أسلحة جديدة
الإلكترونات والبروتونات كأساس لبناء المادة
منذ نحو عشر سنوات ألقيت في المؤتمر السادس للمجمع المصري للثقافة العلمية محاضرة عنوانها: «الجسيمات التي كشف عنها حديثًا في علم الطبيعة»، وصفتُ فيها طرق الكشف عن هذه الجسيمات المستحدثة، وذكرت علاقتها بتركيب الذرة، وقد كنت أشعر — كما يشعر غيري من العلماء في ذلك الوقت — أن الكشف عن هذه الجسيمات أمر له خطره في البحوث الذرية، ثم أعدت نشر محاضرتي على صورة مقالة في كتابي «مطالعات علمية» الذي سبقت الإشارة إليه، وقد حققت الحوادث منذ ذلك الوقت ما كنا نترقبه من نتائج هامة للكشف عن هذه الجسيمات.
فإلى أوائل سنة ١٩٣٠ كان الإلكترون والبروتون هما الجسيمان الأساسيان في علم الطبيعيات الذرية، أحدهما يحمل كهرباء سالبة والآخر موجبة، وكان الرأي متجهًا إلى اعتبار هذين الجوهرين أساسًا لتركيب الذرة بحيث يتصور أن النواة مبنية من إلكترونات وبروتونات، فنواة الهيليوم مثلًا التي هي جسيم ألفا كان يُنظر إليها على أنها مركبة من أربعة بروتونات واثنين من الإلكترونات، وكذلك الحال في نوى العناصر الأخرى، ومع أن هذا الرأي لا تزال له وجاهته إلا أنه مما لا شك فيه أن الكشف عن الجسيمات الجديدة قد نفى عنه كثيرًا من بساطته.
النيوترون أو البروتون المتعادل
ومنذ ذلك الحين قد استحدثت النيوترونات بطرق مختلفة أخرى، أهمها طريقة استخدام بروتونات تزداد سرعتها بوساطة مجال كهربائي.
وقد وجد أن كتلة النيوترون تعادل كتلة البروتون، وقدَّر لها تشادوك ١٫٠٠٦٦ من كتلة البروتون.
البوزيترون أو الإلكترون الموجب
-
(أ)
أن الأشعة الصادرة عن عنصر البريليوم والناشئة عن وقوع أشعة من عنصر البولونيوم عليه، والتي تتألف من أشعة ألفا ونيوترونات، إذا وقعت على عنصر الرصاص صدر عن هذا العنصر إلكترونات موجبة، وقد وجد هذا كل من تشادوك وبلاكيت وأوتشياليني وغيرهم.
-
(ب)
أن أشعة جاما الصادرة عن (الثوريوم C) أو (الراسب الفعال للثوريوم) إذا وقعت على الرصاص صدر عن هذا الأخير إلكترونات موجبة. وقد اكتشف ذلك المذكورون وأندرسن.
الديبلون أو الأيدروجين الثقيل
وقد سمي الأيدروجين الثقيل باسم ديبلوجين، وتتألف ذرته من ديبلون وإلكترون، كما تتألف ذرة الأيدروجين الخفيف من بروتون وإلكترون.
والديبلون جسيم يحمل من الكهرباء قدر ما يحمله البروتون، ولكن كتلته تساوي ضعف كتلة البروتون.
جسيمات أخرى
وقد عثر على جسيم آخر يحمل كهرباء سالبة بقدر ما يحمل الإلكترون، ولكن وزنه يساوي وزن الإلكترون نحو مائتي مرة، وقد سمي هذا الكائن الإلكترون الثقيل أو الميزون، كما أن هناك أدلة على وجود جسيم غير مكهرب يساوي وزنه وزن الإلكترون، وقد أطلق على هذا الجسيم اسم (النيوترينو).
أثر الجسيمات الجديدة في البحث الذري
إن الجسيمات الجديدة، وخصوصًا النيوترون والديبلون، هي بمثابة أسلحة جديدة لمهاجمة الذرة وتحطيمها والكشف عن أجزائها وطريقة تركيبها، فاللورد رذرفورد لم يكن لديه من القنابل القوية إلا جسيمات ألفا يطلقها على ذرات العناصر، أما بعد سنة ١٩٣٢ فقد أضيفت قنبلتان أخريان هما النيوترون والديبلون، ويمتاز النيوترون بأنه غير مكهرب؛ ولذلك فإن مقدرته عظيمة على اختراق النواة والتغلغل فيها، فالنواة — كما تقدم — تحمل كهرباء موجبة، فيحدث تنافر بينها وبين الجسيمات التي تحمل كهرباء موجبة مثل جسيم ألفا، فخلو النيوترون من الكهرباء يجعله يتقدم نحو النواة ويصل إليها غير حافل بالمجال الكهربائي الذي يحيط به، وهو من أجل ذلك سلاح ماضٍ له خطره.
والديبلون سلاح جديد آخر يمتاز بأن وزنه يعادل ضعف وزن البروتون، فهو إذن أمضى وأشد فعلًا، أما إذا قارناه بجسيم ألفا؛ فإن وزنه يعادل نصف جسيم ألفا، فهو أقل منه فعلًا من هذه الناحية، ولكن الكهرباء التي يحملها نصف ما يحمل جسيم ألفا فأثره بالقوة الكهربائية للنواة يكون أضعف من تأثر جسيمات ألفا.
