّا كبيرًا ويسرق على غير إرادته، وبدافعٍ قوي في داخله، سلعةً لا تصلح له ولا لقريب له أو صديق، هذا الرجل مُصاب بمرضٍ خلقي يُسمُّونه كليبتومانيا (مرض السرقة)، وينبغي معالجته أسوة بسائر المرضى.
وربما كان مثل الرجل الثمِل ومُدمِن الخمر أسهل ما يمكن ضربه لشرح الفرق بين المرض الخلقي والإثم؛ فالرجل الذي يشرب كأسًا من النبيذ فتلعب الخمر برأسه لا يُعدُّ مريضًا؛ لأنه يعمد إلى الشرب للتفكهة أو مجاراةً لأصدقائه، ويستطيع أن يمتنع عن شرب هذه الكأس إذا أراد، أما الرجل الذي أصبح عبدًا للكأس، فيُدمِن الشراب ويسكر، ويُنفق ماله لأجل الراح، ويخسر صحته، إنما يفعل ذلك مُرغَمًا، ويُحاول جهده الامتناع عن هذه العادة فلا يستطيع. في الحالة الأولى يرتكب الرجل إثمًا، وفي الثانية يُقال إنه مُصاب بمرضٍ أخلاقي وينبغي علاجه. ورجال القضاء عادةً لا يُفرِّقون بين هذا وذاك، فيحكمون على كلٍّ بالعقوبة المقرَّرة في القانون، بدعوى أن كلًّا منهما ارتكب جريمة السُّكْر البيِّن العلني. أما علم النفس فيُفرِّق بينهما، ويُطالب بمُعاقبة الأول وبعلاج الثاني.
ولا تحتاج التفرقة بين النوعَين إلى خبرةٍ خاصة؛ إذ إن المرض الخلقي ذو صفة قهرية إرغامية، في حين أن الإثم ذو صفة تعمُّدية، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى فإن الإثم لا يريد صاحبه الامتناع عن إتيانه، في حين أن المرض الخلقي يريد المريض الشفاء منه إذا علم أن هناك السبيل إليه. والطبيب النفساني قلَّما يلجأ إليه الأثيم أولًا؛ لأن الأثيم لا يريد التخلِّي عن إثمه، وثانيًا لأن الطب النفساني ليس العلاج المُلائم للآثام والشرور.
ومن الخطأ الجسيم أن نلوم المُصاب بمرضٍ أخلاقي؛ إذ إن اللوم يزيد الطينة بلَّة، ولكن هل يُخليه المرض من المسئولية؟ كلا، إنه مسئول؛ أولًا: بمعنى أنه ينبغي له أن يسعى للعلاج. ثانيًا: بمعنى أنه وإن كان لا يستطيع التغلب على ميوله، فإنه في كثير من الأحوال يستطيع منع هذه الميول من إلحاق الأذى بالغير. مثال ذلك أنه يوجد مئات الألوف من اللواطيين الذين بطبيعتهم يميلون إلى ارتكاب جريمة الزنا ضد الغلمان والشبان، وقد تشتدُّ فيهم هذه الرغبة الجنسية الشاذَّة إلى الدرجة القصوى، وبالرغم من ذلك تبقى هذه الرغبة في الداخل ولا تمتدُّ إلى الغير؛ لأنهم استطاعوا بفعل الإرادة القوية فيهم جعْلَها مجرد رغبة لا تخرج إلى حيِّز الفعل. وما يُقال عن اللواط يُقال عن الميل الجنسي الشاذ أو الفعل العلني الفاضح؛ أي عرض أعضاء التناسل أو أجزاء الجسم المحرَّمة أمام الأنظار.
على أنه مهما يكن من شيء فإن هناك أمرَين ينبغي ذِكرهما، وهما: أولًا: إن الرغبة الشاذَّة قد تشتدُّ إلى درجة لا حول للمريض على التغلب عليها. وثانيًا: إن المجتمع مسئول عن المُصاب بمرضٍ خلقي؛ لأنه كثيرًا ما يكون فريسة بيئته، والمجتمع وحده المسئول عن علاجه.