الفصل الثاني
المشهد الأول
(بياتريتشى، وفانا)
بياتريتشى
(منكوشة الشعر، في أوج غضبها، وبالقرب
من الباب الأيسر، تصرخ تجاه الداخل وهي تنادي فانا)
:
لا يُهم! الآن، خذيها وأحضريها إلى هنا، لا يُهمُّني
كيف، أريد أن أكون في الخارج قبل المساء! بعيدًا عن هذا
المنزل الملعون (يُسمع صوت دق جرس الباب).
فانا
(وهي تخرج من الباب الأيسر، محملةً
بالبياضات)
:
آه يا عذراء! مَن يكون يا تُرى؟!
بياتريتشى
:
اذهبي لتفتحي، وإذا كان المفوَّض أدخليه، وقولي له أن
يتحلَّى بالصبر للحظات، لا يمكنني أن أخرج له هكذا!
(وتتجه للباب الأيمن، تذهب فانا وهي تحمل
جبل البياضات بين يديها، تذهب لتفتح باب المنزل وهي تنهج، وبعد
قليلٍ نسمع صرخةً من الداخل، تدخل إلى المشهد آسونتا لا بيللا،
يتبعها فيفي لا بيللا والذي يمسك بذراع فانا يهزُّها بغضب.
الأمُّ والابن لاهثان ومضطربان.)
المشهد الثاني
(السيدة آسونتا، وفيفي لا بيللا، وفانا، ثم
بياتريتشى)
آسونتا
(وهي تُهرع في ارتباكٍ في البداية نحو
الباب الأيمن ثم نحو الأيسر صارخة)
:
بياتريتشى! بياتريتشى! أين هي؟ أين هي؟ بياتريتشى! (وهي
تدخل من الباب الأيسر وهي لا تزال تنادي.)
فانا
(وهي تدافع عن نفسها أمام فيفي الذي
يحاصرها)
:
ولكن لماذا أنت غاضبٌ مني يا سيدي؟
فيفي
(مُمسكًا فانا من يدها وهو يهزُّها
بغضب)
:
لأنه كان واجبك أن تأتي لي وتخبريني!
آسونتا
(وهي تدخل من جديد من الباب
الأيسر)
:
ولكن أين هي ابنتي؟ قولي أين هي! بياتريتشى!
بياتريتشى!
بياتريتشى
(تُهرع نحو الصراخ القادم وتظهر من
المدخل الأيمن وهي تُلقي بنفسها بين ذراعي والدتها)
:
أمي! أمي! (وتنفجر في البكاء.)
آسونتا
:
ابنتي! ابنتي! ماذا فعلتِ؟ لقد دمَّرتِ نفسك!
فانا
(وهي تدافع عن نفسها ضدَّ فيفي الذي
يمسك بها)
:
ولكنْ إذا كانت هي التي أرادت أن تقوم بكل شيء بنفسها
دون أن تستمع لأحد! قلت لها هذا مرَّاتٍ عديدة، يا لي من
مسكينة، تكلَّمي أنتِ يا سيدتي أرجوكِ! قلتُ لها: «اذهبي
لأخيكِ فهو رجل! اطلبي النصيحة أولًا من والدتك!»
آسونتا
:
ولا تقولي شيئًا، ولا لي أنا أيضًا! تُلقين بنفسك
بالتهلكة هكذا دون أن تتحدثي مع أحدٍ عمَّا يحدث!
فيفي
(وهو يمسك أخته من أحد ذراعيها نازعًا
إياها من حضن والدتها)
:
أريد أن أعرف لماذا تبكين الآن؟! أتعرفين أنكِ قلبتِ حال
البلدة كلها؟
آسونتا
:
لقد قبضوا عليه يا ابنتي! لقد ألقَوا القبض عليه!
فانا
:
سيدي؟ يا عذراء!
آسونتا
:
وهي أيضًا!
فانا
:
وزوجة تشامبا أيضًا؟!
بياتريتشى
:
كلاهما؟ يا لها من متعة! آه، إنني سعيدة! هذا هو ما
أردتُ بالضبط!
آسونتا
:
ولكن ماذا تقولين يا ابنتي؟
فيفي
:
الفضيحة! العار!
بياتريتشى
:
نعم، نعم، الفضيحة، العار الذي أصابه!
فيفي
:
وأصابكِ أنتِ أيضًا يا مجنونة! ماذا تعتقدين أنك ربحتِ
بهذا الجنون الذي ارتكبتِه؟
بياتريتشى
:
ماذا؟ ربحتُ هذا … انظر (وتنفَّست الصُّعداء) آه! إنني
الآن أستطيع التنفس … هكذا! وإنني أعطيتُه درسًا يستحقُّه!
فأنا حُرة، حُرة!
فيفي
:
حُرة! أنتِ مجنونة! ماذا تعني بحُرة؟ حُرة بأن تأتي الآن
إلى منزلي دون أن تتمكني من أن تُخرجي وجهك من الباب!
أتقولين حُرة ولكن بلا وضعٍ اجتماعي؟
بياتريتشى
:
لا يُهمُّني شيء سوى ألَّا أراه مرةً ثانيةً أمامي! كنتُ
أُعِد نفسي لأن أذهب! بل بدأتُ أُعِد نفسي من مساء
أمس.
فيفي
:
ولكنني أمس في المساء كنت هنا! قولي لي شيئًا؟ هل كنتِ
تلك المرأة التي تتحدثين معها مدبِّرةً كل شيء؟!
فانا
:
نعم، نعم، تمامًا، هي، هي يا سيدي.
آسونتا
:
مَن هي؟
فانا
:
الغجرية يا سيدتي!
آسونتا
:
يا إلهي! وكيف يا ابنتي تتحدثين مع امرأةٍ كهذه؟ وأنتَ
يا فيفي ألم يساورك الشك؟!
فيفي
:
هل كان يمكنني تخيُّل هذا؟!
فانا
:
أرسلاني لأستدعي المفوَّض سبانو.
فيفي
:
سبانو؟
آسونتا
:
سبانو؟ ولكن كيف؟
فيفي
:
هل قُلت المفوَّض سبانو؟
آسونتا
(لبياتريتشى)
:
سبانو؛ الشخص الذي صنعه أبوك، هل استطاع عمل ذلك؟ دون أن
يُثنيك عن عزمك؟
فيفي
:
لِمَ أنتِ طيبة القلب يا أمي؟ أليست هذه فرصة بأن يضع
يده على أحدهم بينما يرفع قبعته بالتحية لكل أولئك (يتوقف
وهو يسدُّ فمه متوجعًا) آه، كنتُ على وشك أن أقولها! الذين
يساعدونه لأنْ يعيش في سلامٍ مع زوجته! هل فهمت؟!
آسونتا
:
آه، منذ متى وذلك العار يحيط بنساء بلدتنا؟
فانا
:
إنه أمر معروف بالفعل يا سيدتي منذ أعوام حرصه، وفمه
دائمًا مغلق.
آسونتا
:
وأنا أيضًا عانيتُ الكثير من ذلك وأنتِ تعرفين يا
فانا.
فانا
:
إنه زمنٌ مضى يا سيدتي، مضى.
آسونتا
:
كيف لم تفكري فيَّ يا ابنتي؟ إنني سيدة مُسنَّة.
أتظنين أنني يمكنني أن أتحمل صدماتٍ قويةً كهذه؟ سأموت
غدًا بسبب ما حدث … بل أشعر الآن، آه، الله وحده يعلم بما
أشعر …
فيفي
:
اهدئي يا أمي، ولا تغضبي، وإلا لا أعرف ما سأفعله بحقِّ
السماء، هل أرادت أن تضعنا في تلك المصيبة تلك المجنونة؟
والآن لتمكث فيها وحدها!