أسلحة من نوع آخر
من المعلوم أن مقدرة القذائف على الفتك والتدمير تتوقف على عاملين أساسيين؛ أولهما وزن القذيفة، والثاني سرعتها، فكلما زاد الوزن زاد الفتك، وكذلك كلما زادت السرعة زاد الفتك أيضًا، ولما كانت جسيمات ألفا — وكذلك البروتونات والديبلونات — تُستخدم كقذائف في تحطيم النواة والفتك بالذرة، لذلك كان من المهم أن تزاد سرعة هذه القذائف إلى أكبر حد ممكن، وقد شغلت هذه المسألة أذهان الباحثين، فقاموا باستحداث أجهزة مختلفة الغرض، منها إيجاد جسيمات مكهربة ذات سرعات عالية لاستخدامها كقذائف تُطلق على الذرة.
جهاز السيكلوترون
وقد قام لورنس بنفسه ببناء سيكلوترونات مختلفة الحجم تتفاوت طاقة أشعتها من ٨٠ ألف ڤولت إلى ١٦ مليون ڤولت، ويمتد شعاع هذه الأخيرة في الهواء بعد خروجه من نافذة الجهاز إلى ما يقرب من مترين، ويقدر عدد السيكلوترونات المعلوم وجودها في العالم كله بنحو أربعين سيكلوترونًا مختلفة الحجم، وقد جاءت الأخبار منذ نحو سنتين بأنهم شرعوا في إقامة سيكلوترون هائل في مدينة بيركلي بالولايات المتحدة يصل الضغط الكهربائي فيه إلى ما يقرب من ثلاثمائة مليون ڤولت، وينفذ شعاعه في الهواء إلى مدى ٤٣ مترًا، وأغلب الظن أن هذا الجهاز قد تم إعداده واستخدامه.
شرح الجهاز وميزاته
وسأشرح للقارئ الأساس الذي بُني عليه طريقة استخدام السيكلوترون والأجزاء الرئيسية للجهاز، فمن المعلوم أنه إذا تحرك جسيم مكهرب في مجال مغناطيسي فإنه يتحرك في دائرة، ويتوقف قطر الدائرة على سرعة الجسيم، فكلما زادت السرعة كبرت الدائرة، فإذا بدأ جسيم في الحركة ثم ازدادت سرعته فإن الدائرة التي يتحرك فيها يكبر قطرها؛ وبذلك يتحرك الجسيم في شكل لولبي.
وقد استخدم لورنس في جهازه قطبين كهربائيين كل منهما على شكل نصف دائرة؛ بحيث ينتج من اجتماعهما دائرة كاملة، وتبدأ الجسيمات في الحركة بالقرب من مركز الدائرة، وتسير في أول الأمر في دوائر صغيرة قريبة من المركز بتأثير المجال المغناطيسي العمودي على مستوى الدائرة.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن نصفي الدائرتين متصلان بجهاز كهربائي يجعل أحد النصفين يختلف عن الثاني في جهده الكهربائي، ويجعل هذا الاختلاف يتغير تغيرًا دوريًّا سريعًا، أو بعبارة أخرى: يتردد ترددًا عاليًا على نحو ما يقال في علم الكهرباء.
والسر في المسألة كلها ينحصر في ضبط زمن هذا التغير أو هذا التردد، بحيث يتفق تمامًا مع زمن دوران الجسيمات في دوائرها، فإذا عبر جسيم القطر الفاصل بين نصفي الدائرتين ازدادت سرعته بفعل الفرق بين الجهدين الكهربائيين، فإذا أتم نصف دائرة من حركته وعاد يعبر القطر في الاتجاه المضاد كان اتجاه الفرق بين الجهدين قد تغيَّر بحيث تزداد سرعة الجسيم مرة أخرى، وهكذا كلما عبر الجسيم القطر الفاصل ازدادت سرعته بفعل الجهد الكهربائي المتردد، فتزداد سرعته مرتين في كل دورة كاملة، وينشأ عن ازدياد السرعة اتساع دائرة الحركة، فيقترب الجسيم تدريجيًّا من حافة الدائرة إلى أن يصل إلى النافذة الموجودة في حافة الجهاز، فيخرج منها وقد اكتسب سرعة هائلة. وما يحدث للجسيم الواحد يحدث لغيره من الجسيمات فتخرج جميعًا منطلقة على صورة شعاع أزرق، وفي التجارب الأولى التي أجراها لورنس وليفنجستون دار كل جسيم ١٥٠ مرة في الجهاز قبل خروجه منه، ولما كانت سرعة الجسيم تكتسب إضافتين أو «علاوتين» في كل دورة فيكون عدد العلاوات ثلاثمائة، وفي الأجهزة الكبيرة التي شيدت حديثًا يزداد عدد العلاوات عن ذلك كثيرًا.
والميزة الكبرى في السيكلوترون أنها لا تحتاج إلى ضغط كهربائي عالٍ، فالصعوبات العملية في إيجاد ضغط يساوي مائة ألف ڤولت مثلًا عظيمة، أما في جهاز لورنس فيكفي استخدام بضع عشرات الألوف من الڤولت لإحداث جسيمات تقابل طاقتها عشرات الملايين من الڤولت.