كلمة جريدة الأهرام الغراء
عرضت أمس وأول أمس على مجلس النواب ميزانية الجامعة، ومن أسبوعين مضيا انتشرت في الجو إشاعات مختلفة عن الجامعة؛ فإن روح التذمر والاستياء التي بدت بين النواب من تصرفات وزير المعارف السابق في شئون وزارة المعارف تناولت تصرفاته في أمر الجامعة أيضًا، وهي تصرفات اجتمعت الكلمة على أنها خرقت القانون في كثير من المسائل الهامة بل قامت على أساس من الفوضى التي لم تُراعَ فيه للقانون حرمة.
ومنذ ذلك الحين راجت إشاعات شتى، فقيل: إن هناك فكرة ترمي إلى إلغاء قانون الجامعة وترك كل مدرسة عالية أو كلية قائمة مستقلة، مع إبقاء كليتي الآداب والعلوم كل كلية منهما على حدة إلى أن يتيسر إنشاء جامعة بالمعنى الصحيح على أساس متين منظم؛ وراجت غير ذلك من الإشاعات، ورأينا مدير الجامعة الأستاذ أحمد لطفي السيد بك يتردد على بيت الأمة عدة مرات قابل فيها دولة الرئيس الجليل سعد باشا زغلول للدفاع عن الجامعة أو عن مصير الجامعة.
ومن المسائل التي ثارت حولها الإشاعات أيضًا مسألة كتاب «الشعر الجاهلي» الذي أخرجه الدكتور طه حسين الأستاذ بالجامعة واستنكر العلماء وغير العلماء بعض ما احتواه من العبارات الماسة بالدين؛ فإن كثيرين من النواب يستنكرون بقاء الدكتور طه أستاذًا بالجامعة بعد أن اجتمعت كلمة العلماء على خروجه على الدين، وكان صاحب الفضيلة النائب المحترم الشيخ مصطفى القاياتي قد أعلن عزمه على استجواب رئيس الوزراء في هذا الشأن، ثم بذلت مساع حثيثة لحمله على العدول عن الاستجواب، ثم أبدل الاستجواب بسؤال نشرناه منذ أيام على أن يكون الرد عليه كتابة.
ولم يردَّ رئيس الوزراء على السؤال، وأشيع أن كثيرين من النواب سيعرضون مسألة الدكتور طه حسين على المجلس أثناء بحث الميزانية، وقيل: إن بعضهم سيطلب إلغاء وظيفته، فبذل أصدقاء الدكتور طه حسين مساعيَ حثيثةً للوصول إلى إقناع الذين ينوون المطالبة بإلغاء الوظيفة بالعدول عن ذلك؛ على أن يُكتفى في المجلس باستنكار عمل الأستاذ طه. وحدث أمس أن ثارت المناقشة في مجلس النواب في شأن كتاب «الشعر الجاهلي» ومؤلفه، وألقيت الخطب مما يراه القراء بنصه في محضر جلسة المجلس المنشورة في غير هذا المكان.
- (١)
إبادة كتاب الشعر الجاهلي.
- (٢)
إحالة الدكتور طه حسين إلى النيابة.
- (٣)
إلغاء وظيفته.
وقد سلم معالي وزير المعارف بالقسم الأول من الاقتراح، وتكلم دولة عدلي باشا رئيس الوزراء عن القسم الثاني، وجرت بينه وبين دولة الرئيس الجليل مناقشة اشترك فيها وزير المعارف والحقانية، انتهت بأن ذكر عدلي باشا أن قرار المجلس بإحالة المؤلف إلى النيابة يكون بمثابة اعتراض على تصرفات الحكومة وذكر مسألة الثقة بالوزارة!
وكان جو المجلس مملوءًا كهرباء فاقترح النائب المحترم الدكتور أحمد ماهر رفع الجلسة عشر دقائق للاستراحة، ولما رُفعت ذهب الرئيس الجليل إلى مكتبه بمجلس النواب وتبعه إليه عدلي باشا ورشدي باشا وبقيا معه عشر دقائق.
وكان دولة الرئيس الجليل سعد باشا متعبًا فاستقل سيارته إلى داره.
واتفق بعض النواب على تأجيل الجلسة إلى غد؛ لأن الساعة كانت قد أوشكت على العاشرة تقريبًا، وليكون هناك متسع من الوقت لتسوية المسألة.
وأعيدت الجلسة في الساعة العاشرة وثلث برئاسة حضرة صاحب السعادة مصطفى النحاس باشا، فطلب أعضاء كثيرون التأجيل لتأخر الوقت، فأجلت.
وعلى أثر انصراف دولة سعد باشا قصد دولة عدلي باشا ومعه دولة رشدي باشا إلى بيت الأمة، كما قصد إليه صاحبا المعالي فتح الله بركات باشا ومحمد محمود باشا، وتكلم عدلي باشا في ظروف الحادث، وذكر أنه قام على سوء تفاهم، فإنه لم يقصد تحدي المجلس في سلطته، وظل عدلي باشا ورشدي باشا في بيت الأمة إلى ما قبل منتصف الليل بثلثي ساعة.
وبعد انصرافهما سألنا بعض الوزراء عن النتيجة فقالوا لنا: «إن الحادث سُوِّيَ وانتهى وأصبح كأنه لم يكن.»
وعلى أثر ذلك ذهب حضرة صاحب المعالي فتح الله بركات باشا إلى النادي السعدي؛ حيث كان بعض أصحاب المعالي الوزراء، وبقي هناك نحو نصف ساعة مع كثيرين من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ يتسامرون.
ولا شك أنه كان مما يوسف له كثيرًا أن ينتهي الدور البرلماني الحاضر بخلاف يقوم حول مسألة كمسألة أمس بعد أن سار مجلس النواب والوزارة في مختلف شئون الدولة الخطيرة بتمام الاتفاق والوئام، وأن تثير الحكومة مسألة الثقة بسبب كتاب سَلَّمت — إذ أقرت مصادرته وقبلت إبادته — بضرر ما فيه، كتاب نعرف أن الأغلبية العظمى من الأمة — وفي مقدمتهم العلماء والمتعلمون — لا ترضى عنه ولا عن مؤلفه.