آسونتا
:
حقًّا! وكأنها ليست ابنتي وليست أختك! ماذا تقول؟
فيفي
:
وهل تتذكر الآن أنها أختي؟ كنت معها بالأمس!
ماذا يمكننا أن نفعل لها الآن؟ لا نستطيع شيئًا سوى أن
نأخذها معنا إلى المنزل لأنه من المؤكد أنها الآن لا
تستطيع البقاء هنا مع زوجها.
بياتريتشى
:
ومَن يريد أن يبقى هنا؟ (يُسمع صوت الباب، يتوقف
الجميع.)
آسونتا
(مضطربة)
:
مَن يكون؟
بياتريتشى
:
أنا لستُ خائفةً من أحد.
فيفي
(لفانا)
:
اذهبي لتفتحي الباب، أنا هنا.
فانا
:
تعالَ معي أرجوك يا سيدي؟ فأنا أرتجف.
فيفي
(لأمه وأخته)
:
اذهبا من هنا الآن. (لفانا) وأنتِ، اذهبي لتفتحي بلا
تصنع.
آسونتا
:
تعالي، تعالي معي يا ابنتي.
(وتتجه للباب الأيمن مع بياتريتشى.)
المشهد الثالث
(فيفي، وفانا، والمفوَّض سبانو، ثم آسونتا
وبياتريتشى)
فيفي
(يقف وحده بينما فانا تفتح
الباب)
:
آه، هو أنت يا سيدي المفوَّض؟
سبانو
(وهو يدخل)
:
في خدمتك دائمًا يا سيدي فيفي.
فيفي
:
آه، يا لها من خدمة جليلة تلك التي أسديتَها للعائلة،
يجب أن تفتخر بما فعلت! بالفعل لا بدَّ أن نشكرك ونشعر
بالامتنان نحوك!
سبانو
:
إنكَ تجرحني يا سيد فيفي!
فيفي
:
ولكن كيف؟ معذرة. أهذه هي الطريقة التي تتصرف بها كصديقٍ
للعائلة، عائلة أنتَ تدين لها — بحقِّ السماء — بأفضالٍ
كثيرة.
سبانو
:
لذلك أقول لك إنك تجرحني، تجرحني في أقدس ما لديَّ من
مشاعر! أنني موظفٌ حكوميٌّ يا سيد فيفي.
فيفي
:
لكَ جزيل الشكر، أعرف ذلك جيدًا. أقول هذا للصديق: كيف
أتيتَ هنا؟
سبانو
:
دعتني السيدة.
فيفي
:
حسنًا، وتلقيت الشكوى.
سبانو
:
أنا أتلقَّى؟ ماذا تقول؟ انتظر … إنك تجرحني يا عزيزي
فيفي … لقد فعلت كل ما بوسعي … والسيدة … أين هي؟ أين هي؟
تستطيع أن تقوله لك؛ فعلتُ كل ما بوسعي يا سيدي فيفي لأقنع
السيدة.
فيفي
:
كان يجب عليك أن تأتي إليَّ أولًا.
سبانو
:
بعد أن قدَّمت الشكوى بالفعل.
فيفي
:
تمامًا، لأجعلها تستردُّها.
سبانو
:
إذَن أقول لك إنك لا تعرف أختك جيدًا جدًّا! أُقسِم
بالله لقد هدَّدتني بأنها ستأخذها بنفسها للحاكم، ستأخذ
الشكوى هي وتبلغه أنني … آه هي هي، ها هي قد وصلت (تدخل
آسونتا، ومعها بياتريتشى من المدخل الأيمن، يُسرع سبانو
ليقبِّل يد السيدة آسونتا التي تمتنع).
سيدتي المُبجَّلة … دعيني، واسمحي لي أن أقبِّل يدك
المُقدَّسة … وأنتِ يا سيدة بياتريتشى، أرجوكِ قولي لأخيكِ
…
آسونتا
(تقاطعه)
:
يبدو لي هذا بلا فائدة يا سيدي المفوَّض، بلا فائدة يا
عزيزي فيفي أن نتعاتب.
بياتريتشى
:
ولكن السيد المفوَّض على حق.
سبانو
(لفيفي)
:
هل تسمعها؟
مباركٌ الفم الذي ينطق بالحق، ولكنْ إذا كنت قد أخطأت،
يا عزيزي السيد فيفي، ويا عزيزتي السيدة آسونتا … والتي
أبجِّلها، يعلم الله، كأمٍّ لي.
أتعلم؟ إنك الآن تدفعني على البكاء يا سيد فيفي … نعم
البكاء، لأن الخطأ الذي ارتكبته أنا … ارتكبته من فرط
الصداقة، لأن وضعي هنا، أن أتولى هذه المهمَّة (القذرة)،
واعذريني يا سيدتي على هذا اللفظ، هنا في البلد نفسه الذي
وُلدت فيه، هو أفظع شيء يمكن أن يحدث لإنسان، ولكن
اعذروني، اعذروني، كان يمكنني أن أجد نفسي وجهًا لوجهٍ وأن
أضع يدي أنا، على الفارس فيوريكا، أنا؟ عندئذٍ ماذا فعلت؟
وبسبب تقديري للصداقة ارتكبتُ أكبر حماقة، وبسبب هذه
الحماقة يا سيدي فيفي عليكَ أن تلومني.
فيفي
:
ولكنْ إذا كنتُ لا أعرف بعدُ ماذا ارتكبت! ماذا فعلت؟
قُل لي، كيف حدث كل شيء؟ هل يمكن أن أعرف؟
سبانو
:
الذي حدث أن … نظرًا لأنني لم أستطع … لم أستطع أن أقوم
أنا بذلك … بمهمَّةٍ كهذه … كلَّفتُ آخر … زميلي لوجاتو،
وهو غريبٌ من كالابريا … وهل تعرف؟ هل رأيت ماذا فعل؟ ذلك
الغبي الحمار.
فيفي
:
قبض على الاثنين معًا، على نسيبي وعلى المرأة.
بياتريتشى
:
لكنه على ما يبدو لي فعل واجبه، فعل تمامًا ما كان يجب
عليه عمله.
آسونتا
:
اصمتي يا ابنتي! إنكِ لا تعرفين ماذا تقولين.
فيفي
:
إذَن فقد وجدهما معًا، هذا ما تقوله.
سبانو
:
حسنًا … معًا … وليسا معًا … لم يكُن هناك تلبُّس
فعلي.
بل لا يمكن أن نقول إنه حدث … وهذا يُعَدُّ شيئًا عظيمًا
بالفعل! بل إنني أعتقد نظرًا لمسار الأحداث، أنه يمكن
إثبات عدم حدوث أيِّ شيء، أيِّ شيءٍ على الإطلاق!
فيفي
:
إذَن، لماذا قُبض عليهما؟
سبانو
:
لأنني لم أكُن هناك! لأن هذا الغبي من كالابريا كان
هناك، هذا هو ذنبي، ولكن الفارس سيُطلق سراحه، يا سيد
فيفي، سيتمُّ الإفراج عنه هذا المساء! أعِدُك وأُقسِم لك!
إذا لم يحدث هذا فلن يكون اسمي بعد الآن ألفيو
سبانو!
فيفي
:
اتفقنا، ولكنْ قُل لي إذَن، بحقِّ السماء، كيف كان
الأمر؟
سبانو
:
آه، سأخبرك بما حدث، لوجاتو، وبواسطة المفتاح الذي
أخذناه من السيدة بياتريتشى دخل إلى مكتب الفارس فيوريكا،
ثم اختبأ في المخزن الملحق بالصالة. وبمجرد أن قام
الحرَّاس بطَرق الباب الثاني، من مدخل تشامبا، ودعوهما لأن
يفتحا الباب باسم القانون، فإن الفارس وبمجرد أن ذهبت
المرأة لتفتح، بالطبع ماذا فعل؟ كان على وشك أن يدخل إلى
صالة المكتب.
