وإلى الجامعة أيضًا
كتبنا نسأل إدارة الجامعة في تلك المسائل الأربع مما يخلط فيه أستاذها الدكتور طه حسين، لنناظرها فيما يقول الرجل، وما يقول إلا سخفًا؛ وإنها لتعلم وكأنها لا تعلم، وإنها لترى وكأنها لا ترى؛ وإنها لعلى حال ننكرها أشد الإنكار فيما تسميه مجازًا درس تاريخ الأدب، وما هو في الحقيقة إلا درس نفسية طه بما يضطرب فيها من الزيغ والشك وما تضطرب فيه من سوء الفهم وضعف الرأي وفساد القياس، فالجامعة تبتلي طلبتها بالرجل في درسه، ثم درسه يبتليهم بطباعه، وطباعه تأتيهم بدواهيه، ومن دواهيه ما عرفنا من جرأة في الباطل لا تعبأ بالحق، وحماقة في الرأي لا تعرف القصد، وإسراف في الظن لا يصلح معه اليقين!
وعلى أنه لو كان أستاذ الجامعة بليغًا معروفًا وشاعرًا معدودًا وحكيمًا متفلسفًا، ثم كان فيه شيء من تلك الخلال السوء، لنزلت به وغضت منه، فكيف وهو هو ذلك الذي عرف الناس جميعًا أنه سيئ الفهم في أساليب البيان؛ إذ كان بطبعه لا يحسن منها شيئًا؛ قاصر الذهن في معاني الشعر ومناحي البلغاء؛ لأنه بعيد منهم، وليس فيه إلا أنه غليظ الحس، بليد التصور، منطفئ الخيال؛ ثم هو مع هذا كله يجمع في كل هذا الدعوى الفارغة والاستطالة والشر وبذاءة اللسان، حتى ليس في مصر سبَّاب لعَّان يُعرف له من مقالات السب واللعن ما يعرف لاثنين أحدهما أستاذ الجامعة؛ ولذلك من سوء الأثر في عقل الرجل ورأيه ما لا بد من مثله في مثله، حتى ما نرى شذوذه وخروجه على الآراء المجمع عليها في التاريخ إلا أسلوبًا من أساليب شتم التاريخ.
نحن نقرر للجامعة أنه لا سبيل إلى تصديق الدكتور طه حسين فيما يهرف به إلا على اعتبار واحد، وهو أن يكون هذا الرجل روحًا متناسخة لا تزال تنحدر في مهواة الزمن، فإذا هو استوى على كرسي الجامعة مرت هذه الروح بأدوارها في التاريخ فذكرت صحبتها لامرئ القيس في سنة ٢٠٠ قبل الإسلام، ثم يكر شريط السينما، من دهر إلى دهر إلى يوم الناس هذا، والأستاذ في كل ذلك يحكي عن عيان ويخبر عن مشاهدة وهو على كرسي الجامعة في حلم مغناطيسي، نائم أشد ما كان يقظة، ويقظان أبعد ما استغرق نومًا، ولا سبيل في هذا إلا هذا، وعلى إدارة الجامعة أن تتبينه فلعله ولعله.
إن مجلس الجامعة ليعرف أن هذا الذي يسميه الناس «تاريخ الأدب العربي» إنما هو علم حديث النشأة، لم يتولَّهُ أهله، ولا وُضِع في زمنه، ولا أصاب وسائله، ولا تنبَّه إليه أحد أيام كان العلماء والرواة، وكانت مصادر النقل متوافرة، ولم يتناوله المعاصرون إلا تقليدًا، وعلى قِلَّة من الكتب، وفي موت الرواية، وبعد انقطاع الدهر الإسلامي من مواضع كثيرة، ولو أنه وُجد بيننا رجل قرأ كل مطبوع ومخطوط من الكتب العربية المبعثرة في نواحي الدنيا لم يَفُتْهُ منها ورقة ولا بعض ورقة، ثم استخرج منها هذا العلم، لجاء به ناقصًا مضطربًا ضعيفًا، لضياع أكثر الكتب في النكبات التاريخية المختلفة، ولفساد طريقة التأليف في أكثر الكتب التي انتهت إلينا، فما هو كالعلوم التي دونت وضبطت وفرغ منها وصار الكتاب الواحد يغني فيها عن الكتب الكثيرة، كالنحو والصرف والبلاغة وأشباهها، ولا هو كالفنون التي يكشف منها الاختراع وتستحدث الحاجة والتجربة، كالطب والقانون والكيمياء ونحوها.