جلسة يوم الإثنين١
حضرات النواب
نصف مليون جنيه! نصف مليون جنيه! أجل نصف مليون جنيه احتملته خزانة البلاد ثمنًا لقصر الزعفران ومصروفات الجامعة المصرية التي لم تُنشأ على صورتها الحاضرة إلا منذ سنة ١٩٢٥ دون أن تقول البلاد كلمتها في هذا الشأن، والآن يُطلب منكم أن تصادقوا على ثلاثمائة ألف جنيه أخرى؛ لتكون مصروفات لهذه الجامعة في السنة الحالية، مبالغ ضخمة وأرقام جسيمة يضج ويا طول ما يضج من ثقلها صغار الممولين ودافعو الضرائب من هذه البلاد.
أقول ذلك ولا أراني مبالغًا، ولكني أود أيضًا ألا تستروحوا من كلامي رائحة الكراهية للعلم أو الصد عن ورود مناهله ومعاهده، فإني أعتقد أن كل مال وإن عز يهون في جانب الغاية العظمى والغرض الأسمى الذي من أجله أنشئ، وينشأ مثل هذا المعهد، ولكني أعود وأقول: إن الشرط كل الشرط لذلك أن نبتدئ في أعمالنا من حيث يجب الابتداء، والقيد كل القيد أن تكون الأنظمة التي وُضعت والأساليب التي روعيت من شأنها أن تؤدي إلى هذه الغاية وتحقق ذلك الغرض، عند ذلك يستحب الإنفاق، بل يجب السخاء.
يا حضرات النواب: بالأمس تكلم حضرة الزميل الأستاذ صبري أبو علم عن الغرض من إنشاء الجامعة والغاية منها، ولكنه كان في بيانه مجمِلًا؛ فقد مر على ذلك مر النسيم، وإني أرجو وأستميحكم عذرًا في أن أراني مضطرًّا اليوم لإبداء شيء من التفصيل في هذا الموضوع، حتى تكون المقدمات مرتبطة مع النتائج التي اقترحنا ارتباطًا واضحًا منسجمًا، وهذه النتائج هي ذات العلاقة والرابطة فيما يتعلق بالمال المطلوب منا التصديق عليه اليوم.
إن الجامعة في أي بلد من بلاد العالم خاضعة دائمًا ككل كائن لنواميس العمران، تبتدئ جنينًا «أي فكرة» ثم تخرج طفلًا، ومن هنا يبتدئ دور الإنشاء ثم تترعرع فتصير صبيًّا بعناية أصحابها، ثم تنمو فتصبح شابًّا، ثم كهلًا؛ ثم شيخًا يجمع اختبارات القرون وتجاريبها؛ وحينئذ تكون جديرة بالبذل حَرِيَّةً بالإسعاد.
أيها السادة: كلنا نعرف أن ما ينفق على الطفل أقل مما ينفق على الصبي، وما يقتضيه حال الصبي أقل مما يقتضيه حال الشاب، وهكذا الحال بالنسبة للكهل والشيخ، خصوصًا في مثل المسألة التي نحن في صددها.
إذا فهمنا ذلك ووعيناه، فماذا ينبغي أن أقول وما ينتظر أن أرمي إليه؟
دخلت الجامعة في دور جديد فأصبحت أميرية منذ مارس سنة ١٩٢٥ وأصبحت تعتمد في حياتها الجديدة على الأموال المشتركة أي على المال العام، وهو مال الأمة، فيحق لحضراتكم بما لكم من الولاية على هذا المال ويقضي عليكم واجب التحري والذمة، أن تعرفوا إذا طلب منكم أن تصرفوا: لماذا تصرفون وكم تصرفون؟ الواجب أن نشجع عندما يجب التشجيع، وننتقد عندما يجب الانتقاد، بحيث لا نترك مسألة تمر علينا دون تشجيعها أو انتقادها على حسب ما تقضي به المصلحة.
لقد كنت أريد أيها السادة أن الذين أدخلوا الجامعة في الدور الجديد يفطنون إلى أن الطبيعة تأبى الطفرة، كنت أرجو ذلك، ولكن بكل أسف أقرر أن السياسة التي تملكتها شهوة التغيير والتبديل، والتي ركب أكنافها شيطان العجلة فكانت تسعى إلى المظاهر لا إلى الحقائق، وإلى الأشكال لا إلى الموضوعات، وهكذا أبرزت لنا وللبلاد جامعة في ثياب العمالقة، بينما هي لا تزال قزمًا من الأقزام، وأرادت أن تقوم تلك الجامعة على أرجلها كأنها خَلقٌ قوي بينما هي طفلة في المهد؛ ولو كان الأمر وقف عند هذا الحد لهان، ولكن الذي لا يهون أننا احتملنا مبالغ ضخمة في سبيل الأشكال لا في سبيل الموضوعات، وأننا مستهدفون — إذا لم نبادر إلى علاج حاسم — لمصروفات لا بد أن تتضخم تضخمًا كبيرًا.
ثم أفاض الأستاذ في الكلام على إدارة الجامعة ومدرسيها وإسرافها وتخبطها ببيان مستفيض، ثم قال.