بياتريتشى
(بصرخة منتصرة)
:
آه حسنًا، هل رأيتم؟ إذَن كان هناك في مدخل تشامبا، كان
قد فتح الباب المشترك.
سبانو
(مؤيِّدًا)
:
نعم يا سيدتي.
بياتريتشى
:
وكيف إذَن استطاع أن يفتحه إذا كان تشامبا قد أغلقه
وأحضر لي المفتاح إلى هنا؟ هذا هو الدليل، الدليل على صحة
كل شيء.
سبانو
(وهو يتراجع)
:
لا يا سيدتي ليس دليلًا، انتظري …
بياتريتشى
:
وكيف ذلك؟
سبانو
:
دعيني أشرح لك، إن الأقفال الإنجليزية يا سيدتي لها
جميعًا مفتاحان.
بياتريتشى
:
مفتاحان، حسنًا جدًا؛ واحد في جيب تشامبا، والآخر في جيب
زوجي.
سيانو
:
لا يا سيدتي، دعيني أخبرك، مكتوب في المحضر أن الفارس
فيوريكا قال إنه عندما وصل إلى كاتانيا، كان يتوقع أن يجد
تشامبا في مكانه — ذلك الرجل النبيل — ونظرًا لأنه كان في
عجلةٍ لأن يرى المراسلات التي وصلت أثناء غيابه — وهي
كلماته في المحضر — يقول إنه: طرَقَ على الباب ليسأل زوجة
تشامبا، كما يقول، عن طريقة يغسل بها يديه على
الأقل.
بياتريتشى
(بضحكة صارخة)
:
يديه … آه … فعلًا يديه! طبعًا!
سبانو
:
يديه! النبيل المسكين، كان عليه أن يفتح
الخطابات.
فيفي
:
لا تُصغِ إليها، أكمل …
سبانو
:
عندئذٍ قامت هي — كما يقول — زوجة تشامبا، بإعطائه
المفتاح الآخر — كما يقول — من أسفل الباب.
بياتريتشى
:
آه، يا لَلمصادفة! من أسفل الباب، يا لها من قصة!
سبانو
(وهو يعقب)
:
إن ما تم إثباته في الواقع يا سيدتي، أن المسافة أسفل
الباب تسمح بمرور المفتاح. ولقد كان الفارس مشمِّرًا قميصه
وغاية في الاحترام!
بياتريتشى
:
فعلًا، وهي كيف كانت؟ كيف كانت؟!
سبانو
:
حسنًا … كانت … كانت …
بياتريتشى
:
قُل لي كل شيء مكتوب في المحضر.
سبانو
:
إذَن أستطيع أن أقول إنها لم تكُن ترتدي حتى
القميص.
بياتريتشى
:
عارية! كانت عارية!
سبانو
:
لا! بمَ تفكرين يا سيدتي؟! أقصد كانت ترتدي شيئًا أكثر
من القميص، كانت ترتدي الملابس الداخلية والقميص — مثل كل
النساء — أقصد نساء الطبقات الدُّنيا طبعًا، في هذا الموسم
ومع ارتفاع درجة الحرارة، حتى إنني — يعلم الله — أغرق في
عرقي الآن.
كانت ترتدي أكثر من القميص، فلتهدئي يا سيدتي، كان
قميصًا عاريًا إلى حدٍّ ما … ذراعاها عاريتين … قمصان
السيدات، كما تعلمين …
بياتريتشى
:
آه فعلًا! يكفي أنهم لم يعثروا عليهما عاريين!
آسونتا
:
ولكن بياتريتشى كيف يمكنكِ التحدث هكذا؟ لم أعُد أعرفك
يا ابنتي!
فيفي
:
فلتخجلي من نفسكِ؛ أنتِ أمام رجل (ويشير إلى
المفوَّض).
بياتريتشى
:
ولكنْ أيُّ رجل؟!
آسونتا
:
وهل هذه أشياء تُقال؟
بياتريتشى
:
فلنخبئها إذَن، فلنخبئها، فعلًا، فلنُصلحها.
فلنضع عليها الملابس التنكرية إذَن، تلك الفضائح نخجل من
أن نقولها، ولا نخجل من أن نرتكبها.
فيفي
:
لا أفهم يا سيدي المفوَّض، ولماذا إذَن قُبض عليهما
معًا، إذا كان المحضر سلبيًّا؟
سبانو
:
إذَن … بالنسبة للمرأة فقد قبضوا عليها بسبب العُري
المبالغ فيه، تفهمني طبعًا. أمَّا الفارس، لأنه … تخيل
قليلًا … بمجرد أن شعر بهم وهم يضعون يدهم عليه، استشاط
الرجل المحترم غضبًا، غضبًا كالجحيم. إذا كنتُ أنا هناك
لكنت عذرته، حتى وإن أوسعني صفعًا كنت سأَقبَل صفعاته باسم
الصداقة. ولكن ذلك الأحمق من كالابريا، وضع في رأسه أنه قد
اعتدى بذلك على العدالة، وهكذا قُبض عليه.
ولكنْ سيُطلق سراحه يا سيد فيفي، أعِدُك وأُقسِم لك،
سيخرج هذه الليلة، وإذا لم يلتزم لوجاتو الصمت، سأتعامل
أنا معه!
فيفي
:
بالفعل … هذا ما أقصده … إذَن لم يكُن هناك شيء.
سبانو
:
لا شيء! لقد فتشنا كل شيء، حتى حقيقة ملابسه … حتى
السُّترة التي كان الفارس قد خلعها.
بياتريتشى
:
آه، حتى السُّترة! حتى حقيبة السفر! قُل لي إذَن! ألم
يجدوا صدفةً عِقدًا ما بقلادة؟ الذي قد وعد أن يُحضره لها
هديةً من باليرمو.
فيفي
:
آه، هذا إذَن العِقد الذي كلَّفت تشامبا بشراء واحدٍ
مماثلٍ له؟
بياتريتشى
:
تمامًا!
(إلي سبانو) أجبني! هل وجدوه؟
سبانو
:
معذرةً يا سيدتي، مَن تحدَّث معكِ عن هذا العِقد؟
الغجرية؟
فانا
:
نعم يا سيدي، هي بعينها.
سبانو
:
وإذا كنتُ أعرف أيضًا ذلك، لقد حدثتني عنه، إنه شيءٌ
غاية في الحماقة يا سيدتي! حماقة وُلدت من أن زوجة تشامبا،
وأثناء مشاجرتها، كما تفعل دائمًا النساء في الجوار،
واللاتي يسخرن منها بسبب كل الخواتم التي ترتديها في
أصابعها، تفاخرت قائلةً إنه في أحد هذه الأيام، وذلك
لتُميتهم غيظًا، ستظهر أمامهم من النافذة، وكأنها سيدة
عظيمة ترتدي عِقدًا كبيرًا، عِقدًا بقلادة فوق صدرها. هذا
هو كل ما في الأمر، أتعرفين يا سيدتي، أتعرفين ماذا وجدنا
بالفعل في حقيبة السيد الفارس؟ كتاب تلاوة القدَّاس، صغير
جدًّا … هكذا، رائع! بتجليد من العاج وصفحات
مُذهبة.
آسونتا
:
أرأيت يا ابني؟ لك أنت.
سبانو
:
بل انتظري، كانت هناك علبةٌ من اللوز المحشو.
آسونتا
:
ذلك الذي يُعجبك!
فانا
:
ولكنني كنت أقولها دائمًا إنه يعاملها كملكة.
فيفي
:
أيتها الحيوانة، ناكرة الجميل!
(تُلقي بياتريتشى بنفسها وهي تبكي، نادمةً
ومتأثرة، على صدر أمِّها.)
سبانو
(سعيد بالتأثر الذي حصل عليه، يعضد
الكلام مشيرًا برأسه، لم يقترب من فيفي، ويقول له)
:
ولكن للحرص يا سيدي فيفي، لأنه نظرًا، كما أرجو، لأنني
سأطلق سراح الفارس هذه الليلة نفسها، سيكون من الأفضل
ألَّا يجد السيدة في المنزل عندما يعود.
آسونتا
:
آه! بالتأكيد، بالتأكيد.
فيفي
:
سنأخذها معنا إلى المنزل.
سبانو
:
على الأقل لبضعة أيام، يجب أن نتحمله ونعذره فلقد أصابه
الجنون — المسكين — ويهدِّد بأن يرتكب أشياء لا يصدِّقها
عقل.
فيفي
:
معك حق، معك حق، أنا لا أعرف، لا يمكنني أن أفعل إذا
كنتُ مكانه.
سبانو
:
ولكن لا بدَّ وأن الأمر سينتهي يومًا ما، تأكد من ذلك،
سيتبخر الغضب خلال بضعة أيام، وكلٌّ سيعود كما كان — آه،
اللهم لا حسد — يا له من منزل جميل يا سيدتي، يحيط به
السلام المقدَّس.
(وقفة طويلة، وكأن كل شيء قد انتهى، ولم
يعُد هناك أيُّ شيء يُقال أو أن يُنفذ. وفجأةً يكسر هذا الصمت
النهائي دقات جرس عنيفة على الباب.)
فانا
(وهي تقفز بفزع)
:
آه يا إلهي، ساعدنا، إنه هو تشامبا.
فيفي
:
آه، حقًّا إننا لم نفكر فيه مطلقًا.
سبانو
:
يا إلهي فعلًا، يوجد هو أيضًا وزوجته المقبوض عليها
…
آسونتا
:
وماذا سنفعل الآن؟ كيف يمكن أن نُصلح الموقف لهذا
المسكين؟
سبانو
:
ربما سيكون من الأفضل ألَّا نفتح له.
فيفي
:
لا، من الأفضل أن نُدخله، بل من الأفضل أن نحاول توضيح
الأمور بالعقل، هنا، بيني وبينه.
سبانو
:
فعلًا … ولكن احترس … احترس لأنه سيرتكب أفعالًا
جنونية.
فيفي
:
ليفعل ما يريد … المُهم أنه في النهاية …
فانا
:
أشعر أن كل عروقي ترتعش.
بياتريتشى
(بخضوع)
:
سيكون من الأفضل أن أنسحب من هنا مع أمي، أليس
كذلك؟
فيفي
(وهو يصرخ وينظر إليها بغضب)
:
يبدو لي هذا أفضل! أعتقد ذلك.
آسونتا
:
لنذهب، لنذهب يا ابنتي، لنتركهم ليتحدثوا كرجالٍ بمفردهم
(وتذهب مع بياتريتشى ويدخلان من الباب الأيمن.)
فيفي
(لفانا، وهي تبتعد مرتعشةً مع
السيدتين)
:
إلى أين أنتِ ذاهبة؟ اذهبي لتفتحي الباب.
سبانو
:
لا تخافي شيئًا، فأنا هنا.
(وتتجه فانا لباب الخروج.)
المشهد الرابع
(تشامبا، وسبانو، وفيفي، وفانا)
فانا
(تدخل على الفور مهرولةً)
:
يا عذراء إنه كالميت، لقد دخل وسقط على المقعد.
فيفي وسبانو
:
كيف؟ ماذا حدث؟
(يجريان ليريا، يدخل تشامبا من الباب
الرئيسي كالجثة، وثيابه ووجهه مُتربان؛ الجبهة مجروحة، قميصه
مفكوك، ورباط العنق أيضًا، نظارته في يده. وعلى الفور يدور
فيفي وسبانو حوله متعجلَين ومذعورَين وينفضان التراب من على
بذلته بيديهم.)
فيفي
:
ولكن كيف؟ مَن فعل بكَ هذا يا تشامبا العزيز؟
تشامبا
(ببطء وبحدَّة)
:
لا شيء، تعثرت، لقد تكسرت عويناتي.
فيفي
(وهو يجري نحو أحد المقاعد، بينما يجري
المفوَّض نحو مقعدٍ آخر، وفانا نحو مقعدٍ ثالث)
:
هيَّا اجلس … اجلس هنا …
سبانو
:
هنا يوجد مقعد.
تشامبا
:
شكرًا، لن أجلس.
فيفي
:
كيف؟ لماذا لا؟
تشامبا
:
لأنه لا.
سبانو
:
وإذا كانت قدماكِ لا تقويان على حملك.
تشامبا
:
لا تخف، فأنا بسبع أرواح مثل القطط. الآن سأستعيد نفسي،
ولكن، على كل حال … سأرحل فورًا، أين السيدة؟
سبانو
:
إن السيدة يا تشامبا هناك.
فيفي
:
تستطيع أن تفهم أنها في هذه اللحظة لن تستطيع التحدث
معك.
تشامبا
:
التحدث! وما الحاجة إلى الكلام بعد ما حدث؟
فيفي
:
ولكن، ما حدث، يا تشامبا العزيز، ليس كما تتخيله.
سبانو
:
المحضر سلبي، سلبي تمامًا.
فيفي
:
إليك، هل سمعت؟ يقولها لك السيد المفوَّض نفسه. أؤكد لك؛
ليس لديك حقٌّ في أن تقف هكذا.
تشامبا
:
أنت تؤكد لي ذلك.
سبانو
:
ولكن لا، الأفعال، الأفعال، المحضر، هل فهمت يا عزيزي
تشامبا؟ هذا ما جاء في المحضر.
تشامبا
:
هل هذا ما جاء في المحضر؟
فيفي
:
ولكن بالتأكيد إذا كان الأمر لا أساس له على الإطلاق
…
سبانو
:
وذلك بإثباتٍ قانوني.
فيفي
:
يجب أن تعترف بذلك.
تشامبا
:
ليس لديَّ مشكلة، أريد أن أسلم بعض الأشياء
للهانم.
فيفي
:
الأشياء التي أحضرتها من باليرمو يمكنك أن تسلمها لي أنا
إذا أردت.
تشامبا
:
ليس لديَّ مشكلة، ولكن يبدو لي أن الأصحَّ والأفضل أن
أسلِّم الأشياء للسيد المفوَّض طالما هو هنا!
فيفي
:
بالتأكيد، له … لي …
(إلى سبانو) إنها بعض الأشياء التي استلمها تشامبا من
محلِّ الرهونات.
سبانو
:
حسنًا، حسنًا …
فيفي
(إلى تشامبا)
:
ويمكنك أيضًا تركها هناك …
(يشير بنوع من التعالي للمائدة الصغيرة
بجوار الأريكة.)
تشامبا
:
هل سيادتك تعطي أهميةً كبيرةً لمصداقية محضرٍ ما؟
فيفي
:
ولكنْ … وما دَخلُ ذلك؟ إن المحضر هو إثبات حالةٍ ما،
كما شرح لك المفوَّض.
سبانو
:
تمامًا قانوني.
تشامبا
:
حسنًا أريد يكون هذا أيضًا إثباتًا قانونيًّا؛ إنني
سلَّمتُ للسيد المفوَّض هذه الأشياء، لأن الهانم هذه التي
أرسلتني.
سبانو
:
ولكن بالتأكيد، أعرف ذلك، يا عزيزي تشامبا.
تشامبا
:
أعرف! (مبتعدًا بما يحمله) سيادتك يجب أن تستنتج واقع
أنني، كخادمٍ متواضع، ذهبتُ وعُدت، منفِّذًا المهمَّة
وسلمتُ هناك، كما أسلِّم الآن لسيادتكم، هذين
الشيئين.
(ويُخرج من جيبه العُلبتين) واحد، اثنان. لا أريد شيئًا
آخر (ويهُمُّ بالرحيل).
فيفي
:
وماذا تفعل الآن؟
تشامبا
:
لا شيء، سأرحل.
فيفي
:
سترحل هكذا؟
تشامبا
:
وماذا تريدني أن أفعل هنا أيضًا؟ كنتُ أريد التحدث مع
الهانم ولكن لا يمكن، إذَن سأرحل.
فيفي
:
ولكن ماذا تريد أن تقول — اعذرني — للهانم؟
(فانا، من الخلف، تشير بالنفي أكثر من مرةٍ
لفيفي ويدها تحت ذقنها.)
تشامبا
(وهو يلتفت فجأةً ويفاجئها وهي تومئ،
ويقلدها)
:
ماذا بك، هل يؤلمك حلقك مثلًا؟! صعوبات في التنفس ليكون
في علمك، أنا أنظر إلى الأرض ولكن في نفس اللحظة أستطيع أن
أعدَّ النجوم، حتى دون عويناتي. (مقتربًا من فيفي) ربما
تكون سيادتك تشعر بالخوف، إذا قمت بالتحدث مع أخت
سيادتك.
فيفي
(وهو يقاطعه)
:
ولكن لا، خوف! إنها أختي التي لا تستطيع في هذه اللحظة،
قلت لك، لا تستطيع لأنني أنا والسيد المفوَّض وأمي التي هي
أيضًا معها، بالداخل أثبتنا لها وجعلناها تلمس بيديها مدى
الجنون الذي ارتكبته وصدِّقني، يا تشامبا العزيز، إنها
نادمة، بل تشعر بالندم الشديد، أليس كذلك؟
سبانو
:
طبعًا، إنها تبكي.
تشامبا
:
آه، تبكي.
فيفي
:
أجل تبكي، أيضًا لأننا قلنا لها ما تستحقُّه وأكثر،
ويمكن للمفوَّض أن يشهد بذلك.
سبانو
:
هذا ما حدث بالفعل؛ شيءٌ بشع.
فيفي
:
أؤكد لك يا تشامبا، إنك لن تستطيع أن تقول لها أكثر مما
قلته أنا.
تشامبا
:
وماذا تتخيل إذَن ما أريد أن أقوله لسيدة؟ إن أخت
سيادتك، لم تفعل شيئًا، سوى أنها أخذت اسمي، دُميتي، هل
تتذكر أنني بالأمس تحدثتُ عن الدُّمى؟ لقد أخذت دُميتي؛
وألقت بها أرضًا، ثم ركلتها بقدميها … هكذا (ثم ألقى
بقبعته أرضًا وأخذ يسحقها بقدمه) لأن السيدة — الدمية
المسكينة — اعتقدت أن أحدًا ما يسحقها … فوضعُها — وضعي
ووضعُها — في النهاية متشابهان؛ أنا هنا وهي هناك، ماذا
تريدني أن أقول لها؟ أريد فقط أن أسألها سؤالًا واحدًا،
وليس للسيدة نفسها ولكن لضميرها.
فيفي
:
أيُّ سؤال؟
تشامبا
:
اعذرني، إذا كنت أقول لضميرها (وبقفزةٍ مفاجئةٍ يتقدم
للمفوَّض).
سبانو
:
سيدي المفوَّض، اقبض عليَّ.
فيفي
(وهو يجذبه للخلف)
:
ولكنْ لا، ما هذا الذي تقوله؟
سبانو
:
نحن نعرف جيدًا أنك رجل شريف يا تشامبا.
تشامبا
:
على كلٍّ سيادتك هنا، ويُسعدني، يُسعدني أنك أيضًا هنا
يا سيدي المفوَّض، لأنك هكذا يمكنك أن ترى القلب … قلب
رجلٍ يبكي، يبكي دمًا … دمًا حقيقيًّا لأنه تمَّ اغتيالي …
ثم ينفجر في تشنجات وبكاء مفاجئ ومستمر.
فيفي وسبانو
:
ولكنْ لا … لكنْ لا … ماذا تقول؟ وإذا لم يكُن هنا فلا
داعي لكل هذا، اهدأ … يا تشامبا.
تشامبا
:
فعلًا، اهدأ … إذَن هل تريد أن أوجه ذلك السؤال الوحيد
إلى السيدة أم لا؟
فيفي
:
بالطبع، سأذهب لأستدعيها (ينادي وهو ينظر للمدخل
الأيمن).
بياتريتشى أمي تعالي يا بياتريتشى.
المشهد الخامس
(بياتريتشى، وآسونتا، والسابقون، ثم في النهاية
الجيران والجارات)
فيفي
(لبياتريتشى التي تدخل مع
أمِّها)
:
اسمعي، تشامبا هنا يريد أن يوجِّه إليك سؤالًا
ما.
آسونتا
(بتعاطف)
:
آه أيها المسكين، هل أُصبت؟
تشامبا
:
هذا ليس شيئًا يا سيدتي. السبب هي عويناتي التي تكسَّرت،
فأصبحتُ أرى ولا أرى، ولكنْ على كلِّ حالٍ لم يعُد لديَّ
شيء الآن لأراه. (إلى بياتريتشى) إن السؤال الوحيد الذي
أريد أن أوجِّهه إليك يا سيدتي؛ هل تعتقدين سيادتك —
ولنترك ما حدث هذا الصباح جانبًا، لنترك كل شيء — هل
تعتقدين، في ضميرك، أنه كان معك حقٌّ في أن تفعلي ذلك، على
الرغم من أنني بالأمس، وفي وجود أخيك …
آسونتا
(وهي تحاول أن تقاطعه)
:
بالطبع، نحن نعلم كل شيء يا تشامبا.
فيفي
:
إنكَ حتى أحضرتَ زوجتكَ إلى هنا.
تشامبا
:
اسمحا لي … اسمحا لي … اتركاها تتحدث لأنه ربما كانت
السيدة، بالرغم من كل شيء أرادت أن تطعنني أنا أيضًا،
معتقدةً لها الحق فيما تفعله. أهو كذلك يا سيدتي؟ أجيبي
بضميرك.
بياتريتشى
(بتردد)
:
لا … لا … أنا … تجاهك.
سبانو
:
لم تكُن السيدة تريد أن تطعنك أنت يا تشامبا العزيز،
ولهذا السبب أرادت إبعادك وأرسلتك إلى باليرمو.
بياتريتشى
:
بالفعل … تمامًا … كما يقول المفوَّض …
تشامبا
:
آه، لا يا سيدتي! ليس من الممكن ألَّا تكوني قد فكرتِ
فيَّ! لأنني بالأمس ولمدة ساعتين، هنا، لم أفعل سوى أنني
مددتُ إليك يدي.
بياتريتشى
:
نعم، نعم، ولهذا السبب أردتُ أن أرسلك إلى باليرمو لكي
تكون بريئًا، وألَّا يكون هنا سوى زوجي وزوجتك.
تشامبا
:
دون أن تفكري فيَّ؟
بياتريتشى
:
دون أن أفكر فيك.
تشامبا
:
وماذا كنتُ أنا؟ لا شيء، حجر شحذٍ تُلقين به في الأرض؛
تمسكين هكذا بين أصابعك، وكأنني ممسحة، وتقذفين بي في
المهملات. تمامًا كأنه لا يوجد أيُّ أهمية لوجودي … ولكنني
أريد أن أعترف لك بكل شيء يا سيدتي؛ أريد أن أدخل إلى
ضميرك، إلى أعماق أعماقه، وأتأكد أن سيادتك لم تتآمري
لتضربيني أنا أيضًا، لأنني أنا — في نظرك — كنتُ أعرف كل
شيء، والتزمت الصمت، أليس كذلك؟ أجيبيني، أليس
كذلك؟
بياتريتشى
:
حسنًا … نظرًا لأنكَ قُلت هذا بنفسك … تمامًا … هو كذلك
تمامًا.
تشامبا
:
آه، إذَن، إذَن، كان هناك أحدٌ أحوَل مثلًا، فسيادتك
تعلِّقين على كتفيه لافتةً تكتبين عليها: أيها الناس إنه
أحوَل؟!
بياتريتشى
:
ولكنْ لا … وما دخل ذلك؟
تشامبا
:
لنترك (الأحوَل) التي يمكن أن يدرك الجميع حقيقتها دون
الحاجة إلى لافتة. سيادتك يجب أن تُثبتي لي أن هناك شخصًا،
شخصًا واحدًا فقط، يا سيدتي، في كل هذه البلدة يمكنه أن
يشكَّ فيَّ ويعتقد ما اعتقدتِه! شخصًا واحدًا، واحدًا فقط
يستطيع أن يمثل أمامي ويقول لي في وجهي: تشامبا، إنك «تيس»
وأنت تعلم هذا.
فيفي
(على الفور)
:
ولكنْ لا مَن هذا؟ لا أحد.
سبانو
(معه في الوقت نفسه)
:
ولكنْ مَن يمكنه التفكير في هذا.
آسونتا
(في الوقت نفسه)
:
ولكنْ ما هذا الذي تقوله يا تشامبا؟
فانا
(في الوقت نفسه)
:
بالتأكيد لا أحد لديه ضمير.
تشامبا
(وهو يسيطر على الانفعالات
الفورية)
:
ولكن السيدة يمكنها أن تقول: إذا لم يكُن الأمر معروفًا
لدى الآخرين فيكفي أنه معروفٌ لديكم، حقيقي! هل هذا
حقيقي؟! لا يجب أن تنكريه، أنا بحاجةٍ إلى ضميرك يا سيدتي،
ليس إلى المحضر، قولي لي، هل هذا حقيقي؟!
بياتريتشى
:
نعم حقيقي (حركة مفاجئة مؤلمة، وانكسار ضمني لدى
الآخرين، صمت).
تشامبا
(مُحرجًا، يهزُّ رأسه)
:
آه يا سيدتي، والآن حان دوري لأتحدث … ليس عن نفسي ولكن
بصورةٍ عامة … وماذا يمكنك أن تعرفي يا سيدتي؟! لماذا
يرتكب شخصٌ ما أكثر من مرةٍ السرقة؟ لماذا يقتل شخص ما؟
لماذا يقوم شخصٌ، أحيانًا كثيرة، ولنفترض أنه قبيح ومُسنٌّ
وفقير، وفي سبيل حُبِّ امرأة والتي تعذب قلبه من حبِّها
والذي بالرغم من ذلك لا يقول لها آي؟! إذ إنها تطفئ هذا
الألم على الفور بقُبلة في فمه، ولذلك يدمِّر هذا العجوزُ
نفسه بأن يشرب حتى الثمالة، ماذا يمكن أن تعرفي، أنتِ يا
سيدتي، مدى الألم الذي يصيبه في جسده كله، وبأيِّ نوعٍ من
الإهانة يمكن أن يخضع هذا العجوزُ إلى حدِّ أنه يتقاسم
حُبَّه لتلك المرأة مع شخصٍ آخر غني، شاب، ووسيم، وخاصةً
إذا كانت تلك المرأة تمنحه الرضا دائمًا بأنه السيد في كل
شيء وأن الأشياء تتمُّ بطريقةٍ لا يمكن أن يعرف عنها أحدٌ
أيَّ شيء؟ أتحدث بصورة عامة، فلننتبه جميعًا بأنني لا
أتحدث عن نفسي! إنه مثل جرح يا سيدتي، جرح مخجل وخفي.
وأنتِ، ماذا تفعلين بذلك؟ تمدِّين يدك وتكشفينه هكذا …
أمام الجميع؟ فلنترك هذا الحديث ونعود لموضوعنا! أنا يا
سيدتي كنت أعرف أن لديك الشكوك في زوجتي وزوجك. غيرة! ومَن
لا يتملكه هذا الشعور نحو مَن يحبُّه؟ إنني أيضًا أتعاطف
مع الجرائم يا سيدتي؛ فكيف لا أتعاطف معك أنتِ لما تشعرين
به من غيرةٍ؟ وحضرت إلى هنا بالأمس خصيصَى لأجعلك تتكلمين،
تفرجين عمَّا تشعرين به. كان لديَّ شك؟ لم أكُن أريد أن
أنزعه عنك! لأنني أعرف أنه كلما أردنا أن نزيل الشكوك كلما
ثبتت لدينا أكثر، إذا كنتِ سيادتكِ تكلمتِ معي بجدية،
لكنتِ ذهبتِ إلى منزلي، وقلتِ لزوجتي: هيَّا، أعدِّي ما
يلزمك، ولنرحل! ولكنت أتيت اليوم إلى السيد الفارس وقلت
له: «سيدي الفارس، أقبِّل يديك الكريمتين، لا أستطيع العمل
فلديَّ أعمالٌ أخرى.» وهكذا كان يمكن أن يتمَّ كل شيء يا
سيدتي، ولماذا إذَن تعتقدين أنني أحضرت زوجتي إلى هنا
بالأمس؟! لأجعلك تتكلمين يا سيدتي، لأجعلكِ تطلقين من فمكِ
كل العاصفة التي تخفينها بداخلك، لقد صرختُ وقلتُ لك
«تحدثي تحدثي!» ولم ترغبي في أن تقولي أيَّ شيءٍ، أردتِ أن
تُلقي بي هكذا على الأرض، أن تذبحيني … وماذا تريدين مني
أن أفعل الآن إذَن؟! قولي لي أنتِ ماذا يجب عليَّ أن أفعل؟
هل أحتفظ بهذا الجرح؟ هل أشتري لنفسي قُبعةً بقرنين جميلين
لأظهر بها في المدينة، وهذا يُجري خلفي الصبية وهم يسخرون
ويصرخون: باااااء … باااااء … وأنا أسير بكل هدوءٍ مبتسمًا
وأشكر الجميع على اليمين وعلى اليسار؟
فيفي
:
ولكن لماذا؟ أين؟ أيُّ جرح؟ أيُّ قُبعة؟ أيُّ صبية؟! لن
يحدث أيُّ شيء!
سبانو
:
لم يحدث أيُّ شيءٍ في أيِّ شيء، لم يحدث أيُّ شيءٍ على
الإطلاق.
تشامبا
:
لأن هذا ما يقوله المحضر، أليس كذلك؟ ولكن مَن تريده أن
يصدِّق محضرك هذا بعد كل هذه الفضيحة؟ العساكر والمفوَّض
واقتحام المنزل، وإلقاء القبض عليهما …
سبانو
:
حسنًا، ولكن كل هذا كانت نتيجته سلبية، إذن …
تشامبا
:
سيدي المفوَّض، إنها بُقع زيت، بُقعٌ لا يمكن أن تُمحى.
سيقولون: آه، إن الأمر يتعلق بفارس، لقد قاموا بتسوية كل
شيء، وكيف سيكون موقفي؟ كان يمكنك يا سيدتي أن تحصلي على
هذه المتعة إذا اعتقدتِ أن زوجك يخونك مع أخرى، ولكن إذا
لم يكُن لا أبٌ ولا إخوة. كان يمكنك أن تعطي درسًا إذا لم
يكُن هناك رجالٌ آخرون متورطين في هذه المشكلة، وكل شيء
كان سينتهي بهدوء. ولكن في هذا الموقف يوجد رجلٌ متورطٌ يا
سيدتي، كيف لم تفكري في موقفي؟ هل كنتُ لا شيء بالنسبة
لكِ؟ لفد فرحتِ سيادتك، وحصلتِ على هذه المتعة، بل وأضحكتِ
البلد كله، وغدًا تتصالحين مع زوجك … بالنسبة لكِ سينتهي
كل شيء، ولكن ماذا عني أنا؟! هل سيبقى لي المحضر أنه لم
يحدث أيُّ شيء؟ ويجب عليَّ إذَن أن أتحمل أن يأتي الجميع
ليقولوا لي وعيونهم حزينة: «لم يحدث أيُّ شيء يا تشامبا،
لقد كانت السيدة تمزح.»
(وباندفاع مفاجئ) سيدي المفوَّض فلتتحسَّسْ مِعصَمي
(ويمدُّ له يده).
سبانو
(متعجبًا)
:
ماذا؟ لماذا؟
تشامبا
:
فلتتحسَّسْ مِعصَمي لترى إذا كان نبضي متزايدًا، فأنا
أقول هنا، وبهدوءٍ شديد، ولتشهد سيادتك، ولتشهدوا جميعًا،
أنني في هذه الليلة نفسها، أو غدًا، أو بمجرد أن تعود
زوجتي إلى المنزل سأقطع رأسها بالفأس (وعلى الفور)، ولن
أقتلها هي فقط، لأنني ربما هكذا أضيف متعةً أخرى للسيدة،
ولكنني سأقتله هو أيضًا السيد الفارس، للأسف يا سادتي، يجب
عليَّ ذلك.
فيفي وسبانو
(يمسكان به، بينما السيدات الثلاث
يصرخن ويبكين)
:
ما هذا؟ ما هذا الذي تقوله؟ هل جُنِنت؟ تقتل
مَن؟!
تشامبا
(شاحب الوجه، مرتبكًا، ويحاول أن
يبتسم)
:
كليهما، يجب ذلك، لا يمكن ألَّا أفعل غير ذلك! لم أرغب
أنا في ذلك!
فيفي
:
لن تقتل أحدًا، لأنه لا حقَّ لك في ذلك ولا يوجد سبب!
وحتى وإن كان لديك سبب، سنمنعك نحن عن ذلك.
سبانو
:
وأنا هنا.
تشامبا
:
سيدي المفوَّض، ستمنعني عن هذا اليوم …
سبانو
:
وغدًا أيضًا.
تشامبا
:
ولكنني بعد غدٍ سأقتلهما، أنت تعرف ماذا يُقال لدينا:
تبًّا لمَن مات بقلب الآخر. أنا هادئٌ يا سيدي المفوَّض،
وأنت تشهد أنني لم أرغب في ذلك، ولكنهم ألقَوا بي في هذه
الحفرة، فبهذه الوصمة على وجهي كيف لي أن أواجه أهل
البلدة؟ لن أعود بالنسبة لهم الكاتب المحترم.
بياتريتشى
(تنتفض)
:
ولكن إذا كنتُ أقول لكَ أنا الآن، يا تشامبا، إنه لم
يكُن هناك أيُّ سبب لذلك.
تشامبا
:
تقولين لي أنتِ الآن يا سيدتي؟ تعترفين الآن، بأنك لم
يجب عليك أن تُلقي برجلٍ في هذا العار؟ الوقت متأخر جدًّا
يا سيدتي.
فيفي
:
ولكنْ معذرةً، وإذا كانت هي بنفسها تعترف بذلك، بأنه لم
يكُن هناك أيُّ شيء …
تشامبا
:
هذا «اللاشيء» يا سيد فيفي، لا يجب أن تقوله هي لي
أنا.
فيفي
:
ولكنْ إذا كانت تلك الفضيحة تسبَّب فيها نوعٌ من الجنون
…
آسونتا
(وهي تهب)
:
بسبب الجنون يا تشامبا، الجنون!
سبانو
(مؤكِّدًا)
:
بسبب الجنون، وتعترف لك بذلك السيدة بنفسها.
فيفي
:
وإذا كانت هي تقول هذا لك، ونؤكده نحن جميعًا … كان
مسًّا من الجنون!
الجميع
:
نعم كان مسًّا من الجنون.
تشامبا
(وسط الجميع وهم يصرخون جنون! جنون!
فجأةً، وهو غارقٌ في أفكاره، تتراقص فكرةٌ أمامه)
:
آه يا إلهي! آه ما أجمل هذا! ما أجمل هذا! آه أيها
السادة، الهدوء، نعم، ما أجمل هذا أيها السادة … يمكن
إصلاح كل شيء … بهدوء! ياه! أخيرًا! يمكنني أن أرقص الآن،
أن أقفز، لقد نزعت همًّا ثقيلًا من فوق صدري! يداي … يداي
يمكن أن تظلا نظيفتين … وسأقبِّلهما، سأقبِّلهما، شكرًا!
أنت يا سيدتي، اذهبي لتُعدِّي نفسك، هيَّا، بسرعة.
بياتريتشى
(مذهولةً، ومعها الآخرون
جميعًا)
:
أنا، لماذا؟
تشامبا
:
استمعي لي! اذهبي لتُعدِّي نفسك. لا يجب أن تفقدي المزيد
من الوقت! (وينظر إلى الساعة) تستطيعين ذلك! تستطيعين
ذلك!
بياتريتشى
:
ولكن لماذا؟ ما الذي سأستطيعه؟
فيفي
:
ماذا تقول؟
سبانو
:
ماذا تريد من السيدة أن تفعل؟
تشامبا
:
أجل أجل! أنت يا فانا، ومعك السيدة آسونتا، اذهبا
لتساعداها لتضع بعض الملابس. لنُسرع! أرجوكم! لا يوجد
لدينا المزيد من الوقت.
بياتريتشى
:
لماذا إذَن؟ هل يجب أن أرحل؟ إلى أين سأذهب؟ هل أصابكَ
مسٌّ من الجنون؟!
تشامبا
:
أنا؟ لا يا سيدتي! لقد أصابك أنتِ يا سيدتي الجنون!
معذرةً، لقد اعترف بذلك أخوك فيفي، واعترف بذلك المفوَّض،
وأمُّك والجميع، إذَن فأنتِ المجنونة! المجنونة التي ستذهب
إلى مستشفى الأمراض العقلية! الأمر غاية في
البساطة!
فيفي
:
ماذا؟ مَن؟
آسونتا
:
ابنتي؟! ماذا تقول؟
بياتريتشى
:
إلى المصحَّة العقلية؟ أنا، أنا سأذهب إلى
المصحَّة؟
تشامبا
:
لا داعي لكلمة المصحَّة العقلية، ستذهبين لمنزل استشفاء،
يا سيدتي، ثلاثة أشهرٍ في الريف.
بياتريتشى
(باحتقار)
:
لتذهبْ أنتَ إلى المصحَّة العقلية، أنت! اخرج من بيتي
الآن، فورًا.
تشامبا
:
سيدتي! إلى أين ترسلينني؟ انتبهي جيدًا، أنا أتكلم
لمصلحتك.
سبانو
:
ولكنْ هل يبدو لك هذا اقتراحًا معقولًا؟
فيفي
:
أين نحن؟!
تشامبا
:
حتى أنتَ يا سيد فيفي؟ حتى أنتَ لا تفهم أن هذا هو
الحلُّ الوحيد لمصلحتها، ولمصلحة الفارس، ولمصلحة الجميع.
ألا تفهم أن أختك قد أصابت الفارس أيضًا بالعار، وأنها يجب
أن تُصلح موقفه هو أيضًا أمام البلدة كلها؟ سيقولون إنها
مجنونة! ولن يتحدث أحدٌ بعد ذلك عمَّا حدث، سيفسر هذا
الأمر كله، إنها مجنونة، مجنونة، ويجب أن تُحبس وتُقيَّد،
وهكذا فقط لن يكون عليَّ الانتقام! سأُلقي بأسلحتي، سأقول:
«إنها مجنونة؛ ماذا يجب أن يفعل المرء لمجنونة؟ ويكفي هذا!
لن يخجل الفارس من أيِّ شيءٍ غدًا عندما يظهر بين أصدقائه،
وستذهب السيدة للاستشفاء ثلاثة أشهرٍ في الريف، هيَّا،
هيَّا بسرعة! لنُسرع، أفضل من هذا لا يوجد شيء، يجب أن
ترحل هذه الليلة بلا تأخير.
فيفي
:
نعم، نعم، هذا حقيقي! هذا حقيقي! (إلى بياتريتشى) هل
تفهمين! سنتظاهر بذلك!
بياتريتشى
:
ولكنْ مَن؟ أنا؟ أنتَ مجنون؟ أنا أذهب للمصحَّة؟ هل
سَمعتِه يا أمي؟ المصحَّة العقلية!
آسونتا
:
ابنتي، إنه الحلُّ الوحيد، ألم تسمعي؟
سبانو
:
مجرد حلٍّ للموقف يا سيدتي، يبدو لي أنا أيضًا أفضل حل،
فكري في سيدي الفارس يا سيدتي.
بياتريتشى
:
ولكنْ ماذا تقولون؟ هل تريدون فعلًا أن يعتقد الجميع
أنني مجنونة؟
تشامبا
:
ولكنْ أمام البلدة كلها يا سيدتي، ألم تلطخي بالعار
ثلاثة أشخاص؟ أحدهم بالزنا، والأخرى بالخيانة، وأنا بأنني
تيس؟ آه، وأنتِ تريدين أن تقولي فقط إنكِ ارتكبتِ عملًا
جنونيًّا؟ هذا لا يكفي يا سيدتي! يجب أن تُثبتي أنكِ
مجنونة، مجنونة فعلًا، يجب حبسك.
بياتريتشى
:
إن المجنون الذي يجب حبسه هو أنت.
تشامبا
:
لا يا سيدتي، بل أنتِ ولمصلحتك! ونحن جميعًا نعرف ذلك،
إنكِ أنتِ المجنونة، ويجب أن يعرفه كل مَن بالبلدة. الأمر
غاية في البساطة، أتعرفين يا سيدتي! لا تقلقي! إن التظاهر
بالجنون سهل، صدِّقيني! سأقول أنا لك ماذا تفعلين؛ يكفي أن
تبدئي في الصياح بالحقيقة في وجه الجميع، لن يصدِّقك أحدٌ
وسيعتقد الجميع أنك مجنونة.
بياتريتشى
(وقد استشاطت غضبًا)
:
آه، إذَن أنتَ تعرف أن معي حقًّا، وأنه كان معي حقٌّ في
كل ما فعلته.
تشامبا
:
لا، آه لا لا! لنقلب الصفحة يا سيدتي! إذا غيرت الصفحة
يا سيدتي ستقرئين فيها أنه لا يوجد في العالم شخصٌ أكثر
جنونًا ممَّن يعتقد أنه على حقٍّ. هيا! اذهبي! اذهبي
ستستمتعين جدًّا بأن تتظاهري بالجنون لمدَّة ثلاثة أشهر!
هل يبدو لك هذا شيئًا هيِّنًا؟ أن تتظاهري بالجنون! يمكنني
أن أفعل هذا أيضًا، وكم سأحبُّ ذلك! أن أجذب هنا يا سيدتي
(ويشير إلى الجهة اليسرى بإيماءاته المعتادة) سأجذب بالفعل
الحبل المجنون، وأضع حتى أُذني القُبعة ذات الأجراس التي
يضعها المجانين، وأن أنزل إلى الميدان لأبصق في وجه الناس
بالحقيقة. إنه كنز الإنسان يا سيدتي، إنها تمنحك الحياة
ليس فقط لمدَّة مائة بل مائتي عام! إنها تلك الأفواه
المُرَّة، إنه الظلم، إنها الفضائح، والتجبُّر الذي نضطرُّ
لابتلاعه. هي التي تمزق أحشاءنا! إنها عدم القدرة على
الإفصاح عمَّا بداخلنا يا سيدتي! إنه عدم القدرة على شدِّ
حبل الجنون! وأنتِ الآن تستطيعين ذلك، لتحمدي الله يا
سيدتي! سيفيد ذلك صحتك لمائة عامٍ أخرى! لتبدئي إذَن في
الصراخ، هيَّا اصرخي!
بياتريتشى
:
أبدأ في الصراخ؟
تشامبا
:
هيَّا، اصرخي في وجه أخيك. (ويدفعه أمامها) هيَّا! اصرخي
في وجه المفوَّض (ويدفعه ليقف أمامها) هيَّا! تشجَّعي!
اصرخي في وجهي! وإذا اقتنعتِ يا سيدتي أنك فقط بتظاهرك
بالجنون، يمكنك أن تصرخي في وجهي وكأنني بالفعل تيس:
باااااء …
بياتريتشى
:
حسنًا، بااااااء … أنا أصرخ في وجهك بالفعل بااااء!
باااااء! بااااء!
فيفي
(محاولًا تهدئتها)
:
بياتريتشى!
سبانو
(محاولًا تهدئتها)
:
سيدتي.
آسونتا
(محاولةً أن تهدِّئها)
:
ابنتي!
بياتريتشى
(وهي تصرخ غاضبةً)
:
لا! إنني مجنونة ويجب أن أصرخ في وجهه: باااااء!
باااااء! باااااء!
تشامبا
(وبينما يحاول الجميع تهدئة وإبعاد
بياتريتشى التي كانت تصرخ وكأنها مجنونة بالفعل)
:
إنها مجنونة! ها هو الدليل: مجنونة! آه يا للروعة! يجب
حبسها! يجب حبسها! (يرقص من الفرحة ويصفق بيديه، لحظة من
الارتباك الشديد، وأيضًا لأنه بسبب صراخها يأتي الجيران
والجارات من المنازل المجاورة ووجوههم شاحبة، ويسألون
بصوتٍ واحد، بالإيماءات وبالكلمات عمَّا يحدث. وتشامبا
مستمرًّا في التصفيق بيديه، محتفلًا وفي قمة فرحته يجيب
لواحدٍ ثم للآخر) إنها مجنونة! مجنونة! سيأخذونها إلى
المصحَّة! مجنونة!
(وبينما جميع هؤلاء الفضوليين يدفعهم بهدوء
المفوَّض، وأحيانًا أخرى الأخ، ينسحبون بهدوء، وهم يعلِّقون
بأصواتٍ منخفضة رأيهم في هذه الكارثة، يُلقي تشامبا بنفسه
ليجلس على مقعدٍ وسط المشهد، منفجرًا في ضحكةٍ بشعةٍ تنمُّ عن
الغضب والمتعة الوحشية والاحتقار في آنٍ واحد.)
(يُسدل الستار.)